[النور : 15] إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ
15 - (إذ تلقونه بألسنتكم) أي يرويه بعضكم عن بعض وحذف من الفعل إحدى التاءين وإذ منصوب يمسكم أو بأفضتم (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا) لا إثم فيه (وهو عند الله عظيم) في الإثم
يقول تعالى ذكره : لمسكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم ، حين تلقونه بألسنتكم ، و إذ من صلة قوله لمسكم ، ويعني بقوله : " تلقون " تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك ، فتقبلونه ، ويرويه بعضكم عن بعض ، يقال : تلقيت هذا الكلام عن فلان ، بمعنى أخذته منه ، وقيل ذلك ، لأن الرجل منهم فيما ذكر يلقى آخر ، فيقول : أوما بلغك كذا وكذا عن عائشة ؟ ليشيع عليها بذلك الفاحشة . وذكر أنها في قراءة أبي إذ تتلقونه بتاءين ، وعليها قرأة الأمصار ، غير أنهم قرءوها " تلقونه " بتاء واحدة ، لأنها كذلك في مصاحفهم .
وقد روي عن عائشة في ذلك ، ما :
حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا خالد بن نزار ، عن نافع ، عن أبي مليكة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت تقرأ هذه الآية إذ تلقونه بألسنتكم تقول : إنما هو ولق الكذب ، وتقول : إنما كانوا يلقون الكذب . قال ابن مليكة : وهي أعلم بما فيها أنزلت . قال نافع : وسمعت بعض العرب يقول : الليق : الكذب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا نافع بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، أنها كانت تقرأ إذ تلقونه بألسنتكم وهي أعلم بذلك وفيها أنزلت ، قال ابن أبي مليكة : وهو من ولق الكذب .
قال أبو جعفر : وكأن عائشة وجهت معنى ذلك بقراءتها تلقونه بكسر اللام وتخفيف القاف ، إلى إذ تستمرون في كذبكم عليها ، وإفككم بألسنتكم ، كما يقال : ولق فلان في السير فهو يلق : إذا استمر فيه ، وكما قال الراجز :
إن الجليد زلق وزملق جاءت به عنس من الشأم تلق
مجوع البطن كلابي الخلق
وقد روي عن العرب في الولق : الكذب : الألق ، والإلق : بفتح الألف وكسرها ، ويقال في فعلت منه : ألقت ، فأنا ألق ، وقال بعضهم :
من لي بالمزرر البلامق صاحب أدهان وألق آلق
والقراءة التي لا أستجيز غيرها " إذ تلقونه " على ما ذكرت من قراءة الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليها .
وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " إذ تلقونه بألسنتكم " قال : ترونه بعضكم عن بعض .
قوله : " وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم " يقول تعالى ذكره : وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي ترونه ، فتقولون : سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا ، ولا تعلمون حقيقة ذلك ، ولا صحته " وتحسبونه هينا " وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم ، وتلقيكموه بعضكم عن بعض ، هين سهل ، لا إثم عليكم فيه ولا حرج " وهو عند الله عظيم " يقول : وتلقيكم ذلك كذلك ، وقولكموه بأفواهكم ، عند الله عظيم من الأمر ، لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليلته .
