[النور : 61] لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون
61 - (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) في مؤاكلة مقابليهم (ولا) حرج (على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) بيوت أولادكم (أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه) خزنتموه لغيركم (أو صديقكم) وهو من صدقكم في مودته المعنى يجوز الأكل من بيوت من ذكر وإن لم يحضروا إذا علم رضاهم به (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا) مجتمعين (أو أشتاتا) متفرقين جمع شت فيمن تحرج أن يأكل وحده وإذا لم يجد من يؤاكله يترك الأكل (فإذا دخلتم بيوتا) لكم لا أهل بها (فسلموا على أنفسكم) قولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإن الملائكة ترد عليكم وإن كان بها أهل فسلموا عليهم (تحية) مصدر حيا (من عند الله مباركة طيبة) يثاب عليها (كذلك يبين الله لكم الآيات) يفصل لكم معالم دينكم (لعلكم تعقلون) لكي تفهموا ذلك
قوله تعالى ليس على الأعمى الآية قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان الرجل يذهب بالأعمى والأعرج والمريض إلى بيت أبيه أو بيت أخيه أو بيت أخته أو بيت عمته او بيت خالته فكانت الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم فنزلت هذه الآية رخصة لهم ليس على الأعمى حرج الآية
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل تحرج المسلمون وقالوا الطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فنزل ليس على الأعمى حرج إلى قوله او مفاتحه الآية
وأخرج عن الضحاك قال كان أهل المدينة قبل ان يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا مريض ولا أعرج لأن الأعمى لا يبصر طيب الطعام والمريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح
والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام فنزلت رخصة في مؤاكلتهم
وأخرج عن مقسم قال كانوا يتقون أن يأكلوا مع الأعمى والأعرج فنزلت وأخرج الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس قال خرج الحرث غازيا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلف على أهله خالد بن زيد فحرج أن يأكل من طعامه وكان مجهودا فنزلت
قوله تعالى ليس عليكم جناح الآية أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة قالت كان المسلمون يرغبون في النفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتحهم إلى زمانهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما أحببتم وكانوا يقولون أنه لا يحل لنا انهم أذنوا عن غير طيب نفس فأنزل الله ليس عليكم جناح إلى قوله أو ما ملكتم مفاتحه
وأخرج ابن جرير عن الزهري أنه سئل عن قوله ليس على الأعمى حرج ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا هنا فقال أخبرني عبد الله بن عبد الله قال إن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمانهم وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا وكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب فأنزلت هذه الآية رخصة لهم
وأخرج عن قتادة قال نزلت ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا في حي من العرب كان الرجل منهم لا يأكل طعامه وحده وكان يحمله بعض يوم حتى يجد من يأكله معه وأخرج عن عكرمة وأبي صالح قالا كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون حتى يأكل الضيف معهم فنزلت رخصة لهم
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في هذه الآية في المعنى الذي أنزلت فيه ، فقال بعضهم : أنزلت هذه الآية ترخيصا للمسلمين في الأكل مع العميان والعرجان والمرضى وأهل الزمانة من طعامهم ، من أجل أنهم كانوا قد امتنعوا من أن يأكلوا معهم من طعامهم ، خشية أن يكونوا قد أتوا بأكلهم معهم من طعامهم ، شيئا مما نهاهم الله عنه بقوله " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " النساء: 29 .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثني عبدالله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس "ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم " ... إلى قوله " أو أشتاتا " وذلك لما أنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) النساء : 29فقال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، والطعام من أفضل الأموال ، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فكف الناس عن ذلك ،فأنزل الله بعد بعد ذلك " ليس على الأعمى حرج " ...إلى قوله "أو ما ملكتم مفاتحه " .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " ليس على الأعمى حرج " ... الآية ، كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا مريض ، فقال بعضهم : إنما كان بهم التقذر والتقزز. وقال بعضهم : المريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح ، والأعرج المنحبس لا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والأعمى لا يبصر طيب الطعام ، فأنزل الله ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والأعمى والأعرج ، فمعنى الكلام على تأويل هؤلاء : ليس عليكم أيها الناس في الأعمى حرج ، أن تأكلوا منه ومعه ، ولا في الأعرج حرج ، ولا في المريض حرج ، ولا في أنفسكم ، أن تأكلوا من بيوتكم ، فوجهوا معنى على في هذا الموضع إلى معنى في
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية ترخيصا لأهل الزمانة ، في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية ، لأن قوما كانوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا لم يكن عندهم في بيوتهم ما يطعمونهم ، ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم ، أو بعض من سمى الله في هذه الآية ، فكان أهل الزمانة يتخوفون من أن يطعموا ذلك الطعام ، لأن أطعمهم غير ملكه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد لا جناح عليكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آباءكم قال : كان رجال زمنى قال ابن عمرو في حديثه : عميان وعرجان . وقال آبائهم ، ومن عدد منهم من البيوت ، فكره ذلك المستتبعون ، فأنزل الله في ذلك ليس عليكم جناح ، وأحل لهم الطعام حيث وجدوه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كان الرجل يذهب بالأعمى والمريض والأعرج إلى بيت أبيه ، أو إلى بيت أخيه ، أو عميه ، أو خاله ، أو خالته ، فكان الزمنى يتحرجون من ذلك ، يقولون : إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم ، فنزلت هذه الآية رخصة لهم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحو حديث ابن عمرو ، عن أبي عاصم .
وقال آخرون : بل نزلت ترخيصا لأهل الزمانة الذين وصفهم الله في هذه الآية ، أن يأكلوا من بيوت من خلفهم في بيوته من الغزاة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، قال : قلت للزهري في قوله " ليس على الأعمى حرج " ما بال الأعمي ذكر ها هنا ، والأعرج والمريض ؟ فقال : اخبرني عبيد الله بن عبد الله ، أن المسلمين كانوا إذا غزو خلفوا زمانهم ، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ، يقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، وكانوا يتحرجون من ذلك ، يقولون : لا ندخلها وهز غيب ، فأنزلت هذه الآية رخصة لهم .
وقال آخرون : بل عني بقوله " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " في التخلف عن الجهاد في سبيل الله ، قالوا : وقوله " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم " كلام منقطع عما قبله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " قال : هذا في الجهاد في سبيل الله ، وفي قوله " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم " إلى قوله " أو صديقكم " قال : هذا شيء قد انقطع ، إنما كان هذا في الأول ، لم يكن لهم أبواب ، وكنت الستور مرخاة ، فربما دخل الرجل البيت وليس فيه أحد ، فربما وجد الطعام وهو جائع ، فسوغه الله أن يأكله . قال : وقد ذهب ذلك اليوم ، البيوت اليوم فيها أهلها ، وإذا خرجوا أغلقوها ، فقد ذهب ذلك .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية ترخيصا للمسلمين الذين كانوا يتقون مؤاكلة أهل الزمانة في مؤاكلتهم إذا شاءوا ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن مقسم ، في قوله " ليس على الأعمى حرج " قال : كانوا يتقون أن يأكلوا مع الأعمى والأعرج ، فنزلت " ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " .
واختلفوا أيضا في معنى قوله " أو ما ملكتم مفاتحه " فقال بعضهم : عني بذلك : وكيل الرجل وقيمه ، أنه لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ، ونحو ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " أو ما ملكتم مفاتحه " وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته ، فرخص الله له أن يأكل من ذلك الطعام والتمر ، ويشرب اللبن .
