[الشعراء : 227] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ
227 - (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) من الشعراء (وذكروا الله كثيرا) لم يشغلهم الشعر عن الذكر (وانتصروا) بهجوهم الكفار (من بعد ما ظلموا) بهجو الكفار لهم في جملة المؤمنين فليسوا مذمومين قال الله تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وقال تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم (وسيعلم الذين ظلموا) من الشعراء وغيرهم (أي منقلب) مرجع (ينقلبون) يرجعون بعد الموت
القول في تأويل قوله تعالى : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .
قوله تعالى : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا " في كلامهم " وانتصروا من بعد ما ظلموا " وإنما يكون الاتنصار بالحق ، وبما حده الله عزوجل تجاوز ذلك فقد انتصر بالباطل . وقال أبو الحسن البراد . لما نزلت : ( والشعراء ) جاء حسان وكعب بن مالك وابن رواحة يبكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا نبي الله ! أنزل الله تعالى هذه الآية ، وهو تعالى يعلم أنا شعراء ؟ فقال : " اقرؤوا ما بعدها " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " _ الآية _ " وانتصروا من بعد ما ظلموا " أنتم " أي بالرد على المشركين . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " انتصروا ولا تقولوا إلا حقاً ولا تذكروا الآباء والأمهات " فقال حسان لأبي سفيان :
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
وإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
أتشتمه وليست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء
وقال كعب يا رسول الله ! إن الله قد أنزل في الشعر ما قد علمت ترى فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمنين يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " وقال كعب :
جاءت سخينة كي تغالب ربها وليغلبن مغالب الغلاب
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد مدحك الله يا كعب في قولك هذا " وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : : " والشعراء يتبعهم الغاوون " منسوح بقوله : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " . قال المهدوي : وفي الصحيح عن ابن عباس أنه استثناء . " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " في هذا تهديد لمن انتصر بظلم قال شريح سيعلم الظالمون كيف يخلصون من بين يدي الله عز وجل ، فالظالم ينتظر العقاب ، والمظلوم ينتظر النصرة . وقرأ بان عباس : ( أي منفلت ينفلتون ) بالفاء والتاء ومعناهما واحد [ ذكره ] الثعلبي . ومعنى : ( أي منقلب ينقلبون ) أي مصير يصيرون وأي مرجع يرجعون ، لأن مصيرهم إلى النار ، وهو أقبص مصير ، ومرجعهم إلى العقاب وهو شر مرجع . والفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه ، والمرجع العود من حال هو فيها إلى حال كان عليها فصار كل مرجع منقلباً ، وليس كل منقلب مرجعاً ، والله أعلم ، ذكره الماوردي . و( أي ) منصوب بـ ( ينقلبون ) وهو بمعنى المصدر ، ولا يجوز أن يكون منصوباً بـ( سيعلم ) لأن أياً وسائر أسماء الا ستفهام لا يعمل فيها ما قبلها فيما ذكر النحويون ، قال النحاس : وحقيقة القول في ذلك أن الاستفهام معنى وما قبله معنى آخر فلو عمل فيه ما قبله لدخل بعض المعاني في بعض .
يقول تعالى مخاطباً لمن زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحق, وأنه شيء افتعله من تلقاء نفسه, أو أنه أتاه به رئي من الجان, فنزه الله سبحانه وتعالى جناب رسوله عن قولهم وافترائهم, ونبه أن ما جاء به إنما هو من عند الله, وأنه تنزيله ووحيه, نزل به ملك كريم أمين عظيم, وأنه ليس من قبل الشياطين, فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا القرآن العظيم وإنما ينزلون على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة, ولهذا قال الله تعالى: "هل أنبئكم" أي أخبركم "على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم" أي كذوب في قوله وهو الأفاك "أثيم" وهو الفاجر في أفعاله. فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين من الكهان, وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة, فإن الشياطين أيضاً كذبة فسقة "يلقون السمع" أي يسترقون السمع من السماء, فيسمعون الكلمة من علم الغيب, فيزيدون معها مائة كذبة, ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس, فيحدثون بها فيصدقهم الناس في كل ما قالوه بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء, كما صح بذلك الحديث.
