[الفرقان : 60] وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا
60 - (وإذا قيل لهم) لكفار مكة (اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا) بالفوقانية والتحتانية والآمر محمد ولا نعرفه لا (وزادهم) هذا القول (نفورا) عن الإيمان
يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم : " اسجدوا للرحمن " : أي أجعلوا سجودهم لله خالصا دون الآلهة والأوثان ، قالوا : " أنسجد لما تأمرنا " .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة و البصرة " لما تأمرنا " بمعنى : أنسجد نحن يا محمد لما تأمرنا أنت أن نسجد له . وقرأته عامة قراء الكوفة لما يأمرنا بالياء ، بمعنى : أنسجد لما يأمر الرحمن . وذكر بعضهم أن مسيلمة كان يدعى الرحمن ، فلما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : اسجدوا للرحمن ، قالوا : أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة ؟ يعنون مسيلمة بالسجود له .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان مستفيضتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منها علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله " وزادهم نفورا " يقول : وزاد هؤلاء المشركين قول القائل لهم : اسجدوا للرحمن من إخلاص السجود لله وإفراد الله بالعبادة بعدا مما دعوا إليه من ذلك فرارا .
قوله تعالى : " وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن " أي الله تعالى . " قالوا وما الرحمن " على جهة الإنكار والتعجب ، أي ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، يعنون مسيلمة الكذاب وزعم القاضي أبو بكر بن العربي أنهم إنما جهلوا الصفة لا الموصوف ، واستدل على ذلك بقوله : " وما الرحمن " ولم يقولوا ومن الرحمن . قال ابن الحصار : وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى : " وهم يكفرون بالرحمن " [ الرعد : 30 ] . " أنسجد لما تأمرنا " هذه قراءة المدنيين والبصريين ، أي لما تأمرنا أنت يا محمد . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم . وقرأ الأعمش و حمزة و الكسائي : ( يأمرنا ) بالياء . يعنون الرحمن ، كذا تأوله أبو عبيد ، قال : ولو أهروا بأن الرحمن أمرهم ما كانوا كفاراً . فقال النحاس : وليس يجب أن يتأول عن الكوفيين في قراءتهم هذا التأويل البعيد ، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم " أنسجد لما تأمرنا " النبي صلى الله عليه وسلم ، فتصح القراءة على هذا وإن كانت الأولى أبين وأقرب تناولاً
" وزادهم نفورا " أي زادهم قول القائل لهم اسجدوا للرحمن نفوراً عن الدين وكان سفيان الثوري يقول في هذه الآية : إلهي زادني لك خضوعاً ما زاد أعداك نفوراً .
يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام التي لا تملك له ضراً ولا نفعاً, بلا دليل قادهم إلى ذلك, ولا حجة أدتهم إليه بل بمجرد الاراء والتشهي والأهواء, فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم, ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم, ولهذا قال تعالى: "وكان الكافر على ربه ظهيراً" أي عوناً في سبيل الشيطان على حزب الله وحزب الله هم الغالبون, كما قال تعالى: " واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون " أي آلهتهم التي اتخذوها من دون الله لا تملك لهم نصراً, وهؤلاء الجهلة للأصنام جند محضرون يقاتلون عنهم, ويذبون عن حوزتهم, ولكن العاقبة والنصرة لله ولرسوله وللمؤمنين في الدنيا والاخرة.
قال مجاهد "وكان الكافر على ربه ظهيراً" قال: يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه. وقال سعيد بن جبير : "وكان الكافر على ربه ظهيراً" يقول: عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك وقال زيد بن أسلم "وكان الكافر على ربه ظهيراً" قال: موالياً, ثم قال تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه "وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً" أي بشيراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين, مبشراً بالجنة لمن أطاع الله ونذيراً بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله "قل ما أسألكم عليه من أجر" أي على هذا البلاغ وهذا الإنذار من أجرة أطلبها من أموالكم, وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى "لمن شاء منكم أن يستقيم" "إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً" أي طريقاً ومسلكاً ومنهجاً يقتدي فيها بما جئت به.
ثم قال تعالى: "وتوكل على الحي الذي لا يموت" أي في أمورك كلها كن متوكلاً على الله الحي الذي لا يموت أبداً, الذي هو " الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " الدائم الباقي السرمدي الأبدي الحي القيوم ورب كل شيء ومليكه اجعله ذخرك وملجأك, وهو الذي يتوكل عليه ويفزع إليه, فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك, كما قال تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس".
