[النور : 7] وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
7 - (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) في ذلك وخبر المبتدأ تدفع عنه حد القذف
القول في تأويل قوله تعالى : " والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين " .
" والخامسة " رفع بالابتداء. والخبر " أن " وصلتها، ومعنى المخففة كمعنى المثقلة لأن معناها أنه. وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص " والخامسة " بالنصب، بمعنى وتشهد الشهادة الخامسة. الباقون بالرفع على الابتداء، والخبر في " أن لعنة الله عليه "، أي والشهادة الخامسة قوله لعنة الله عليه.
الثانية: في سبب نزولها، وهو ما رواه أبو داود عن ابن عباس " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
البينة أو حد في ظهرك، قال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينة! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله في أمري ما يبرىء ظهري من الحد، فنزلت " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " فقرأ حتى بلغ " من الصادقين " " الحديث بكماله. وقيل: لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الأزواج وغيرهم " قال سعد بن معاذ: يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني ". وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة، هذا نحو معناها. ثم جاء من بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك بن سحماء البلوي على ما ذكرنا، وعزم النبي صلى الله عليه وسلم على ضربه حد القذف، فنزلت هذه الآية عند ذلك، فجمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وتلاعنا، فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت وقيل إنها موجبة، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فالتعنت، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وولدت غلاماً كأنه جمل أورق - على النعت المكروه - ثم كان الغلام بعد ذلك أميراً بمصر، وهو لا يعرف لنفسه أباً . وجاء أيضاً عويمر العجلاني فرمى امرأته ولاعن. والمشهور أن نازلة هلال كانت قبل، وأنها سبب الآية. وقيل: نازلة عويمر بن أشقر كانت قبل، وهو حديث صحيح مشهور وخرجه الأئمة. قال أبو عبد الله بن أبي صفرة: الصحيح أن القاذف لزوجه عويمر، وهلال بن أمية خطأ. قال الطبري يستنكر قوله في الحديث هلال بن أمية: وإنما القاذف عويمر بن زيد بن الجد بن العجلاني، شهد أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم، رماها بشريك بن السحماء، والسحماء أمه، قيل لها ذلك لسوادها، وهو ابن عبدة بن الجد بن العجلاني، كذلك كان يقول أهل الأخبار. وقيل: " قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الناس في الخطبة يوم الجمعة " والذين يرمون المحصنات " فقال عاصم بن عدي الأنصاري: جعلني الله فداك! لو أن رجلاً منا وجد على بطن امرأته رجلاً، فتكلم فأخبر بما جرى جلد ثمانين، وسماه المسلمون فاسقاً فلا تقبل شهادته، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء، وإلى أن يلتمس أربعة شهود فقد فرغ الرجل من حاجته! فقال عليه السلام: كذلك أنزلت يا عاصم بن عدي. فخرج عاصم سامعاً مطيعاً، فاستقبله هلال بن أمية يسترجع، فقال: ما وراءك؟ فقال: شر! وجدت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة يزني بها "، وخولة هذه بنت عاصم بن عدي، كذا في هذا الطريق أن الذي وجد مع امرأته شريكاً هو هلال بن أمية، والصحيح خلافه حسبما تقدم بيانه. قال الكلبي : والأظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكاً عويمر العجلاني، لكثرة ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته. واتفقوا على أن هذا الزاني هو شريك بن عبدة وأمه السحماء، وكان عويمر وخولة بنت قيس وشريك بني عم عاصم، وكانت هذه القصة في شعبان سنة تسع من الهجرة، منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة، قاله الطبري . وروى الدارقطني " عن عبد الله بن جعفر قال:
حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته، مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، وأنكر حملها الذي في بطنها وقال هو لابن السحماء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هات امرأتك فقد نزل القرآن فيكما، فلاعن بينهما بعد العصر عند المنبر على خمل ". في طريقه الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول... فذكره.
الثالثة: قوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم " عام في كل رمي، سواء قال: زنيت أو يا زانية أو رأيتها تزني، أو هذا الولد ليس مني، فإن الآية مشتملة عليه. ويجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء، وهذا قول جمهور العلماء وعامة الفقهاء وجماعة أهل الحديث. وقد روي عن مالك مثل ذلك. وكان مالك يقول: لا يلاعن إلا أن يقول: رأيتك تزني، أو ينفي حملاً أو ولداً منها. وقول أبي الزناد ويحيى بن سعيد والبتي مثل قول مالك : إن الملاعنة لا تجب بالقذف، وإنما تجب بالرؤية أو نفي الحمل مع دعوى الاستبراء، هذا هو المشهور عند مالك ، وقاله ابن القاسم. والصحيح الأول لعموم قوله: " والذين يرمون أزواجهم ". قال ابن العربي : وظاهر القرآن يكفي لإيجاب اللعان بمجرد القذف من غير رؤية، فلتعولوا عليه، لا سيما " وفي الحديث الصحيح: أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم، فاذهب فأت بها " ولم يكلفه ذكر الرؤية. وأجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته. ولو كانت الرؤية من شرط اللعان ما لاعن الأعمى، قاله ابن عمر رضي الله عنهما. وقد ذكر ابن القصار عن مالك أن لعان الأعمى لا يصح إلا أن يقول: لمست فرجه في فرجها. والحجة لمالك ومن اتبعه ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
" جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلاً، فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلاً، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه، فنزلت: " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " الآية "، وذكر الحديث. وهو نص على أن الملاعنة التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت في الرؤية، فلا يجب أن يتعدى ذلك. ومن قذف امرأته ولم يذكر رؤية حد، لعموم قوله تعالى: "والذين يرمون المحصنات ".
