[المؤمنون : 94] رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
94 - (رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) فأهلك بإهلاكهم
وقوله " فلا تجعلني " جواب لقوله : إما ترينى ، اعترض بينهما بالنداء ، ولو لم يكن قبله جزاء لم يجز ذلك في الكلام ، لا يقال : يا زيد فقم ، ولا يا رب فاغفر ، أن النداء مستأنف وكذلك الأمر بعد مستأنف لا تدخله الفاء والواو إلا أن يكون جوابا لكلام قبله .
" فلا تجعلني في القوم الظالمين " أي في نزول العذاب بهم، بل أخرجني منهم. وقيل: النداء معترض، و " ما " في " إما " زائدة. وقيل: إن أصل إما إن ما، فـ"إن " شرط و " ما " شرط، فجمع بين الشرطين توكيداً، والجواب " فلا تجعلني في القوم الظالمين "، أي إذا أردت بهم عقوبة فأخرجني منهم. وكان عليه السلام يعلم أن الله تعالى لا يجعله في القوم الظالمين إذا نزل بهم العذاب، ومع هذا أمره الرب بهذا الدعاء والسؤال ليعظم أجره وليكون في كل الأوقات ذاكراً لربه تعالى.
يقول تعالى آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء عند حلول النقم "رب إما تريني ما يوعدون" أي إن عاقبتهم وأنا أشاهد ذلك, فلا تجعلني فيهم كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون". وقوله تعالى: "وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون" اي لو شئنا لأريناك ما نحل بهم من النقم والبلاء والمحن. ثم قال تعالى مرشداً له إلى الترياق النافع في مخالطة الناس وهو الإحسان إلى من يسيء إليه, ليستجلب خاطره فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة, فقال تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن السيئة" وهذا كما قال في الاية الأخرى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا" الاية, اي وما يلهم هذه الوصية أو هذه الخصلة أو الصفة "إلا الذين صبروا" اي على أذى الناس فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم القبيح "وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" أي في الدنيا والاخرة.
وقوله تعالى: "وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين" أمره الله أن يستعيذ من الشياطين لأنهم لا تنفع معهم الحيل ولا ينقادون بالمعروف, وقد قدمنا عند الاستعاذة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه". وقوله تعالى: "وأعوذ بك رب أن يحضرون" أي في شيء من أمري, ولهذا أمر بذكر الله في ابتداء الأمور وذلك لطرد الشيطان عند الأكل والجماع والذبح وغير ذلك من الأمور, ولهذا روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهرم, وأعوذ بك الهدم ومن الغرق, وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت" وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد , أخبرنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات يقولهن عند النوم من الفزع: "بسم الله, أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده, ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" قال فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه ومن كان منهم صغيراً لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها في عنقه. ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث محمد بن إسحاق . وقال الترمذي : حسن غريب.
94- "رب فلا تجعلني في القوم الظالمين" أي قل يا رب فلا تجعلني. قال الزجاج: أي إن أنزلت بهم النقمة يا رب فاجعلني خارجاً عنهم، ومعنى كلامه هذا أن النداء معترض، وما في إما زائدة: أي قل رب إن تريني، والجواب فلا تجعلني، وذكر الرب مرتين مرة قبل الشرط: ومرة بعده مبالغة في التضرع. وأمره الله أن يسأله أن لا يجعله في القوم الظالمين مع أن الأنبياء لا يكونون مع القوم الظالمين أبداً، تعليماً له صلى الله عليه وسلم من ربه كيف يتواضع؟ وقيل يهضم نفسه، أو لكون شؤم الكفر قد يلحق من لم يكن من أهله كقوله: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".
94. " رب "، أي: يارب، " فلا تجعلني في القوم الظالمين "، أي: لا تهلكني بهلاكهم.
94ـ " رب فلا تجعلني في القوم الظالمين " قريناً لهم في العذاب ، وهو إما لهضم النفس أو لأن شؤم الظلمة قد يحيق بمن وراءهم كقوله تعالى : " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " عن الحسن أنه تعالى أخبر نبيه عليه السلام أنه له في أمته نقمة ولم يطلعه على وقتها فأمره بهذا الدعاء وتكرير النداء ، وتصدير كل واحد من الشرط والجزاء به فضل تضرع وجؤار .
94. My Lord! then set me not among the wrongdoing folk.
94 - Then, O my Lord! put me not amongst the people who do wrong!