[المؤمنون : 92] عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
92 - (عالم الغيب والشهادة) ما غاب وما شوهد بالجر صفة والرفع خبر هو مقدرا (فتعالى) تعظم (عما يشركون) معه
وقوله " عالم الغيب والشهادة " يقول تعالى ذكره : هو عالم ما غاب عن خلقه من الأشياء ، فلم يروه ولم يشاهدوه ، وما رأوه وشاهدوه . إنما هذا من الله خبر عن هؤلاء الذين قالوا من المشركين : اتخذا الله ولدا ، وعبدوا من دونه آلهة ، إنهم فيما يقولون ويفعلون مبطلون مخطئو، فإنهم يقولون ما يقولون من قول في ذلك من غير علم ، بل عن جهل منهم به ، وإن العالم بقديم الأمور وبحديثها ، وشاهدها وغائبها عنهم ، الله الذي لا يخفى عليه شيء ، فخبره هو الحق دون خبرهم ، وقال : عالم الغيب فرفع على الإبتداء ، بمعنى : هو عالم الغيب ، ولذلك دخلت الفاء في قوله " فتعالى " كما يقل : مررت بأخيك المحسن ، فأحسنت إليه ، فترفع المحسن إذا جعلت فأحسنت إليه بالفاء ، لأن معنى الكلام إذا كان كذلك : مررت بأخيك هو المحسن ، فأحسنت إليه . ولو جعل الكلام بالواو فقيل : وأحسنت إليه لم يكن وجه الكلام في المحسن إلا الخفض على النعت للأخ ، ولذلك لو جاء فتعالى بالواو ، كان وجه الكلام في عالم الغيب الخفض على الاتباع لإعراب اسم الله ، وكان يكون معنى الكلام : سبحان الله عالم الغيب والشهادة وتعالى ! فيكون قوله : " فتعالى " حينئذ معطوفا على سبحان الله ، وقد يجوز الخفض مع الفاء ، أن العرب قد تبدئ الكلام بالفاء ، كابتدائها بالواو ، وبالخفض كان يقرأ " عالم الغيب " في هذا الموضع أبو عمرو ، وعلى خلافه في ذلك قرأة الأمصار .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا : الرفع ، لمعنيين : أحدهما : إجماع الحجى من القراء عليه ، والثاني : صحته في العربية .
وقوله : " فتعالى عما يشركون " يقول تعالى ذكره : فارتفع الله وعلا عن شرك هؤلاء المشركين ، ووصفهم إياه بما يصفون .
" عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون " تنزيه وتقديس. وقرأ نافع وأبو بكر وحمزة و الكسائي " عالم " بالرفع على الاستئناف، أي هو عالم الغيب. الباقون بالجر على الصفة لله. وروى رويس عن يعقوب " عالم " إذا وصل خفضاً. و " عالم " إذا ابتدأ رفعاً.
ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك والتصرف والعبادة, فقال تعال: "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض" أي لو قدر تعدد الالهة لانفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود, والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" ثم لكان كل منهم يطلب قهر الاخر وخلافه, فيعلو بعضهم على بعض والمتكلمون ذكروا هذا المعنى, وعبروا عنه بدليل التمانع, وهو أنه لو فرض صانعان فصاعداً فأراد واحد تحريك جسم والاخر أراد سكونه, فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين, والواجب لا يكون عاجزاً ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد, وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد, فيكون محالاً فأما إن حصل مراد أحدهما دون الاخر, كان الغالب هو الواجب والاخر المغلوب ممكناً, لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهوراً, ولهذا قال تعالى: "ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون" أي عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك علواً كبيراً "عالم الغيب والشهادة" أي يعلم ما يغيب عن المخلوقات وما يشاهدونه "فتعالى عما يشركون" اي تقدس وتنزه وتعالى وعز وجل عما يقول الظالمون والجاحدون.
92- "عالم الغيب والشهادة" أي هو مختص بعلم الغيب والشهادة، وأما غيره فهو وإن علم الشهادة لا يعلم الغيب. قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي "عالم" بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هو عالم. وقرأ الباقون بالجر على أنه صفة لله أو بدل منه. وروي عن يعقوب أنه كان يخفض إذا وصل ويرفع إذا ابتدأ "فتعالى" الله "عما يشركون" معطوف على معنى ما تقدم كأنه قال: عالم الغيب فتعالى، كقولك: زيد شجاع فعظمت منزلته: أي شجع فعظمت، أو يكون على إضمار القول: أي أقول فتعالى الله، والمعنى: أنه سبحانه متعال عن أن يكون له شريك في الملك.
92. " عالم الغيب والشهادة " قرأ أهل المدينة والكوفة غير حفص: ((عالم)) برفع الميم على الابتداء، وقرأ الآخرون بجرها على نعت الله في سبحان الله، " فتعالى عما يشركون "، أي: تعظم عما يشركون، ومعناه أنه أعظم من أن يوصف بهذا الوصف.
92ـ " عالم الغيب والشهادة " خبر مبتدأ محذوف وقد جره ابن كثير و ابن عامر و أبو عمرو و يعقوب و حفص على الصفة ، وهو دليل آخر على نفي الشريك بناء على توافقهم في أنه المفرد بذلك ولهذا رتب عليه . " فتعالى عما يشركون " بالفاء .

92. Knower of the invisible and the visible! and exalted be He over all that they ascribe as partners (unto Him)!
92 - He knows what is hidden and what is open: too high is He for the partners they attribute to Him!