الرابعة: إذا نفى الحمل فإنه يلتعن، لأنه أقوى من الرؤية ولا بد من ذكر عدم الوطء والاستبراء بعده. واختلف علماؤنا في الاستبراء، فقال المغيرة و مالك في أحد قوليهما: يجزي في ذلك حيضة. وقال مالك أيضاً لا ينفيه إلا بثلاث حيض. والصحيح الأول، لأن براءة الرحم من الشغل يقع بها كما في استبراء الأمة، وإنما راعينا الثلاث حيض في العدد لحكم آخر يأتي بيانه في الطلاف إن شاء الله تعالى. وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة: لا ينفى الولد بالاستبراء، لأن الحيض يأتي على الحمل. وبه قال أشهب في كتاب ابن المواز، وقاله المغيرة. وقال: لا ينفى الولد إلا بخمس سنين لأنه أكثر مدة الحمل على ما تقدم.
الخامسة: اللعان عندنا يكون في كل زوجين حرين كانا أو عبدين، مؤمنين أو كافرين، فاسقين أو عدلين. وبه قال الشافعي . ولا لعان بين الرجل وأمته، ولا بينه وبين أم ولده. وقيل: لا ينتفي ولد الأمة عنه إلا بيمين واحدة، بخلاف اللعان. وقد قيل: إنه إذا نفى ولد أم الولد لاعن. والأول تحصيل مذهب مالك ، وهو الصواب. وقال أبو حنيفة : لا يصح اللعان إلا من زوجين حرين مسلمين، وذلك لأن اللعان عنده شهادة، وعندنا وعند الشافعي يمين، فكل من صحت يمينه صح قذفه ولعانه. واتفقوا على أنه لا بد أن يكونا مكلفين. وفي قوله: ((وجد مع امرأته رجلاً)). دليل على أن الملاعنة تجب على كل زوجين، لأنه لم يخص رجلاً من رجل ولا امرأة من امرأة، ونزلت آية اللعان على هذا الجواب فقال: " والذين يرمون أزواجهم " ولم يخص زوجاً من زوج. وإلى هذا ذهب مالك وأهل المدينة، وهو قول الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي عبيد و أبي ثور . وأيضاً فإن اللعان يوجب فسخ النكاح فأشبه الطلاق، فكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه. واللعان أيمان لا شهادات، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: " لشهادتنا أحق من شهادتهما " [المائدة: 107] أي أيماننا. وقال تعالى: " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله " [المنافقون: 1]. ثم قال تعالى: " اتخذوا أيمانهم جنة " [المنافقون: 2]. وقال عليه السلام: " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ". وأما ما احتج به الثوري و أبو حنيفة فهي حجج لا تقوم على ساق، منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والأمة لعان وليس بين الحرة والعبد لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان وليس بين المسلم والنصرانية لعان ". أخرجه الدارقطني من طرق ضعفها كلها. وروي عن الأوزاعي و ابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. واحتجوا من جهة النظر أن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله: " ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " وجب ألا يلاعن إلا من تجوز شهادته. وأيضاً كانت يميناً ما رددت، والحكمة في ترديدها قيامها في الأعداد مقام الشهود في الزنى. قلنا: هذا يبطل بيمين القسامة فإنها تكرر وليست بشهادة إجماعاً، والحكمة في تكرارها التغليظ في الفروج والدماء. قال ابن العربي : والفيصل في أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب، وكيف يجوز لأحد أن يدعي في الشريعة أن شاهداً يشهد لنفسه بما يوجب حكماً على غيره! هذا بعيد في الأصل معدوم في النظر.
السادسة: واختلف العلماء في ملاعنة الأخرس، فقال مالك و الشافعي : يلاعن، لأنه ممن يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه، إذا فهم ذلك عنه. وقال أبو حنيفة : لا يلاعن، لأنه ليس من أهل الشهادة، ولأنه قد ينطق بلسانه فينكر اللعان، فلا يمكننا إقامة الحد عليه. وقد تقدم هذا المعنى في سورة ((مريم)) والدليل عليه، والحمد لله.
السابعة: قال ابن العربي : رأى أبو حنيفة عموم الآية فقال: إن الرجل إذا قذف زوجته بالزنى قبل أن يتزوجها فإنه يلاعن، ونسي أن ذلك قد تضمنه قوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات " وهذا رماها محصنة غير زوجة، وإنما يكون اللعان في قذف يلحق فيه النسب، وهذا قذف لا يلحق فيه نسب فلا يوجب لعاناً، كما لو قذف أجنبية.
الثامنة: إذا قذفها بعد الطلاق نظرت، فإن كان هنالك نسب يريد أن ينقيه أو حمل يتبرأ منه لاعن وإلا لم يلاعن. وقال عثمان البتي: لا يلاعن بحال لأنها ليست بزوجة. وقال أبو حنيفة : لا يلاعن في الوجهين، لأنها ليست بزوجة. وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفاً، بل هذا أولى، لأن النكاح قد تقدم وهو يريد الانتفاء من النسب وتبرئته من ولد يلحق به فلا بد من اللعان. وإذا لم يكن هنالك حمل يرجى ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به، وكان قذفاً مطلقاً داخلاً تحت عموم قوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات " الآية، فوجب عليه الحد وبطل ما قاله البتي لظهور فساده.
التاسعة: لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون الرجل غائباً فتأتي امرأته بولد في مغيبه وهو لا يعلم فيطلقها فتنقضي عدتها، ثم يقدم فينفيه فله أن يلاعنها هاهنا بعد العدة. وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى الولد لاعن لنفسه وهي ميتة بعد مدة من العدة، ويرثها لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما.