وقال آخرون : بل عني بذلك : منزل الرجل نفسه ، أنه لا بأس عليه أن يأكل .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسن ، قال سمعت أبا معاذ يقول : اخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " أو ما ملكتم مفاتحه " يعني : بيت أحدهم ، فإنه يملكه ، والعبيد منهم مما ملكوا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " أو ما ملكتم مفاتحه " مما تحبون يا بني آدم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال " أو ما ملكتم مفاتحه " قال : خزائن لأنفسهم ، ليست لغيرهم
وأشبه الأقوال التي ذكرنا في تأويل قوله " ليس على الأعمى حرج " إلى قوله " أو صديقكم " القول الذي ذكرنا عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، وذلك أن أظهر معاني قوله " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج " : أنه لا حرج على هؤلاء الذين سموا في هذه الآية ، أن يأكلوا من بيوت من ذكره الله فيها ، على ما أباح لهم من الأكل منها ، فإذا كان ذلك أظهر معانيه ، فتوجيه معناه إلى الأغلب الأعرف من معانيه ، أولى من تويجهه إلى الأنكر منها . فإذا كان ذلك كذلك ، كان ما خالف من التأويل قول من قال : معناه : ليس في الأعمى والأعرج حرج ، أولى بالصواب . وكذلك أيضا الأغلب من تأويل قوله " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم " أنه بمعنى : ولا عليكم أيها الناس ، ثم جمع هؤلاء والزمنى الذين ذكرهم قبل في الخطاب ، فقال : أن تأكلوا من بيوت أنفسكم ، وكذلك تفعل العرب إذا جمعت بين خبر الغائب والمخاطب ، غلبت المخاطب ، فقالت : أنت وأخوك قمتما ، وأنت وزيد جلستما ، ولا تقول : أنت وأخوك جلسا ، وكذلك قوله " ولا على أنفسكم " والخبر عن الأعمى والأعرج والمريض ، غلب المخاطب ، فقال : أن تأكلوا ، ولم يقل : أن يأكلوا .
فإن قال قائل : فهذا الأكل من بيوتهم قد علمناه ، كان لهم حلالا ، إذ كان ملكا لهم ، أو كان أيضا حلالا لهم الأكل من مال غيرهم ؟ قيل له : ليس الأمر في ذلك على ما توهمت ، ولكنه كما ذكرناه عن عبيد الله بن عبد الله ، أنهم كانوا إذا غابوا في مغازيهم ، وتخلف أهل الزمانة منهم ، دفع الغازي مفتاح مسكنة إلى المتخلف منهم ، فأطلق له في الأكل مما يخلف في منزله من الطعام ، فكان المتخلفون يتخوفون الأكل من ذلك وربه غائب ، فأعلمه الله انه لا حرج عليه في الأكل منه ، وأذن لهم في أكله ، فإذا كان ذلك كذلك تبين أن لا معنى لقول من قال : إنما أنزلت هذه الآية من أجل كراهة المستتبع أكل طعام غير المستتبع ، لأن ذلك لو كان كما قال من قال ذلك ، لقيل : ليس عليكم حرج أن تأكلوا من طعام غير من أضافكم ، أو من طعام آباء من دعاكم ، ولم يقل : أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم ، وكذلك لا وجه لقول من قال : معنى ذلك : ليس على الأعمى حرج في التخلف عن الجهاد في سبيل الله ، لأن قوله " أن تأكلوا " خبر ليس ، وأن في موضع نصب على أنها خبر لها ، فهي متعلقة بليس ، فمعلوم بذلك أن معنى الكلام : ليس على الأعمى حرج أن يأكل من بيته ، لا ما قاله الذين ذكرنا ، من أنه لا حرج عليه في التخلف عن الجهاد . فإذ كان كان الأمر في ذلك على ما وصفنا ، تبين أن معنى الكلام : لا ضيق على الأعمى ، ولا على الأعرج ، ولا على المريض ، ولا عليكم أيها الناس ، أن تأكلوا من بيوت أنفسكم ، أو من بيوت آبائكم ، أو بيوت أخوالكم ، أو من بيوت خالاتكم ، أو من البيوت التي ملكتم مفاتحها ، أو من بيوت صديقكم ، إذا أذنوا لكم في ذلك ، عند مغيبهم ومشهدهم . والمفاتح : الخزائن ، واحدها : مفتح ، إذا أريد به المصدر ، وإذا كان من المفاتيح التي يفتح بها ، فهي مفتح ومفاتح ، وهي هاهنا على التأويل الذي اخترناه جميع مفتح الذي يفتح به .
وكان قتادة يتأول في قوله " أو صديقكم " ما :
حدثنا به الحسن بن يحيى ، قال أخبرنا عبد الرزاق عن عمر ، عن قتادة " أو صديقكم " فلو أكلت من بيت صديقك من غير أمره ، لم يكن بذلك بأس قال معمر : قلت لقتادة : أو لا أشرب من هذا الحب ؟ قال : أنت لي صديق .
وأما قوله " ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : كان الغني من الناس يتخوف أن يأكل مع الفقير ، فرخص لهم في الأكل معهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخرساني ، عن ابن عباس ، قوله " أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " قال : كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصديقه ، فيدعوه إلى طعامه ليأكل معه ، فيقول : والله إني لأجنح أن آكل معك ، والجنح : الحرج ، وأنا غني وأنت فقير ، فأمروا أن يأكلوا جميعا ، أو أشتاتا .
وقال آخرون : بل غني بذلك حي من أحياء العرب ، كانوا لا يأكل أحدهم وحده ، ولا يأكل إلا مع غيره ، فأذن الله لهم أن يأكل من شاء منهم وحده ، ومن شاء منهم غيره .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قال : كانوا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده ، حتى يكون معه غيره ، فرخص الله لهم ، فقال " ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : كانت بنو كنانة يستحي الرجل منهم أن يأكل وحده ، حتى نزلت هذه الآية .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال سمعت الضحاك يقول : كانوا لا يأكلون إلا جميعا ، ولا يأكلون متفرقين ، وكان ذلك فيهم دينا ، فأنزل الله : ليس عليكم حرج في مؤالكة المريض والأعمى ، وليس عليكم حرج أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا .
حدثني يونس ، قال : اخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " قال : كان من العرب من لا يأكل أبدا جميعا ، ومنهم من لا يأكل إلا جميعا ، فقال الله ذلك .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : نزلت " ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " في حي من العرب كان الرجل منهم لا يأكل طعامه وحده ، كان يحمله بعض يوم ، حتى يجد من يأكله معه ، قال : وأحسب أنه ذكر أنهم من كنانة .
وقال آخرون : بل عني بذلك قوم كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم ، فرخص لهم في أن يأكلوا كيف شاءوا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص ، عن عمران بن سليمان ، عن أبي صالح و عكرمة قالا : كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف ، لا يأكلون حتى يأكل الضيف معهم ، فرخص لهم ، قال الله لا جناح عليكم أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال إن الله وضع الحرج عن المسلمين ، أن يأكلوا جميعا معا إذا شاءوا ، أو أشتاتا متفرقين إذا أرادوا ، وجائز أن يكون ذلك نزل بسبب من كان يتخوف من الأغنياء الأكل من الفقير ، وجائز أن يكون نزل بسبب القوم الذين ذكر أنهم كانوا لا يطعمون وحدانا ، وبسبب غير ذلك ، ولا خبر بشيء من ذلك يقطع العذر ، ولا دلالة في ظاهر التنزيل على حقيقة شيء منه والصواب التسليم لما دل عليه ظاهر التنزيل ، والتوقف فيما لم يكن على صحته دليل .
وقوله " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله " اختلف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم : معناه فإذا دخلتم أيها الناس بيوت أنفسكم ، فسلموا على أهليكم وعيالكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري و قتادة في قوله " فسلموا على أنفسكم " قالا : بيتك إذا دخلته ، فقل : السلام عليكم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم "قال : سلم على أهلك . قال ابن جريج ، وسئل عن عطاء بن أبي رباح : أحق على الرجل إذا دخل على أهله أن يسلم عليهم ، قال : نعم ، وقالها عمرو بن دينار ، وتلوا " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة " قال عطاء بن أبي رباح ذلك غير مرة .
قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم " تحية من عند الله مباركة طيبة " قال : ما رأيته إلا يوجبه .
قال ابن جريج ، وأخبرني زياد ، عن ابن طاوس أنه كان يقول : إذا دخل احكم بيته فليسلم .
قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : إذا خرجت أواجب السلام ، هل أسلم عليهم ؟ فإنما قال " إذا دخلتم بيوتا فسلموا " قال : ما أعلمه واجبا ، ولا آثر عن أحد وجوبه ، ولكن أحب إلي ، وما أدعه إلا ناسيا .
