[الشعراء : 7] أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
7 - (أولم يروا إلى) ينظروا (الأرض كم أنبتنا فيها من) أي كثيرا (كل زوج كريم إن) نوع حسن
يقول تعالى ذكره : أو لم ير هؤلاء المشركون المكذبون بالبعث و النشر إلى الأرض ، كم أنبتنا فيها بعد أن كانت ميتة لا نبات فيها " من كل زوج كريم " يعني بالكريم : الحسن ، كما يقال للنخلة الطيبة الحمل : كريمة ، و كما يقال للشاة أو الناقة إذا غزرتا ، فكثرت ألبانهما : ناقة كريمة ، و شاة كريمة .
و بنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " أنبتنا فيها من كل زوج كريم " قال : من نبات الأرض ، مما تأكل الناس والأنعام .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " من كل زوج كريم " قال : حسن .
قوله تعالى :" أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم" نبه على عظمته وقدرته وأنهم لو رأوا بقلوبهم ونظروا ببصائرهم لعلموا أنه الذي يستحق أن يعبد ، إذ هو القادر على كل شيء . والزوج هو اللون ، قاله الفراء . " كريم " حسن شريف ، وأصل الكرم في اللغة الشرف والفضل ، فنخلة كريمة أي فاضلة كثيرة الثمر ، ورجل كريم شريف فاضل صفوح . ونبتت الأرض وأنبتت بمعنى . وقد تقدم في سورة ( البقرة ) والله سبحانه هو المخرج والمنبت له . وروي عن الشعبي أنه قال : الناس من نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ، ومن صار إلى النار فهو لئيم .
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة. وقوله تعالى: "تلك آيات الكتاب المبين" أي هذه آيات القرآن المبين, أي البين الواضح الجلي الذي يفصل بين الحق والباطل, والغي والرشاد. وقوله تعالى: "لعلك باخع" أي مهلك "نفسك" أي مما تحرص وتحزن عليهم " أن لا يكونوا مؤمنين " وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار, كما قال تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" كقوله "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً" الاية. قال مجاهد وعكرمة وقتادة وعطية والضحاك والحسن وغيرهم "لعلك باخع نفسك" أي قاتل نفسك. قال الشاعر:
ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيذء نحته عن يديه المقادر
ثم قال تعالى: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين" أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهراً, ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري. وقال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ". وقال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" الاية, فنفذ قدره, ومضت حكمته, وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم, وإنزال الكتب عليهم, ثم قال تعالى: "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين" أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس, كما قال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال تعالى: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" وقال تعالى: " ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه " الاية, ولهذا قال تعالى ههنا: " فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق, فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه, الذين اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه, وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان.
قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي : الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم, ومن دخل النار فهو لئيم " إن في ذلك لآية " أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء, ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه, وخالفوا أمره, وارتكبوا نهيه. وقوله "وإن ربك لهو العزيز" أي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه "الرحيم" أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره, ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق : العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره. وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب إليه وأناب.
فقال: 7- " أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم " الهمزة للتوبيخ، والواو للعطف على مقدر كما في نظائره، فنبه سبحانه على عظمته وقدرته، وأن هؤلاء المكذبين المستهزئين لو نظروا لعلموا أنه سبحانه الذي يستحق أن يعبد، والمراد بالزوج هنا الصنف. وقال الفراء: هو اللون. وقال الزجاج: معنى زوج نوع، وكريم، محمود، والمعنى: من كل زوج نافع لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين، والكريم في الأصل: الحسن الشريف، يقال نخلة كريمة: أي كثيرة الثمرة، ورجل كريم: شريف فاضل، وكتاب كريم: إذا كان مرضياً في معانيه، والنبات الكريم هو المرضي في منافعه. قال الشعبي: الناس مثل نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم، ومن صار منهم إلى النار فهو لئيم.
7- " أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج "، صنف وضرب، "كريم"، حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام، يقال: نخلة كريمة إذا طاب حملها، وناقة كريمة إذا كثر لبنها. قال الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
7 -" أولم يروا إلى الأرض " أو لم ينظروا إلى عجائبها . " كم أنبتنا فيها من كل زوج " صنف . " كريم " محمود كثير المنفعة ، وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى ، وهنا يحتمل أن تكون مقيدة لما يتضمن الدلالة على القدرة ، وأن تكون مبينة منبهة على أنه ما من نبت إلا وله فائدة إما وحده أو مع غيره ، و" كل " لإحاطة الأزواج " وكم " لكثرتها .
7. Have they not seen the earth, how much of every fruitful kind We make to grow therein?
7 - Do they not look at the earth, how many noble things of all kinds We have produced therein?