العاشرة: إذا انتفى من الحمل ووقع ذلك بشرطه لاعن قبل الوضع، وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يلاعن إلا بعد أن تضع، لأنه يحتمل أن يكون ريحاً أو داء من الأدواء. ودليلنا النص الصريح " بأن النبي صلى الله عليه لاعن قبل والوضع، وقال: إن جاءت به كذا فهو لأبيه وإن جاءت به كذا فهو لفلان، فجاءت به على النعت المكروه ".
الحادية عشرة: إذا قذف بالوطء في الدبر لزوجه لاعن. وقال أبو حنيفة : لا يلاعن، وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد. وهذا فاسد، لأن الرمي به فيه معرة وقد دخل تحت عموم قوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم " وقد تقدم في ((الأعراف، والمؤمنون)) أنه يجب به الحد.
الثانية عشرة: قال ابن العربي : من غريب أمر هذا الرجل أنه قال إذا قذف زوجته وأمها بالزنى: إنه إن حد للأم سقط حد البنت، وإن لاعن للبنت لم يسقط حد الأم، وهذا لا وجه له، وما رأيت لهم فيه شيئاً يحكى، وهذا باطل جداً، فإنه خص عموم الآية في البنت وهي زوجة بحد الأم من غير أثر ولا أصل قاسه عليه.
الثالثة عشرة: إذا قذف زوجته ثم زنت قبل التعانه فلا حد ولا لعان. وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وأكثر أهل العلم. وقال الثوري و المزني : لا يسقط الحد عن القاذف، وزنى المقذوف بعد أن قذف لا يقدح في حصانته المتقدمة ولا يرفعها، لأن الاعتبار الحصانة والعفة في حال القذف لا بعده. كما لو قذف مسلماً فارتد المقذوف بعد القذف وقبل أن يحد القاذف لم يسقط الحد عنه. وأيضاً فإن الحدود كلها معتبرة بوقت الوجوب لا وقت الإقامة. ودليلنا هو أنه قد ظهر قبل استيفاء اللعان والحد معنىً لو كان موجوداً في الابتداء منع صحة اللعان ووجوب الحد، فكذلك إذا طرأ في الثاني، كما إذا شهد شاهدان ظاهرهما العدالة فلم يحكم الحاكم بشهادتهما حتى ظهر فسقهما بأن زنيا أو شربا خمراً فلم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهما تلك. وأيضاً فإن الحكم بالعفة والإحصان يؤخذ من طريق الظاهر لا من حيث القطع واليقين، وقد قال عليه السلام:
" ظهر المؤمن حمىً "، فلا يحد القاذف إلا بدليل قاطع، وبالله التوفيق.
الرابعة عشرة: من قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا، هو لدفع الحد، وهي لدرء العذاب. فإن كانت صغيرة لا تحمل لاعن هو لدفع الحد ولم تلاعن هي لأنها لو أقرت لم يلزمها شيء. وقال ابن الماجشون : لا حد على قاذف من لم تبلغ. قال اللخمي: فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل.
الخامسة عشرة: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها فإن الزوج يلاعن وتحد الشهود الثلاثة، وهو أحد قولي الشافعي . والقول الثاني أنهم لا يحدون. وقال أبو حنيفة : إذا شهد الزوج والثلاثة ابتداءً قبلت شهادتهم وحدت المرأة. ودليلنا قوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات " الآية. فأخبر أن من قذف محصناً ولم يأت بأربعة شهداء حد، فظاهره يقتضي أن يأتي بأربعة شهداء سوى الرامي، والزوج رام لزوجته فخرج عن أن يكون أحد الشهود. والله أعلم.
السادسة عشرة: إذا ظهر بامرأته حمل فترك أن ينفيه لم يكن له نفيه بعد سكوته. وقال شريح و مجاهد : له أن ينفيه أبداً. وهذا خطأ، لأن سكوته بعد العلم به رضىً به، كما لو أقر به ثم ينفيه فإنه لا يقبل منه، والله أعلم.
السابعة عشرة: فإن أخر ذلك إلى أن وضعت وقال: رجوت أن يكون ريحاً ينفش أو تسقطه فأستريح من القذف، فهل لنفيه بعد وضعه مدة ما فإذا تجاوزها لم يكن له ذلك، فقد اختلف في ذلك، فنحن نقول: إذا لم يكن له عذر في سكوته حتى مضت ثلاثة أيام فهو راض به ليس له نفيه، وبهذا قال الشافعي . وقال أيضاً: متى أمكنه نفيه على ما جرت به العادة من تمكنه من الحاكم فلم يفعل لم يكن له نفيه من بعد ذلك. وقال أبو حنيفة : لا أعتبر مدة. وقال أبو يوسف و محمد : يعتبر فيه أربعون يوماً، مدة النفاس. قال ابن القصار: والدليل لقولنا هو أن نفي ولده محرم عليه، واستلحاق ولد ليس منه محرم عليه، فلا بد أن يوسع عليه لكي ينظر فيه ويفكر، هل يجوز له نفيه أو لا. وإنما جعلنا الحد ثلاثة لأنه أول حد الكثرة وآخر حد القلة، وقد جعلت ثلاثة أيام يختبر بها حال المصراة، فكذلك ينبغي أن يكون هنا. وأما أبو يوسف و محمد فليس اعتبارهم بأولى من اعتبار مدة الولادة والرضاع، إذ لا شاهد لهم في الشريعة، وقد ذكرنا نحن شاهداً في الشريعة من مدة المصراة.