كما رواه البخاري من حديث الزهري : أخبرني يحيى بن عروة بن الزبير أنه سمع عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان, فقال "إنهم ليسوا بشيء قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقاً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج, فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة". وروى البخاري أيضاً: حدثنا الحميدي , حدثنا سفيان , حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله, كأنها سلسلة على صفوان, فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال: الحق, وهو العلي الكبير, فيسمعها مسترقو السمع, ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض ـ وصف سفيان بيده, فحرفها وبدد بين أصابعه ـ فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته, ثم يلقيها الاخر إلى من تحته, حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن, فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها, وربما ألقاها قبل أن يدركه, فيكذب معها مائة كذبة, فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا ؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء" تفرد به البخاري . وروى مسلم من حديث الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس , عن رجال من الأنصار قريباً من هذا, وسيأتي عند قوله تعالى في سبأ "حتى إذا فزع عن قلوبهم" الاية.
وقال البخاري : وقال الليث : حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن أبا الأسود أخبره عن عروة عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الملائكة تحدث في العنان ـ والعنان: الغمام ـ بالأمر في الأرض, فتسمع الشياطين الكلمة, فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة, فيزيدون معها مائة كذبة". ورواه البخاري في موضع آخر في كتاب بدء الخلق عن سعيد بن أبي مريم , عن الليث عن عبد الله بن أبي جعفر عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن , عن عروة عن عائشة بنحوه.
وقوله تعالى: "والشعراء يتبعهم الغاوون" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني الكفار يتبعهم ضلال الإنس والجن, وكذا قال مجاهد رحمه الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما. وقال عكرمة : كان الشاعران يتهاجيان فينتصر لهذا فئام من الناس, ولهذا فئام من الناس, فأنزل الله تعالى: "والشعراء يتبعهم الغاوون". وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , حدثنا ليث عن ابن الهاد عن يحنس مولى مصعب بن الزبير , عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "خذوا الشيطان ـ أو أمسكوا الشيطان ـ لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلىء شعراً".
وقوله تعالى: "ألم تر أنهم في كل واد يهيمون" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : في كل لغو يخوضون. وقال الضحاك عن ابن عباس : في كل فن من الكلام, وكذا قال مجاهد وغيره. وقال الحسن البصري : قد والله رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها مرة في شتمه فلان, ومرة في مدحة فلان. وقال قتادة : الشاعر يمدح قوماً بباطل ويذم قوماً بباطل. وقوله تعالى: "وأنهم يقولون ما لا يفعلون" قال العوفي عن ابن عباس : كان رجلان على عهد رسول الله أحدهما من الأنصار, والاخر من قوم آخرين, وإنهما تهاجيا, فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه, وهم السفهاء, فقال الله تعالى: "والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون". وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أكثر قولهم يكذبون فيه. وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنه هو الواقع في نفس الأمر. فإن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم, فيتكثرون بما ليس لهم, ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله: فيما إذا اعترف الشاعر في شعره بما يوجب حداً: هل يقام عليه بهذا الاعتراف أم لا, لأنهم يقولون ما لا يفعلون ؟ على قولين. وقد ذكر محمد بن إسحاق ومحمد بن سعد في الطبقات, والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة, أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة, وكان يقول الشعر, فقال:
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها بميسان يسقي في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذوا على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم
فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إي والله إنه ليسوؤني ذلك, ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته, وكتب إليه عمر " بسم الله الرحمن الرحيم " " حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير " ـ أما بعد ـ قد بلغني قولك:
لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم
وايم الله إنه ليسوؤني وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر, فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط, وما ذاك الشعر إلا شيء طفح على لساني. فقال عمر : أظن ذلك, ولكن والله لا تعمل لي عملاً أبداً وقد قلت ما قلت, فلم يذكر أنه حده على الشراب, وقد ضمنه شعره, لأنهم يقولون ما لا يفعلون, ولكنه ذمه عمر رضي الله عنه ولامه على ذلك وعزله به, ولهذا جاء في الحديث "لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً يريه خير له من أن يمتلىء شعراً" والمراد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا القرآن ليس بكاهن ولا بشاعر, لأن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة, كما قال تعالى: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين" وقال تعالى: "إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين" وهكذا قال ههنا: "وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين" إلى أن قال " وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون " إلى أن قال " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون * والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون ".
