[الشعراء : 6] فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون
6 - (فقد كذبوا) به (فسيأتيهم أنباء) عواقب (ما كانوا به يستهزئون)
يقول تعالى ذكره : فقد كذب يا محمد هؤلاء المشركون بالذكر الذي أتاهم من عند الله ، و أعرضوا عنه " فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " يقول : فسيأتيهم أخبار الأمر الذي كانوا يسخرون و ذلك وعيد من الله لهم أنه محل بهم عقابه على تماديهم في كفرهم ، و تمردهم على ربهم .
قوله تعالى : " فقد كذبوا " أي أعرضوا ومن أعرض عن شيء ولم يقبله فهو تكذيب له " فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " وعيد لهم ، أي فسوف يأتيهم عاقبة ما كذبوا والذي استهزؤوا به .
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة. وقوله تعالى: "تلك آيات الكتاب المبين" أي هذه آيات القرآن المبين, أي البين الواضح الجلي الذي يفصل بين الحق والباطل, والغي والرشاد. وقوله تعالى: "لعلك باخع" أي مهلك "نفسك" أي مما تحرص وتحزن عليهم " أن لا يكونوا مؤمنين " وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار, كما قال تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" كقوله "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً" الاية. قال مجاهد وعكرمة وقتادة وعطية والضحاك والحسن وغيرهم "لعلك باخع نفسك" أي قاتل نفسك. قال الشاعر:
ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيذء نحته عن يديه المقادر
ثم قال تعالى: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين" أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهراً, ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري. وقال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ". وقال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" الاية, فنفذ قدره, ومضت حكمته, وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم, وإنزال الكتب عليهم, ثم قال تعالى: "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين" أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس, كما قال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال تعالى: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" وقال تعالى: " ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه " الاية, ولهذا قال تعالى ههنا: " فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق, فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه, الذين اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه, وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان.
قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي : الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم, ومن دخل النار فهو لئيم " إن في ذلك لآية " أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء, ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه, وخالفوا أمره, وارتكبوا نهيه. وقوله "وإن ربك لهو العزيز" أي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه "الرحيم" أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره, ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق : العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره. وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب إليه وأناب.
6- "فقد كذبوا" أي بالذكر الذي يأتيهم تكذيباً صريحاً ولم يكتفوا بمجرد الإعراض. وقيل إن الإعراض. وقيل إن الإعراض بمعنى التكذيب، لأن من أعرض عن شيء ولم يقبله فقد كذبه، وعلى هذا فيكون ذكر التكذيب للدلالة على صدور ذلك منهم على وجه التصريح، والأول أولى، فالإعراض عن الشيء عدم الالتفات عن التكذيب إلى ما هو أشد منه، وهو الاستهزاء كما يدل عليه قوله: "فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون" والأنباء هي ما يستحقونه من العقوبة آجلاً وعاجلاً، وسميت أنباء لكونها مما أنبأ عنه القرآن وقال ما كانوا به يستهزئون ولم يقل ما كانوا عنه معرضين، أو ما كانوا به يكذبون، لأن الاستهزاء أشد منهما ومستلزم لهما، وفي هذا وعيد شديد، وقد مر تفسير مثل هذا في سورة الأنعام. ثم ذكر سبحانه ما يدل على كمال قدرته من الأمور الحسية التي يحصل بها للمتأمل فيها والناظر إليها والمستدل بها أعظم دليل وأوضح برهان.
6- "فقد كذبوا فسيأتيهم"، أي: فسوف يأتيهم، "أنباء"، أخبار وعواقب، "ما كانوا به يستهزئون".
6 -" فقد كذبوا " أي بالذكر بعد إعراضهم وأمعنوا في تكذيبه بحيث أدى بهم إلى الاستهزاء به المخبر به عنهم ضمناً في قوله : " فسيأتيهم " أي إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة . " أنباء ما كانوا به يستهزئون " من أنه كان حقاً أم باطلاً ، وكان حقيقاً بأن يصدق ويعظم قدره أو يكذب فيستخف أمره .
6. Now they have denied (the Truth); but there will come unto them tidings of that whereat they used to scoff.
6 - They have indeed rejected (the Message): so they will know soon (enough) the truth of what they mocked at!