[الفرقان : 76] خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا
76 - (خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما) موضع إقامة لهم واولئك وما بعده خبر عباد الرحمن المبتدأ
يقول تعالى ذكره : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ، خالدين في الغرفة ، يعني أنهم ماكثون فيها ، لابثون إلى غير أمد ، حسنت تلك الغرفة قرارا لهم ومقاما ، يقول : وإقامة . وقوله : " قل ما يعبأ بكم ربي " يقول جل ثناؤه لنبيه : قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلت إليهم : أي شيء يعدكم ، وأي شيء يصنع بكم ربي ، يقال منه : عبأت به أعبأ عبئا ، وعبأت الطيب أعبؤه : إذا هيأته ، كما قال الشاعر :
‌‌ كأن بنحره وبمنكبيه عبيرا بات يعبؤه عروس
يقول : يهيئه ويعمله يعبؤه عبا وعبوءا ، ومنه قولهم : عبأت الجيش بالتشديد والتخفيف فأنا أعبئه : أهيئه والعبء : الثقل .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " قل ما يعبأ بكم ربي " يصنع لولا دعاؤكم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " قل ما يعبأ بكم ربي " قال : يعبأ : يفعل .
وقوله : " لولا دعاؤكم " يقول : لولا عبادة من بعبده منكم ، وطاعة من يطيعه منكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم " يقول : لولا إيمانكم ، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين .
وحدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : " لولا دعاؤكم " قال : لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه وتطيعوه .
وقوله : " فقد كذبتم " يقول تعالى ذكره لمشركي قريش قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد كذبتم أيها القوم رسولكم الذي أرسل إليكم وخالفتم أمر ربكم الذي أمر بالتمسك به لو تمسكتم به ، كان يعبأ بكم ربي ، فسوف يكون تكذيبكم رسول ربكم ، وخلافكم أمر بارئكم ، عذابا لكم ملازما ، قتلا بالسيوف وهلاكا لكم مفنيا يلحق بعضكم بعضا ، كما قال ابو ذؤيب الهذلي :
‌ ففاجأه بعادية لزام كما يتفجر الحوض اللقيف
يعين باللزام : الكبير الذي يتبع بعضه بعضا ، وبالقيف : المتساقط الحجارة المتهدم ، ففعل الله ذلك بهم ، وصدقوهم وعده ، وقتلهم يوم بدر بأيدي أوليائه ، وألحق بعضهم ببعض ، فكان ذلك العذاب اللزام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرني مولى لشقيق بن ثور أنه سمع سلمان أبا عبد الله ، قال : صليت مع ابن الزبير فسمعته يقرأ : فقد كذب الكافرون .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سعيد بن أدهم السدوسي ، قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن عبد المجيد ، قال : سمعت مسلم بن عمار ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ هذا الحرف : فقد كذب الكافرون " فسوف يكون لزاما " .
حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، " قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما " يقول : كذب الكافرون أعداء الله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا دواد ، عن عامر ، عن ابن مسعود قال : فسوف يلقون لزاما يوم بدر .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : قال عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : " فسوف يكون لزاما " قال أبي بن كعب : هو القتل يوم بدر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثما سلمة ، عن عمرو ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : اللزام : يوم بدر .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد : " فسوف يكون لزاما " قال : هو يوم بدر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فسوف يكون لزاما " قال : يوم بدر .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر عن منصور ، عن سفيان ، عن ابن مسعود ، قال : اللزام : القتل يوم بدر .
حدثت عن الحسين سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " فقد كذبتم فسوف يكون لزاما " الكار كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله ، فسوف يكون لزاما ، وهو يوم بدر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبدالله ، قال : قد مضى اللزام ، كان اللزام يوم بدر ، أسروا سبعين ، وقتلوا سبعين .
وقال آخرون : معنى اللزام : القتال .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " فسوف يكون لزاما " قال : فسوف يكون قتالا، اللزام : القتال .
وقال آخرون : اللزام : الموت .
ذكر من قال ذلك .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " فسوف يكون لزاما " قال : موتا .
وقال بعض أهل العلم بكلام العرب : معنى ذلك : فسوف يكون جزاء يلزم كل عامل ما علم من خير أو شر .
وقد بينا الصواب من القول في ذلك . وللنصب في اللزام وجه آخر غير الذي قلناه ، وهو أن يكون في قوله : " يكون " مجهول ، ثم ينصب اللزام على الخبر كما قيل :
إذا كان طعنا بينهم وقتالا
وقد كان بعض من لا علم له بأقوال أهل العلم يقول في تأويل ذلك : قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد ، وهذا قول لا معنى للتشاغل به لخروجه عن أقوال أهل العلم من أهل التأويل .
قوله تعالى : " خالدين " نصب على الحال " فيها حسنت مستقرا ومقاما " .
لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة, والأقوال والأفعال الجليلة, قال بعد ذلك كله "أولئك" أي المتصفون بهذه "يجزون" يوم القيامة "الغرفة" وهي الجنة, قال أبو جعفر الباقر وسعيد بن جبير والضحاك والسدي : سميت بذلك لا رتفاعها "بما صبروا" أي على القيام بذلك "ويلقون فيها" أي في الجنة "تحية وسلاماً" أي يبتدرون فيها بالتحية والإكرام, ويلقون التوقير والاحترام, فلهم السلام وعليهم السلام, فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وقوله تعالى: "خالدين فيها" أي مقيمين لا يظعنون ولا يحولون ولا يموتون ولا يزولون عنها ولا يبغون عنها حولاً, كما قال تعالى: "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض" الاية.
وقوله تعالى: "حسنت مستقراً ومقاماً" أي حسنت منظراً وطابت مقيلاً ومنزلاً, ثم قال تعالى: "قل ما يعبأ بكم ربي" أي لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه, فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلاً. قال مجاهد وعمرو بن شعيب "قل ما يعبأ بكم ربي" يقول: ما يفعل بكم ربي. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "قل ما يعبأ بكم ربي" الاية, يقول: لولا إيمانكم. وأخبر تعالى الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين, ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين.
وقوله تعالى: "فقد كذبتم" أيها الكافرون "فسوف يكون لزاماً" أي فسوف يكون تكذيبكم لزاماً لكم, يعني مقتضياً لعذابكم وهلاككم ودماركم في الدنيا والاخرة, ويدخل في ذلك يوم بدر, كما فسره بذلك عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم. وقال الحسن البصري "فسوف يكون لزاماً" أي يوم القيامة, ولا منافاة بينهما.
وانتصاب 76- "خالدين فيها" على الحال: أي مقيمين فيها من غير موت "حسنت مستقراً ومقاماً" أي حسنت الغرفة مستقراً يستقرون فيه، ومقاماً يقيمون به، وهذا في مقابل ما تقدم من قوله: "ساءت مستقراً ومقاماً".
76- "خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً"، أي: موضع قرار وإقامة.
76ـ " خالدين فيها " لا يموتون فيها ولا يخرجون . " حسنت مستقراً ومقاماً " مقابل " ساءت مستقراً " معنى ومثله إعراباً .
76. Abiding there for ever. Happy is it as abode and station!
76 - Dwelling therein; how beautiful an abode and place of rest!