[الشعراء : 13] وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ
13 - (ويضيق صدري) من تكذيبهم لي (ولا ينطلق لساني) بأداء الرسالة للعقدة التي فيه (فأرسل إلى) أخي (هارون) معي
القول في تأويل قوله تعالى : " و يضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون " .
قوله تعالى : " ويضيق صدري " لتكذيبهم إياي . وقراءة العامة ( ويضيق _ ولا ينطلق ) بالرفع على الاستئناف . وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر وأبو حيوة : (ويضيق _ ولا ينطلق) بالنصب فيمهما رداً على قوله (أن يكذبون ) قال الكسائي : القراءة بالرفع ، يعني في "ويضيق صدري ولا ينطلق لساني " من وجهين : أحدهما الابتداء والآخر بمعنى وإني يضيق صدري ولا ينطلق لساني يعني نسقاً على " إني أخاف " . قال الفراء : ويقرأ بالنصب . حكي ذلك عن الأعرج و طلحة و عيسى بن عمر وكلاهما له وجه . قال النحاس : الوجه الرفع ، لأن النصب عطف على " يكذبون " وهذا بعيد يدل على ذلك قوله عز وجل : " واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي " [ طه : 27_ 28] فهذا يدل على أن هذه كذا . ومعنى ، " ولا ينطلق لساني " في المحاجة على ما أحب ، وكان في لسانه عقدة على ما تقدم في ( طه ) . " فأرسل إلى هارون " أرسل إليه جبريل بالوحي ، وأجعله رسولاً معي ليؤازرني ويظاهرني وعاونني ، ولم يذكر هنا لعينني ، لأن المعنى كان معلوماً ، وقد صرح به في سورة ( طة ) : " واجعل لي وزيرا " [ طه : 29 ] وفي القصص : " فأرسله معي ردءا يصدقني " [ القصص : 43 ] وكأن موسى أذن له في هذا السؤال ، ولم يكن ذلك استعفاء من الرسالة بل طلب من يعينه . ففي هذا دليل على أن من لا يستق بأمر ، ويخاف من نفسه تقصيراً ، أن يأخذ من يستعين به عليه ، ولا يلحقه في ذلك لوم .
يخبر تعالى عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام حين ناداه من جانب الطور الأيمن, وكلمه وناجاه, وأرسله واصطفاه, وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه, ولهذا قال تعالى: " أن ائت القوم الظالمين * قوم فرعون ألا يتقون * قال رب إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون * ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون " هذه أعذار سأل الله إزاحتها عنه, كما قال في سورة طه " قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري " إلى قوله " قد أوتيت سؤلك يا موسى ".
وقوله تعالى: "ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون" أي بسبب قتل ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر "قال كلا" أي قال الله له: لا تخف من شيء من ذلك كقوله " سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " "فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون" كقوله " إنني معكما أسمع وأرى " أي إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين " كقوله في الاية الأخرى "إنا رسولا ربك" أي كل منا أرسل إليك "أن أرسل معنا بني إسرائيل" أي أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك, فإنهم عباد الله المؤمنون وحزبه المخلصون, وهم معك في العذاب المهين, فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون هنالك بالكلية, ونظر إليه بعين الازدراء والغمص, فقال "ألم نربك فينا وليداً" الاية, أي أما أنت الذي ربيناه فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا, وأنعمنا عليه مدة من السنين, ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة أن قتلت منا رجلاً, وجحدت نعمتنا عليك, ولهذا قال "وأنت من الكافرين" أي الجاحدين. قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , واختاره ابن جرير , "قال فعلتها إذاً" أي في تلك الحال "وأنا من الضالين" أي قبل أن يوحى إلي وينعم الله علي بالرسالة والنبوة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم "وأنا من الضالين" أي الجاهلين. قال ابن جريج : وهو كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين" الاية, أي انفصل الحال الأول وجاء أمر آخر, فقد أرسلني الله إليك فإن أطعته سلمت, وإن خالفته عطبت, ثم قال موسى "وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل" أي وما أحسنت إلي وربيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل فجعلتهم عبيداً وخدماً تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك, أفيفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم, أي ليس ما ذكرته شيئاً بالنسبة إلى ما فعلت بهم.
قرأ الجمهور برفع 13- "يضيق" "ولا ينطلق" بالعطف على أخاف كما ذكرنا، أو على الاستئناف، وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر وأبو حيرة بنصبهما عطفاً على يكذبون. قال الفراء: كلا القراءتين له وجه. قال النحاس الوجه: الرفع، لأن النصب عطف على يكذبون وهذا بعيد "فأرسل إلى هارون" أي أرسل إليه جبريل بالوحي ليكون معي رسولاً موازراً مظاهراً معاوناً، ولم يذكر الموازرة هنا لأنها معلومة من غير هذا الموضع كقوله في طه "واجعل لي وزيراً"، وفي القصص "أرسله معي ردءاً يصدقني"، وهذا من موسى عليه السلام من باب طلب المعاونة له بإرسال أخيه، لا من باب الاستعفاء من الرسالة، ولا من التوقف عن المسارعة بالامتثال.
13- "ويضيق صدري"، من تكذيبهم إياي، "ولا ينطلق لساني"، قال: هذا للعقدة التي كانت على لسانه، قرأ يعقوب ويضيق، ولا ينطلق بنصب القافين على معنى وأن يضيق، وقرأ العامة برفعهما رداً على قوله: إني أخاف "فأرسل إلى هارون"، ليوازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة.
13 -" ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون " رتب استدعاء ضم أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة : خوف التكذيب ، وضيق القلب انفعالاً عنه ، وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق ، لأنها إذا اجتمعت مست الحاجة إلى معين يقوي قلبه وينوب منابه متى تعتريه حتى لا تختل دعوته ولا تنبثر حجته ، وليس ذلك تعللاً منه وتوقفاً في تلقي الأمر ، بل طلباً لما يكون معونة على امتثاله وتمهيد عذره فيه ، وقرأ يعقوب " ويضيق " " ولا ينطلق " بالنصب عطفاً على " يكذبون " فيكونان من جملة ما خاف منه .
13. And I shall be embarrassed, and my tongue will not speak plainly, therefor send for Aaron (to help me).
13 - My breast will be straitened. And my speech may not go (smoothly): so send unto Aaron.