الثامنة عشرة: قال ابن القصار: إذا قالت امرأة لزوجها أو لأجنبي يا زانيه - بالهاء - وكذلك الأجنبي لأجنبي، فلست أعرف فيه نصاً لأصحابنا، ولكنه عندي يكون قذفاً وعلى قائله الحد، وقد زاد حرفاً، وبه قال الشافعي و محمد بن الحسن . وقال أبو حنيفة و أبو يوسف : لا يكون قذفاً، واتفقوا أنه إذا قال لامرأته يا زان أنه قذف. والدليل على أنه يكون في الرجل قذفاً هو أن الخطاب إذا فهم منه معناه ثبت حكمه، سواء كان بلفظ أعجمي أو عربي. ألا ترى أنه إذا قال للمرأة زنيت (بفتح التاء) كان قذفاً، لأن معناه يفهم منه. و لأبي حنيفة و أبي يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب المذكر لقوله تعالى: " وقال نسوة " [يوسف: 30] صلح أن يكون قوله يا زان للمؤنث قذفاً. ولما لم يجز أن يؤنث فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم، والله أعلم.
التاسعة عشرة: يلاعن في النكاح الفاسد زوجته لأنها صارت فراشاً ويلحق النسب فيه فجرى اللعان عليه.
الموفية عشرين: اختلفوا في الزوج إذا أبى من الالتعان، فقال أبو حنيفة : لا حد عليه، لأن الله تعالى جعل على الأجنبي الحد وعلى الزوج اللعان، فلما لم ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج، ويسجن أبداً حتى يلاعن لأن الحدود لا تؤخر قياساً. وقال مالك و الشافعي وجمهور الفقهاء: إن لم يلتعن الزوج حد، لأن اللعان له براءة كالشهود للأجنبي، فإن لم يأت الأجنبي بأربعة شهداء حد، فكذلك الزوج إن لم يلتعن. وفي حديث العجلاني ما يدل على هذا، لقوله: إن سكت سكت على غيظ وإن قتلت قتلت وإن نطقت جلدت.
الحادية والعشرون: واختلفوا أيضاً هل للزوج أن يلاعن مع شهوده، فقال مالك و الشافعي : يلاعن كان له شهود أو لم يكن، لأن الشهود ليس لهم عمر في غير درء الحد، وأما رفع الفراش ونفي الولد فلا بد فيه من اللعان. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنما جعل اللعان للزوج إذا لم يكن له شهود غير نفسه، لقوله تعالى: " ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ".
الثانية والعشرون: البداءة في اللعان بما بدأ الله به، وهو الزوج، وفائدته درء الحد عنه ونفي النسب منه، لقوله عليه السلام: " البينة وإلا حد في ظهرك ". ولو بدىء بالمرأة قبله لم يجز، لأنه عكس ما رتبه الله تعالى. وقال أبو حنيفة : يجزي. وهذا باطل، لأنه خلاف القرآن، وليس له أصل يرده إليه ولا معنىً يقوي به، بل المعنى لنا، لأن المرأة إذا بدأت باللعان فتنفي ما لم يثبت وهذا لا وجه له.
الثالثة والعشرون: وكيفية اللعان أن يقول الحاكم للملاعن: قل أشهد بالله لرأيتها تزني ورأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة وما وطئتها بعد رؤيتي. وإن شئت قلت: لقد زنت وما وطئتها بعد زناها. يردد ما شاء من هذين اللفظين أربع مرات، فإن نكل عن هذه الأيمان أو عن شيء منها حد. وإذا نفى حملاً قال: أشهد بالله لقد استبرأتها وما وطئتها بعد، وما هذا الحمل مني، ويشير إليه، فيحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها: وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها. ثم يقول في الخامسة ((علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين)). وإن شاء قال: إن كنت كاذباً فيما ذكرت عنها فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد. فإذا فرغ الرجل من التعانه قامت المرأة بعده فحلفت بالله أربعة أيمان، تقول فيها: أشهد بالله إنه لكاذب، أو إنه لمن الكاذبين فيما ادعاه علي وذكر عني. وإن كانت حاملاً قالت: وإن حملي هذا منه.
ثم تقول في الخامسة: وعلي غضب الله إن كان صادقاً، أو إن كان من الصادقين في قوله ذلك. ومن أوجب اللعان بالقذف يقول في كل شهادة من الأربع: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة من الزنى. ويقول في الخامسة: علي لعنة الله إن كنت كاذباً فيما رميت به من الزنى. وتقول هي: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنى. وتقول في الخامسة: علي غضب الله إن كان صادقاً فيما رماني به من الزنى. وقال الشافعي : يقول الملاعن أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجي فلانة بنت فلان، ويشير إليها إن كانت حاضرة، يقول ذلك أربع مرات، ثم يوعظه الإمام ويذكره الله تعالى ويقول: إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله، فإن رآه يريد أن يمضي على ذلك أمر من يضع يده على فيه، ويقول: إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجباً، فإن أبى تركه يقول ذلك: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنى. احتج بما رواه أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً حيث أمر المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول: إنها موجبة.
الرابعة والعشرون: اختلف العلماء في حكم من قذف امرأته برجل سماه، هل يحد أم لا، فقال مالك : عليه اللعان لزوجته، وحد للمرمي. وبه قال أبو حنيفة ، لأنه قاذف لمن لم يكن له ضرورة إلى قذفه. وقال الشافعي ، لا حد عليه، لأن الله عز وجل لم يجعل على من رمى زوجته بالزنى إلا حداً واحداً بقوله: " والذين يرمون أزواجهم "، ولم يفرق بين من ذكر رجلاً بعينه وبين من لم يذكر، وقد رمى العجلاني زوجته بشريك وكذلك هلال بن أمية، فلم يحد واحد منهما. قال ابن العربي : وظاهر القرآن لنا، لأن الله تعالى وضع الحد في قذف الأجنبي والزوجة مطلقين، ثم خص حد الزوجة بالخلاص باللعان وبقي الأجنبي على مطلق الآية. وإنما لم يحد العجلاني لشريك ولا هلال لأنه لم يطلبه، وحد القذف لا يقيمه الإمام إلا بعد المطالبة إجماعاً منا ومنه.
