[الفرقان : 38] وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً
38 - واذكر (وعادا) قوم هود (وثمود) قوم صالح (وأصحاب الرس) اسم بئر ونبيهم قيل شعيب وقيل غيره كانوا قعودا حولها فانهارت بهم وبمنازلهم (وقرونا) أقواما (بين ذلك كثيرا) بين عاد وأصحاب الرس
يقول تعالى ذكره : ودمرنا أيضا عادا و ثمود و أصحاب الرس .
و اختلف أهل التأويل في أصحاب الرس ، فقال بعضهم : أصحاب الرس من ثمود .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : " وأصحاب الرس " قال : قرية من ثمود .
و قال آخرون : بل هي قرية من اليمامة يقال لها الفلج .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : ثني ابو وهب ، قال : ثنا جرير بن حازم ، قال : قال قتادة : الرس : قرية من اليمامة يقال لها الفلج .
حدثنا القاسم ، ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال عكرمة : أصحاب الرس بفلج هم أصحاب يس .
وقال آخرون : هم قوم رسوا نبيهم في بئر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ،قال : ثنا سفيان ، عن أبي بكر ، عن عكرمة ، قال : كان الرس بئرا رسوا فيها نبيهم .
و قال آخرون : هي بئر كانت تسمى الرس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، " و أصحاب الرس " قال : هي بئر كانت تسمى الرس .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى عن مجاهد في قوله : " و أصحاب الرس " قال : الرس بئر كان عليها قوم .
قال أبو جعفر : و الصواب من القول في ذلك ، قول من قال : هم قوم كانوا على بئر ، و ذلك أن الرس في كلام العرب كل محفور مثل البئر و القبر و نحو ذلك ، و منه قول الشاعر : ‌
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌+ سبقت لاإلا فرط باهل تنابلة يحفرون الرساسا +
يريد أنهم يحفرون المعادن ، ولا أعلم قوما كانت لهم قصة بسبب حفرة ذكرهم الله في كتابه إلالا أصحاب الأخدود ، فإن يكونوا هم المعنيين بقوله : " و أصحاب الرس " فإنا سنذكر خبرهم إن شاء الله إذا انتهينا إلى سورة البروج ، و إن يكونوا غيرهم فلا نعرف لهم خبرا ، إلا ما جاء من جملة الخبر عنهم أنهم قوم رسوا نبيهم في حفرة . إلا ما :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود ، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي عليه السلام ، فحروا له بئرا فألقوه فيها ، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم ، قال : وكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبة فيبعيه ، فيشتري به طعاما و شرابا ، ثم يأتي به إلى ذلك البئر ، فيرفع تلك الصخرة ، فيعينه الله عليها ، فيدلي إليه طعامه و شرابه ، ثم يعيدها كما كانت ،قال : فكان كذلك ما شاء الله أن يكون ، ثم إنه ذهب يوما يحتطب ، كما كان يصنع ، فجمع حطبه ، و حزم حزمته و فرغ منه ، فلما أراد أن يحتملها وجد سنة ، فاضطجع فنام ، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ، ثم إنه هب فاحتمل حزمته ، فتحول لشقة الآخر ، فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ، ثم إنه هب فاحتمل حزمته ، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع ثم ذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده ، و قد كان بدا لقومه فيه بداء نفاستخردوه و آمنوا به و صدقوه ، قال : فكان النبي عليه السلام يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل ؟ فيقولون : ما ندري . حتى قبض الله النبي ، فأهب الله الأسود من نومته بعد ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة غير أن هؤلاء في هذا الخبر يذكر محمد بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أهم آمنوا بينهم و استخرجوه من حفرته ، فلا يتبغي أن يكونوا المعنيين بقوله : " وأصحاب الرس " لأن الله أخبر عن الجقرة و آمنوا به ، فيكون ذلك وجها " وقرونا بين ذلك كثيرا " يقول : و دمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سميناها لكم أمما كثيرة .
كما حدثنا الحسن بن شبيب ، قال : ثنا خلف بن خليفة ، عن جعفر بن علي بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : خلفت بالمدينة عمي ممن يفتي على أن القرن سبعون سنة ، و كان عمه عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي رضي الله عنه .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، قال : القرن أربعون سنة .
