[النور : 36] فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
36 - (في بيوت) متعلق بيسبح الآتي (أذن الله أن ترفع) تعظم (ويذكر فيها اسمه) بتوحيده (يسبح) بفتح الموحدة وكسرها أي يصلي (له فيها بالغدو) مصدر بمعنى الغدوات أي البكر (والآصال) العشايا من بعد الزوال
يعني تعالى ذكره بقوله " في بيوت أذن الله أن ترفع " الله نور السموات والأرض ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، في بيوت أذن الله أن ترفع .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : المشكاة : التي فيها الفتيلة التي فيها المصباح ، قال : المصابيح في بيوت الله أذن الله أن ترفع .
قال أبو جعفر : قد يحتمل أن تكون من في صلة توقد ، فيكون المعنى : توقد من شجرة مباركة ذلك المصباح في بيوت أذن الله أن ترفع ، وعنى بالبيوت : المساجد .
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم بالذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، و نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قالا : ثنا حكام ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قول الله " في بيوت أذن الله أن ترفع " قال : المساجد .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " في بيوت أذن الله أن ترفع " وهي المساجد تكرم ، ونهي عن اللغو فيها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " في بيوت أذن الله أن ترفع " يعني : كل مسجد يصلى فيه ، جامع أو غيره .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله " في بيوت أذن الله أن ترفع " قال : مساجد تبنى .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله " في بيوت أذن الله أن ترفع " قال : في المساجد .
قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون : المساجد : بيوت الله ، وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن سالم بن عمرو ، في قوله " في بيوت أذن الله أن ترفع " قال : هي المساجد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " في بيوت أذن الله أن ترفع " قال : المساجد .
وقال آخرون : عنى بذلك البيوت كلها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، و نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قالا : حدثنا حكام بن سلم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عكرمة " في بيوت أذن الله أن ترفع " قال : هي البيوت كلها .
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك ، لدلالة قوله " يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " على أنها بيوت بنيت للصلاة ، فلذلك قنا هي المساجد .
واختلف أهل التـأويل في تأويل قوله " أذن الله أن ترفع " فقال بعضهم : معناه : أذن الله أن تبنى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " أذن الله أن ترفع " قال : تبنى .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .
وقال آخرون : معناه : أذن الله أن تعظم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله " أذن الله أن ترفع " يقول : أن تعظم لذكره .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب : القول الذي قاله مجاهد ، وهو أن معناه : أذن الله أن ترفع بناء ، كما قال جل ثناؤه : " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت " البقرة : 127 وذلك أن ذلك هو الأغلب من معنى الرفع في البيوت والأبنية .
وقوله " ويذكر فيها اسمه " يقول : وأذن لعباده أن يذكروا اسمه فيها . وقد قيل : عني به ، أنه أذن لهم بتلاوة القرآن فيها . ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قال : ثم قال : " ويذكر فيها اسمه " يقول : يتلى فيها كتابه . وهذا القول قريب المعنى مما قلناه في ذلك ، لأن تلاوة كتاب الله من معاني ذكر الله ، غير أن الذي قلنا به أظهر معنييه ، فلذلك اخترنا القول به .
وقوله " يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " : اختلفت القراء في قراءة قوله " يسبح له " فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار " يسبح له " بضم الياء ، وكسر الباء ، بمعنى : يصلي له فيها رجال ، ويجعل يسبح فعلا للرجال ، وخبرا عنهم ، وترفع به الرجال ، سوى عاصم وابن عامر ، فإنهما قرءا ذلك يسبح بضم الياء ، وفتح الباء ، على ما لم يسم فاعله ، ثم يرفعان الرجال بخبر ثان مضمر ، كأنهما أرادا : يسبح الله في البيوت التي أذن الله أن ترفع ، فسبح له رجال ، فرفعا الرجال بفعل مضمر .
والقراءة التي هي أولاهما بالصواب : قراءة من كسر الباء ، وجعله خبرا للرجال وفعلا لهم . وإنما كان الاختيار رفع الرجال بمضمر من الفعل ، لو كان الخبر عن البيوت لا يتم إلا بقوله " يسبح له فيها " ، فأما والخبر عنها دون ذلك تام ، فلا وجه لتوجيه قوله " يسبح له " إلى غيره ، أي غير الخبر عن الرجال . وعني بقوله " يسبح له فيها بالغدو والآصال " يصلي له في هذه البيوت بالغدوات والعشيات رجال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن الحسن الأزدي ، قال : ثنا المعافى بن عمران ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كل تسبيح في القرآن فهو صلاة .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قال : ثم قال " يسبح له فيها بالغدو والآصال " يقول : يصلي له فيها بالغداة والعشي ، يعني بالغدو : صلاة الغداة ويعني بالأصال : صلاة العصر ، وهما أول ما افترض الله من الصلاة ، فاحب أن يذكرهما ، ويذكر بهما عبادته .
حدثنا الحسن ، قال : اخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن " يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال " أذن الله أن تبنى ، فيصلى فيها بالغدو والآصال .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول في قوله " يسبح له فيها بالغدو والآصال " يعني الصلاة المفروضة .