وقوله "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط , عن أبي الحسن سالم البراد مولى تميم الداري قال: لما نزلت "والشعراء يتبعهم الغاوون" " جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون, فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الاية أنا شعراء, فتلا النبي "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال : أنتم "وذكروا الله كثيراً" قال : أنتم "وانتصروا من بعد ما ظلموا" قال : أنتم " رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من رواية ابن إسحاق , وقد روى ابن أبي حاتم أيضاً عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة , عن الوليد بن أبي كثير عن يزيد عن عبد الله , عن أبي الحسن مولى بني نوفل أن حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة , أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الاية "والشعراء يتبعهم الغاوون" يبكيان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها عليهما "والشعراء يتبعهم الغاوون" حتى بلغ "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال "أنتم".
وقال أيضاً حدثنا أبي , حدثنا أبو مسلم , حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال: لما نزلت "والشعراء يتبعهم الغاوون" إلى قوله "وأنهم يقولون ما لا يفعلون" قال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله قد علم الله أني منهم, فأنزل الله تعالى: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" الاية, وهكذا قال ابن عباس وعكرمة مجاهد وقتادة وزيد بن أسلم وغير واحد: أن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء, ولكن هذه السورة مكية, فكيف يكون سبب نزول هذه الايات شعراء الأنصار ؟ وفي ذلك نظر, ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها, والله أعلم, ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم حتى يدخل فيه من كان متلبساً من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله, ثم تاب وأناب ورجع وأقلع وعمل صالحاً, وذكر الله كثيراً في مقابلة ما تقدم من الكلام السيء. فإن الحسنات يذهبن السيئات, وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كان يذمه, كما قال عبد الله بن الزبعري حين أسلم:
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أجاري الشيطان في سنن الغـ ـي ومن مال ميله مثبور
وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب , كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه وأكثرهم له هجواً, فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما كان يهجوه, ويتولاه بعد ما كان قد عاداه, وهكذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال: " يا رسول الله ثلاث أعطنيهن, قال : نعم قال: معاوية تجعله كاتباً بين يديك ؟ قال : نعم قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ؟ قال : نعم وذكر الثالثة" , ولهذا قال تعالى: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً" قيل: معناه ذكروا الله كثيراً في كلامهم, وقيل في شعرهم. كلاهما صحيح مكفر لما سبق.
وقوله تعالى: "وانتصروا من بعد ما ظلموا" قال ابن عباس : يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين, وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد, وهذا كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان " اهجهم ـ أو قال ـ هاجهم وجبريل معك". وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل, فقال "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه, والذي نفسي بيده, لكأن ما ترمونهم به نضح النبل".
وقوله تعالى: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون", كقوله تعالى: "يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم" الاية, وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إياكم والظلم, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة", قال قتادة بن دعامة في قوله تعالى: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" يعني من الشعراء وغيرهم, وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا إياس بن أبي تميمة قال: حضرت الحسن ومر عليه بجنازة نصراني, فقال: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". وقال عبد الله بن أبي رباح عن صفوان بن محرز أنه كان إذا قرأ هذه الاية بكى, حتى أقول قد اندق قضيب زوره, "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
وقال ابن وهب : أخبرنا شريح الإسكندراني عن بعض المشيخة أنهم كانوا بأرض الروم, فبينما هم ليلة على نار يشتوون عليها أو يصطلون, إذا بركاب قد أقبلوا فقاموا إليهم, فإذا فضالة بن عبيد فيهم, فأنزلوه فجلس معهم ـ قال ـ وصاحب لنا قائم قال يصلي حتى مر بهذه الاية "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" قال فضالة بن عبيد : هؤلاء الذين يخربون البيت. وقيل: المراد بهم أهل مكة, وقيل الذين ظلموا من المشركين. والصحيح أن هذه الاية عامة في كل ظالم. كما قال ابن أبي حاتم : ذكر عن زكريا بن يحيى الواسطي , حدثني الهيثم بن محفوظ أبو سعد النهدي , حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن المحبر , حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كتب أبي في وصيته سطرين: بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا, حين يؤمن الكافر وينتهي الفاجر ويصدق الكاذب, إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب, فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه, وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". آخر تفسير سورة الشعراء, والحمد لله رب العالمين.