وقوله : " وكلا ضربنا له الأمثال " يقول تعالى ذكره : و كل هذه الأمم التي أهلكناها التي سميناها لكم أو لم نسمها ضربنا له الأمثا ، يقول : مثلنا له الأمثال و نبهناها على حججنا عليها ، و أعذرنا إليها بالعبر و المواعظ ، فلم نهلك منهم أمة إلا بعد الإبلاغ إليهم في المعذرة .
و بهحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : " وكلا ضربنا له الأمثال " قال : كل قد أعذر الله إليه ، ثم انتقم منه .
و قوله : " وكلا تبرنا تتبيرا " يقول تعالى ذكره : و كل هؤلاء الذين ذكرنا لكمن أمرهم استأصلناهم ، فدمرناهم بالعذاب إبادة ، و أهلكناهم جميعا .
وبنحو الذي قلنا ف ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قا : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : اخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : " وكلا تبرنا تتبيرا " قال : تبر الله كلا بعذاب تتبيرا .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، " و كلا تبرنا تتبيرا " قال : تتبير بالنبطية .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قوله " وكلا تبرنا تتبيرا " قال : بالعذاب .
قوله تعالى : " وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا " كله معطوف على " قوم نوح " إذا كان " قوم نوح " منصوباً على العطف ، أو بمعنى اذكر . ويجوز أن يكون كله منصوباً على أنه معطوف على المضمر في " دمرناهم " أو على المضمر في " جعلناهم " وهو اختيار النحاس ، لأنه أقرب إليه . ويجوز أن يكون من صوباً بإضمار فعل ، أي اذكر عاداً الذين كذبوا هوداً فأهلكم الله بالريح العقيم ، وثموداً كذبوا صالحاً فأهلكوا بالرجفة . " وأصحاب الرس " والرس في كلام العرب البئر التي تكون غير مطوية ، والجمع رساس . قال :
تنابلة يحفرون الرساسا يعني آبار المعادن قال ابن عباس : سألت كعباً عن أصحاب الرس قال : صاحب " يس " الذي قال : " يا قوم اتبعوا المرسلين " [ يس : 20 ] قتله قومه ورسوه في بئر لهم يقال لها الرس طرحوه فيها ، وكذا قال مقاتل . السدي : هم أصحاب قصة ( يس ) أهل أنطاكية ، والرس بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار مؤمن آل " يس " فنسبوا إليها . وقال علي رضي الله عنه : هم قوم كانوا يعبدون شجرة صنوبر فدعا عليهم نبيهم ، وكان من ولد يهوذا ، فيبست الشجرة فقتلوه ورسوه في البئر ، فأظلتهم سحابة سوداء فأحرقتهم . وقال ابن عباس : هم قوم بأذربيجان قتلوا أنبياء فجفت أشجارهم وزروعهم فماتوا جوعاً وعطشاً . وقال وهب بن منبه : كانوا أهل بئر يقعدون عليها وأصحاب مواشي ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله إليهم شعيباً فكذبوه وآذوه ، وتمادوا على كفرهم وطغيانهم ، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت بهم وبديارهم ، فخسف الله بهم فهلكوا جميعاً . وقال قتادة : أصحاب الرس وأصحاب الأيكة أمتان أرسل الله إليهما شعيباً فكذبوه فعذبهما الله بعذابين . قال قتادة : والرس قرية بفلج اليمامة . وقال عكرمة : هم قوم رسوا نبيهم في بئر حيا . دليله ما روى محمد بن كعب القرظي عن حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة عبد أسود وذلك أن الله تعالى بعث نبياً إلى قومه فلم يؤمن به إلا ذلك الأسود فحفر أهل القرية بئراً وألقوا فيها نبيهم حياً وأطبقوا عليه حجراً ضخماً وكان العبد الأسود يحتطب على ظهره ويبيعه ويأتيه بطعامه وشرابه فيعينه الله على رفع تلك الصخرة حتى يدليه إليه فبينما هو يحتطب إذ نام فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً ثم وهب من نومه فتمطى واتكأ على شقه الآخر فضرب الله على أذنه سبع سنين ثم وهب فاحتمل حزمة الحطب فباعها وأتى بطعامه وشرابه إلى البئر فلم يجده وكان قومه قد أراهم