[الشعراء : 146] أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ
146 - (أتتركون في ما هاهنا) من الخيرات (آمنين)
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود : أيترككم يا قوم ربكم في هذه الدنيا آمنين ، لا تخافون شيئا " في جنات و عيون " يقول : في بساتين و عيون ماء " وزروع و نخل طلعها هضيم " يعني بالطلع : الكفرى .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : " هضيم " فقال بعضهم : معناه اليانع النضيج
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " ونخل طلعها هضيم " يقول : أينع وبلغ فهو هضيم .
وقال آخرون : بل هو المتهشم المتفتت .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " ونخل طلعها هضيم " قال محمد بن عمرو في حديثه تهشم هشيما . و قال الحارث : تهشم تهشما .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سمعت عبد الكريم يقول : سمعت مجاهدا ، يقول في قوله : " ونخل طلعها هضيم " قال : حين تطلع يقبض عليه فيهضمه .
قال ابن جريج ، قال مجاهد ، إذا مس تهشم و تفتت ، قال : هو من الرطب هضيم تقبض عليه فتهضمه .
وقال آخرون : هو الرطب اللين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، قوله : " ونخل طلعها هضيم " قال : الهضيم : الرطب اللين .
و قال آخرون : هو الراكب تعضه بعضا .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " طلعها هضيم " إذا كثر حمل النخلة فركب بعضها بعضا ، حتى نقص بعضها بعضا ، فهو حينئذ هضيم .
و أولى الأقولا في ذلك بالصواب أن يقال : الهضيم : هو المتكسر من لينه و رطوبته ، و ذلك قولهم : هضم فلان حقه إذا انتقصه و تحيفه ، فكذلك الهضم في الطلع ، إنما هو التنقص منه من رطوبته و لينه إما بمس الأيدي ، و إما بركوب بعضه بعضا ، و أصله مفعول صرف إلى فعيل .
وقوله : " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " يقول تعالى ذكره : و تتخذون من الجبال بيوتا . فاختلفت القراء في قراءة قوله : " فارهين " فقرأته عامة قراء أهل الكوفة " فارهين " بمعنى : حاذقين بنحتها . و قرأته عامة قراء أهل المدينة و البصرة فرهين بغير ألف ، بمعنى : أشرين بطرين .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القراء في قراءته ، فقال بعضهم : معنى فارهين : حاذقين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثام ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، و عبد الله بن شداد ، " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " قال أحدهما : حاذفين ، وقال الآخر :يتجبرون .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا مروان ، قال : أخبرنا إسماعيل با أبي خالد ، عن أبي صالح " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " قال : حاذقين بنحتها .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " فارهين " يقول : حاذقين .
وقال آخرون : معنى فارهين : مستفرهين متجبرين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن السدي ، عن عبد الله بن شداد في قوله : فرهين قال يتجبرون .
قال أبو جعفر : و الصواب : فارهين .
و قال آخرون ممن قرأه فارهين : معنى ذلك : كيسين .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : " فارهين " قال : كيسين .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبيد ، عن الضحاك أنه قرأ : " فارهين " قال : كيسين .
وقال آخرون : فرهين : أشرين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : و تنحتون من الجبال بيوتا فرهين يقول : أشرين ، و يقال : كيسين .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : بيوتا فرهين قال : شرهين .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بمثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : أقوياء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : و تنحتون من الجبال بيوتا فرهين قال : الفره : القوي .
وقال آخرون في ذلك بما :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة ، في قوله : فرهين قال : معجبين بصنيعكم .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن قراءة من قرأها " فارهين " وقراءة من قرأ فرهين قراءتان معروفتان ، مستفيضة القراءة بكل واحدة منهما في علماء القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
قراءة من قرأ فرهين : مرحين أشرين . وقد يجوز أن يكون معنى فاره و فره واحدا ، فيكون فاره مبنيا على بنائه ، و أصله من فعل يفعل ، و يكون فره صفة ، كما يقال : فلان حاذق بهذا الأمر و حذق ، و من الفاره بمعنى المرح قول الشاعر عدي بن وادع العوفي من الأزد :
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ولن تراني بخير فاره الطلب
أي مرح الطلب . و قوله : " فاتقوا الله وأطيعون " يقول تعالى ذكره : فاتقوا عقاب الله أيها القوم على معصيتكم ربكم ، و خلافكم أمره ، و أطيعون في نصيحتي لكم ، و إنذاري إياكم عقاب الله ترشدوا .