قوله تعالى: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة " فيه تسع عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: " في بيوت أذن الله أن ترفع " الباء في " بيوت " تضم وتكسر، وقد تقدم. واختلف في الفاء في قوله " في " فقيل: هي متعلقة بـ"مصباح ". وقيل: بـ" يسبح له "، فعلى هذا التأويل يوقف على " عليم ". قال ابن الأنباري : سمعت أبا العباس يقول هو حال للمصباح والزجاجة والكوكب، كأنه قال وهي في بيوت. وقال الترمذي الحكيم محمد بن علي: " في بيوت " منفصل، كأنه يقول: الله في بيوت أذن الله أن ترفع، وبذلك جاءت الأخبار أنه من جلس في المسجد فإنه يجالس ربه . وكذا ما جاء في الخبر فيما يحكى عن التوراة " أن المؤمن إذا مشى إلى المسجد قال الله تبارك اسمه عبدي زارني وعلي قراه ولن أرضى له قرىً دون الجنة ". قال ابن الأنباري : إن جعلت " في " متعلقة بـ" يسبح " أو رافعة للرجال حسن الوقف على قوله " والله بكل شيء عليم ". وقال الرماني: هي متعلقة بـ"يوقد " وعليه فلا يوقف على " عليم ". فإن قيل: فما الوجه إذا كانت البيوت متعلقة بـ"يوقد " في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيوت، ولا يكون مشكاة واحدة إلا في بيت واحد. قيل: هذا من الخطاب المتلون الذي يفتح بالتوحيد ويختم بالجمع، كقوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " [الطلاق: 1] ونحوه. وقيل: رجع إلى كل واحد من البيوت. وقيل: هو كقوله تعالى: " وجعل القمر فيهن نورا " [نوح: 16] وإنما هو في واحدة منها. واختلف الناس في البيوت هنا على خمسة أقوال: الأول: أنها المساجد المخصوصة لله تعالى بالعبادة، وأنها تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض، قاله ابن عباس و مجاهد و الحسن . الثاني: هي بيوت بيت المقدس، عن الحسن أيضاً. الثالث: بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، عن مجاهد أيضاً. الرابع: هي البيوت كلها، قاله عكرمة. وقوله: " يسبح له فيها بالغدو والآصال " يقوي أنها المساجد. وقول خامس: أنها المساجد الأربعة التي لم يبنها إلا نبي: الكعبة وبيت أريحا ومسجد المدينة ومسجد قباء، قاله ابن بريدة. وقد تقدم ذلك في ((براءة)).
قلت: الأظهر القول الأول، لما رواه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من أحب الله عز وجل فليحبني ومن أحبني فليحب أصحابي ومن أحب أصحابي فليحب القرآن ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإنها أفنية الله أبنيته أذن الله في رفعها وبارك فيها ميمونة ميمون أهلها محفوظة محفوظ أهلها هم في صلاتهم والله عز وجل في حوائجهم هم في مساجدهم والله من ورائهم ".
الثانية: قوله تعالى: " أذن الله أن ترفع " " أذن " معناه أمر وقضى. وحقيقة الإذن العلم والتمكين دون حظر، فإن اقترن بذلك أمر وإنفاذ كان أقوى. و " ترفع " قيل: معناه تبنى وتعلى، قاله مجاهد وعكرمة. ومنه قوله تعالى: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت " [البقرة: 127]. وقال صلى الله عليه وسلم:
" من بنى مسجداً من ماله بنى الله له بيتاً في الجنة ". وفي هذا المعنى أحاجيث كثيرة تحض على بنيان المساجد. وقال الحسن البصري وغيره: معنى " ترفع " تعظم، ويرفع شأنها، وتطهر من الأنجاس والأقذار، ففي الحديث:
" إن المسجد لينزوي من النجاسة كما ينزوي الجلد من النار ". وروى ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من أخرج أذىً من المسجد بنى الله له بيتاً في الجنة ". وروى عن عائشة قالت:
" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في الدور وأن تطهر وتطيب ".
الثالثة: إذا قلنا: إن المراد بنيانها فهل تزين وتنقش؟ اختلف في ذلك، فكرهه قوم وأباحه آخرون. فروى حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس و قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تقوم الساعة حتى تتباهى الناس في المساجد ". أخرجه أبو داود . وفي البخاري - وقال أنس: ((يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا)). وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. وروى الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول من حديث أبي الدرداء قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدبار عليكم ". احتج من أباح ذلك بأن فيه تعظيم المساجد والله تعالى أمر بتعظيمها في قوله: " في بيوت أذن الله أن ترفع " يعني تعظم. وروي عن عثمان أنه بنى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالساج وحسنه. قال أبو حنيفة : لا بأس بنقش المساجد بماء الذهب. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه نقش مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبالغ في عمارته وتزيينه، وذلك في زمن ولايته قبل خلافته، ولم ينكر عليه أحد ذلك. وذكر أن الوليد بن عبد الملك أنفق في عمارة مسجدة دمشق وفي تزيينه مثل خراج الشأم ثلاث مرات. وروي أن سليمان بن داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ في تزيينه.
الرابعة: ومما تصان عنه المساجد وتنزه عنه الروائح الكريهة والأقوال السيئة وغير ذلك على ما نبينه، وذلك من تعظيمها. وقد صح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك: من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يأتين المساجد ". وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من أكل من هذه البقلة الثوم " وقال مرة: " من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين ولا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من رجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً. خرجه مسلم في صحيحه. قال العلماء: وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن كل من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيهاً عليهم، أو كان ذا رائحة قبيحة لا ترمه لسوء صناعته، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه. وكل ما يتأذى به الناس كان لهم إخراجهم ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول. وكذلك يجتنب مجتمع الناس حيث كان لصلاة أو غيرها كمجالس العلم والولائم وما أشبهها، من أكل الثوم وما في معناه، مما له رائحة كريهة تؤذي الناس. ولذلك جمع بين البصل والثوم والكراث، وأخبر أن ذلك مما يتأذى به. قال أبو عمر بن عبد البر: وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيراته واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشوور فيه، فأفتى بإخراجه من المسجد وإبعاده عنه، وألا يشاهد معهم الصلاة، إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه، فذاكرته يوماً أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول، فاستدل بحديث الثوم، وقال: هو عندي أكثر أذىً من أكل الثوم، وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد.
قلت: وفي الآثار المرسلة " أن الرجل ليكذب الكذبة فيتباعد عنه الملك من نتن ريحه ". فعلى هذا يخرج من عرف منه الكذب والتقول بالباطل فإن ذلك يؤذي.
