[الشعراء : 140] وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
140 - (وإن ربك لهو العزيز الرحيم)
القول في تأويل قوله تعالى : " و إن ربك لهو العزيز الرحيم " .
قوله تعالى : " وإن ربك لهو العزيز الرحيم " .
يقول تعالى مخبراً عن جواب قوم هود له بعد ما حذرهم وأنذرهم, ورغبهم ورهبهم, وبين لهم الحق ووضحه "قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين" أي لا نرجع عما نحن عليه " وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين " وهكذا الأمر, فإن الله تعالى قال "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" وقال تعالى: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون" الاية, وقولهم "إن هذا إلا خلق الأولين" قرأ بعضهم " إن هذا إلا خلق الأولين " بفتح الخاء وتسكين اللام. قال ابن مسعود والعوفي عن عبد الله بن عباس وعلقمة ومجاهد : يعنون ما هذا الذي جئتنا به إلاأخلاق الأولين, كما قال المشركون من قريش "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً" وقال " وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا * وقالوا أساطير الأولين " وقال "وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين" وقرأ آخرون "إن هذا إلا خلق الأولين" بضم الخاء واللام, يعنون دينهم وما هم عليه من الأمر هو دين الأولين من الاباء والأجداد, ونحن تابعون لهم سالكون وراءهم, نعيش كما عاشوا, ونموت كما ماتوا, ولا بعث ولامعاد, ولهذا قالوا "وما نحن بمعذبين" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إن هذا إلا خلق الأولين" يقول: دين الأولين. وقاله عكرمة وعطاء الخراساني وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, واختاره ابن جرير .
وقوله تعالى: "فكذبوه فأهلكناهم" أي استمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده, فأهلكهم الله وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحاً صرصراً عاتية, أي ريحاً شديدة الهبوب, ذات برد شديد جداً, فكان سبب إهلاكهم من جنسهم, فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره, فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة, كما قال تعالى: "ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد" وهم عاد الأولى, كما قال تعالى: "وأنه أهلك عاداً الأولى" وهم من نسل إرم بن سام بن نوح "ذات العماد" الذين كانو يسكنون العمد, ومن زعم أن إرم مدينة, فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب, وليس لذلك أصل أصيل, ولهذا قال "التي لم يخلق مثلها في البلاد" أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم, ولو كان المراد بذلك مدينة لقال: التي لم يبن مثلها في البلاد, وقال تعالى: " فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون " وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا مقدار أنف الثور, عتت على الخزنة, فأذن الله لها في ذلك, فسلكت فحصبت بلادهم, فحصبت كل شيء لهم, كما قال تعالى: "تدمر كل شيء بأمر ربها" الاية, وقال تعالى: " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية " أي بقوا أبداناً بلا رؤوس, وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء, ثم تنكسه على أم رأسه, فتشدخ دماغه وتكسر رأسه وتلقيه, كأنهم أعجاز نخل منقعر, وقد كانو تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات, وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم, فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئاً "إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر" ولهذا قال تعالى: "فكذبوه فأهلكناهم" الاية.
140- "وإن ربك لهو العزيز الرحيم" تقدم تفسير هذا قريباً في هذه السورة. ثم لما فرغ سبحانه من ذكر قصة هود وقومه ذكر قصة صالح وقومه، وكانوا يسكنون الحجر.
140- "وإن ربك لهو العزيز الرحيم".
140 -" وإن ربك لهو العزيز الرحيم " .
140. And lo! thy Lord, He is indeed the Mighty, the Merciful.
140 - And verily thy Lord is He, the Exalted in Might, Most Merciful.