الثانية عشرة: قوله تعالى: " إذ تلقونه بألسنتكم " قراءة محمد بن السميقع بضم التاء وسكون اللام وضم القاف، من الإلقاء، وهذه قراءة بينة. وقرأ أبي وابن مسعود إذ تتلقونه من التلقي، بتاءين. وقرأ جمهور السبعة بحرف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام، وهذا أيضاً من التلقي. وقرأ أبو عمرو وحمزة و الكسائي بإدغام الذال في التاء. وقرأ ابن كثير بإظهار الذال وإدغام التاء في التاء، وهذه قراءة قلقة، لأنها تقتضي اجتماع ساكنين، وليست كالإدغام في قراءة من قرأ فلا تناجوا . ولا تنابزوا لأن دونه الألف الساكنة، وكونها حرف لين حسنت هنالك ما لا تحسن مع سكون الذال. وقرأ ابن يعمر وعائشة رضي الله عنهما - وهم أعلم الناس بهذا الأمر - " إذ تلقونه " بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف، ومعنى هذه القراءة من قول العرب: ولق الرجل يلق ولقاً إذا كذب واستمر عليه، فجاؤوا بالمتعدي شاهداً على غير المتعدي. قال ابن عطية : وعندي أنه أراد إذ تلقون فيه، فحذف حرف الجر فاتصل الضمير. وقال الخليل وأبو عمرو: أصل الولق الإسراع، يقال: جاءت الإبل تلق، أي تسرع. قال:
لما رأوا جيشاً عليهم قد طرق جاؤوا بأسراب من الشأم ولق
إن الحصين زلق وزملق جاءت به عنس من الشأم تلق
يقال: رجل زلق وزملق، مثال هدبد، وزمالق وزملق (بتشديد الميم) وهو الذي ينزل قبل أن يجامع، قال الراجز:
إن الحصين زلق وزملق
والولق أيضاً أخف الطعن. وقد ولقه يلقه ولقاً. يقال: ولقه بالسيف ولقات، أي ضربات، فهو مشترك.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: " وتقولون بأفواهكم " مبالغة وإلزام وتأكيد. والضمير في " تحسبونه " عائد على الحديث والخوض فيه والإذاعة له. و " هينا " أي شيئاً يسيراً لا يلحقكم فيه إثم. " وهو عند الله " في الوزر " عظيم ". وهذا مثل " قوله عليه السلام في حديث القبرين:
إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير " أي بالنسبة إليكم.
يقول تعالى: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة " أيها الخائضون في شأن عائشة بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الاخرة " لمسكم في ما أفضتم فيه " من قضية الإفك "عذاب عظيم" وهذا فيمن عنده إيمان رزقه الله بسببه التوبة إليه, كمسطح وحسان وحمنة بنت جحش أخت زينت بنت جحش , فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي ابن سلول وأضرابه, فليس أولئك مرادين في هذه الاية, لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه, وهكذا شأن ما يرد من الوعيد على فعل معين يكون مطلقاً مشروطاً بعدم التوبة أو ما يقابله من عمل صالح يوازنه أو يرجح عليه.
ثم قال تعالى: "إذ تلقونه بألسنتكم" قال مجاهد وسعيد بن جبير : أي يرويه بعضكم عن بعض, يقول هذا سمعته من فلان, وقال فلان كذا, وذكر بعضهم كذا, وقرأ آخرون "إذ تلقونه بألسنتكم" وفي صحيح البخاري عن عائشة أنها كانت تقرؤها كذلك, وتقول: هو من ولق اللسان يعني الكذب الذي يستمر صاحبه عليه, تقول العرب: ولق فلان في السير إذا استمر فيه, والقراءة الأولى أشهر وعليها الجمهور, ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو أسامة عن نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة عن عائشة أنها كانت تقرأ "إذ تلقونه" وتقول: إنما هو ولق القول ـ والولق الكذب ـ. قال ابن أبي مليكة : هي أعلم به من غيرها.
وقوله تعالى: "وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم" أي تقولون ما لا تعلمون, ثم قال تعالى: "وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم" أي تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين وتحسبون ذلك يسيراً سهلاً ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هيناً, فكيف وهي زوجة النبي الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ؟ فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل ! فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا, وهو سبحانه وتعالى لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك حاشا وكلا, ولما لم يكن ذلك, فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والاخرة ؟ ولهذا قال تعالى: "وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم" وفي الصحيحين "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ, يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض". وفي رواية "لا يلقي لها بالاً".