الخامسة: أكثر العلماء على أن المساجد كلها سواء، لحديث ابن عمر. وقال بعضهم: إنما خرج النهي على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل جبريل عليه السلام ونزوله فيه، ولقوله في حديث جابر: "فلا يقربن مسجدنا ". والأول أصح، لأنه ذكر الصفة في الحكم وهي المسجدية، وذكر الصفة في الحكم تعليل. وقد روى الثعلبي بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يأتي الله يوم القيامة بمساجد الدنيا كأنها نجائب بيض قوائمها من العنبر وأعناقها من الزعفران ورؤوسها من المسك وأزمتها من الزبرجد الأخضر وقوامها والمؤذنون فيها يقودونها وأئمتها يسوقونها وعمارها متعلقون بها فتجوز عرصات القيامة كالبرق الخاطف فيقول أهل الموقف هؤلاء ملائكة مقربون وأنبياء مرسلون فينادي ما هؤلاء بملائكة ولا أنبياء ولكنهم أهل المساجد والمحافظون على الصلوات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ". وفي التنزيل " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله " [التوبة: 18]. وهذا عام في كل مسجد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان إن الله تعالى يقول: " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر " " [التوبة: 18]. وقد تقدم.
السادسة: وتصان المساجد أيضاً عن البيع والشراء وجميع الاشتغال، " لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي دعا إلى الجمل الأحمر: لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له ". أخرجه مسلم من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى قام رجل فقال:
من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له ". وهذا يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن. وكذا جاء مفسراً من حديث أنس قال:
" بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ". أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه " خرجه مسلم . ومما يدل على هذا من الكتاب قوله الحق: " ويذكر فيها اسمه ". " وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم السلمي:
إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ". أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث بطوله خرجه مسلم في صحيحه ، وحسبك! وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوت رجل في المسجد فقال ما هذا الصوت! أتدري أين أنت! وكان خلف بن أيوب جالساً في مسجده فأتاه غلامه يسأله عن شيء فقام وخرج من المسجد وأجابه، فقيل له في ذلك فقال: ما تكلمت في المسجد بكلام الدنيا منذ كذا وكذا، فكرهت أن أتكلم اليوم.
السابعة: روى الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والشراء فيه، وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة ". وفي الباب عن بريدة وجابر وأنس حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن. قال محمد بن إسماعيل: رأيت أحمد و إسحاق . وذكر غيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء في المسجد وبه يقول أحمد و إسحاق . وروي أن عيسى ابن مريم عليهما السلام أتى على قوم يتبايعون في المسجد فجعل رداءه مخراقاً، ثم جعل يسعى عليهم ضرباً ويقول: يا أبناء الأفاعي، اتخذتم مساجد الله أسواقاً! هذا سوق الآخرة.
قلت: وقد كره بعض أصحابنا تعليم الصبيان في المساجد، ورأى أنه من باب البيع. وهذا إذا كان بأجرة، فلو كان بغير أجرة لمنع أيضاً من وجه آخر، وهو أن الصبيان لا يتحرزون عن الأقذار والوسخ، فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بتنظيفها وتطييبها فقال:
" جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وأجمروها في الجمع واجعلوا على أبوابها المطاهر ". في إسناده العلاء بن كثير الدمشقي مولى بني أمية، وهو ضعيف عندهم، ذكره أبو أحمد بن عدي الجرجاني الحافظ. وذكر أبو أحمد أيضاً من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: صليت العصر مع عثمان أمير المؤمنين فرأى خياطاً في ناحية المسجد فأمر بإخراجه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه يكنس المسجد ويغلق الأبواب ويرش أحياناً فقال عثمان: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" جنبوا صناعكم من مساجدكم ". هذا حديث غير محفوظ، في إسناده محمد بن مجيب الثقفي، وهو ذاهب الحديث.
قلت: ما ورد في هذا المعنى وإن كان طريقه ليناً فهو صحيح معنىً، يدل على صحته ما ذكرناه قبل. قال الترمذي : وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعيهن رخصة في البيع والشراء في المسجد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث رخصة في إنشاد الشعر في المسجد.
قلت: أما تناشد الأشعار فاختلف في ذلك، فمن مانع مطلقا، ومن مجيز مطلقاً. والأولى التفصيل، وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله عز وجل أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان، أو يتضمن الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها، فهو حسن في المساجد وغيرها، كقول القائل:
طوفي يا نفس كي أقصد فرداً صمداً وذريني لست أبغي غير ربي أحدا
فهو أنسي وجليسي ودعي الناس فما إن تجدي من دونه ملتحدا
وما لم يكن كذلك لم يجز، لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر، والمساجد منزهة عن ذلك، لقوله تعالى: " في بيوت أذن الله أن ترفع ". وقد يجوز إنشاده في المسجد، كقول القائل:
كفحل العداب الفرد يضربه الندى تعلى الندى في متنه وتحدرا
وقول الآخر:
إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
فهذا النوع وإن لم يكن فيه حمد ولا ثناء يجوز، لأنه خال عن الفواحش والكذب. وسيأتي ذكر الأشعار الجائزة وغيرها بما فيه كفاية في ((الشعراء)) إن شاء الله تعالى، وقد روى الدارقطني من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت:
" ذكر الشعر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ". وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره في السنن.
قلت: وأصحاب الشافعي يأثرون هذا الكلام عن الشافعي وأنه لم يتكلم به غيره، وكأنهم لن يقفوا على الأحاديث في ذلك. والله أعلم.
الثامنة: وأما رفع الصوت فإن كان مما يقتضي مصلحة للرافع صوته دعي عليه بنقيض قصده، لحديث بريرة المتقدم، وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا ". وإلى هذا ذهب مالك وجماعة، حتى كرهوا رفع الصوت في السمجد في العلم وغيره. وأجاز أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن مسلمة من أصحابنا رفع الصوت في الخصومة والعلم، قالوا: لأنهم لا بد لهم من ذلك. وهذا مخالف لظاهر الحديث، وقولهم: لا بد لهم من ذلك، ممنوع، بل لهم بد من ذلك لوجهين: أحدهما بملازمة الوقار والحرمة، وبإحضار ذلك بالبال والتحرز من نقيضه. والثاني أنه إذا لم يتمكن من ذلك فليتخذ لذلك موضعاً يخصه، كما فعل عمر حيث بنى رحبة تسمى البطيحاء، وقال: من أراد أن يلغط أو ينشد شعراً - يعني في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فليخرج إلى هذه الرحبة. وهذا يدل على أن عمر كان يكره إنشاد الشعر في المسجد، ولذلك بنى البطيحاء خارجه.
