[الشعراء : 39] وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ
39 - (وقيل للناس هل أنتم مجتمعون)
القول في تأويل قوله تعالى : " وقيل للناس هل أنتم مجتمعون " .
قوله تعالى : " وقيل للناس هل أنتم مجتمعون " سورة الشعراء .
ذكر الله تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى عليه السلام والقبط في سورة الأعراف, وفي سورة طه, وفي هذه السورة, وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم, فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون, وهذا شأن الكفر والإيمان ما تواجها وتقابلا إلا غلبه الإيمان "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون" "وقل جاء الحق وزهق الباطل" الاية, ولهذا لما جاء السحرة وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر, وكانوا إذ ذاك من أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلاً في ذلك, وكان السحرة جمعاً كثيراً وجماً غفيراً, قيل: كانوا اثني عشر ألفاً, وقيل خمسة عشر ألفاً, وقيل سبعة عشر ألفاً, وقيل تسعة عشر ألفاً, وقيل بضعة وثلاثين ألفاً, وقيل ثمانين ألفاً, وقيل غير ذلك, والله أعلم بعدتهم. قال ابن إسحاق : وكان أمرهم راجعاً إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم, وهم: سابور, وعاذور, وحطحط, ويصفى, واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم, وقال قائلهم "لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين" ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى, بل الرعية على دين ملكهم "فلما جاء السحرة" أي إلى مجلس فرعون, وقد ضربوا له وطاقاً, وجمع خدمه وحشمه ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته, فقام السحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا, أي هذا الذي جمعتنا من أجله, فقالوا "أإن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين" أي وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي, فعادوا إلى مقام المناطرة "قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا" وقد اختصر هذا ههنا, فقال لهم موسى "ألقوا ما أنتم ملقون * فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون" وهذا كما تقول الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئاً هذ بثواب فلان, وقد ذكر الله تعالى في سورة الأعراف أنهم " سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم ". وقال في سورة طه " فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " وقال ههنا "فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون" أي تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئاً. قال الله تعالى: " فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين * وألقي السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون " فكان هذا أمراً عظيماً جداً, وبرهاناً قاطعاً للعذر, وحجة دامغة, وذلك أن الذي استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا, غلبوا وخضعوا, وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة, سجدوا لله رب العالمين الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة, فغلب فرعون غلباً لم يشاهد العالم مثله, وكان وقحاً جريئاً, عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل, فشرع يتهددهم ويتوعدهم ويقول "إنه لكبيركم الذي علمكم السحر" وقال "إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة" الاية.
39- "وقيل للناس هل أنتم مجتمعون" حثاً لهم على الاجتماع ليشاهدوا ما يكون من موسى والسحرة ولمن تكون الغلبة ذلك ثقة من فرعون بالظهور وطلباً أن يكون بمجمع من الناس حتى لا يؤمن بموسى أحد منهم، فوقع ذلك من موسى الموقع الذي يريده، لأنه يعلم أن حجة الله هي الغالبة، وحجة الكافرين هي الداحضة، وفي ظهور حجة الله بمجمع من الناس زيادة في الاستظهار للمحقين، والنقهار للمبطلين.
39- " وقيل للناس هل أنتم مجتمعون "، لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان ولمن تكون الغلبة؟
39 -" وقيل للناس هل أنتم مجتمعون " فيه استبطاء لهم في الاجتماع حثاً على مبادرتهم إليه كقول تأبط شراً :
‌ هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق
أي ابعث أحدهما إلينا سريعاً .
39. And it was said unto the people: Are ye (also) gathering?
39 - And the people were told: Are ye (now) assembled?