الله تعالى آية فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه ومات ذلك النبي قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن ذلك العبد الأسود لأول من يدخل الجنة " وذكر هذا الخبر المهدي و الثعلبي ، واللفظ للثعلبي ، وقال : هؤلاء آمنوا بنبييهم فلا يجوز أن يكونوا أصحاب الرس ، لأن الله تعالى أخبر عن أصحاب الرس أنه دمرهم ، إلا أن يدمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم . وقال الكلبي : أصحاب الرس قوم أرسل الله إليهم نبياً فأكلوه السحق ، ذكره، وهم أول من عمل نساؤهم الماوردي . وقيل : هم أصحاب الأخدود الذين حفروا الأخاديد وحرقوا فيها المؤمن ين ، وسيأتي . وقيل : هم بقايا من ثوم ثمود ، وأن الرس البئر المذكورة في " الحج " في قوله : " وبئر معطلة " [ الحج : 45 ] على ما تقدم .وفي الصحاح : والرس اسم بئر كانت لبقية من ثمود . وقال جعفر بن محمد عن أبيه : أصحاب الرس قوم كانوا يستحسنون لنسائهم السحق ، وكان نساؤهم كلهم سحاقات . وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أشراط الساعة أن يكتفي الرجال والنساء بالنساء وذلك السحق " وقيل : الرس ماء ونخل لبني أسد : الثلج المتراكم في الجبال ، ذكره القشري . وما ذكرناه أولاً هو المعروف ، وهو كل حفر احتفر كالقبر والمعدن والبئر . قال أبو عبيدة : الرس كل ركية لم تطو ، وجمعها رساس . قال الشاعر :
وهم سائرون إلى أرضهم فيا ليتهم يحفرون الرساسا
والرس اسم واد في قول زهير :
بكرن بكورا واستحرن بسحرة فمن لوادي الرس كاليد
للفم
ورست رسا : حفرت بئراً . ورس الميت أي قبر . والرس : الإصلاح بين الناس ، والإفساد أيضاً وقد رسست بينهم ، فهو من الأضداد . وقد قيل في أصحاب الرس غير ما ذكرنا ، ذكره الثعلبي وغيره . " وقرونا بين ذلك كثيرا " أي أمماً يعلمهم إلا الله بين قوم نوح وعد وثمود وأصحاب الرس . وعن الربيع بن خيثم اشتكى فقيل له : ألا تتداوى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر به ؟ قال : لقد هممت بذلك ثم فكرت فيما بيني وبين نفسي فإذا عاد وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً كانوا أكثر وأشد حرصاً على جميع المال فكان فيهم أطباء ، فلا الناعت منهم بقي ولا المنعوت ، فأبى أن يتداوى فما مكث إلا خمسة أيام حتى مات ، رحمه الله .
يقول تعالى متوعداً من كذب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من مشركي قومه ومن خالفه, ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله, فبدأ بذكر موسى وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيراً, أي نبياً مؤازراً ومؤيداً وناصراً, فكذبهما فرعون وجنوده " دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها " وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحاً عليه السلام, ومن كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل, إذ لا فرق بين رسول ورسول, ولو فرض أن الله تعالى بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبون, ولهذا قال تعالى: "وقوم نوح لما كذبوا الرسل" ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط, وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل, ويحذرهم نقمه "وما آمن معه إلا قليل" ولهذا أغرقهم الله جميعاً ولم يبق منهم أحداً, ولم يترك من بني آدم على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة فقط "وجعلناهم للناس آية" أي عبرة يعتبرون بها, كما قال تعالى: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية" أي وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لجج البحار لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق, وجعلكم من ذرية من آمن به وصدق أمره.