التاسعة: وأما النوم في المسجد لمن احتاج إلى ذلك من رجل أو امرأة من الغرباء ومن لا بيت له فجائز، لأن في البخاري - وقال أبو قلابة عن أنس: قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا في الصفة، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: كان أصحاب الصفة فقراء. وفي الصحيحين " عن ابن عمر:
أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ". لفظ البخاري وترجم (باب نوم المرأة في المسجد) وأدخل حديث عائشة في قصة السوداء التي اتهمها أهلها بالوشاح، قالت عائشة:
وكان لها خباء في المسجد أو حفش ... الحديث. ويقال: كان مبيت عطاء بن أبي رباح في المسجد أربعين سنة.
العاشرة: روى مسلم عن أبي حميد أو عن أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ". خرجه أبو داود كذلك، إلا أنه زاد بعد قوله: " إذا دخل أحدكم المسجد: فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل اللهم افتح لي ... " الحديث. وروى ابن ماجه عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: باسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي دنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال باسم الله والصلاة على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك ". وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم ". وخرج أبو داود عن حيوة بن شريح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاصي " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال:
أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم ".
الحادية عشرة: روى مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس " " وعنه قال: دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس، قال فجلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما منعك أن تركع ركعتبن قبل أن تجلس؟فقلت: يا رسول الله، رأيتك جالساً والناس جلوس. قال: فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ". قال العلماء: فجعل صلى الله عليه وسلم للمسجد مزية يتميز بها عن سائر البيوت، وهو ألا يجلس حتى يركع. وعامة العلماء على أن الأمر بالركوع على الندب والترغيب. وقد ذهب داود وأصحابه إلى أن ذلك على الوجوب، وهذا باطل، ولو كان الأمر على ما قالوه لحرم دخول المسجد على المحدث الحدث الأصغر حتى يتوضأ، ولا قائل به فيما أعلم، والله أعلم. فإن قيل: فقد روى إبراهيم بن يزيد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين وإذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين فإن الله جاعل من ركعتيه في بيته خيراً "، وهذا يقتضى التسوية بين المسجد والبيت. قيل: هذه الزيادة في الركوع عند دخول البيت لا أصل لها، قال ذلك البخاري . وإنما يصح في هذا حديث أبي قتادة الذي تقدم لمسلم ، وإبراهيم هذا لا أعلم روى عنه إلا سعد بن عبد الحميد، ولا أعلم له إلا هذا الحديث الواحد، قاله أبو محمد عبد الحق.
الثانية عشرة: روى سعيد بن زبان حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبي هند رضي الله عنه قال: " حمل تميم - يعني الداري - من الشأم إلى المدينة قناديل وزيتاً ومقطاً، فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة فأمر غلاماً يقال له أبو البزاد فقام فنشط المقط وعلق القناديل وصب فيها الماء والزيت وجعل فيها الفتيل، فلما غربت الشمس أمر أبا البزاد فأسرجها، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بها تزهر، فقال:
من فعل هذا؟قالوا: تميم الداري يا رسول الله، فقال: نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة أما إنه لو كانت لي ابنة لزوجتكها. قال نوفل بن الحارث: لي ابنة يا رسول الله تسمى المغيرة بنت نوفل فافعل بها ما أردت، فأنكحه إياها ". زبان (بفتح الزاي والباء وتشديدها بنقطة واحدة من تحتها) ينفرد بالتسمي به سعيد وحده، فهو أبو عثمان سعيد بن زبان بن فائد بن زبان بن أبي هند، وأبو هند هذا مولى ابن بياضة حجام النبي صلى الله عليه وسلم. والمقط: جمع المقاط، وهو الحبل، فكأنه مقلوب القماط. والله أعلم. وروى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال:
" أول من أسرج في المساجد تميم الداري ". وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من أسرج في مسجد سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يصلون عليه ويستغفرون له ما دام ذلك الضوء فيه وإن كنس غبار المسجد نقد الحور العين ". قال العلماء: ويستحب أن ينور البيت الذي يقرأ فيه القرآن بتعليق القناديل ونصب الشموع فيه، ويزاد في شهر رمضان في أنوار المساجد.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: " يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال " اختلف العلماء في وصف الله تعالى المسبحين، فقيل: هم المراقبون أمر الله، الطالبون رضاءه، الذين لا يشغلهم عن الصلاة وذكر الله شيء من أمور الدنيا. وقال كثير من الصحابة: نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء تركوا كل شغل وبادروا. ورأى سالم بن عبد الله أهل الأسواق وهم مقبلون إلى الصلاة فقال: هؤلاء الذين أراد الله بقوله: " لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ". وروي ذلك عن ابن مسعود. وقرأ عبد الله بن عامر وعاصم في رواية أبي بكر عنه و الحسن " يسبح له فيها " بفتح الباء على ما لم يسم فاعله. وكان نافع وابن عمر وأبو عمرو وحمزة يقرؤون " يسبح" بكسر الباء، وكذلك روى أبو عمرو عن عاصم. فمن قرأ " يسبح " بفتح الباء كان على معنيين: أحدهما أن يرتفع " رجال " بفعل مضمر دل عليه الظاهر، بمعنى يسبحه رجال، فيوقف على هذا على " الآصال " وقد ذكر سيبويه مثل هذا. وأنشد:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
المعنى: يبكيه ضارع. وعلى هذا تقول: ضرب زيد عمرو، على معنى ضربه عمرو. والوجه الآخر: أن يرتفع " رجال " بالابتداء، والخبر " في بيوت "، أي في بيوت أذن الله أن ترفع رجال. و " يسبح له فيها " حال من الضمير في " ترفع "، كأنه قال أن ترفع، مسبحاً له فيها، ولا يوقف على " الآصال " على هذا التقدير. ومن قرأ " يسبح " بكسر الباء لم يقف على " الآصال "، لأن " يسبح " فعل للرجال، والفعل مضطر إلى فاعله ولا إضمار فيه. وقد تقدم القول في " الغدو والآصال " في آخر ((الأعراف)) والحمد لله وحده.