15- "إذ تلقونه بألسنتكم" الظرف منصوب بمسكم أو بأفضتم، قرأ الجمهور "إذ تلقونه" من التلقي، والأصل تتلقونه فحذف إحدى التاءين. قال مقاتل ومجاهد: المعنى يرويه بعضكم عن بعض. قال الكلبي: وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا ويتلقونه تلقياً. قال الزجاج: معناه يلقيه بعضكم إلى بعض. وقرأ محمد بن السميفع بضم التاء وسكون اللام وضم القاف، من الإلقاء، ومعنى هذه القراءة واضح. وقرأ أبي وابن مسعود تتلقونه من التلقي، وهي كقراءة الجمهور: وقرأ ابن عباس وعائشة وعيسى بن عمر ويحيى بن يعمر وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف وهذه القراءة مأخوذة من قول العرب ولق يلق ولقاً: إذا كذب. قال ابن سيده: جاءوا بالمتعدي شاهداً على غير المتعدي. قال ابن عطية: وعندي أنه أراد يلقون فيه فحذف حرف الجر فاتصل الضمير. قال الخليل وأبو عمرو: أصل الولق الإسراع، يقال جاءت الإبل تلق: أي تسرع، ومنه قول الشاعر:
لما رأوا جيشاً عليهم قد طرق جاءوا بأسراب من الشام ولق
وقال آخر:
جاءت به عيسى من الشام تلق
قال أبو البقاء: أي يسرعون فيه قال ابن جرير: وهذه اللفظة أي تلقونه على القراءة الأخيرة مأخوذة من الولق، وهو الإسراع بالشيء بعد الشيء كعدد في إثر عدد، وكلام في إثر كلام، وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر تألقونه بفتح التاء وهمزة ساكنة ولام مكسورة وقاف مضمومة من الألق وهو الكذب، وقرأ يعقوب تيلقونه بكسر التاء من فوق بعدها ياء تحتية ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة، وهو مضارع ولق بكسر اللام، ومعنى "وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم" أن قولهم هذا مختص بالأفواه من غير أن يكون واقعاً في الخارج معتقداً في القلوب، وقيل إن ذكر الأفواه للتأكيد كما في قوله: "يطير بجناحيه" ونحوه، والضمير في تحسبونه راجع إلى الحديث الذي وقع الخوض فيه والإذاعة له "وتحسبونه هيناً" أي شيئاً يسيراً لا يلحقكم فيه إثم، وجملة "وهو عند الله عظيم" في محل نصب على الحال: أي عظيم ذنبه وعقابه.
قوله عز وجل: 15- "إذ تلقونه"، تقولونه، "بألسنتكم"، قال مجاهد ومقاتل: يرويه بعضكم عن بعض. وقال الكلبي: وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا يتلقونه تلقياً، وقال الزجاج: يلقيه بعضكم إلى بعض، وقرأ عائشة تلقونه بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق وهو الكذب، "وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً"، تظنون أنه سهل لا إثم فيه، "وهو عند الله عظيم"، في الوزر.
15 -" إذ " ظرف " لمسكم " أو " أفضتم " . " تلقونه بألسنتكم " يأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه يقال تلقى كتلقفه وتلقنه ، قرئ (( تتلقونه )) على الأصل و " تلقونه " من لقيه إذا لقفه و " تلقونه " بكسر حرف المضارعة و " تلقونه " من إلقائه بعضهم على بعض ، و" تلقونه " و (( تألقونه )) من الألق والألق وهو الكذب ، و(( تثقفونه )) من ثقفته إذا طلبته فوجدته و(( تقفونه )) أي تتبعونه . " وتقولون بأفواهكم " أي وتقولون كلاماً مختصاً بالأفواه بلا مساعدة من القلوب . " ما ليس لكم به علم " لأنه ليس تعبيراً عن علم به في قلوبكم كقوله تعالى : " يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم " . " وتحسبونه هيناً " سهلاً لا تبعة له . " وهو عند الله عظيم " في الوزر واستجرار العذاب ، فهذه ثلاثة آثام مترتبة علق بها مس العذاب العظيم ، تلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير تحقق واستصغارهم لذلك وهو عند الله عظيم .
15. When ye welcomed it with your tongues, and uttered with your mouths that whereof ye had no knowledge, ye counted it a trifle. In the sight of Allah it is very great.
15 - Behold, ye received it on your tongues, and said out of your mouths things of which ye had no knowledge; and ye thought it to be a light matter, while it was most serious in the sight of God.