وقوله تعالى: "وعاداً وثمود وأصحاب الرس" قد تقدم الكلام على قصتيهما في غير ما سورة, كسورة الأعراف بما أغنى عن الإعادة. وأما أصحاب الرس, فقال ابن جريج عن ابن عباس : هم أهل قرية من قرى ثمود. وقال ابن جريج : قال عكرمة : أصحاب الرس بفلج, وهم أصحاب يس. وقال قتادة : فلج من قرى اليمامة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله "وأصحاب الرس" قال: بئر بأذربيجان. وقال الثوري عن أبي بكير , عن عكرمة : الرس بئر رسوا فيها نبيهم, أي دفنوه بها.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود, وذلك أن الله تعالى بعث نبياً إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود, ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئراً فألقوه فيها, ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم, قال: فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره, ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعاماً وشراباً, ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة, ويعينه الله تعالى عليها, فيدلي إليه طعامه وشرابه, ثم يردها كما كانت, قال: فكان ذلك ما شاء الله أن يكون, ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع, فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها, فلما أراد أن يحتملها وجد سنة, فاضطجع فنام, فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً, ثم إنه هب فتمطى فتحول لشقه الاخر فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى, ثم إنه هب واحتمل حزمته ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار, فجاء إلى القرية فباع حزمته, ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع, ثم إنه ذهب إلى الحفيرة موضعها الذي كانت فيه, فالتمسه فلم يجده, وكان قد بدا لقومه فيه بداء فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه, قال: فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل, فيقولون له: لا ندري, حتى قبض الله النبي, هب الأسود من نومته بعد ذلك" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة" وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب مرسلاً, وفيه غرابة ونكارة, ولعل فيه إدراجاً, والله أعلم. وقال ابن جرير : لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن, لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم, وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم, والله أعلم. واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج, فا لله أعلم.
وقوله تعالى: "وقروناً بين ذلك كثيراً" أي وأمما أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرة, ولهذا قال "وكلا ضربنا له الأمثال" أي بينا لهم الحجج ووضحنا لهم الأدلة, كما قال قتادة : وأزحنا الأعذار عنهم "وكلا تبرنا تتبيراً" أي أهلكنا إهلاكاً, كقوله تعالى: "وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح" والقرن هو الأمة من الناس, كقوله "ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين" وحده بعضهم بمائة وعشرين سنة. وقيل بمائة. وقيل بثمانين, وقيل أربعين, وقيل غير ذلك, والأظهر أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد وإذا ذهبوا وخلفهم جيل فهم قرن آخر, كما ثبت في الصحيحين "خير القرون قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم" الحديث "ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء" يعني قرية قوم لوط, وهي سدوم ومعاملتها التي أهلكها الله بالقلب وبالمطر من الحجارة التي من سجيل, كما قال تعالى: "وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين" وقال "وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون" وقال تعالى: "وإنها لبسبيل مقيم" وقال "وإنهما لبإمام مبين" ولهذا قال "أفلم يكونوا يرونها" أي فيعتبروا بما حل بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول وبمخالفتهم أوامر الله "بل كانوا لا يرجون نشوراً" يعني المارين بها من الكفار لا يعتبرون لأنهم لا يرجون نشوراً, أي معاداً يوم القيامة.