الخامسة والعشرون: إذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعاً تفرقا وخرج كل واحد منهما على باب المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه، ولو خرجا من باب واحد لم يضر ذلك لعانهما. ولا خلاف في أنه لا يكون اللعان إلا في مسجد جامع تجمع فيه الجمعة بحضرة السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام. وقد استحب جماعة من أهل العلم أن يكون اللعان في الجامع بعد العصر. وتلتعن النصرانية من زوجها المسلم في الموضع الذي تعظمه من كنيستها مثل ما تلتعن به المسلمة.
السادسة والعشرون: قال مالك وأصحابه: وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين، فلا يجتمعان أبداً ولا يتوارثان، ولا يحل له مراجعتها أبداً لا قبل زوج ولا بعده، وهو قول الليث بن سعد وزفر بن الهذيل و الأوزاعي . وقال أبو حنيفة و أبو يوسف و محمد بن الحسن : لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما، وهو قول الثوري ، لقول ابن عمر:
" فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين، فأضاف الفرقة إليه "، ولقوله عليه السلام:
" لا سبيل لك عليها ". وقال الشافعي : إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته، التعنت أو لم تلتعن. قال: وأما التعان المرأة فإنما هو لدرء الحد عنها لا غير، وليس لالتعانها في زوال الفراش معنىً. ولما كان لعان الزوج ينفي الولد ويسقط الحد رفع الفراش. وكان عثمان البتي لا يرى التلاعن ينقص شيئاً من عصمة الزوجين حتى يطلق. وهذا قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة، على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان، ولم يستحسنه قبل ذلك، فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكماً. وبقول عثمان قال جابر بن زيد فيما ذكره الطبري ، وحكاه اللخمي عن محمد بن أبي صفرة. ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة. واحتج أهل هذه المقالة بأنه ليس في كتاب الله تعالى إذا لاعن أو لاعنت يجب وقوع الفرقة، وبقول عويمر:
كذبت عليها إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً، قال: ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ولم يقل له لم قلت هذا، وأنت لا تحتاج إليه، لأن باللعان قد طلقت. والحجة لمالك في المشهور ومن وافقه قوله عليه السلام " لا سبيل لك عليها ". وهذا إعلام منه أن تمام اللعان رفع سبيله عنها وليس تفريقه بينهما باستئناف حكم، وإنما كان تنفيذاً لما أوجب الله تعالى بينهما من المباعدة، وهو معنى اللعان في اللغة.
السابعة والعشرون: ذهب الجمهور من العلماء أن المتلاعنين لا يتناكحان أبداً، فإن أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد، ولم ترجع إليه أبداً. وعلى هذا السنة التي لا شك فيها ولا اختلاف. وذكر ابن المنذر عن عطاء أن الملاعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم يحد، وقال: قد تفرقا بلعنة من الله. وقال أبو حنيفة و محمد : إذا أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد، وكان خاطباً من الخطاب إن شاء، وهو قول سعيد بن المسيب و الحسن وسعيد بن جبير وعبد العزيز بن أبي سلمة. وقالوا: يعود النكاح حلالاً كما لحق به الولد، لأنه لا فرق بين شيء من ذلك. وحجة الجماعة قوله عليه السلام: " لا سبيل لك عليها "، ولم يقل إلا أن تكذب نفسك. وروى ابن إسحاق وجماعة عن الزهري قال: فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما فلا يجتمعان أبداً. ورواه الدارقطني ، ورواه مرفوعاً من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان أبداً " وروي عن علي وعبد الله قالا: مضت السنة ألا يجتمع المتلاعنان. عن علي: أبداً.
الثامنة والعشرون: اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء:
عدد الألفاظ: وهو أربع شهادات على ما تقدم.
والمكان: وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلدان، إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان فس سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، إن كانا يهوديين فالكنيسة، وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلاعن بينهما في مجلس حكمه.
والوقت: وذلك بعد صلاة العصر.
وجمع الناس: وذلك أن يكون هناك أربع أنفس فصاعداً، فاللفظ وجمع الناس مشروطان، والزمان والمكان مستحبان.
التاسعة والعشرون: من قال: إن الفراق لا يقع إلا بتمام التعانهما، فعليه لو مات أحدهما قبل تمامه ورثه الآخر. ومن قال: لا يقع إلا بتفريق الإمام فمات أحدهما قبل ذلك وتمام اللعان ورثه الآخر. وعلى قول الشافعي : إن مات أحدهما قبل أن تلتعن المرأة لم يتوارثا.
الموفية ثلاثين: قال ابن القصار: تفريق اللعان عندنا ليس بفسخ، وهو مذهب المدونة: فإن اللعان حكم تفريقه حكم تفريق الطلاق، ويعطى لغير المدخول بها نصف الصداق. وفي مختصر ابن الجلاب: لا شيء لها، وهذا على أن تفريق اللعان فسخ.
هذه الاية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته, وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدعي عليها بما رماها به, فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين أي فيما رماها به من الزنا "والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين" فإذا قال ذلك, بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء, وحرمت عليه أبداً, ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنا,ولا يدرأ عنهاالعذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, أي فيما رماها به "والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" ولهذا قال "ويدرأ عنها العذاب" يعني الحد "أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" فخصها بالغضب, كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور, وهي تعلم صدقه فيما رماها به, ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها, والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه.