قال ابن جريج ، وقال عمرو بن دينار : لا ، قال : قلت لعطاء : فإن لم يكن في البيت أحد ؟ قال : سلم ، قل : السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، السلام على أهل البيت ورحمة الله ، قلت له : قولك هذا إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد عمن تأثره ؟ قال : سمعته ولم يؤثر علي عن أحد .
قال ابن جريج ، وأخبرني عطاء الخرساني ، عن ابن عباس ، قال : السلام علينا من ربنا ، وقال عمرو بن دينار : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
حدثنا أحمد بن عبد الرحيم ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : ثنا صدقة ، عن زهير ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم ، تحية من عند الله مباركة طيبة ، قال : ما رأيته إلا يوجبه .
حدثنا محمد بن عباد الرازي ، قال : ثنا حجاج بن محمد الأعور ، قال : قال لي ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، انه سمع جابر بن عبد الله ، فذكر مثله .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : اخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم " يقول : سلموا على أهاليكم إذا دخلتم بيوتكم ، وعلى غير أهاليكم ، فسلموا إذا دخلتم بيوتهم .
وقال آخرون : بل معناه : فإذا دخلتم المساجد فسلموا على أهلها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم " قال : هي المساجد ، يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، في قوله " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم " قال : إذا دخلت المسجد فقل : السلام على رسول الله ، وإذا دخلت بيتا ليس فيه أحد ، فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وإذا دخلت بيتك فقل : السلام عليكم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إذا دخلتم بيوتا من بيوت المسلمين فيها ناس منكم ، فليسلم بعضكم على بعض .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله " فسلموا على أنفسكم " أي ليسلم بعضكم على بعض ، كقوله " ولا تقتلوا أنفسكم " النساء : 29
إنما هو : لا تقتل أخاك المسلم ، وقوله " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " البقرة : 85 قال : يقتل بعضكم بعضا ، قريظة والنضير .
وقال آخرون : معناه : فإذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد ، فسلموا على أنفسكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك ، قال : إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد ، فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وإذا دخلت بيتا فيه ناس من المسلمين وغير المسلمين ، فقل مثل ذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن ماهان ، قال : إذا دخلتم بيوتا غير بيوتكم فسلموا على أنفسكم ، قال : تقولوا : السلام علينا من ربنا .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرنا شعبة عن منصور ، قال : شعبة : وسألته عن هذه الآية " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله " قال: قال إبراهيم : إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد ،فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن نافع ، أن عبدالله كان إذ دخل بيتا ليس فيه أحد ، قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، قال : ثنا منصور ، عن إبراهيم " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم " قال : إذا دخلت بيتا فيه يهود : فقل : السلام عليكم ، وإن لم يكن فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال معناه : فإذا دخلتم بيوتا من بيوت المسلمين ، فليسلم بعضكم على بعض .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله جل ثناؤه قال " فإذا دخلتم بيوتا " ولم يخصص من ذلك بيتا دون بيت ، وقال " فسلموا على أنفسكم " يعين : بعضكم على بعض ، فكان معلوما إذ لم يخصص ذلك على بعض البيوت دون بعض ، أنه معني به جميعها ، مساجدها وغير مساجدها . ومعنى قوله " فسلموا على أنفسكم " نظير قوله " ولا تقتلوا أنفسكم " النساء : 29 . وقوله " تحية من عند الله " ونصب تحية ، بمعنى : تحيون أنفسكم تحية من عند الله السلام تحية ، فكأنه قال : فيحي بعضكم بعضا تحية من عند الله . وقد كان بعض أهل العربية يقول : إنما نصبت بمعنى : أمركم بها تفعلونها تحية منه ، ووصف جل ثناؤه هذه التحية المباركة الطيبة ، لما فيا من الأجر الجزيل ، والثواب العظيم .
وقوله " كذلك يبين الله لكم الآيات " يقول تعالى ذكره : هذا يفصل الله لكم معالم دينكم ، فيبينها لكم ، كما فصل لكم في هذا الآية ما أحل لكم فيها ، وعرفكم سبيل الدخول على من تدخلون عله ، " لعلكم تعقلون " يقول : لكي تفقهوا على الله أمره ونهيه وأدبه .
فيه إحدى عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: " ليس على الأعمى حرج " اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على أقوال ثمانية. أقربها - هل هي منسوخة أو ناسخة أو محكمة، فهذه ثلاثة أقوال:
الأول: أنها منسوخة من قوله تعالى: " ولا على أنفسكم " إلى آخر الآية، قاله عبد الرحمن بن زيد، قال: هذا شيء قد انقطع، كانوا في أول الإسلام ليس على أبوابهم أغلاق، وكانت الستور مرخاة، فربما جاء الرجل فدخل البيت وهو جائع وليس فيه أحد، فسوغ الله عز وجل أن يأكل منه، ثم صارت الأغلاق على البيوت فلا يحل لأحد أن يفتحها، فذهب هذا وانقطع. قال صلى الله عليه وسلم:
" لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه ... " الحديث. خرجه الأئمة.
الثاني: أنها ناسخة، قاله جماعة. روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما أنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " [النساء: 29] قال المسلمون: إن الله عز وجل قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن الطعام من أفضل الأموال، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله عز وجل " ليس على الأعمى حرج " - إلى - " أو ما ملكتم مفاتحه ". قال: هو الرجل يؤكل الرجل بضيعته.
قلت: علي بن أبي طلحة هذا هو مولى بني هاشم سكن الشام، يكنى أبا الحسن ويقال أبا محمد، واسم أبيه أبي طلحة سالم، تكلم في تفسيره، فقيل: إنه لم ير ابن عباس، والله أعلم.
الثالث: أنها محكمة، قاله جماعة من أهل العلم ممن يقتدى بقولهم، منهم سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وروى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضمناهم ويقولون: إن احتجتم فكلوا، فكانوا يقولون إنما أحلوه لنا من غير طيب نفس، فأنزل الله عز وجل: " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم " إلى آخر الآية. قال النحاس يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي، يقال: أوعب بنو فلان إذا جاؤوهم بأجمعهم وقال ابن السكيت: يقال أوعب بنو فلان جلاءً، فلم يبق ببلدهم منهم أحد. وجاء الفرس بركض وعيب، أي بأقصى ما عنده. وفي الحديث:
" في الأنف إذا استوعب جدعه الدية " إذا لم يترك منه شيء. واستيعاب الشيء استئصاله. ويقال: بيت وعيب إذا كان واسعاً يستوعب كل ما جعل فيه. والضمنى هم الزمنى، واحدهم ضمن مثل زمن. قال النحاس : وهذا القول من أجل ما روي في الآية، لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوفيق أن الآية نزلت في شيء بعينه. قال ابن العربي : وهذا كلام منتظم لأجل تخلفهم عنهم في الجهاد وبقاء أموالهم بأيديهم، لكن قوله: " أو ما ملكتم مفاتحه " قد اقتضاه، فكان هذا القول بعيداً جداً. لكن المختار أن يقال: إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك. ثم قال بعد ذلك مبيناً: وليس عليكم حرج في أن تأكلوا من بيوتكم. فهذا معنى صحيح، وتفسير بين مفيد، يعضده الشرع والعقل، ولا يحتاج في تفسير الآية إلى نقل.
قلت: وإلى هذا أشار ابن عطية فقال: فظاهر الآية وأمر الشريعة يدل على أن الحرج عنهم مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر، وتقتضي نيتهم فيه الإتيان بالأكمل، ويقتضي العذر أن يقع منهم الأنقص، فالحرج مرفوع عنهم في هذا، فأما ما قال الناس في هذا الحرج هنا وهي:
الثانية: فقال ابن زيد: هو الحرج في الغزو، أي لا حرج عليهم في تأخرهم. وقوله تعالى: " ولا على أنفسكم " الآية، معنىً مقطوع من الأول. وقالت فرقة: الآية كلها في معنى المطاعم. قالت: وكانت العرب ومن بالمدينة قبل المبعث تتجنب الأكل مع أهل الأعذار، فبعضهم كان يفعل ذلك تقذراً لجولان اليد من الأعمى، ولانبساط الجلسة من الأعرج، ولرائحة المريض وعلاته، وهي أخلاق جاهلية وكبر، فنزلت الآية مؤذنة. وبعضهم كان يفعل ذلك تحرجاً من غير أهل الأعذار، إذ هم مقصرون عن درجة الأصحاء في الأكل، لعدم الرؤية في الأعمى، وللعجز عن المزاحمة في الأعرج، ولضعف المريض، فنزلت الآية في إباحة الأكل معهم. وقال ابن عباس في كتاب الزهراوي: إن أهل الأعذار تحرجوا في الأكل مع الناس من أجل عذرهم، فنزلت الآية مبيحة لهم. وقيل: كان الرجل إذا ساق أهل العذر إلى بيته فلم يجد فيه شيئاً ذهب به إلى بيوت قرابته، فتحرج أهل الأعذار من ذلك، فنزلت الآية.