وانتصاب 38- "عاداً" بالعطف على قوم نوح، وقيل على محل الظالمين، وقيل على مفعول جعلناهم "وثمود" معطوف على عاداً، وقصة عاد وثمود قد ذكرت فيما سبق "وأصحاب الرس" الرس في كلام العرب: البئر التي تكون غير مطوية، والجمع رساس كذا قال أبو عبيدة، ومنه قول الشاعر:
وهم سائرون إلى أرضهم تنابلة يخفرون الرساسا
قال السدي: هي بئر بإنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار فنسبوا إليها، وهو صاحب يس الذي قال "قال يا قوم اتبعوا المرسلين" وكذا قال مقاتل وعكرمة وغيرهما. وقيل هم قوم بأذربيجان قتلوا أنبياءهم فجفت أشجارهم وزروعهم، فماتوا جوعاً وعطشاً. وقيل كانوا يعبدون الشجر، وقيل كانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله عليهم شعيباً فكذبوه وآذوه. وقيل هم قوم أرسل الله إليهم نبياً فأكلوه، وقيل هم أصحاب الأخدود. وقيل إن الرس: هي البئر المعطلة التي تقدم ذكرها، وأصحابها أهلها. وقال في الصحاح: والرس اسم بئر كانت لبقية ثمود، وقيل الرس: ماء ونخل لبني أسد، وقيل الثلج المتراكم في الجبال. والرس: اسم واد، ومنه قول زهير:
بكرن بكوراً واستحرن بسحرة فهن لوادي الرس كاليد للفم
والرس أيضاً: الإصلاح بين الناس والإفساد بينهم، فهو من الأضداد. وقيل هم أصحاب حنظلة بن صفوان، وهم الذين ابتلاهم الله بالطائر المعروف بالعنقاء "وقروناً بين ذلك كثيراً" معطوف على ما قبله، والقرون جمع قرن: أي أهل قرون، والقرن: مائة سنة، وقيل مائة وعشرون، وقيل القرن أربعون سنة، والإشارة بقوله: "بين ذلك" إلى ما تقدم ذكره من الأمم. وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك.
38- "وعاداً وثمود"، أي: وأهلكنا عاداً وثمود، "وأصحاب الرس"، اختلفوا فيهم، قال وهب بن منبه: كانوا أهل بئر قعوداً عليها، وأصحاب مواشي، يعبدون الأصنام، فوجه الله إليهم شعيباً يدعوهم إلى الإسلام، فتمادوا في طغيانهم، وفي أذى شعيب عليه السلام، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارب البئر، فخسف بهم وبديارهم ورباعهم، فهلكوا جميعاً. والرس: البئر، وكل ركبة لم تطو بالحجارة والآجر فهو رس.
وقال قتادة والكلبي: الرس بئر بفلج اليمامة، قتلوا نبيهم فأهلكهم الله عز وجل.
وقال بعضهم: هم بقية ثمود قوم صالح، وهم أصحاب البئر التي ذكر الله تعالى في قوله: "وبئر معطلة وقصر مشيد" (الحج-45).
وقال سعيد بن جبير: كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فأهلكهم الله تعالى.
وقال كعب ومقاتل والسدي: الرس: بئر بإنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار، وهم الذين ذكرهم الله في سورة يس.
وقيل: هم أصحاب الأخدود، والرس هو الأخدود الذي حفروه.
وقال عكرمة: هم قوم رسوا نبيهم في بئر. وقيل: الرس المعدن، وجمعه رساس.
"وقروناً بين ذلك كثيراً"، أي: وأهلكنا قروناً كثيراً بين عاد وأصحاب الرس.
38ـ " وعاداً وثمود " عطف على هم في " جعلناهم " أو على (( الظالمين )) لأن المعنى ووعدنا الظالمين ، وقرأ حمزة و حفص (( وثمود )) على تأويل القبيلة . " وأصحاب الرس " قوم كان يعبدون الأصنام فبعث الله تعالى إليهم شعيباً فكذبوه ، فبينما هم حول الرس وهي البئر الغير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم . وقيل " الرس " قرية بفلج اليمامة كان فيها بقايا ثمود فبعث إليهم نبي فقتلوه فهلكوا . وقيل الأخدود وقيل بئر بانطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار ، وقيل هو أصحاب حنظلة بن صفوان النبي ابتلاهم الله تعالى بطير عظيم كان فيها من كل لون ، وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتخ أو دمخ وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد، ولذلك سميت مغرباً فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم أنهم قتلوه فأهلكوا . وقيل هم قوم كذبوا نبيهم ورسوه أي دسوه في بئر . " وقروناً " وأهل أعصار قيل القرن أربعون سنة وقيل سبعون وقيل مائة وعشرون . " بين ذلك " إشارة إلى ما ذكر . " كثيراً " لا يعلمها إلا الله .

38. And (the tribes of) Aad and Thamud, and the dwellers in Ar-Rass, and many generations in between.
38 - As also Ad and Thamud, and the Companions of the Rass, and many a generation between them.