قوله تعالى : " أتتركون في ما هاهنا آمنين " يعني في الدنيا آمنين من الموت والعذاب . قال ابن العباس : كانوا معمرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم . ودل على هذا قوله " واستعمركم فيها " [ هود : 61] فقرعهم صالح ووبخهم وقال : أتظنون أنكم باقون في الدنيا بلا موت .
يقول لهم واعظاً لهم, ومحذرهم نقم الله أن تحل بهم, ومذكراً بأنعم الله عليهم فيما رزقهم من الأرزاق الدارة وجعلهم في أمن من المحذورات, وأنبت لهم من الجنات, وفجر لهم من العيون الجاريات, وأخرج لهم من الزروع والثمرات, ولهذا قال "ونخل طلعها هضيم". قال العوفي عن ابن عباس : أينع وبلغ, فهو هضيم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ونخل طلعها هضيم" يقول: معشبة. وقال إسماعيل بن أبي خالد عن عمرو بن أبي عمرو ـ وقد أدرك الصحابة ـ عن ابن عباس في قوله "ونخل طلعها هضيم" قال: إذا رطب واسترخى, رواه ابن أبي حاتم , ثم قال: وروي عن أبي صالح نحو هذا.
وقال أبو إسحاق عن أبي العلاء "ونخل طلعها هضيم" قال: هو المذنب من الرطب, وقال مجاهد : هو الذي إذا يبس تهشم وتفتت وتناثر, وقال ابن جريج : سمعت عبد الكريم , وأبا أمية, سمعت مجاهداً يقول "ونخل طلعها هضيم" قال: حين يطلع تقبض عليه فتهضمه, فهو من الرطب الهضيم, ومن اليابس الهشيم, تقبض عليه فتهشمه. وقال عكرمة وقتادة : الهضيم الرطب اللين. وقال الضحاك : إذا كثر حمل الثمرة وركب بعضها بعضاً, فهو هضيم. وقال مرة : هو الطلع حين يتفرق ويخضر. وقال الحسن البصري : هو الذي لا نوى له, وقال أبو صخر : ما رأيت الطلع حين ينشق عنه الكم ؟ فترى الطلع قد لصق بعضه ببعض, فهو الهضيم.
وقوله "وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين" قال ابن عباس وغير واحد: يعني حاذقين. وفي رواية عنه: شرهين أشرين, وهو اختيار مجاهد وجماعة, ولا منافاة بينهما, فإنهم كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشراً وبطراً وعبثاً من غير حاجة إلى سكناها, وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها, كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم, ولهذا قال "فاتقوا الله وأطيعون" أي أقبلوا على ما يعود نفعه عليكم في الدنيا والاخرة من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم لتعبدوه وتوحدوه وتسبحوه بكرة وأصيلا " ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " يعني رؤساءهم وكبراءهم, الدعاة لهم إلى الشرك والكفر ومخالفة الحق.
146- " أتتركون في ما هاهنا آمنين " الاستفهام للإنكار -أي أتتركون في هذه النعم التي أعطاكم الله آمنين من الموت والعذاب باقين في الدنيا.
146- " أتتركون في ما هاهنا "، أي: في الدنيا "آمنين"، من العذاب.
146 -" أتتركون في ما هاهنا آمنين " إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير للنعمة في تخلية الله إياهم وأسباب تنعمهم آمنين ثم فسره بقوله :
146. Will ye be left secure in that which is here before us,
146 - Will ye be left secure, in (the enjoyment of) all that ye have here?