الثالثة: قوله تعالى: " ولا على أنفسكم " هذا ابتداء كلام، أي ولا عليكم أيها الناس. ولكن لما اجتمع المخاطب وغير المخاطب غلب المخاطب لينتظم الكلام. وذكر بيوت القرابات وسقط منها بيوت الأبناء، فقال المفسرون: ذلك لأنها داخلة في قوله: " في بيوتكم " لأن بيت ابن الرجل بيته، وفي الخبر:
" أنت ومالك لأبيك ". ولأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد. قال النحاس : وعارض بعضهم هذا القول فقال: هذا تحكم على كتاب الله تعالى، بل الأولى في الظاهر ألا يكون الابن مخالفاً لهؤلاء، وليس الاحتجاج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " بقوي لوهي هذا الحديث، وأنه لو صح لم تكن فيه حجة، إذ قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أن مال ذلك المخاطب لأبيه. وقد قيل إن المعنى: أنت لأبيك، ومالك مبتدأ، أي ومالك لك. والقاطع لهذا التوارث بين الأب والابن. وقال الترمذي الحكيم : ووجه قوله تعالى: "ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم " كأنه يقول مساكنكم التي فيها أهاليكم وأولادكم، فيكون للأهل والولد هناك شيء قد أفادهم هذا الرجل الذي له المسكن، فليس عليه حرج أن يأكل معهم من ذلك القوت، أو يكون للزوجة والولد هناك شيء من ملكهم فليس عليه في ذلك حرج.
الرابعة: قوله تعالى: " أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم " قال بعض العلماء: هذا إذا أذنوا له في ذلك. وقال آخرون: أذنوا له أو لم يأذنوا فله أن يأكل، لأن القرابة التي بينهم هي إذن منهم. وذلك لأن في تلك القرابة عطفاً تسمح النفوس منهم بذلك العطف أن يأكل هذا من شيئهم ويسروا بذلك إذا علموا. ابن العربي : أباح لنا الأكل من جهة النسب من غير استئذان إذا كان الطعام مبذولاً، فإذا كان محرزاً دونهم لم يكن لهم أخذه، ولا يجوز أن يجاوزوا إلى الادخار، ولا إلى ما ليس بمأكول وإن كان غير محرز عنهم إلا بإذن منهم.
الخامسة: قوله تعالى: " أو ما ملكتم مفاتحه " يعني مما اختزنتم وصار في قبضتكم. وعظم ذلك ما ملكه الرجل في بيته وتحت غلقه، وذلك هو تأويل الضحاك و قتادة و مجاهد . وعند جمهور المفسرين يدخل في الآية الوكلاء والعبيد والأجراء. قال ابن عباس: عنى وكيل الرجل على ضيعته، وخازنه على ماله، فيجوز له أن يأكل مما هو قيم عليه. وذكر معمر عن قتادة عن عكرمة قال: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير. ابن العربي : وللخازن أن يأكل مما يخزن إجماعاً، وهذا إذا لم تكن له اجرة، فأما إذا كانت له أجرة على الخزن حرم عليه الأكل. وقرأ سعيد بن جبير " ملكتم " بضم الميم وكسر اللام وشدها. وقرأ أيضاً مفاتيحه بياء بين التاء والحاء، جمع مفتاح، وقد مضى في ((الأنعام)). وقرأ قتادة مفتاحه على الإفراد. وقال ابن عباس: نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو، خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهوداً فسأله عن حاله فقال: تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
السادسة: قوله تعالى: " أو صديقكم " الصديق بمعنى الجمع، وكذلك العدو، قال الله تعالى: " فإنهم عدو لي " [الشعراء: 77]. وقال جرير:
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا بأسهم أعداء وهن صديق
والصديق من يصدقك في مودته وتصدقه في مودتك. ثم قيل: إن هذا منسوخ بقوله: " لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " [الأحزاب: 53]، وقوله تعال: " فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها " [النور: 28] الآية، وقوله عليه السلام:
" لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة نفس منه ". وقيل: هي محكمة، وهو أصح. ذكر محمد بن ثور عن معمر قال: دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رطباً فجعلت آكله، فقال: ما هذا؟ فقلت: أبصرت رطباً في بيتك فأكلت، قال: أحسنت، قال الله تعالى: " أو صديقكم ". وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: " أو صديقكم " قال: إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته لم يكن بذلك بأس. وقال معمر قلت لقتادة : ألا أشرب من هذا الحب؟ قال: أنت لي صديق! فما هذا الاستئذان. وكان صلى الله عليه وسلم يدخل حائط أبي طلحة المسمى بيرحا ويشرب من ماء فيها طيب بغير إذنه جاز على ما قال علماؤنا قالوا: والماء ممتلك لأهله إذا جاز الشرب من ماء الصديق من غير إذنه جاز الأكل من ثماره وطعامه إذا علم أن نفس صاحبه تطيب به لتفاهته ويسير مؤنته، أو لما بينهما من المودة. ومن هذا المعنى إطعام أم حرام له صلى الله عليه وسلم إذا نام عندها، لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل، وأن يد زوجته في ذلك عارية. وهذا كله ما لم يتخد الأكل خبنة، ولم يقصد بذلك وقاية ماله، وكان تافهاً يسيراً.
السابعة: قرن الله عز وجل في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة، لأن قرب المودة لصيق. قال ابن عباس في كتاب النقاش : الصديق أوكد من القرابة، ألا ترى استغاثة الجهنميين " فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم " [الشعراء: 100 -101]. قلت: ولهذا لا تجوز عندنا شهادة الصديق لصديقه، كما لا تجوز شهادة القريب لقريبه. وقد مضى بيان هذا والعلة فيه في ((النساء)). وفي المثل ((أيهم أحب إليك أخوك أم صديقك)) قال: أخي إذا كان صديقي.
الثامنة: قوله تعالى: " ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " قيل: إنها نزلت في بني ليث بن بكر، وهم حي من بني كنانة، كان الرجل منهم لا يأكل وحده ويمكث أياماً جائعاً حتى يجد من يؤاكله. ومنه قول بعض الشعراء:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي
قال ابن عطية : وكانت هذه السيرة موروثة عندهم عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فإنه كان لا يأكل وحده. وكان بعض العرب إذا كان له ضيف لا يأكل إلا أن يأكل مع ضيفه، فنزلت الآية مبينة سنة الأكل، ومذهبة كل ما خالفها من سيرة العرب، ومبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرماً، نحت به نحو كرم الخلق، فأفرطت في إلزامه، وإن إحضار الأكيل لحسن، ولكن بألا يحرم الانفراد.
