[الشعراء : 56] وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ
56 - (وإنا لجميع حاذرون) متيقظون وفي قراءة حاذرون مستعدون
القول في تأويل قوله تعالى : " وإنا لجميع حاذرون " .
قوله تعالى: "وإنا لجميع حاذرون " قال : مؤذن في السلاح والكراع مقوون ، فهذا ذلك بعينه . وقوله : مؤدون معهم أداة . وقد قيل : إن المعنى : معنا سلام وليس معهم سلاح يحرضهم على القتال ، فأما (حادرون ) بالدال المهملة فمشتق من قولهم عين حدرة أي ممتلئة ، أي نحن ممتلئون غيظاً عليهم ، ومنه قول الشاعر :
وعين لها حدرة بدرة شفت مآقيهما من أخر
وحكي أهل اللغة أنه يقال : رجل حادر إذا كان ممتلئ اللحم ، فيجوز أن يكون المعنى الامتلاء من السلاح . المهدوي : الحادر القوي الشديد .
لما طال مقام موسى عليه السلام ببلاد مصر, وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون وملئه, وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون, لم يبق لهم إلا العذاب والنكال, فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر, وأن يمضي بهم حيث يؤمر, ففعل موسى عليه السلام ما أمره به ربه عز وجل, خرج بهم بعد ما استعاروا من قوم فرعون حلياً كثيراً, وكان خروجه بهم فيما ذكره غير واحد من المفسرين وقت طلوع القمر, وذكر مجاهد رحمه الله أنه كسف القمر تلك الليلة, فالله أعلم, وأن موسى عليه السلام سأل عن قبر يوسف عليه السلام, فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه, فاحتمل تابوته معهم, ويقال: إنه هو الذي حمله بنفسه عليهما السلام, وكان يوسف عليه السلام قد أوصى بذلك, إذا خرج بنو إسرائيل أن يحملوه معهم.
وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم رحمه الله فقال: حدثنا علي بن الحسين , حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح , حدثنا ابن فضيل عن يونس بن أبي إسحاق , عن ابن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاهدنا ؟ فأتاه الأعرابي, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك ؟ قال: ناقة برحلها وأعنز يحتلبها أهلي, فقال أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟ فقال له أصحابه: وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله ؟ قال إن موسى عليه السلام لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق, فقال لبني إسرائيل: ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل: نحن نحدثك أن يوسف عليه السلام لما حضرته الوفاة أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا, فقال لهم موسى: فأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا: ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل, فأرسل إليها فقال لها: دليني على قبر يوسف, فقالت: والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي, فقال لها: وما حكمك ؟ قالت: حكمي أن أكون معك في الجنة, فكأنه ثقل عليه ذلك, فقيل له: أعطها حكمها ـ قال ـ فانطلقت معهم إلى بحيرة ـ مستنقع ماء ـ فقالت لهم: انضبوا هذا الماء, فلما أنضبوه قالت: احفروا, فلما حفروا استخرجوا قبر يوسف, فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار" وهذا حديث غريب جداً, والأقرب أنه موقوف, والله أعلم, فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ولا مجيب, غاظ ذلك فرعون, واشتد غضبه على بني إسرائيل لما يريد الله به من الدمار, فأرسل سريعاً في بلاده حاشرين, أي من يحشر الجند ويجمعه كالنقباء والحجاب, ونادى فيهم "إن هؤلاء" يعني بني إسرائيل "لشرذمة قليلون" أي لطائفة قليلة "وإنهم لنا لغائظون" أي كل وقت يصل منهم إلينا ما يغيظنا "وإنا لجميع حاذرون" أي نحن كل وقت نحذر من غائلتهم, وإني أريد أن أستأصل شأفتهم, وأبيد خضراءهم, فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم, قال الله تعالى: "فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم" أي فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم, وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والأنهار والأموال والأرزاق, والملك والجاه الوافر في الدنيا "كذلك وأورثناها بني إسرائيل" كما قال تعالى: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها" الاية, وقال تعالى: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" الايتين.
56- " وإنا لجميع حاذرون " قرئ حذرون وحاذرون وحذرون بضم الذال، حكى ذلك الأخفش. قال الفراء: الحاذر الذي يحذرك الآن، والحذر المخلوق كذلك لا تلقاه إلا حذرا. وقال الزجاج: الحاذر المستعد، والحذر المتيقظ، وبه قال الكسائي ومحمد بن يزيد. قال النحاس: حذرون قراءة المدنيين وأبي عمرو، وحاذرون قراءة أهل الكوفة. قال: وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى حذرون وحاذرون واحد وهو قول سيبويه، وأنشد سيبويه:
حذر أموراً لا تضير وحاذر ما ليس ينجيه من الأقدار
56- "وإنا لجميع حاذرون"، قرأ أهل الحجاز والبصرة: حذرون وفرهين بغير ألف، وقرأ الآخرون حاذرون و فارهين بالألف فيهما، وهما لغتان.
وقال أهل التفسير: حاذرون، أي مؤدون ومقوون، أي: ذوو أداة وقوة مستعدون شاكون في السلاح، ومعنى حذرون أي: خائفون شرهم. وقال الزجاج: الحاذر: المستعد، والحذرة: المتيقظ. وقال الفراء: الحاذر: الذي يحذرك الآن، والحذر: المخوف. وكذلك لا تلقاه إلا حذراً، والحذر: اجتناب الشيء خوفاً منه.
56 -" وإنا لجميع حاذرون " وإنا لجمع من عادتنا الحذر واستعمال الحزم في الأمور ، أشار أولاً إلى عدم ما يمنع إتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثاً عليه ، أو اعتذر بذلك إلى أهل المدائن كي لا يظن به ما يكسر سلطانه ، وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان والكوفيون " حاذرون " والأول للثبات والثاني للتجدد ، وقيل الحاذر المؤدي في السلاح وهو أيضاً من الحذر لأن ذلك إنما يفعل حذراً ، وقرئ (( حادرون )) بالدال المهملة أي أقوياء قال :
أحب الصبي السوء من أجل أمه وأبغضه من بغضها وهو حادر
أو تاموا السلاح فإن ذلك يوجب حدارة في أجسامهم .
56. And lo! we are a ready host.
56 - And they are raging furiously against us;