ثم ذكر تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون بهم من الضيق, فقال تعالى: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته" أي لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم "وأن الله تواب" أي على عباده, وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة "حكيم" فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه, وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الاية وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة.
فقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد , أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً" قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي الله عنه: أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم ؟ فقالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور, والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً, وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله, ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء, فو الله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته ـ قال: فما لبثوا إلا يسيراً ـ حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم, فجاء من أرضه عشاء, فوجد عند أهله رجلاً, فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح, فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلاً, فرأيت بعيني وسمعت بأذني, فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه, واجتمعت عليه الأنصار وقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الان, يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس, فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً. وقال هلال يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به, والله يعلم إني لصادق. فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي, وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه, يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي, فنزلت " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله " الاية, " فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليها فأرسلوا إليها فجاءت, فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما, فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الاخرة أشد من عذاب الدنيا, فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت عليها, فقالت: كذب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما فقيل لهلال : اشهد, فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال اتق الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة, وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب, فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها, فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين, ثم قيل للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, وقيل لها عند الخامسة: اتقي الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة, وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف, ثم قالت: والله لا أفضح قومي, فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين, ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما, وقضى أن لا يدعى ولدها لأب, ولا يرمى ولدها, ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد, وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل أن يفترقا من غير طلاق ولا متوفى عنها, وقال إن جاءت به أصيهب أريشح حمش الساقين, فهو لهلال , وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين, فهو الذي رميت به فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميراً على مصر, وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب . ورواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يزيد بن هارون به نحوه مختصراً.
ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة, فمنها ما قال البخاري : حدثني محمد بن بشار , حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن حسان , حدثني عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "البينة أوحد في ظهرك فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة وإلا حد في ظهرك فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد, فنزل جبريل وأنزل عليه " والذين يرمون أزواجهم " إلى قوله " إن كان من الصادقين " فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم, فأرسل إليهما, فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب, فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت, فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة, قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع, ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروها فان جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين, فهو لشريك ابن سحماء فجاءت به كذلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي و لها شأن" انفرد به البخاري من هذا الوجه, وقد رواه من غير وجه عن ابن عباس وغيره.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الزيادي , حدثنا يونس بن محمد , حدثنا صالح وهو ابن عمر , حدثنا عاصم يعني ابن كليب عن أبيه , حدثني ابن عباس قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى امرأته برجل, فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلم يزل يردده حتى أنزل الله تعالى "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء" فقرأ حتى فرغ من الايتين, فأرسل إليهما فدعاهما فقال: "إن الله تعالى قد أنزل فيكما فدعا الرجل فقرأ عليه, فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه, فقال له كل شيء أهون عليه من لعنة الله ثم أرسله فقال لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم دعاها فقرأ عليها, فشهدت أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين, ثم أمر فأمسك على فيها فوعظها وقال: ويحك كل شيء أهون من غضب الله ثم أرسلها فقالت: غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لأقضين بينكما قضاء فصلا قال: فولدت فما رأيت مولوداً بالمدينة أكثر غاشيةً منه, فقال إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا, وإن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا فجاءت به يشبه الذي قذفت به " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد , حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير قال: " سئلت عن المتلاعنين أيفرق بينهما في إمارة ابن الزبير , فما دريت ما أقول, فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن , المتلاعنان أيفرق بينهما ؟ فقال: سبحان الله إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان, فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فإن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فسكت فلم يجبه, فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: الذي سألتك عنه قد ابتليت به, فأنزل الله تعالى هذه الايات في سورة النور "والذين يرمون أزواجهم" حتى بلغ " أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " فبدأ بالرجل فوعظه وذكره, وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة فقال: والذي بعثك بالحق ما كذبتك, ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها, وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة. فقالت المرأة: والذي بعثك بالحق إنه لكاذب, قال: فبدأ بالرجل, فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين, ثم ثنى بالمرأة, فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين, ثم فرق بينهما " , رواه النسائي في التفسير من حديث عبد الملك بن أبي سليمان به, وأخرجاه في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن حماد , حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنا جلوساً عشية الجمعة في المسجد, فقال رجل من الأنصار: أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً إن قتله قتلتموه, وإن تكلم جلدتموه, وإن سكت سكت على غيظ, والله لئن أصبحت صالحاً لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فسأله, فقال: " يا رسول الله إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً فقتل قتلتموه, وإن تكلم جلدتموه, وإن سكت سكت على غيظ, اللهم احكم, قال: فأنزلت آية اللعان, فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به. انفرد بإخراجه مسلم , فرواه من طرق عن سليمان بن مهران الأعمش به.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو كامل , حدثنا إبراهيم بن سعد , حدثنا ابن شهاب عن سهل بن سعد قال : جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال له: " سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلاً وجد رجلاً مع امرأته فقتله أيقتل به, أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل, قال: فلقيه عويمر فقال: ما صنعت ؟ قال: ما صنعت إنك لم تأتني بخير, سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل, فقال عويمر : والله لاتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه. فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما قال: فدعا بهما فلاعن بينهما. قال عويمر : لئن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها. قال: ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين, عظيم الأليتين, فلا أراه إلا قد صدق, وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة, فلا أراه إلا كاذباً فجاءت به على النعت المكروه " . أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن الزهري به.