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل قال: قرأت على معقل يعني ابن عبيد الله , عن عبد الله بن أبي حسين عن شهر بن حوشب قال: " لقي سلمان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض فجاج المدينة فسجد له, فقال لا تسجد لي يا سلمان, واسجد للحي الذي لا يموت " وهذا مرسل حسن. وقوله تعالى: "وسبح بحمده" أي اقرن بين حمده وتسبيحه, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك" أي أخلص له العبادة والتوكل, كما قال تعالى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" وقال تعالى: "فاعبده وتوكل عليه" وقال تعالى: "قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا".
وقوله تعالى: "وكفى به بذنوب عباده خبيراً" أي بعلمه التام الذي لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة. وقوله تعالى: "الذي خلق السموات والأرض" الاية, أي هو الحي الذي لا يموت, وهو خالق كل شيء وربه ومليكه, الذي خلق بقدرته السموات السبع في ارتفاعها واتساعها, والأرضين السبع في سفولها وكثافتها "في ستة أيام ثم استوى على العرش" أي يدبر الأمر, ويقضي الحق, وهو خير الفاصلين.
وقوله "ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً" أي استعلم عنه من هو خبير به عالم به, فاتبعه واقتد به, وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه, سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والاخرة, الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى, فما قاله فهو الحق, وما أخبر به فهو الصدق, وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء وجب رد نزاعهم إليه, فما وافق أقواله وأفعاله فهو الحق, وما خالفها فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان, قال الله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء" الاية, وقال تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" وقال تعالى: "وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً" أي صدقاً في الإخبار وعدلاً في الأوامر والنواهي, ولهذا قال تعالى: "فاسأل به خبيراً".
قال مجاهد : في قوله "فاسأل به خبيراً" قال: ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك وكذا قال ابن جريج . وقال شمر بن عطية في قوله "فاسأل به خبيراً" هذا القرآن خبير به. ثم قال تعالى منكراً على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد "وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن" أي لا نعرف الرحمن, وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمن, كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين " قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم , فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم, ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم " , ولهذا أنزل الله تعالى: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " أي هو الله وهو الرحمن وقال في هذه الاية "وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن" أي لا نعرفه ولا نقر به "أنسجد لما تأمرنا" أي لمجرد قولك "وزادهم نفوراً" فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم, ويفردونه بالإلهية, ويسجدون له, وقد اتفق العلماء رحمهم الله على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها لقارئها ومستمعها, كما هو مقرر في موضعه, والله سبحانه وتعالى أعلم.
فقال: 60- "وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن" قال المفسرون: إنهم قالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسلمة. قال الزجاج: الرحمن اسم من أسماء الله، فلما سمعوه أنكروا فقالوا وما الرحمن "أنسجد لما تأمرنا" والاستفهام للإنكار: أي لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بالسجود له، ومن قرأ بالتحتية فالمعنى: أنسجد لما يأمرنا محمد بالسجود له. وقد قرأ المدنيون والبصريون "لما تأمرنا" بالفوقية، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي بالتحتية. قال أبو عبيد: يعنون الرحمن. قال النحاس: وليس يجب أن يتأول على الكوفيين في قراءتهم هذا التأويل البعيد، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم اسجدوا لما يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم فتصبح القراءة على هذا، وإن كانت الأولى أبين "وزادهم نفوراً" أي زادهم الأمر بالسجود نفوراً على الدين وبعد عنه، وقيل زادهم ذكر الرحمن تباعداً من الإيمان، كذا قال مقاتل، والأول أولى. ثم ذكر سبحانه ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود للرحمن.
60- "وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن"، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، كانوا يسمونه رحمن اليمامة. "أنسجد لما تأمرنا"، قرأ حمزة والكسائي يأمرنا بالياء، أي: لما يأمرنا محمد بالسجود له، وقرأ الآخرون بالتاء، أي: لما تأمرنا أنت يا محمد، "وزادهم" يعني: زادهم قول القائل لهم: اسجدوا للرحمن "نفوراً"، عن الدين والإيمان.
60ـ " وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن " لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله ، أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيره ولذلك قالوا : " أنسجد لما تأمرنا " أي للذي تأمرنا يعني تأمرنا بسجوده أو لأمرك لنا من غير عرقان . وقيل لأنه كان معرباً لم يسمعوه . وقرأ حمزة و الكسائي (( يأمرنا )) بالياء على أنه قول بعضهم لبعض . " وزادهم " أي الأمر بالسجود " للرحمن" . " نفوراً " عن الإيمان .
60. And when it is said unto them: Adore the Beneficent! they say: And what is the Beneficent? Are we to adore whatever thou (Muhammad) biddest us? And it increaseth aversion in them.
60 - When it is said to them, Adore ye (God) Most Gracious! They say, And what is (God) Most Gracious? Shall we adore that which thou commandest us? And it increases their flight (from the Truth).