[الشعراء : 128] أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ
128 - (أتبنون بكل ريع) مكان مرتفع (آية) بناء علما للمارة (تعبثون) بمن يمر بكم وتسخرون منهم والجملة حال من ضمير تبنون
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه " أتبنون بكل ريع آية تعبثون " والريع : كل مكان مشرف من الأرض مرتفع أو طريق أو واد ، ومنه قول ذي الرمة :
طراق الخوافي مشرف فوق ريعة ندى ليلة في ريشة يترقرق
وقول الأعشى :
وبهماء قفر تجاوزتها إذا خب في ريعها آلها
وفيه لغتان : ريع وريع بكسر الراء وفتحها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ،قوله : " أتبنون بكل ريع آية تعبثون " يقول : بكل شرف .
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " بكل ريع " قال : فج .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : " أتبنون بكل ريع آية " قال : بكل طريق .
حدثني سليمان بن عبيد الله الغيلاني ، قال : ثنا أبو قتيبة ، قال : ثنا مسلم بن خالد ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " أتبنون بكل ريع " قال : الريع : الثنية الصغيرة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا يحيى بن حسان ، عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عكرمة " بكل ريع" قال : فج وواد ، قال : وقال مجاهد " بكل ريع " بين جبلين .
قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : " أتبنون بكل ريع " قال : شرف ومنظر .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " بكل ريع " قال : بكل طريق .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ ،يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " بكل ريع " بكل طريق . ويعني بقوله : "آية " بنيانا ، علما . وقد بينا في غير موضع من كتابنا هذا أن الآية هي الدلالة والعلامة بالشواهد المغنية عن إعادتها في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في ألفاظهم في تأويله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " بكل ريع آية " قال : الآية : علم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " بكل ريع آية " قال : آية : بنيان .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " آية " بنيان .
حدثني علي بن سهل ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : " بكل ريع آية " قال : بنيان الحمام .
وقوله : " تعبثون " قال : تلعبون .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " تعبثون " قال : تلعبون .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : " تعبثون " قال : تلعبون .
وقوله : " وتتخذون مصانع " اختلف أهل التأويل في معنى المصانع ، فقال بعضهم : هي قصور مشيدة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " وتتخذون مصانع " قال : قصور مشيدة ، وبنيان مخلدة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " مصانع " : قصور مشيدة وبنيان .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن مجاهد ،قال : " مصانع " يقول : حصون وقصور .
حدثني يونس ، قال : أخبرنايحيى بن حسان ، عن مسلم ، عن رجل ، عن مجاهد قوله : " مصانع لعلكم تخلدون " قال : أبرجة الحمام .
وقال آخرون : بل هي مآخذ للماء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " مصانع " قال : مآخذ الماء .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن المصانع جمع مصنعة ، والعرب تسمي كل بناء مصنعة ، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورا وحصونا مشيدة ، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء ، ولا خير يقطع العذر بأي ذلك كان ،ولا هو مما يدرك من جهة العقل .
فالصواب أن يقال فيه ، ما قال الله : إنهم كانوا يتخذون مصانع .
وقوله : " لعلكم تخلدون " يقول : كأنكم تخلدون ، فتبقون في الأرض .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " لعلكم تخلدون " يقول : كأنكم تخلدون .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال :في بعض الحروف وتتخذون مصانع كأنكم تخلدون . وكان ابن زيد يقول : لعلكم في هذا الموضع استفهام .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون " قال : هذا استفهام ، يقول : لعلكم تخلدون حين تبنون هذه الأشياء .
وكان بعض أهل العربية يزعم أن لعلكم في هذا الموضع بمعنى كيما .
وقوله : " وإذا بطشتم بطشتم جبارين " يقول : وإذا سطوتم قتلا بالسيوف ، وضربا بالسياط .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج " وإذا بطشتم بطشتم جبارين " قال : القتل بالسيف والسياط .
قوله تعالى : " أتبنون بكل ريع آية تعبثون " الريع ما ارتفع من الأرض في قول ابن عباس وغيره ، جمع ريعة ، وكم ريع أرضك أي كم ارتفاعها . وقال قتادة : الريع الطريق ز وهو قول الضحاك و الكلبي و مقاتل و السدي . وقاله ابن عباس أيضاً . ومنه قول المسيب بن علس :
في الآل يخفضها ويرفعها ريع يلوح كأنه سحل
شبه الطريق بثوب النحاس : ومعروف في اللغة أن يقال لما ارتفع من الأرض ريع وللطريق ريع . قال الشاعر :
طراق الخوافي مشرق فوق ريعة ندى ليله في ريشه يترقرق
وقال عمارة : الريع الجبل الواحد ريعة والجمع رياع . وقال مجاهد : هو الفج بين الجبلين . وعنه الثنية الصغيرة . وعنه : المنظرة . وقال عكرمة و مقاتل : كانوا يهتدون بالنجوم إذا سافروا ، فبنوا على الطريق أمثالاً طوالاً ليهتدوا بها : يدل عليه قوله تعالى : "آية " أي علامة . وعن مجاهد : اريع بنيان الحمام دليله " تعبثون " أي تلعبون ، أي تبنون بكل مكان مرتفع آية علما تلعبون بهها على معنى أبنية الحمام وبروجها . وقيل : تعبثون بمن يمر في الطريق . أي تبنون بكل موضع مرتفع لتشرفوا على السابلة فتسخروا منهم . وقال الكلبي : إنه عبث العشارين بأموال من يمر بهم ، ذكره الماوردي . وقال ابن العربي : الريع الصومعة ، والريع البرج من الحمام بكون في الصحراء . والريع التل العالي . وفي الريع لغتان ، كسر الراء وفتحها وجمعها أرياع ، ذكره الثعلبي .
وهذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله هود عليه السلام, أنه دعا قومه عاداً, وكان قومه يسكنون الأحقاف, وهي جبال الرمل قريباً من حضرموت, من جهة بلاد اليمن, وكان زمانهم بعد قوم نوح, كما قال في سورة الأعراف "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة" وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد, والطول المديد, والأرزاق الدارة, والأموال والجنات والأنهار, والأبناء والزروع والثمار, وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه, فبعث الله هوداً إليهم رجلاً منهم رسولاً وبشيراً ونذيراً, فدعاهم إلى الله وحده, وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته وبطشه, فقال لهم كما قال نوح لقومه إلى أن قال "أتبنون بكل ريع آية تعبثون" اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة, يبنون هناك بنياناً محكماً هائلاً باهراً, ولهذا قال "أتبنون بكل ريع آية" أي معلماً بناء مشهوراً "تعبثون" أي وإنما تفعلون ذلك عبثاً لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة, ولهذا أنكر عليه نبيهم عليهم السلام ذلك, لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة, واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الاخرة, ولهذا قال "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" قال مجاهد : والمصانع البروج المشيدة والبنيان المخلد, وفي رواية عنه: بروج الحمام. وقال قتادة : هي مأخذ الماء.
قال قتادة : وقرأ بعض الكوفيين " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ". وفي القراءة المشهورة "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" أي لكي تقيموا فيها أبداً وذلك ليس بحاصل لكم بل زائل عنكم, كما زال عمن كان قبلكم. وروى ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبي , حدثنا الحكم بن موسى , حدثنا الوليد , حدثنا ابن عجلان , حدثني عون بن عبد الله بن عتبة أن أبا الدرداء رضي الله عنه لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البنيان ونصب الشجر, قام في مسجدهم فنادى: يا أهل دمشق, فاجتمعوا إليه, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: ألا تستحيون, ألا تستحيون, تجمعون ما لا تأكلون, وتبنون ما لا تسكنون, وتأملون ما لا تدركون, إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون, ويبنون فيوثقون, ويأملون فيطيلون, فأصبح أملهم غروراً, وأصبح جمعهم بوراً, وأصبحت مساكنهم قبوراً, ألا إن عاداً ملكت ما بين عدن وعمان خيلاً وركاباً, فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟.
وقوله "وإذا بطشتم بطشتم جبارين" أي يصفهم بالقوة والغلظة والجبروت "فاتقوا الله وأطيعون" أي اعبدوا ربكم وأطيعوا رسولكم, ثم شرع يذكرهم نعم الله عليهم, فقال " واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أي إن كذبتم وخالفتم, فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب, فما نفع فيهم.
128- "أتبنون بكل ريع آية تعبثون" الريع المكان المرتفع من الأرض جمع ريعة، يقال كم ريع أرضك؟ أي كم ارتفاعها. قال أبو عبيدة: الريع الارتفاع جمع ريعة. وقال قتادة والضحاك والكلبي: الريع الطريق، وبه قال مقاتل والسدي. وإطلاق الريع على ما ارتفع من الأرض معروف عند أهل اللغة، ومنه قول ذي الرمة:
طراق الخوافي مشرف فوق ريعة بذي ليلة في ريشه يترقرق
وقيل الريع الجبل، واحدة ريعة، والجمع أرياع. وقال مجاهد: هو الفج بين الجبلين، وروي عنه أنه الثنية الصغيرة، وروي عنه أيضاً أنه المنظرة. ومعنى الآية: أنكم تبنون بكل مكان مرتفع علماً تعبثون ببنيانه وتلعبون بالمارة وتخسرون منهم، لأنكم تشرفون من ذلك البناء المرتفع على الطريق فتؤذون المارة وتخسرون منهم. قال الكلبي: إنه عبث العشارين بأموال من يمر بهم حكاه الماوردي. قال ابن الأعرابي: الريع الصومعة، الريع الرج يكون في الصحراء، والريع التل العالي، وفي الريع لغتان كسر الراء وفتحها.
128- " أتبنون بكل ريع "، قال الوالبي عن ابن عباس: أي: بكل شرف. وقال الضحاك ومقاتل والكلبي: بكل طريق، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، وعن مجاهد قال: هو الفج بين الجبلين. وعنه أيضاً: أنه المنظرة. "آيةً"، أي: علامة، "تعبثون"، بمن مر بالطريق، والمعنى: أنهم كانوا يبنون المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم. وعن سعيد بن جبير ومجاهد: هذا في بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها، بدليل قوله: "تعبثون"، أي: تعلبون، وهم كانوا يلعبون بالحمام. وقال أبو عبيدة: الريع: المكان المرتفع.
128 -" أتبنون بكل ريع " بكل مكان مرتفع ، ومنه ريع الأرض لارتفاعها . " آيةً " علماً للمارة . " تعبثون " ببنائها إذ كانوا يهتدون بالنجوم في أسفارهم فلا يحتاجون إليها أو بروج الحمام ، أو بنياناً يجتمعون إليه للعبث بمن يمر عليهم ، أو قصوراً يفتخرون بها .
128. Build ye on every high place a monument for vain delight?
128 - Do ye build a landmark on every high place to amuse yourselves?