ورواه البخاري أيضاً من طرق عن الزهري به فقال: حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع , حدثنا فليح عن الزهري عن سهل بن سعد أن رجلاً " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه, أم كيف يفعل؟ فأنزل الله تعالى فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قضى فيك وفي امرأتك قال: فتلاعنا, وأنا شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففارقها فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين, وكانت حاملاً فأنكر حملها, وكان ابنها يدعى اليها ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها " .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسحاق بن الضيف , حدثنا النضر بن شميل , حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن زيد بن بتيع عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر " لو رأيت مع أم رومان رجلاً ما كنت فاعلاً به ؟ قال: كنت والله فاعلاً به شراً, قال : فأنت يا عمر ؟ قال: كنت والله فاعلاً, كنت أقول: لعن الله الأعجز فإنه خبيث. قال: فنزلت "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم" " ثم قال: لا نعلم أحداً أسنده إلا النضر بن شميل عن يونس بن إسحاق , ثم رواه من حديث الثوري عن ابن أبي إسحاق عن زيد بن بتيع مرسلاً, فالله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي , حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لأول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته, فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربعة شهود, وإلا فحد في ظهرك فقال: يا رسول الله إن الله يعلم إني لصادق, ولينزلن الله عليك ما يبرىء به ظهري من الجلد, فأنزل الله آية اللعان "والذين يرمون أزواجهم" إلى آخر الاية, قال: فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا فشهد بذلك أربع شهادات, ثم قال له في الخامسة ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ففعل, ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا فشهدت بذلك أربع شهادات, ثم قال لها في الخامسة وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا قال: فلما كانت الرابعة أو الخامسة, سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف, ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم, فمضت على القول, ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما, وقال انظروا فإن جاءت به جعداً حمش الساقين, فهو لشريك بن سحماء, وإن جاءت به أبيض سبطا قصير العينين, فهو لهلال بن أمية فجاءت به جعداً حمش الساقين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لي ولها شأن " .
7- "والخامسة" قرأ السبعة وغيرهم "الخامسة" بالرفع على الابتداء، وخبرها "أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين" وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص "والخامسة" بالنصب على معنى وتشهد الشهادة الخامسة، ومعنى "إن كان من الكاذبين" أي فيما رماها به من الزنا. قرأ الجمهور بتشديد أن من قوله: "أن لعنة الله" وقرأ نافع بتخفيفها، فعلى قراءة نافع يكون اسم أن ضمير الشأن، ولعنة الله مبتدأ، وعليه خبره، والجملة خبر أن، وعلى قراءة الجمهور تكون لعنة الله اسم أن، قال سيبويه: لا تخفف أن في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة. وقال الأخفش: لا أعلم الثقيلة إلا أجود في العربية.
7- "والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين"، قرأ نافع ويعقوب أن خفيفة وكذلك الثانية لعنة الله رفع، ثم يعقوب قرأ غضب بالرفع، وقرأ نافع غضب بكسر الضاد وفتح الباء على الماضي الله رفع، وقرأ الآخرون أن بالتشديد فيهما، لعنة نصب، وغضب بفتح الضاد على الإسم، الله جر، وقرأ حفص عن عاصم والخامسة الثانية نصب، أي: ويشهد الشهادة الخامسة، وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وخبره في أن كالأولى.
وسبب نزول هذه الآية ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره "أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ سل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجل عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال له: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم لعويمر، لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر، والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فجاء عويمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها، فقال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال مالك قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين.
وقال محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا الأوزاعي، أخبرنا الزهري، بهذا الإسناد بمثل معناه وزاد: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الإليتين، خدلج الساقين، فلا أحسب عويمراً إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به/ أحيمر كأنه وجوه فلا أحسب عويمر إلا قد كذب عليها" فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر. فكان بعد ينسب إلى أمه.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي، أخبرنا أحمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن بشار، أخبرنا ابن أبي عدي، عن هشام بن حسان، أخبرنا عكرمة، عن ابن عباس، "أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو حد في ظهرك، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه: "والذين يرمون أزواجهم" فقرأ حتى بلغ "إن كان من الصادقين" فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما، فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة، قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن".
وروى عكرمة عن ابن عباس: قال لما نزلت: "والذين يرمون المحصنات" الآية.قال سعد بن عبادة: لو أتيت لكاع وقد تفخذها رجل لم يكن لي أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب، وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما قال سيدكم؟ قالوا: لا تلمه، فإنه رجل غيور، ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوجها، فقال سعد: يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق ولكن عجبت من ذلك لما أخبرتك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن الله يأبى إلا ذلك، فقال صدق الله ورسوله، قال: فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية من حديقة له، فرأى رجلاً مع امرأته يزني بها، فأمسك حتى أصبح، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه، فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاءً فوجدت رجلاً مع امرأتي، رأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به، وثقل عليه حتى عرف ذلك في وجهه، فقال هلال: والله يا رسول الله إني لأرى الكراهية في وجهك مما أتيتك به، والله يعلم إني لصادق وما قلت إلا حقاً، وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجاً، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه، فقال: واجتمعت الأنصار فقالوا ابتلينا بما قال سعد، يجلد هلال وتبطل شهادته، وإنهم لكذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه، إذ نزل عليه الوحي، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل عليه، حتى فرغ، فأنزل الله عز وجل: "والذين يرمون أزواجهم"، إلى آخر الآيات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر يا هلال فإن الله قد جعل لك فرجاً فقال: لقد كنت أرجو ذلك من الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها، فجاءت، فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها فكذبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ فقال هلال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي قد صدقت وما قلت إلا حقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما، فقيل لهلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فقال له عند الخامسة: يا هلال اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس، وإن هذه الخامسة هي الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال هلال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم قال للمرأة: اشهدي، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فقال لها عند الخامسة ووقفها: اتقي الله فإن الخامسة موجبة وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس، فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى بأن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها وإن جاءت به كذا وكذا فهو للذي قيل فيه، فجاءت به غلاماً كأنه جمل أورق، على الشبه المكروه، وكان بعد أميراً على مصر، لا يدري من أبوه.