فقال: 227- "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" أي دخلوا في حزب المؤمنين وعملوا بأعمالهم الصالحة، "وذكروا الله كثيراً" في أشعارهم "وانتصروا من بعد ما ظلموا" كمن يهجو منهم من هجاه، أو ينتصر لعالم أو فاضل كما كان يقع من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يهجون من يهجوه، ويحمون عنه ويذبون عن عرضه، ويكافحون شعراء المشركين وينافحونهم، ويدخل في هذا من انتصر بشعره لأهل السنة وكافح أهل البدعة، وزيف ما يقوله شعراؤهم من مدح بدعتهم وهجو السنة المطهرة، كما يقع ذلك كثيراً من شعراء الرافضة ونحوهم، فإن الانتصار للحق بالشعر وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة، وفاعله من المجاهدين في سبيل الله المنتصرين لدينه القائمين بما أمر الله بالقيام به.
واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام، فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام. وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب، وقد وردت أحاديث في ذمه وذم الاستكثار منه، ووردت أحاديث أخر في إباحته وتجويزه، والكلام في تحقيق ذلك يطول، وسنذكر في آخر البحث ما ورد في ذلك من الأحاديث. ثم ختم سبحانه هذه السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" فإن في قوله سيعلم تهويلاً عظيماً وتهديداً شديداً، وكذا في إطلاق الذين ظلموا وإبهام أي منقلب ينقلبون، وخصص هذه الآية بعضهم بالشعراء، ولا وجه لذلك فإن الاعتبار بعموم اللفظ. وقوله: "أي منقلب" صفة لمصدر محذوف: أي ينقلبون منقلباً أي منقلب، وقدم لتضمنه معنى الاستفهام، ولا يعمل فيه سيعلم، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، بل هو معلق عن العمل فيه. وقرأ ابن عباس والحسن أي منفلت ينفلتون بالفاء مكان القاف، والتاء مكان الباء من الانفلات بالنون والفاء الفوقية. وقرأ الباقون بالقاف والباء من الانقلاب بالنون والقاف الموحدة، والمعنى على قراءة ابن عباس والحسن: أن الظالمين يطعمون في الانفلات من عذاب الله والانفكاك منه ولا يقدرون على ذلك.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة "وإنه لتنزيل رب العالمين" قال: هذا القرآن "نزل به الروح الأمين" قال: جبريل. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "نزل به الروح الأمين" قال: الروح الأمين جبريل، رأيت له ستمائة جناح من لؤلؤ قد نشرها فيها مثل ريش الطواويس. وأخرج ابن النجار في تاريخه عن ابن عباس في قوله: "بلسان عربي مبين" قال: بلسان قريش ولو كان غير عربي ما فهموه. وأخرج الحاكم وصححه البيهقي في الشعب عن بريدة في قوله: "بلسان عربي مبين" قال: بلسان جرهم. وأخرج مثله أيضاً عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن سلام من علماء بني إسرائيل، وكان من خيارهم فآمن بكتاب محمد، فقال لهم الله: "أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: "لما نزلت هذه الآية "وأنذر عشيرتك الأقربين" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً وعم وخص فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، يا معشر بن عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك ضراً ولا نفعاً إلا أن لكم رحماً وسأبلها ببلالها" وفي الباب أحاديث من طريق جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "الذي يراك حين تقوم" قال: للصلاة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه " الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين " يقول: قيامك وركوعك وسجودك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً "وتقلبك في الساجدين" قال: يراك وأنت مع الساجدين تقوم وتقعد معهم. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في قوله: "وتقلبك في الساجدين" قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه. ومن الحديث في لصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل ترون قبلتي ها هنا؟ فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم، وإني لأراكم من وراء ظهري". وأخرج ابن عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: "وتقلبك في الساجدين" قال: من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبياً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عنه في الآية نحوه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت: "سأل أناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان قال: أنهم ليسوا بشيء، قالوا، يا رسول الله إنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقا؟ قال: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة".وفي لفظ للبحاري : " فيزيدون معها مائة كذبة " . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء، فأنزل الله "والشعراء يتبعهم الغاوون" الآيات. وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عروة قال: لما نزلت "والشعراء" إلى قوله: "ما لا يفعلون" قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله قد علم الله أني منهم، فأنزل الله "إلا الذين آمنوا" إلى قوله: "ينقلبون" وروي نحو هذا من طرق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "يتبعهم الغاوون" قال: هم الكفار يتبعون ضلال الجن والإنس "في كل واد يهيمون" قال: في كل لغو يخوضون "وأنهم يقولون ما لا يفعلون" أكثر قولهم يكذبونن ثم استثنى منهم فقال: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا" قال: ردوا على الكفار الذين كانوا يهجون المؤمنين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً "والشعراء" قال: المشركون منهم الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم "يتبعهم الغاوون" قال: قال غواة الجن في كل واد يهيمون في كل فن من الكلام يأخذون. ثم استثنى فقال: "إلا الذين آمنوا" الآية. يعني حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك كانوا يذبون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهجاء المشركين. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه "الغاوون" قال: هم الرواة. وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عنه أيضاً "إلا الذين آمنوا" الآية قال: أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن رواحة. وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك "أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه؟ فقال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي سعيد قال: "بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً". وأخرج الديلمي عن ابن مسعود مرفوعاً الشعراء الذين يموتون في الإسلام يأمرهم الله أن يقولوا شعراً يتغنى به الحور العين لأزوادهن في الجنة، والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة. قال: وأتاه قريظة بن كعب وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت فقالوا: إنا نقول الشعر وقد نزلت هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأوا فقرأوا "والشعراء" إلى قوله: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" فقال: أنتم هم "وذكروا الله كثيراً" فقال: أنتم هم "وانتصروا من بعد ما ظلموا" فقال: أنتم هم". وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسل: لحسان بن ثابت: اهج المشركين فإن جبريل معك". وأخرج ابن سعد عن البراء بن عازب قال:" قيل يا رسول الله إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك، فقام ابن رواحة فقال: يا رسول الله ائذن لي فيه، فقال: أنت الذي تقول ثبت الله؟ فقال: نعم يا رسول الله، قلت:
ثبت الله ما أعطاك من حسن تثبيت موسى ونصرا مثل ما نصرا
قال: وأنت، ففعل الله بك مثل ذلك، ثم وثب كعب فقال: يا رسول الله ائذن لي فيه؟ فقال: أنت الذي تقول همت؟ قال: نعم يا رسول الله، قلت:
همت سخينة أن تغالب ربها فلتغلبن مغالب الغلاب
فقال: أما إن الله لم ينس ذلك لك، ثم قام حسان فقال: يا رسول الله ائذن لي فيه، وأخرج لساناً له أسود، فقال: يا رسول الله لو شئت لفريت به المراد، ائذن لي فيه، فقال: اذهب إلى أبي بكر فليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم واهجهم وجبريل معك". وأخرج أحمد وابن سعد عن أبي هريرة قال:" مر عمر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه فنظر إليه، فقال: قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك، فسكت ثم التفت حسان إلى أبي هريرة: فقال: أنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أجب عني اللهم أيده بروح القدس؟ قال نعم". وأخرج ابن سعد من حديث جابر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكماً". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً يريه، خير من أن يمتلئ شعراً". وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً". قال في الصحاح: وروي القيح جوفه يريه ورياً: إذا أكله. قال القرطبي: روى إسماعيل بن عباس عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسن الشعر كحسن الكلام وقبيح الشعر كقبيح الكلام". قال القرطبي: رواه إسماعيل عن عبد الله بن عون الشامي وحديثه عن أهل الشام صحيح فيما قال يحيى بن معين وغيره. قال: وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام". وأخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: "ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت؟ قلت نعم. قال: هيه فأنشدته بيتاً، فقال هيه، ثم أنشدته بيتاً، فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت". وأخرج ابن أبي حاتم عن فضالة بن عبيد في قوله: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" قال: هؤلاء الذين يخربون البيت.