الرابعة عشرة: قوله تعالى: " يسبح له فيها " قيل: معناه يصلي. وقال ابن عباس: كل تسبيح في القرآن صلاة، ويدل عليه قوله: " بالغدو والآصال "، أي بالغداة والعشي. وقال أكثر المفسرين: أراد الصلاة المفروضة، فالغدو صلاة الصبح، والآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين، لأن اسم الآصال يجمعها.
الخامسة عشرة: روى أبو داود عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ". وخرج عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح ". في غير الصحيح من الزيادة " كما أن أحدكم لو زار من يحب زيارته لاجتهد في كرامته "، ذكره الثعلبي . وخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحدهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة ". وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة فلم يخط خطوةً إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم ارحمه اللهم اغفر له اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه". في رواية: " ما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط ". وقال حكيم بن زريق: قيل لسعيد بن المسيب أحضور الجنازة أحب إليك أم الجلوس في المسجد؟ فقال: من صلى على جنازة فله قيراط، ومن شهد دفنها فله قيراطان، والجلوس في المسجد أحب إلي، لأن الملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه. وروي عن الحكم بن عمير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" كونوا في الدنيا أضيافاً واتخذوا المساجد بيوتاً وعودوا قلوبكم الرقة وأكثروا التفكر والبكاء ولا تختلف بكم الأهواء. تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون ". " وقال أبو الدرداء لابنه:
ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المساجد بيوت المتقين. ومن كانت المساجد بيته ضمن الله تعالى له الروح والراحة والجواز على الصراط ". وكتب أبو صادق الأزدي إلى شعيب بن الحبحاب: أن عليك بالمساجد فالزمها، فإنه بلغني أنها كانت مجالس الأنبياء. وقال أبو إدريس الخولاني: المساجد مجالس الكرام من الناس. وقال مالك بن دينار: بلغني أن الله تبارك وتعالى يقول ((إني أهم بعذاب عبادي فأنظر إلى عمار المساجد وجلساء القرآن وولدان الإسلام فيسكن غضبي)). وروي عنه عليه السلام أنه قال:
" سيكون في آخر الزمان رجال يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقاً حلقا ذكرهم الدنيا وحبها فلا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة ". وقال ابن المسيب: من جلس في مسجد فإنما يجالس ربه، فما حقه أن يقول إلا خيراً. وقد مضى من تعظيم المساجد وحرمتها ما فيه كفاية. وقد جمع بعض العلماء في ذلك خمس عشرة خصلة، فقال: من حرمة المسجد أن يسلم وقت الدخول إن كان القوم جلوساً، وإن لم يكن في المسجد أحد قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وأن يركع ركعتين قبل أن يجلس، وألا يشتري فيه ولا يبيع، ولا يسل فيه سهماً ولا سيفاً، ولا يطلب فيه ضالة، ولا يرفع فيه صوتاً بغير ذكر الله تعالى، ولا يتكلم فيه بأحاديث الدنيا، ولا يتخطى رقاب الناس، ولا ينازع في المكان، ولا يضيق على أحد في الصف، ولا يمر بين يدي مصل، ولا يبصق، ولا يتنخم ولا يتمخط فيه، ولا يفرقع أصابعه، ولا يعبث بشيء من جسده، وأن ينزه عن النجاسات والصبيان والمجانين، وإقامة الحدود، وأن يكثر ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه. فإذا فعل هذه الخصال فقد أدى حق المسجد، وكان المسجد حرزاً له وحصناً من الشيطان الرجيم. وفي الخبر:
" أن مسجداً ارتفع بأهله إلى السماء يشكوهم إلى الله لما يتحدثون فيه من أحاديث الدنيا ". وروى الدارقطني عن عامر الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلاً فيقال لليلتين وأن تتخذ المساجد طرقاً وأن يظهر موت الفجأة ". وهذا يرويه عبد الكبير بن المعافى عن شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي عن أنس. وغيره يرويه عن الشعبي مرسلاً، والله أعلم. وقال أبو حاتم: عبد الكبير بن معافى ثقة كان يعد من الأبدال. وفي البخاري عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها ولا يعقر بكفه مسلماً ". وخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ". وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوىء أعمالهم النخاعة تكون في المسجد لا تدفن ". وخرج أبو داود عن الفرج بن فضالة عن أبي سعد الحميري قال:
رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على الحصير ثم مسحه برجله، فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. فرج بن فضالة ضعيف، وأيضاً فلم يكن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حصر. والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بصق على الأرض ودلكه بنعله اليسرى، ولعل واثلة إنما أراد هذا فحمل الحصير عليه.
لما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب وذلك كالقنديل, ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد فقال تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع" أي أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها. كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الاية الكريمة "في بيوت أذن الله أن ترفع" قال نهى الله سبحانه عن اللغو فيها, وكذا قال عكرمة وأبو صالح والضحاك ونافع بن جبير وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وسفيان بن حسين وغيرهم من العلماء المفسرين.
وقال قتادة : هي هذه المساجد أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وأخر بعمارتها ورفعها وتطهيرها. وقد ذكر لنا أن كعباً كان يقول: مكتوب في التوراة ألا إن بيوتي في الأرض المساجد وإنه من توضأ فأحسن وضوءه ثم زارني في بيتي أكرمته وحق على المزور كرامة الزائر رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره. وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد واحترامها وتوقيرها وتطييبها وتبخيرها وذلك له محل مفرد يذكر فيه وقد كتبت في ذلك جزءاً على حدة, و لله الحمد والمنة, ونحن بعون الله تعالى نذكر هاهنا طرفاً من ذلك إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان, فعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة" أخرجاه في الصحيحين .