التاسعة: قوله تعالى: " جميعا أو أشتاتا " " جميعا " نصب على الحال. و " أشتاتا " جمع شت، والشت المصدر بمعنى التفرق، يقال: شت القوم أي تفرقوا. وقد ترجم البخاري في صحيحه (باب - ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) الآية. و (النهد والاجتماع). ومقصوده فما قاله علماؤنا في هذا الباب: إباحة الأكل جميعاً وإن اختلفت أحوالهم في الأكل. وقد سوغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فصارت تلك سنة في الجماعات التي تدعى إلى لطعام في النهد والولائم وفي الإملاق في السفر. وما ملكت مفاتحه بأمانة أو قرابة أو صداقة فلك أن تأكل مع القريب أو الصديق ووحدك. والنهد: ما يجمعه الرفقاء من مال أو طعام على قدر في النفقة ينفقونه بينهم، وقد تناهدوا، عن صاحب العين. وقال ابن دريد: يقال من ذلك: تناهد القوم الشيء بينهم. الهروي : وفي حديث الحسن : أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم. النهد: ما تخرجه الرفقة عند المناهدة، وهو استقسام النفقة بالسوية في السفر وغيره. والعرب تقول: هات نهدك، بكسر النون. قال المهلب: وطعام النهد لم يوضع للآكلين على أنهم يأكلون بالسواء، وإنما يأكل كل واحد على قدر نهمته، وقد يأكل الرجل أكثر من غيره. وقد قيل: إن تركها أشبه بالورع. وإن كانت الرفقة تجتمع كل يوم على طعام أحدهم فهو أحسن من النهد، لأنهم لا يتناهدون إلا ليصيب كل واحد منهم من ماله، ثم لا يدري لعل أحدهم يقصر عن ماله، ويأكل غيره أكثر من ماله، وإذا كانوا يوماً عند هذا ويوماً عند هذا بلا شرط فإنما يكونون أضيافاً والضيف يأكل بطيب نفس مما يقدم إليه. وقال أيوب السختياني: إنما كان النهد أن القوم كانوا يكونون في السفر فيسبق بعضهم إلى المنزل فيذبح ويهيىء الطعام ثم يأتيهم، ثم يسبق أيضاً إلى المنزل فيفعل مثل ذلك، فقالوا: إن هذا الذي تصنع كلنا نحب أن نصنع مثله فتعالوا نجعل بيننا شيئاً لا يتفضل بعضنا على بعض، فوضعواالنهد بينهم. وكان الصلحاء إذا تناهدوا تحرى أفضلهم أن يزيد على ما يخرجه أصحابه، وإن لم يرضوا بذلك منه إذا علموه فعله سراً دونهم.
العاشرة: قوله تعالى: " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون "اختلف المتأولون في أي البيوت أراد، فقال إبراهيم النخعي و الحسن : أراد المساجد، والمعنى: سلموا على من فيها من ضيفكم. فإن لم يكن في المساجد أحد فالسلام أن يقول المرء: السلام على رسول الله. وقيل: يقول السلام عليكم، يريد الملائكة، ثم يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: " فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم " الآية، قال: إذا دخلت المسجد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وقيل: المراد بالبيوت البيوت المسكونة، أي فسلموا على أنفسكم. قاله جابر بن عبد الله وابن عباس أيضاً وعطاء بن أبي رباح. وقالوا: يدخل في ذلك البيوت غير المسكونة، ويسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. قال ابن العربي : القول بالعموم في البيوت هو الصحيح، ولا دليل على التخصيص، وأطلق القول ليدخل تحت هذا العموم كل بيت كان للغير أو لنفسه، فإذا دخل بيتاً لغيره استأذن كما تقدم، فإذا دخل بيتاً لنفسه سلم كما ورد في الخبر، يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، قاله ابن عمر. وهذا إذا كان فارغاً، فإن كان فيه أهله وخدمه فليقل: السلام عليكم. وإن كان مسجداً فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وعليه حمل ابن عمر البيت الفارغ. قال ابن العربي : والذي أختاره إذا كان البيت فارغاً ألا يلزم السلام، فإنه إن كان المقصود الملائكة فالملائكة لا تفارق العبد بحال، أما إنه إذا دخلت بيتك يستحب لك ذكر الله بأن تقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وقد تقدم في سورة ((الكهف)). وقال القشيري في قوله: " إذا دخلتم بيوتا ": والأوجه أن يقال إن هذا عام في دخول كل بيت، فإن كان فيه ساكن مسلم يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن لم يكن فيه ساكن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإن كان في البيت من ليس بمسلم قال السلام على من اتبع الهدى، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وذكر ابن خويزمنداد قال: كتب إلي أبو العباس الأصم قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا جعفر بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أهلها واذكروا اسم الله فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته وذكر اسم الله تعالى على طعامه يقول الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم هاهنا ولا عشاء وإذا لم يسلم أحدكم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه قال الشيطان لأصحابه أدركتم المبيت والعشاء ". قلت: هذا الحديث ثبت معناه مرفوعاً من حديث جابر، خرجه مسلم . وفي كتاب أبي داود عن أبي مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير الولوج وخير الخروج باسم الله ولجنا وباسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله ".
الحادية عشرة: قوله تعالى: " تحية " مصدر، لأنه قوله: " فسلموا " معناه فحيوا. وصفها بالبركة لأن فيها لادعاء واستجلاب مودة المسلم عليه. ووصفها أيضاً بالطيب لأن سامعها يستطيبها. والكاف من قوله " كذلك " كاف تشبيه. و " ذلك " إشارة إلى هذه السنن، أي كما بين لكم سنة دينكم في هذه الأشياء يبين لكم سائر ما بكم حاجة إليه في دينكم.
اختلف المفسرون رحمهم الله في المعنى الذي لأجله رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض ههنا, فقال عطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنها: نزلت في الجهاد, وجعلوا هذه الاية ههنا كالتي في سورة الفتح, وتلك في الجهاد لا محالة, أي إنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم, وكما قال تعالى في سورة براءة " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون " وقيل: المراد ههنا أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات, فربما سبقه غيره إلى ذلك, ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فيفتات عليه جليسه, والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره, فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم, فأنزل الله هذه الاية, رخصة في ذلك, وهذا قول سعيد بن جبير ومقسم .
وقال الضحاك : كانوا قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذراً وتعززاً, ولئلا يتفضلوا عليهم, فأنزل الله هذه الاية. وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله تعالى: "ليس على الأعمى حرج" الاية, قال: كان الرجل يذهب بالأعمى أو بالأعرج أو بالمريض إلى بيت أبيه أو أخيه أو بيت أخته أو بيت عمته أو بيت خالته, فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون: إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم, فنزلت هذه الاية رخصة لهم. وقال السدي : كان الرجل يدخل بيت أبيه أو أخيه أو ابنه, فتتحفه المرأة بشيء من الطعام, فلا يأكل من أجل أن رب البيت ليس ثم, فقال الله تعالى "ليس على الأعمى حرج" الاية.
وقوله تعالى: "ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم" إنما ذكر هذا وهو معلوم ليعطف عليه غيره في اللفظ, وليستأديه به ما بعده في الحكم, وتضمن هذا بيوت الأبناء لأنه لم ينص عليهم, ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه, وقد جاء في المسند والسنن من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "أنت ومالك لأبيك". وقوله " أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه " هذا ظاهر, وقد يستدل به من يوجب نفقة الأقارب بعضهم على بعض, كما هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل في المشهور عنهما, وأما قوله "أو ما ملكتم مفاتحه" فقال سعيد بن جبير والسدي : هو خادم الرجل من عبد وقهرمان, فلا بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف. وقال الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان المسلمون يذهبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم, ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما احتجتم إليه, فكانوا يقولون: إنه لا يحل لنا أن نأكل, إنهم أذنوا لنا عن غير طيب أنفسهم, وإنما نحن أمناء, فأنزل الله "أو ما ملكتم مفاتحه".
وقوله "أو صديقكم" أي بيوت أصدقائكم وأصحابكم, فلا جناح عليكم في الأكل منها إذا علمتم أن ذلك لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك. وقال قتادة : إذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل بغير إذنه. وقوله "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الاية: وذلك لما أنزل الله "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل, والطعام هو أفضل من الأموال, فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد, فكف الناس عن ذلك, فأنزل الله " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم " وكانوا أيضاً يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره, فرخص الله لهم في ذلك, فقال "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً" وقال قتادة : كان هذا الحي من بني كنانة يرى أحدهم أن مخزاة عليه أن يأكل وحده في الجاهلية, حتى إن كان الرجل ليسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فأنزل الله "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً" فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة وإن كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل.