ثم استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الجاهلية، ويهجون شعراء الكفار، وينافحون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، منهم حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، فقال:
227- "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أنزل في الشعر ما أنزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل".
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه ويقول:
‌‌خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضـرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهـل الخليل عـن خليله
فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خل عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، أخبرني عدي أنه سمع البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: "اهجهم أو هاجهم وجبريل معك".
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزاني، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعلي بن حجر -المعنى واحد- قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم/ يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يؤيد حسان بروح القدس، ما ينافح أو يفاخر عن رسول الله".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي عن جدي، حدثنا خالد بن زيد، حدثني سعيد بن أبي هلال عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اهجوا قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم، فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه، فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسباً حتى يخلص لك نسبي، فأتاه حسان ثم رجع، فقال: يا رسول الله قد خلص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى واشتفى"، قال حسان:
هجـوت محمـداً فأجبت عنه وعنــد الله في ذاك الجــزاء
هجـوت محمــداً بـراً حنيفــاً رسول الله شيمتـه الوفــاء
فإن أبـي ووالـدتي وعرضـي لعـرض محمـد منكـم وقــاء
فمن يهجو رسول الله منكم ويمـدحــه وينصــره ســـواء
وجـبريـل رســول الله فينـــا وروح القدس ليس له كفاء
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشعر لحكمة".
قالت عائشة رضي الله عنها: الشعر كلام، فمنه حسن، ومنه قبيح، فخذ الحسن ودع القبيح.
وقال الشعبي: كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر، وكان علي رضي الله تعالى عنه أشعر الثلاثة.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده، فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزومي فاستنشده القصيدة التي قالها فقال:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر
فأنشده ابن أبي ربيعة القصيدة إلى آخرها، وهي قرية من سبعين بيتاً، ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها، وكان حفظها بمرة واحدة.
"وذكروا الله كثيراً"، أي: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله، "وانتصروا من بعد ما ظلموا"، قال مقاتل: انتصروا من المشركين، لأنهم بدؤوا بالهجاء.
ثم أوعد شعراء المشركين فقال: "وسيعلم الذين ظلموا"، أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي منقلب ينقلبون"، أي مرجع يرجعون بعد الموت. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إلى جهنم والسعير. والله أعلم.
227 -" إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا " استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله تعالى والحث على طاعته ، ولو قالوا هجوا أرادوا به الانتصار ممن هاجهم ومكافحة هجاة المسلمين كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت والكعبين ، و" كان عليه الصلاة والسلام يقول لحسان قل وروح القدس معك " . و" عن كعب بن مالك أنه عليه الصلاة والسلام قال له اهجوا فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " تهديد شديد لما في سيعلم من الوعيد البليغ وفي الذين ظلموا من الإطلاق والتعميم ، وفي أي منقلب ينقلبون أي بعد الموت من الإيهام والتهويل ، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله عنهما حين عهد إليه ، وقرئ (( أي منفلت ينفلتون )) من الانفلات وهو النجاة والمعنى : أن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا عن عذاب الله وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدق بمحمد عليهم الصلاة والسلام " .
227. Save those who believe and do good works, and remember Allah much, and vindicate themselves after they have been wronged. Those who do wrong will come to know by what a (great) reverse they will be overturned!
227 - Except those who believe, work righteousness, engage much in the remembrance of God, and defend themselves only after they are unjustly attacked. And soon will the unjust assailants know what vicissitudes their affairs will take!