وروى ابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بنى مسجداً يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتاً في الجنة" و للنسائي عن عمرو بن عنبسة مثله, والأحاديث في هذا كثيرة جداً, وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب. رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي , ولأحمد وأبي داود عن سمرة بن جندب نحوه, وقال البخاري : قال عمر : ابن للناس ما يكنهم, وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس, وروى ابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم" وفي إسناده ضعف.
وروى أبو داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أمرت بتشييد المساجد" قال ابن عباس أزخرفها كما زخرفت اليهود والنصارى. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". رواه أحمد وأهل السنن إلا الترمذي . وعن بريدة أن رجلاً أنشد في المسجد فقال من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له" رواه مسلم , وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد " . رواه أحمد وأهل السنن وقال الترمذي حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد, فقولوا لا أربح الله تجارتك, وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا رد الله عليك" رواه الترمذي وقال حسن غريب, وقد روى ابن ماجه وغيره من حديث ابن عمر مرفوعاً قال: خصال لا تنبغي في المسجد: لا يتخذ طريقاً ولا يشهر فيه سلاح ولا ينبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل ولا يمر فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حد ولا يقتص فيه أحد ولا يتخذ سوقاً, وعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "جنبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع" ورواه ابن ماجه أيضاً وفي إسنادهما ضعف, أما أنه لا يتخذ طريقاً فقد كره بعض العلماء المرور فيه إلا لحاجة إذا وجد مندوحة عنه, وفي الأثر إن الملائكة لتتعجب من الرجل يمر بالمسجد لا يصلي فيه, وأما أنه لا يشهر فيه السلاح ولا ينبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل, فلما يخشى من إصابة بعض الناس به لكثرة المصلين فيه, ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر أحد بسهام أن يقبض على نصالها لئلا يؤذي أحداً, كما ثبت ذلك في الصحيح , وأما النهي عن المرور باللحم النيء فيه فلما يخشى من تقاطر الدم منه كما نهيت الحائض عن المرور فيه إذا خافت التلويث, وأما أنه لا يضرب فيه حد أو يقتص فلما يخشى من إيجاد النجاسة فيه من المضروب أو المقطوع, وأما أنه لا يتخذ سوقاً فلما تقدم من النهي عن البيع والشراء فيه فإنه إنما بني لذكر الله والصلاة فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد "إن المساجد لم تبن لهذا, إنما بنيت لذكر الله والصلاة فيها" ثم أمر بسجل من ماء فأهريق على بوله. وفي الحديث الثاني "جنبوا مساجدكم صبيانكم" وذلك لأنهم يلعبون فيه ولا يناسبهم, وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى صبياناً يلعبون في المسجد ضربهم بالمخفقة وهي الدرة, وكان يفتش المسجد بعد العشاء فلا يترك فيه أحداً "ومجانينكم" يعني لأجل ضعف عقولهم وسخر الناس بهم فيؤدي إلى اللعب فيها ولما يخشى من تقذيرهم المسجد ونحو ذلك "وبيعكم وشراءكم" كما تقدم "وخصوماتكم" يعني التحاكم والحكم فيه, ولهذا نص كثير من العلماء على أن الحاكم لا ينتصب لفصل الأقضية في المسجد بل يكون في موضع غيره لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والالفاظ التي لا تناسبه, ولهذا قال بعده "ورفع أصواتكم".
وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله , حدثنا يحيى بن سعيد , حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن قال: حدثني يزيد بن حفصة عن السائب بن يزيد الكندي قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين فجئته بهما فقال من أنتما ؟ أو من أين أنتما ؟ قالا من أهل الطائف. قال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال النسائي : حدثنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمع عمر صوت رجل في المسجد فقال: أتدري أين أنت ؟ وهذا أيضاً صحيح. وقوله "وإقامة حدودكم وسل سيوفكم" تقدما. وقوله "واتخذوا على أبوابها المطاهر" يعني المراحيض التي يستعان بها على الوضوء وقضاء الحاجة. وقد كانت قريباً من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم آبار يستقون منها فيشربون ويتطهرون ويتوضؤون وغير ذلك.
وقوله "وجمروها في الجمع" يعني بخروها في أيام الجمع لكثرة اجتماع الناس يومئذ, وقد قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله , حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة. إسناده حسن لا بأس به والله أعلم, وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً" وذلك أنه إذا توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة. فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه,اللهم ارحمه. ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة. وعند الدار قطني مرفوعاً "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وفي السنن "بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة" ويستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ برجله اليمنى وأن يقول كما ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد يقول "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم, وسلطانه القديم, من الشيطان الرجيم" (قال: أقط قال نعم) قال فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم.
وروى مسلم بسنده عن أبي حميد أو أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك فضلك" ورواه النسائي عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم. وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم" ورواه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن حسين عن أمه فاطمة بنت حسين عن جدتها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ثم قال: "اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك" وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال "اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" ورواه الترمذي وابن ماجه , وقال الترمذي هذا حديث حسن, وإسناده ليس بمتصل لأن فاطمة بنت حسين الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى فهذا الذي ذكرناه مع ما تركناه من الأحاديث الواردة في ذلك كله محاذرة الطول داخل في قوله تعالى "في بيوت أذن الله أن ترفع".
وقوله "ويذكر فيها اسمه" أي اسم الله كقوله "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" وقوله "وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين" وقوله "وأن المساجد لله" الاية. وقوله تعالى: "ويذكر فيها اسمه" قال ابن عباس يعني فيها يتلى كتابه, وقوله تعالى: " يسبح له فيها بالغدو والآصال " أي في البكرات والعشيات. والاصال جمع أصيل وهو آخر النهار. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : كل تسبيح في القرآن هو الصلاة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني بالغدو صلاة الغداة ويعني بالاصال صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما وأن يذكر بهما عباده. وكذا قال الحسن والضحاك " يسبح له فيها بالغدو والآصال " يعني الصلاة, ومن قرأ من القراء " يسبح له فيها بالغدو والآصال " بفتح الباء من "يسبح" على أنه مبني لما لم يسم فاعله وقف على قوله " والآصال " وقفا تاما وابتدأ بقوله "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" وكأنه مفسر للفاعل المحذوف كما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
كأنه قال: من يبكيه ؟ قال هذا يبكيه, وكأنه قيل من يسبح له فيها ؟ قال رجال. وأما على قراءة من قرأ "يسبح" بكسر الباء فجعله فعلاً وفاعله "رجال" فلا يحسن الوقف إلا على الفاعل لأنه تمام الكلام فقوله تعالى: "رجال" فيه إشعار بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عماراً للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه كما قال تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" الاية, وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن لما رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها, وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها".