كما رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه , حدثنا الوليد بن مسلم عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلاً " قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نأكل ولا نشبع. قال : لعلكم تأكلون متفرقين, اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه" ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم به, وقد روى ابن ماجه أيضاً من حديث عمرو بن دينار القهرماني عن سالم عن أبيه عن عمرو " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : كلوا جميعاً ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة".
وقوله "فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم" قال سعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة والزهري : يعني فليسلم بعضكم على بعض. وقال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير , سمعت جابر بن عبد الله يقول: إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة, قال: ما رأيته إلا يوجبه. قال ابن جريج : وأخبرني زياد عن ابن طاوس أنه كان يقول: إذا دخل أحدكم بيته فليسلم, قال ابن جريج : قلت لعطاء : أواجب إذا خرجت ثم دخلت أن أسلم عليهم ؟ قال: لا, ولا آثر وجوبه عن أحد, ولكن هو أحب إلي وما أدعه إلا ناسياً.
وقال مجاهد : إذا دخلت المسجد فقل: السلام على رسول الله, وإذا دخلت على أهلك فسلم عليهم, وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وروى الثوري عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد , إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: بسم الله والحمد لله, السلام علينا من ربنا, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, وقال قتادة : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم, وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, فإنه كان يؤمر بذلك, وحدثنا أن الملائكة ترد عليه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى , حدثنا عويد بن أبي عمران الجوني عن أبيه عن أنس قال: " أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال قال : يا أنس أسبغ الوضوء يزد في عمرك, وسلم على من لقيك من أمتي تكثر حسناتك, وإذا دخلت ـ يعني بيتك ـ فسلم على أهلك يكثر خير بيتك, وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين قبلك. يا أنس ارحم الصغير ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة". وقوله "تحية من عند الله مباركة طيبة" قال محمد بن إسحاق : حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول: ما أخذت التشهد, إلا من كتاب الله سمعت الله يقول "فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة" فالتشهد في الصلاة, التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, ثم يدعو لنفسه ويسلم. وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث ابن إسحاق . والذي في صحيح مسلم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف هذا, والله أعلم. وقوله " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون " لما ذكر تعالى ما في هذه السور الكريمة من الأحكام المحكمة والشرائع المتقنة المبرمة, نبه تعالى عباده على أنه يبين لعباده الايات بياناً شافياً ليتدبروها ويتعقلوها, لعلهم يعقلون.
61- "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج" اختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ قال بالأول جماعة من العلماء، وبالثاني جماعة. قيل إن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك وقالوا: لا ندخلها وهم غيب، فنزلت هذه الآية رخصة لهم، فمعنى الآية نفي الحرج عن الزمنى في أكلهم من بيوت أقاربهم أو بيوت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو. قال النحاس: وهذا القول من أجل ما روي في الآية لما فيه من الصحابة والتابعين من التوقيف. وقيل إن هؤلاء المذكورين كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء حذاراً من استقذارهم إياهم وخوفاً من تأذيهم بأفعالهم فنزلت. وقيل إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به القدرة الكاملة على المشي على وجه يتعذر الإتيان به مع العرج، في تأخرهم عن الغزو. وقيل كان الرجل إذا أدخل أحداً من هؤلاء الزمنى إلى بيته فلم يجد فيه شيئاً يطعمهم إياه ذهب بهم إلى بيوت قرابته، فيتحرج الزمنى من ذلك فنزلت. ومعنى قوله "ولا على أنفسكم" عليكم وعلى من يماثلكم من المؤمنين "أن تأكلوا" أنتم ومن معكم، وهذا ابتداء كلام: أي ولا عليكم أيها الناس. والحاصل أن رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض إن كان باعتبار مؤاكلة الأصحاء، أو دخول بيوتهم فيكون "ولا على أنفسكم" متصلاً بما قبله، وإن كان رفع الحرج عن أولئك باعتبار التكاليف التي يشترط فيها وجود البصر وعدم العرج وعدم المرض ، فقوله : " ولا على أنفسكم " ابتداء كلام غير متصل بما قبله . ومعنى "من بيوتكم" البيوت التي فيها متاعهم وأهلهم فيدخل بيوت الأولاد كذا قال المفسرون، لأنها داخلة في بيوتهم لكون بيت ابن الرجل بيته، فلذا لم يذكر سبحانه بيوت الأولاد وذكر بيوت الآباء وبيوت الأمهات ومن بعدهم. قال النحاس: وعارض بعضهم هذا فقال: هذا تحكم على كتاب الله سبحانه بل الأولى في الظاهر أن يكون الابن مخالفاً لهؤلاء. ويجاب عن هذه المعارضة بأن رتبة الأولاد بالنسبة إلى الآباء لا تنقص عن رتبة الآباء بالنسبة إلى الأولاد، بل للآباء مزيد خصوصية في أموال الأولاد لحديث "أنت ومالك لأبيك" وحديث "ولد الرجل من كسبه" ثم قد ذكر الله سبحانه هاهنا بيوت الأخوة والأخوات، بل بيوت الأعمام والعمات، بل بيوت الأخوال والخالات، فكيف ينفي سبحانه الحرج عن الأكل من بيوت هؤلاء، ولا ينفيه عن بيوت الأولاد؟ وقد قيد بعض العلماء جواز الأكل من بيوت هؤلاء بالإذن منهم. وقال آخرون: لا يشترط الإذن. قيل وهذا إذا كان الطعام مبذولاً، فإن كان محرزاً دونهم لم يجز لهم أكله. ثم قال سبحانه: "أو ما ملكتم مفاتحه" أي البيوت التي تملكون التصرف فيها بإذن أربابها، وذلك كالوكلاء والعبيد والخزان، فإنهم يملكون التصرف في بيوت من أذن لهم بدخول بيته وإعطائهم مفاتحه. وقيل المراد بها بيوت المماليك. قرأ الجمهور "ملكتم" بفتح الميم وتخفيف اللام. وقرأ سعيد بن جبير بضم الميم وكسر اللام مع تشديدها. وقرأ أيضاً: " مفاتحه " بباء بين التاء والحاء. وقرأ قتادة، "مفاتحه" على الإفراد، والمفاتح جمع مفتح، والمفاتيح جمع مفتاح "أو صديقكم" أي لا جناح عليكم أن تأكلوا من بيوت صديقكم وإن لم يكن بينكم وبينه قرابة، فإن الصديق في الغالب يسمح لصديقه بذلك وتطيب به نفسه، والصديق يطلق على الواحد والجمع، ومنه قول جرير:
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا بأسهم أعداء وهن صديق
ومثله العدو والخليط والقطين والعشير، ثم قال سبحانه: "ليس عليكم جناح أن تأكلوا" من بيوتكم "جميعاً أو أشتاتاً" انتصاب جميعاً وأشتاتاً على الحال. والأشتات جمع شت، والشت المصدر: بمعنى التفرق، يقال شت القوم: أي تفرقوا، وهذه الجملة كلام مستأنف مشتمل على بيان حكم آخر من جنس ما قبله: أي ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم مجتمعين أو متفرقين، وقد كان بعض العرب يتحرج أن يأكل وحده حتى يجد له أكيلاً يؤاكله فيأكل معه، وبعض العرب كان لا يأكل إلا مع ضيف، ومنه قول حاتم:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي
"فإذا دخلتم بيوتاً" هذا شروع في بيان أدب به عباده: أي إذا دخلتم بيوتاً غير البيوت التي تقدم ذكرها "فسلموا على أنفسكم" أي على أهلها الذين هم بمنزلة أنفسكم. وقيل المراد البيوت المذكورة سابقاً. وعلى القول الأول، فقال الحسن والنخعي: هي المساجد، والمراد سلموا على من فيها من صنفكم، فإن لم يكن في المساجد أحد، فقيل يقول: السلام على رسول الله، وقيل يقول، السلام عليكم مريداً للملائكة، وقيل يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وقال بالقول الثاني: أعني أنها البيوت المذكورة سابقاً جماعة من الصحابة والتابعين، وقيل المراد بالبيوت هنا هي كل البيوت المسكونة وغيرها، فيسلم على أهل المسكونة، وأما غير المسكونة فيسلم على نفسه. قال ابن العربي: القول بالعموم في البيوت هو الصحيح، وانتصاب "تحية" على المصدرية، لأن قوله فسلموا معناه فحيوا: أي تحية ثابتة "من عند الله" أي إن الله حياكم بها. وقال الفراء: أي إن الله أمركم أن تفعلوها طاعة له، ثم وصف هذه التحية فقال "مباركة" أي كثيرة البركة والخير دائمتهما "طيبة" أي تطيب بها نفس المستمع، وقيل حسنة جميلة. وقال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن السلام مبارك طيب لما فيه من الأجر والثواب، ثم كرر سبحانه فقال: "كذلك يبين الله لكم الآيات" تأكيداً لما سبق. وقد قدمنا أن الإشارة بذلك إلى مصدر الفعل "لعلكم تعقلون" تعليل لذلك التبيين برجاء تعقل آيات الله سبحانه وفهم معانيها.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا أن رجلاً من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرشدة صنعا للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فقالت أسماء: يا رسول الله ما أقبح هذا إنه ليدخل على المرأة وزوجها وهما في ثوب واحد غلامهما بغير إذن، فأنزل الله في ذلك "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم" يعني العبيد والإماء "والذين لم يبلغوا الحلم منكم" قال: من أحراركم من الرجال والنساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في هذه الآية قال: كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا، ثم يخرجوا إلى الصلاة، فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن. وأخرج ابن مردويه عن ثعلبة القرظي عن عبد الله بن سويد قال:" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العورات الثلاث، فقال:إذا أنا وضعت ثيابي بعد الظهيرة لم يلج علي أحد من الخدم من الذين لم يبلغوا الحلم ولا أحد لم يبلغ الحلم من الأحرار إلا بإذن، وإذا وضعت ثيابي بعد صلاة العشاء، ومن قبل صلاة الصبح". وأخرجه عبد بن حميد والبخاري في الأدب عن عبد الله بن سويد من قوله. وأخرج نحوه أيضاً ابن سعد عن سويد بن النعمان. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: إنه لم يؤمن بها أكثر الناس: يعني آية الإذن، وإني لأمر جاريتي هذه، لجارية قصيرة قائمة على رأسه أن تستأذن علي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: ترك الناس ثلاث آيات لم يعملوا بهن "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم"، والآية التي في سورة النساء "وإذا حضر القسمة" الآية، والآية التي في الحجرات "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عنه أيضاً في الآية قال: إذا خلا الرجل بأهله بعد العشاء فلا يدخل عليه صبي ولا خادم إلا بإذنه حتى يصلي الغداة، وإذا خلا بأهله عند الظهر فمثل ذلك، ورخص لهم في الدخول فيما بين ذلك بغير إذن، وهو قوله: "ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن" فأما من بلغ الحلم، فإنه لا يدخل على الرجل وأهله إلا بإذن على كل حال، وهو قوله: "وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم" وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن بسند صحيح من طريق عكرمة عنه أيضاً: أن رجلاً سأله عن الاستئذان في الثلاث العورات التي أمر الله بها في القرآن، فقال ابن عباس: إن الله ستير يحب الستر وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حجاب في بيوتهم، فربما فجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيم في حجره وهو على أهله، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله، ثم جاء الله بعد بالستور، فبسط عليهم في الرزق، فاتخذوا الستور واتخذوا الحجاب، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر في قوله: "ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم" قال: هي على الذكور دون الإناث، ولا وجه لهذا التخصيص، فالاطلاع على العورات في هذه الأوقات كما يكرهه الإنسان من الذكور يكرهه من الإناث. وأخرج ابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قالت: نزلت في النساء أن يستأذن علينا. وأخرج الحاكم وصححه عن علي في الآية قال: النساء فإن الرجال يستأذنون. وأخرج الفريابي عن موسى بن أبي شيبة قال: سألت الشعبي عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال: لا. وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عطاء أنه سأل ابن عباس أأستأذن على أختى؟ قال: نعم، قلت: إنها في حجري وإني أنفق عليها وإنها معي في البيت أأستأذن عليها؟ قال: نعم إن الله يقول: "ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم" الآية، فلم يؤمر هؤلاء بالإذن إلا في هؤلاء العورات الثلاث، قال: "وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم" فالإذن واجب على كل خلق الله أجمعين. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال: عليكم إذن على أمهاتكم. وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب عنه قال: يستأذن الرجل على أبيه وأمه وأخيه وأخته. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب عن جابر نحوه. وأخرج ابن جرير والبيهقي في السنن عن عطاء بن يسار "أن رجلاً قال: يا رسول الله أأستأذن على أمي؟ قال:نعم، قال: إني معها في البيت، قال:استأذن عليها، قال: إني خادمها أفأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال:أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال:فاستأذن عليها" وهو مرسل. وأخرج ابن أبي شيبة نحوه عن زيد بن أسلم أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو أيضاً مرسل. وأخرج أبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عباس "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" الآية، فنسخ واستثنى من ذلك "والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً" الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عنه قال: هي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار وتضع عليها الجلباب ما لم تتبرج بما يكرهه الله، وهو قوله: "فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة". وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: " أن يضعن ثيابهن " ويقول: هو الجلباب. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في السنن عن ابن مسعود "أن يضعن ثيابهن" قال: الجلباب والرداء. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن جبير قال: لما نزلت "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" قالت الأنصار: ما بالمدينة مال أعز من الطعام كانوا يتحرجون الأكل مع الأعرج يقولون الصحيح يسبقه إلى المكان ولا يستطيع أن يزاحم، ويتحرجون الأكل مع المريض يقولون لا يستطيع أن يأكل مثل الصحيح، وكانوا يتحرجون أن يأكلوا في بيوت أقاربهم، فنزلت "ليس على الأعمى" يعني في الأكل مع الأعمى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد قال: كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو بيت أخيه أو بيت عمه أو بيت عمته أو بيت خاله أو بيت خالته. فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فنزلت هذه الآية رخصة لهم. وأخرج البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن النجار عن عائشة قالت: كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدفعون مفاتيحهم إلى أمنائهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما احتجتم إليه، فكانوا يقولون إنه لا يحل لنا أن نأكل إنهم أذنوا لنا من غير طيب نفس، وإنما نحن زمنى، فأنزل الله "ولا على أنفسكم أن تأكلوا" إلى قوله: "أو ما ملكتم مفاتحه". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله "ليس على الأعمى حرج" إلى قوله: "أو ما ملكتم مفاتحه" وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته، والذي رخص الله أن يأكل من ذلك الطعام والتمر ويشرب اللبن، وكانوا أيضاً يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره، فرخص الله لهم فقال: "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا مريض ولا أعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام، فنزلت رخصة في مؤاكلتهم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في مراسيله وابن جرير والبيهقي عن الزهري أنه سئل عن قوله: "ليس على الأعمى حرج" ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا هنا؟ فقال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفهم زمانهم، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم يقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، وكانوا يتحرجون من ذلك يقولون لا ندخلها وهم غيب، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان هذا الحي من بني كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أن عليه مخزاة أن يأكل وحده في الجاهلية، حتى إن كان الرجل يسوق الزود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه، فأنزل الله "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وأبي صالح قالا: كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون حتى يأكل الضيف معهم، فنزلت رخصة لهم. وأخرج الثعلبي عن ابن عباس في الآية، قال خرج الحارث غازياً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف على أهله خالد بن يزيد، فحرج أن يأكل من طعامه، وكان مجهوداً فنزلت. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "أو صديقكم" قال: إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته، ثم أكلت من طعامه بغير إذنه لم يكن بذلك بأس. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "أو صديقكم" قال: هذا شيء قد انقطع، إنما كان هذا في أوله ولم يكن لهم أبواب، وكانت الستور مرخاة، فربما دخل الرجل البيت وليس فيه أحد، فربما وجد الطعام وهو جائع فسوغه الله أن يأكله. وقال: ذهب ذلك اليوم البيوت فيها أهلها، فإذا خرجوا أغلقوا فقد ذهب ذلك. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: "فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم" يقول: إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أنفسكم "تحية من عند الله" وهو السلام، لأنه اسم الله وهو تحية أهل الجنة. وأخرج البخاري وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله "مباركة طيبة". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: "فسلموا على أنفسكم" قال: هو المسجد إذا دخلته فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب عن ابن عمر قال: إذا دخل البيت غير المسكون أو المسجد فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
قوله تعالى: 61- "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج" الآية، اختلف العلماء في هذه الآية، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أنزل الله عز وجل قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" (النساء-29)، تحرج المسلمون من مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج، وقالوا الطعام أفضل الأموال، وقد نهانا الله عن أكل المال بالباطل. والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والأعرج لا يتمكن من الجلوس، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي الطعام، فأنزل الله هذه الآية.