وقال ابن عباس في سائر الروايات، ومقاتل: "لما نزلت: "والذين يرمون المحصنات" الآية، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدي الأنصاري فقال: جعلني الله فداك، إن رأى رجل منا مع امرأته رجلاً فأخبر بما رأى جلد ثمانين جلدة، وسماه المسلمون فاسقا، ولا تقبل شهادته أبداً، فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل فرغ من حاجته ومر؟ وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عويمر، وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس بن محصن، فأتى عويمر/ عاصماً وقال: لقد رأيت شريك بن السمحاء على بطن امرأتي خولة، فاسترجع عاصم، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة الأخرى، فقال: يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذي سألت في الجمعة الماضية في أهل بيتي، فأخبره وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بني عم عاصم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعاً، وقال لعويمر: اتق الله في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها بالبهتان فقال: يا رسول الله أقسم بالله إني رأيت شريكاً على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر، وإنها حبلى من غيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة: اتقي الله ولا تخبري إلا بما صنعت فقالت: يا رسول الله إن عويمراً رجل غيور، وإنه رآني وشريكاً يطيل السمر ونتحدث، فحملته الغيرة على ما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشريك: ما تقول؟ فقال: ما تقوله المرأة كذب، فأنزل الله عز وجل: "والذين يرمون أزواجهم" الآية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودي الصلاة جامعة، فصلى العصر ثم قال لعويمر: قم، فقام فقال: أشهد بالله بأن خولة زانية وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثانية أشهد إني رأيت شريكاً على بطنها، وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثالثة أشهد بالله إنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين، ثم قال في الرابعة أشهد بالله إني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين، ثم قال في الخامسة: لعنة الله على عويمر- يعني نفسه- إن كان من الكاذبين فيما قال، ثم أمره بالقعود، وقال لخولة: قومي فقامت، فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية وإن عويمر لمن الكاذبين، ثم قالت في الثانية أشهد بالله أنه ما رأى شريكاً على بطني وإنه لمن الكاذبين، ثم قالت في الثالثة أشهد بالله إني حبلى منه وإنه لمن الكاذبين، ثم قالت في الرابعة أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين، ثم قالت في الخامسة غضب الله على خولة- تعني نفسها- إن كان من الصادقين. ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقال لولا هذه الأيمان لكان لي في أمرهما رأي، ثم قال: تحينوا بها الولادة فإن جاءت به أصيهب أثيبج يضرب إلى السواد فهو لشريك، وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين فهو لغير الذي رميت به. قال ابن عباس فجاءت بأشبه خلق الله بشريك".
والكلام في حكم الآية: أن الرجل إذا قذف امرأته فموجبه موجب قذف الأجنبي في وجوب الحد عليه إن كانت محصنة، أو التعزير إن لم تكن محصنة، غير أن المخرج منهما مختلف، فإذا قذف أجنبياً يقام الحد عليه، إلا أن يقيم أربعة من الشهود على زناه، أو يقر به المقذوف فيسقط عنه حد القذف، وفي الزوجة إذا وجد أحد هذين أو لاعن يسقط عنه الحد، فاللعان في قذف الزوجة بمنزلة البينة، لأن الرجل إذا رأى مع امرأته رجلاً ربما لا يمكنه إقامة البينة عليه ولا يمكنه الصبر على العار، فجعل الله اللعان حجة له على صدقه، فقال تعالى: " فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين "، وإذا أقام الزوج البينة على زناها أو اعترفت بالزنا سقط عنه الحد واللعان، إلا أن يكون هناك ولد يريد نفيه فله أن يلاعن لنفيه.
وإذا أراد الإمام أن يلاعن بينهما يبدأ فيقيم الرجل ويلقنه كلمات اللعان، فيقول: قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة بالزنا، وإن كان قد رماها برجل بعينه سماه بعينه باللعان، وإن رماها بجماعة سماهم، ويقول الزوج كما يلقنه الإمام، وإن كان ولد أو حمل يريد نفيه يقول: وإن هذا الولد أو الحمل لمن الزنا ما هو مني، ويقول في الخامسة: علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة، وإذا أتى بكلمة منها من غير تلقين الحاكم لا تكون محسوبة، فإذا فرغ الرجل من اللعان وقعت الفرقة بينه وبين زوجته وحرمت عليه على التأييد، وانتفى عنه النسب وسقط عنه حد القذف، ووجب على المرأة حد الزنا، إن كانت محصنة ترجم، وإن كانت غير محصنة تجلد وتغرب، فهذه خمسة أحكام تتعلق كلها بلعان الزوج.
7 -" والخامسة " والشهادة الخامسة . " أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين " في الرمي هذا لعان الرجل وحكمه سقوط حد القذف عنه ، وحصول الفرقة بينهما بنفسه فرقة فسخ عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام " المتلاعنان لا يجتمعان أبداً " .
7. And yet a fifth, invoking the curse of Allah on him if he is of those who lie.
7 - And the fifth (oath) (should be) that they solemnly invoke the curse of God on themselves if they tell a lie.