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان , حدثنا رشدين , حدثني عمرو عن أبي السمح عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير مساجد النساء قعر بيوتهن" وقال أحمد أيضاً: حدثنا هارون , أخبرني عبد الله بن وهب , حدثنا داود بن قيس عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. قال "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي, وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك, وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك, وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك, وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي" قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه فكانت والله تصلي فيه حتى لقيت الله تعالى, لم يخرجوه. هذا ويجوز لها شهود جماعة الرجال بشرط أن لا تؤذي أحداً من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب, كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" رواه البخاري ومسلم , ولأحمد وأبي داود "وبيوتهن خير لهن". وفي رواية "وليخرجن وهن تفلات" أي لا ريح لهن. وقد ثبت في صحيح مسلم عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً". وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس, وفي الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بين إسرائيل.
وقوله تعالى: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله" الاية. وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" الاية, يقول تعالى لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم, والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم, لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق, ولهذا قال تعالى: "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" أي يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم, قال هشيم عن شيبان قال: حدثت عن ابن مسعود أنه رأى قوماً من أهل السوق حيث نودي للصلاة المكتوبة تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة, فقال عبد الله بن مسعود : هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" الاية, وهكذا روى عمرو بن دينار القهرماني عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة, فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر : فيهم نزلت "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن عبد الله بن بكير الصنعاني , حدثنا أبو سعيد مولى بن هاشم , حدثنا عبد الله بن بجير , حدثنا أبو عبد ربه قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني قمت على هذا الدرج أبايع عليه, أربح كل يوم ثلثمائة دينار, أشهد الصلاة في كل يوم في المسجد, أما إني لا أقول إن ذلك ليس بحلال, ولكني أحب أن أكون من الذين قال الله فيهم "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" وقال عمرو بن دينار الأعور : كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم, فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد, فتلا سالم هذه الاية "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" ثم قال, هم هؤلاء, وكذا قال سعيد بن أبي الحسن والضحاك : لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة في وقتها. وقال مطر الوراق : كانوا يبيعون ويشترون, ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" يقول عن الصلاة المكتوبة, وكذا قال مقاتل بن حيان والربيع بن أنس . وقال السدي : عن الصلاة في جماعة. وقال مقاتل بن حيان : لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله, وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها. وقوله تعالى: "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار" أي يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار, أي من شدة الفزع وعظمة الأهوال, كقوله " وأنذرهم يوم الآزفة " الاية.
وقوله "إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" وقال تعالى: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ". وقوله تعالى ههنا: "ليجزيهم الله أحسن ما عملوا" أي هؤلاء من الذين يتقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم. وقوله "ويزيدهم من فضله" أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم, كما قال تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة" الاية, وقال تعالى: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" الاية, وقال "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" الاية, وقال "والله يضاعف لمن يشاء" وقال ههنا "والله يرزق من يشاء بغير حساب". وعن ابن مسعود أنه جيء بلبن فعرضه على جلسائه واحداً واحداً, فكلهم لم يشربه لأنه كان صائماً, فتناوله ابن مسعود فشربه لأنه كان مفطراً, ثم تلا قوله "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار" رواه النسائي وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عنه.
وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا سويد بن سعيد , حدثنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق , عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جمع الله الأولين والاخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم, ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله, فيقومون وهم قليل, ثم يحاسب سائر الخلائق" وروى الطبراني من حديث بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن أبي وائل , عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" قال: أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة لمن صنع لهم المعروف في الدنيا.
36-واختلف في قوله: "في بيوت أذن الله أن ترفع" بما هو متعلق، فقيل متعلق بما قبله: أي كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد، كأنه قيل مثل نوره كما ترى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت، وقيل متعلق بمصباح. وقال ابن الأنباري: سمعت أبا العباس يقول: هو حال للمصباح والزجاجة والكوكب، كأنه قيل: وهي في بيوت، وقيل متعلق يتوقد، أي توقد في بيون، وقد قيل متعلق بما بعده، وهو "يسبح": أي يسبح له رجال في بيوت، وعلى هذا يكون قوله: "فيها" تكريراً كقولك، زيد في الدار جالس فيها. وقيل إنه منفصل عما قبله، كأنه قال الله: في بيوت أذن الله أن ترفع. قال الحكيم الترمذي: وبذلك جاءت الأخبار أنه من جلس في المساجد فإنما يجالس ربه. وقد قيل على تقدير تعلقه بمشكاة أو مصباح أو بتوقد ما الوجه في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيت؟ ولا تكون المشكاة الواحدة ولا المصباح الواحد إلا في بيت واحد. وأجيب بأن هذا من الخطاب الذي يفتح أوله بالتوحيد، ويختم بالجمع كقوله سبحانه "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" ونحوه.وقيل معنى في بيوت: في كل واحد من البيوت، فكأنه قال: في كل بيت، أو في كل واحد من البيت. واختلف الناس في البيوت، على أقوال: الأول أنها المساجد، وهو قول مجاهد والحسن وغيرها. الثاني لأن المراد بها بيوت بيت المقدس، روي ذلك عن الحسن. الثالث أنها بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، روي عن مجاهد: الرابع هي البيوت كلها، قاله عكرمة. الخامس أنها المساجد الأربعة: الكعبة، ومسجد قباء، ومسجد المدينة، ومسجد بيت المقدس، قاله ابن زيد. والقول الأول أظهر لقوله: "يسبح له فيها بالغدو والآصال" والباء من بيت تضم وتكسر كل ذلك ثابت في اللغة، ومعنى أذن الله أن ترفع: أمر وقضى، ومعنى ترفع وتبنى، قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما، ومنه قوله سبحانه "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" وقال الحسن البصري وغيره: معنى ترفع تعظم ويرفع شأنها وتطهر من الأنجاس والأقذار، ورجحه الزجاج وقيل المراد بالرفع هنا مجموع الأمرين، ومعنى "يذكر فيها اسمه" كل ذكر لله عز وجل، وقيل هو التوحيد، وقيل المراد تلاوة القرآن، والأول أولى " يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال " قرأ ابن عامر وأبو بكر "يسبح" بفتح الباء الموحدة مبنياً للمفعول، وقرأ الباقون بكسرها مبنياً للفاعل إلا ابن وثاب وأبا حيوة فإنهما قرآ بالتاء الفوقية وكسر الموحدة، فعلى القراءة الأولى يكون القائم مقام الفاعل أحد المجرورات الثلاثة، ويكون رجال مرفوع على أحد وجهين: إما بفعل مقدر، وكأنه جواب سؤال مقدر، كأنه من يسبحه؟ فقيل يسبحه رجال. الثاني أن رجال مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. وعلى القراءة الثانية يكون "رجال" فاعل "يسبح" وعلى القراءة الثالثة يكون الفاعل أيضاً "رجال"، وإنما أنث الفعل لكون جمع التكسير يعامل معاملة المؤنث في بعض الأحوال.