وعلى هذا التأويل يكون على بمعنى في أي: ليس في الأعمى، يعني: ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض.
وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم، ويقول الأعمى: ربما أكل أكثر، ويقول الأعرج: ربما أخذ مكان الاثنين، فنزلت هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت الآية ترخيصاً لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله في هذه الآية، فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون ذهب بنا إلى بيت غيره؟ فأنزل الله هذه الآية.
وقال سعيد بن المسيب: كان المسلمون إذا غزوا خلفوا زمناهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم.
قال الحسن: نزلت هذه الآية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد. قال: تم الكلام عند قوله: ولا على المريض حرج، وقوله تعالى: "ولا على أنفسكم" كلام منقطع عما قبله.
وقيل: لما نزل قوله: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" (النساء-29)، قالوا: لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فأنزل الله عز وجل "ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم"، أي: لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم. قيل: أراد من أموال عليالكم وأزواجكم، وبيت المرأة كبيت الزوج، وقال ابن قتيبة: أراد من بيوت أولادكم، نسب بيوت الأولاد إلى الآباء، كما جاء في الحديث: أنت ومالك لأبيك، "أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته، ويشرب من لبن ماشيته، ولا يحمل ولا يدخر. وقال الضحاك: يعني في بيوت عبيدكم ومماليككم، وذلك أن السيد يملك منزل عبده والمفاتيح الخزائن، لقوله تعالى: " وعنده مفاتح الغيب " (الأنعام-59) ويجوز أن يكون الذي يفتح به. قال عكرمة: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير. وقال السدي: الرجل يولي طعامه غيره يقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه وقال قوم: ما ملكتم مفاتحه ما خزنتموه عندكم قال مجاهد وقتادة: من بيوت أنفسكم مما أحرزتم وملكتم.
"أو صديقكم"، الصديق الذي صدقك في المودة.
قال ابن عباس: نزلت في الحارث بن عمرو رضي الله عنه، خرج غازياً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهوداً فسأله عن حاله، فقال: تحرجت أن آكل طعامك بغير إذنك فأنزل الله هذه الآية.
وكان الحسن وقتادة يريان دخول الرجل بيت صديقه والتحرم بطعامه من غير استئذان منه في الأكل بهذه الآية.
والمعنى: "ليس عليكم جناح أن تأكلوا"، من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا، من غير أن تتزودوا وتحملوا.
قوله: "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً"، نزلت في بني ليث بن عمرو، وهم حي من بني كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضعيفاً يأكل معه، فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح، وربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه، فإذا أمسى ولم يجد أحداً أكل، هذا قول قتادة والضحاك وابن جريج.
وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه، فيقول: والله إني لأجنح، أي: أتحرج أن آكل معك وأنا غني وأنت فقير، فنزلت هذه الآية.
وقال عكرمة وأبو صالح: نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف/ إلا مع ضيفهم، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا، جميعاً أو أشتاتاً متفرقين.
"فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم"، أي: يسلم بعضكم على بعض، هذا في دخول الرجل ببيت نفسه يسلم على أهله ومن في بيته، وهو قول جابر وطاووس والزهري وقتادة والضحاك وعمرو بن دينار.
وقال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهو أحق من سلمت عليه، وإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. حدثنا أن الملائكة ترد عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن لم يكن في البيت أحد فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، والسلام على أهل البيت ورحمة الله.
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم"، قال: إذا دخلت المسجد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
"تحيةً من عند الله"، نصب على المصدر، أي: تحيون أنفسكم تحية، "مباركة طيبةً"، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: حسنة جميلة. وقيل: ذكر البركة والطيبة ها هنا لما فيه من الثواب والأجر. "كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون".
61 -" ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " نفي لما كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء حذراً من استقذارهم ، أو أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح ويبيح لهم التبسط فيه إذا خرج إلى الغزو وخلفهم على المنازل مخافة أن لا يكون ذلك من طيب قلب ، أو من إجابة من يدعوهم إلى بيوت آبائهم وأولادهم وأقاربهم فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلاً عليهم ، وهذا إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة أو كان في أول الإسلام ثم نسخ بنحو قوله " لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام " . وقيل نفي للحرج عنهم في القعود عن الجهاد وهو لا يلائم ما قبله ولا ما بعده . " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم " من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيها بيوت الأولاد لأن بيت الولد كبيته لقوله عليه الصلاة والسلام " أنت ومالك لأبيك " ، وقوله عليه الصلاة والسلام " إن أطيب ما يأكل المؤمن من كسبه وإن ولده من كسبه " . " أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه " وهو ما يكون تحت أيديكم وتصرفكم من ضيعة أو ماشية وكالة أو حفظاً . وقيل بيوت المماليك والمفاتح جمع مفتح وهو ما يفتح به وقرئ " مفاتحه " . " أو صديقكم " أو بيوت صديقكم فإنهم أرضى بالتبسط في أموالهم وأسر به ، وهو يقع على الواحد والجمع كالخليط ، هذا كله إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة ولذلك خصص هؤلاء فإنه يعتاد التبسط بينهم ، أو كان ذلك في أول الإسلام فنسخ فلا احتجاج للحنفية به على أن لا قطع بسرقة مال المحرم . " ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً " مجتمعين أو متفرقين نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده . أو في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا معه . أو في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الطبائع في القذارة والنهمة . " فإذا دخلتم بيوتاً " من هذه البيوت " فسلموا على أنفسكم " على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة . " تحيةً من عند الله " ثابتة بأمره مشروعة من لدنه ، ويجوز أن تكون من صلة للتحية فإنه طلب الحياة وهي من عنده تعالى وانتصابها بالمصدر لأنها بمعنى التسليم . " مباركةً " لأنها يرجى بها زيادة الخير والثواب . ‌" طيبةً " تطيب بها نفس المستمع . وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال لي " متى لقيت أحداً من أمتي فسلم عليه يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك ، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين " . " كذلك يبين الله لكم الآيات " كرره ثلاثاً لمزيد التأكيد وتفخيم الأحكام المختتمة به وفصل الأولين بما هو المقتضى لذلك وهذا بما هو المقصود منه فقال : " لعلكم تعقلون " أي الحق والخير في الأمور .
61. No blame is there upon the blind nor any blame upon the lame nor any blame upon the sick nor on yourselves if ye eat from your houses, or the houses of your fathers, or the houses of your mothers, or the houses of your brothers, or the houses of your sisters, or the houses of your fathers' brothers, or the houses of your fathers' sisters, or the houses of your mothers' brothers, or the houses of your mothers' sisters, or (from that) whereof ye hold the keys, or (from the house) of a friend. No sin shall it be for you whether ye eat together or apart. But when ye enter houses, salute one another with a greeting from Allah, blessed and sweet. Thus Allah maketh clear His revelations for you, that haply ye may understand.
61 - It is no fault in the blind nor in one born lame, nor in one afflicted with illness, nor in yourselves, that ye should eat in your own houses, or those of your fathers, or your mothers, or your brothers, or your sisters, or your father's brothers or your father's sisters, or your mother's brothers, or your mother's sisters, or in houses of which the keys are in your possession. Or in the house of a sincere friend of yours: there is no blame on you, whether ye eat in company or separately. But if ye enter houses, salute each other a greeting of blessing and purity as from God. Thus does God make clear the Signs to you: that ye may understand.