[الشعراء : 9] وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
9 - (وإن ربك لهو العزيز) ذو العزة ينتقم من الكافرين (الرحيم) يرحم المؤمنين
وقوله " وإن ربك لهو العزيز الرحيم " يقول : و إن ربك يا محمد لهو العزيز في نقمته ، لا يمتنع عليه أحد أراد الانتقام منه ، يقول تعالى ذكره : وإني إن أحللت بهؤلاء المكذبين بك يا محمد ، المعرضين عما يأتيهم من ذكر من عندي ، عقوبتي بتكذيبهم إياك ، فلن يمنعهم مني مانع ، لأني أنا العزيز الرحيم ، يعني أنه ذو الرحمة بمن تاب من خلقه من كفره و معصيته أن يعاقبه على ما سلف من جرمه بعد توبته .
وكان ابن جريج يقول في معنى ذلك ، ما :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني الحجاج ، عن ابن جريج ، قال : كل شيء في الشعراء من قوله " العزيز الرحيم " فهو ما أهلك ممن مضى من الأممم ، يقول : عزيز حين انتقم من أعدائه ، رحيم بالمؤمنين ، حين أنجاهم مما أهلك به أعدائه .
قال أبو جعفر ، و إنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك في هذا الموضع ، لأن قوله " وإن ربك لهو العزيز الرحيم " عقيب وعيد الله قوما من أهل الشرك والتكذيب بالبعث ، لم يكونوا أهلكوا ، فيوجه إلى أنه خبر من الله عن فعله بهم وإهلاكه . ولعل ابن جريج بقوله هذا أراد ما كان من ذلك عقيب خبر الله من إهلاكه من أهلك من الأمم ، وذلك إن شاء الله إذا كان عقيب خبرهم كذلك .
قوله تعالى : " وإن ربك لهو العزيز الرحيم " يريد المنيع المنتقم من أعدائه ، الرحيم بأوليائه .
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة. وقوله تعالى: "تلك آيات الكتاب المبين" أي هذه آيات القرآن المبين, أي البين الواضح الجلي الذي يفصل بين الحق والباطل, والغي والرشاد. وقوله تعالى: "لعلك باخع" أي مهلك "نفسك" أي مما تحرص وتحزن عليهم " أن لا يكونوا مؤمنين " وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار, كما قال تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" كقوله "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً" الاية. قال مجاهد وعكرمة وقتادة وعطية والضحاك والحسن وغيرهم "لعلك باخع نفسك" أي قاتل نفسك. قال الشاعر:
ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيذء نحته عن يديه المقادر
ثم قال تعالى: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين" أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهراً, ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري. وقال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ". وقال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" الاية, فنفذ قدره, ومضت حكمته, وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم, وإنزال الكتب عليهم, ثم قال تعالى: "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين" أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس, كما قال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال تعالى: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" وقال تعالى: " ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه " الاية, ولهذا قال تعالى ههنا: " فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق, فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه, الذين اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه, وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان.
قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي : الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم, ومن دخل النار فهو لئيم " إن في ذلك لآية " أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء, ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه, وخالفوا أمره, وارتكبوا نهيه. وقوله "وإن ربك لهو العزيز" أي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه "الرحيم" أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره, ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق : العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره. وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب إليه وأناب.
9- "وإن ربك لهو العزيز الرحيم" أي الغالب القاهر لهؤلاء بالانتقام منهم مع كونه كثير الرحمة، ولذلك أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة، أو المعنى: أنه منتقم من أعدائه رحيم بأوليائه.
9- "وإن ربك لهو العزيز"، العزيز بالنقمة من أعدائه، "الرحيم"، ذو الرحمة بأوليائه.
9 -" وإن ربك لهو العزيز " الغالب القدر على الانتقام من الكفرة . " الرحيم " حيث أمهلهم أو العزيز في انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وآمن .
9. And lo! thy Lord! He is indeed the Mighty, the Merciful.
9 - And verily, thy Lord is He, the Exalted in Might, Most Merciful.