[الفرقان : 52] فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا
52 - (فلا تطع الكافرين) في هواهم (وجاهدهم به) أي القرآن (جهادا كبيرا)
القول في تأويل قوله تعالى :" فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا " .
قوله تعالى : "فلا تطع الكافرين " أي فلما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم . " وجاهدهم به " قال ابن عباس بالقرآن . ابن زيد بالإسلام . وقيل : بالسيف ، وهذا فيه بعد ، لأن السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال . " جهادا كبيرا " لا يخالطه فتور .
يقول تعالى: "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً" يدعوهم إلى الله عز وجل, ولكنا خصصناك يا محمد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض, وأمرناك أن تبلغهم القرآن "لأنذركم به ومن بلغ" "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" "لتنذر أم القرى ومن حولها" "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً". وفي الصحيحين "بعثت إلى الأحمر والأسود", وفيهما " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة, وبعثت إلى الناس عامة" ولهذا قال تعالى: "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به" يعني القرآن, قاله ابن عباس , "جهاداً كبيراً" كما قال تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين" الاية.
وقوله تعالى: "وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج" أي خلق الماءين: الحلو والملح, فالحلو كالأنهار والعيون والابار, وهذا هو البحر الحلو العذب الفرات الزلال, قاله ابن جريج , واختاره ابن جرير , وهذا المعنى لا شك فيه, فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات, والله سبحانه وتعالى إنما أخبر بالواقع لينبه العباد على نعمه عليهم ليشكروه, فالبحر العذب هو هذا السارح بين الناس, فرقه الله تعالى بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهاراً وعيوناً في كل أرض, بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأرضيهم.
وقوله تعالى: "وهذا ملح أجاج" أي مالح مر زعاق لا يستساغ, وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب: البحر المحيط وما يتصل به من الزقاق, وبحر القلزم, وبحر اليمن, وبحر البصرة, وبحر فارس, وبحر الصين والهند, وبحر الروم, وبحر الخزر, وما شاكلها وما شابهها من البحار الساكنة التي لا تجري, ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح, ومنها ما فيه مد وجزر, ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض, فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتى ترجع إلى غايتها الأولى, فإذا استهل الهلال من الشهر الاخر شرعت في المد إلى الليلة الرابعة عشرة, ثم تشرع في النقص, فأجرى الله سبحانه وتعالى ـ وهو ذو القدرة التامة ـ العادة بذلك, فكل هذه البحار الساكنة, خلقها الله سبحانه وتعالى مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء, فيفسد الوجود بذلك, ولئلا تجوى الأرض بما يموت فيها من الحيوان, ولما كان ماؤها مالحاً, كان هواؤها صحيحاً وميتتها طيبة, ولهذا " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن ماء البحر: أنتوضأ به ؟ فقال " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " " رواه الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأهل السنن بإسناد جيد.
وقوله تعالى: "وجعل بينهما برزخاً وحجراً" أي بين العذب والمالح "برزخاً" أي حاجزاً وهو اليبس من الأرض, "وحجراً محجوراً" أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الاخر, كقوله تعالى: " مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان " وقوله تعالى: "أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله ؟ بل أكثرهم لا يعلمون" وقوله تعالى: "وهو الذي خلق من الماء بشراً" الاية, أي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله وجعله كامل الخلقة ذكراً وأنثى, كما يشاء, "فجعله نسباً وصهراً" فهو في ابتداء أمره ولد نسيب, ثم يتزوج فيصير صهراً, ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات, وكل ذلك من ماء مهين, ولهذا قال تعالى: "وكان ربك قديراً".
52- "فلا تطع الكافرين" فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم، بل اجتهد في الدعوة واثبت فيها والضمير في قوله: "وجاهدهم به جهاداً كبيراً" راجع إلى القرآن: أي جاهدهم بالقرآن واتل عليهم ما فيه من القوارع والزواجر والأوامر والنواهي. وقيل الضمير يرجع إلى الإسلام، وقيل بالسيف، والأول أولى. وهذه السورة مكية، والأمر بالقتال إنما كان بعد الهجرة. وقيل الضمير راجع إلى ترك الطاعة المفهوم من قوله: "فلا تطع الكافرين" وقيل الضمير يرجع إلى ما دل عليه قوله: "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً" لأنه سبحانه لو بعث في كل قرية نذيراً لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة القرية التي أرسل إليها، وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى وهو محمد صلى الله عليه وسلم فلا جرم اجتمع عليه كل المجاهدات، فكبر جهاده، وعظم وصار جامعاً لكل مجاهدة، ولا يخفى ما في هذين الوجهين من البعد. ثم ذكر سبحانه دليلاً رابعاً على التوحيد.
52- "فلا تطع الكافرين" فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم. "وجاهدهم به" أي: بالقرآن، "جهاداً كبيراً"، شديداً.
52ـ" فلا تطع الكافرين " فيما يريدونك عليه ، وهو تهييج له عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين . " وجاهدهم به " بالقرآن أوبترك طاعتهم الذي يدل عليه فلا تطع ، والمعنى إنهم يجتهدون في إبطال حقك فقابلهم بالاجتهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم ." جهاداً كبيراً " لأن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف ، أو لأن مخالفتهم ومعاداتهم فيما بين أظهرهم مع عتوهم وظهورهم ، أو لأنه جهاد مع كل الكفرة لأنه مبعوث إلى كافة القرى .
52. So obey not the disbelievers, but strive against them herewith with a great endeavor.
52 - Therefore listen not to the Unbelievers, but strive against them with the utmost strenuousness, with the (Quran).