واختلف في هذا التسبيح ما هو؟ فالأكثرون حملوه على الصلاة المفروضة، قالوا: الغدو صلاة الصبح، والأصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين، لأن اسم الآصال يشملها، ومعنى بالغدو والآصال: بالغداة والعشي وقيل صلاة الصبح والعصر، وقيل المراد صلاة الضحى، وقيل المراد بالتسبيح هنا معناه الحقيقي، وهو تنزيه الله سبحانه عما لا يليق به في ذاته وصفاته وأفعاله، ويؤيد هذا ذكر الصلاة والزكاة بعده، وهذا أرجح مما قبله، لكونه المعنى الحقيقي مع وجود دليل على خلاف ما ذهب إليه الأولون.
قوله: 36- "في بيوت أذن الله"، أي: ذلك المصباح في بيوت. وقيل: يوقد في بيوت، والبيوت: هي المساجد، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المساجد بيوت الله في الأرض، وهي تضيء/ لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض.
وروى صالح بن حيان عن ابن بريدة في قوله تعالى: في بيوت أذن الله، قال: إنما هي أربعة مساجد لم بينها إلا نبي: الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل فجعلاها قبلة، وبيت المقدس بناه داود وسليمان، ومسجد المدينة بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء أسس على التقوى بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "أن ترفع"، قال مجاهد: أن تبنى، نظيره قوله تعالى: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" (البقرة-127)، قال الحسن: أي تعظم أي لا يذكر فيه الخنا من القول. "ويذكر فيها اسمه" قال ابن عباس رضي الله عنهما: يتلى فيها كتابه، "يسبح"، قرأ ابن عامر وأبو بكر يسبح بفتح الباء على غير تسمية الفاعل، والوقف على هذه القراءة عند قوله: والآصال، وقرأ الآخرون بكسر الباء، جعلوا التسبيح فعلاً للرجال، "يسبح له"، أي: يصلي، "له فيها بالغدو والآصال"، أي بالغداة والعشي.
قال أهل التفسير: أراد به الصلوات المفروضات. فالتي تؤدى بالغداة صلاة الصبح، والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأن اسم الأصيل يجمعهما. وقيل: أراد به صلاة الصبح والعصر.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني، حدثنا محمد بن يحيى، أخبرنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا همام بن أبي حمزة، أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس حدثه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صل البردين دخل الجنة".
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: التسبيح بالغدو صلاة الضحى.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن السمعان، أخبرنا أبو جعفر الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، أخبرنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا الهيثم بن حميد، أخبرني يحيى بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين".
36 -" في بيوت " متعلق بما قبله أي كمشكاة في بعض بيوت ، أو توقد في بيوت فيكون تقييد للممثل به بما يكون تحييراً ومبالغة فيه فإن قناديل المساجد تكون أعظم ، أو تمثيلاً لصلاة المؤمنين أو أبدانهم بالمساجد ، ولا ينافي جمع البيوت وحدة المشكاة إذ المراد بها ما له هذا الوصف بلا اعتبار وحدة ولا كثرة أو بما بعده وهو يسبح ، وفيها تكرير مؤكد لا يذكر لأنه من صلة أن فلا يعمل فيما قبله أو بمحذوف مثل سبحوا في بيوت ، والمراد بها المساجد لأن الصفة تلائمها . وقيل المساجد الثلاثة والتنكير للتعظيم . " أذن الله أن ترفع " بالبناء أو التعظيم . " ويذكر فيها اسمه " عام فيما يتضمن ذكره حتى المذاكرة في أفعاله والمباحثة في أحكامه . " يسبح له فيها بالغدو والآصال " ينزهونه أي يصلون له فيها بالغدوات والعشيات ، والغدو مصدر أطلق للوقت ولذلك حسن اقترانه بالآصال وهو جمع أصيل ، وقرئ (( والايصال )) وهو الدخول في الأصيل وقرأ ابن عامر و أبو بكر (( يسبح )) بالفتح على إسناده إلى أحد الظروف الثلاثة ورفع رجال بما يدل عليه ، وقرئ تسبح بالتاء مكسوراً لتأنيث الجمع ومفتوحاً على إسناده إلى أوقات الغدو .
36. (This lamp is found) in houses which Allah hath allowed to be exalted and that His name shall be remembered therein. Therein do offer praise to Him at morn and evening
36 - (Lit is such a Light) in houses, which God hath permitted to be raised to honour; for the celebration, in them, of His name: in them is He glorified in the mornings and in the evenings, (again and again),