[المؤمنون : 78] وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ
78 - (وهو الذي أنشأ) خلق (لكم السمع) بمعنى الأسماع (والأبصار والأفئدة) القلوب (قليلا ما) تأكيد للقلة (تشكرون)
يقول تعالى ذكره : والله الذي أحدث لكم أيها المكذبون بالبعث بعد الممات ، السمع الذي تسمعون به ، والأبصار التي تبصرون بها ، والأفئدة التي تفقهون بها ، فكيف يتعذر على من أنشأ ذلك ابتداء إعادته بعد عدمه وفقده ،وهو الذي يوجد ذلك كله إذا شاء ،ويفنيه إذا أراد . قليلا ما تشكرون ، يقول : تشكرون أيها المكذبون خبر الله من عطائكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا .
قوله تعالى: " وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار " عرفهم كثرة نعمه وكمال قدرته. " قليلا ما تشكرون " أي ما تشكرون إلا شكراً قليلاً. وقيل: أي لا تشكرون ألبتة.
يقول تعالى: "ولقد أخذناهم بالعذاب" أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد "فما استكانوا لربهم وما يتضرعون" أي فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة, بل استمروا على غيهم وضلالهم "فما استكانوا", أي ما خشعوا "وما يتضرعون" أي ما دعوا, كما قال تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم" الاية. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا محمد بن حمزة المروزي , حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أبي عن يزيد ـ يعني النحوي ـ عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم, فقد أكلنا العلهز ـ يعني الوبر والدم ـ فأنزل الله "ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا" الاية, وكذا رواه النسائي عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبيه به, وأصله في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا, فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا سلمة بن شبيب , حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان , حدثني وهب بن عمر بن كيسان قال حبس وهب بن منبه فقال له رجل من الأبناء: ألا أنشدك بيتاً من شعر يا أبا عبد الله ؟ فقال وهب : نحن في طرف من عذاب الله, والله يقول: "ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون" قال: وصام وهب ثلاثاً متواصلة, فقيل له: ما هذا الصوم يا أبا عبد الله ؟ قال: أحدث لنا فأحدثنا, يعني أحدث لنا الحبس فأحدثنا زيادة عبادة.
وقوله: "حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون" أي حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة, فأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون فعند ذلك أبلسوا من كل خير وأيسوا من كل راحة, وانقطعت آمالهم ورجاؤهم, ثم ذكر تعالى نعمه على عباده بأن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة, وهي العقول والفهوم التي يذكرون بها الأشياء ويعتبرون بما في الكون من الايات الدالة على وحدانية الله وأنه الفاعل المختار لما يشاء.
وقوله: "قليلاً ما تشكرون" أي ما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم, كقوله: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر في برئه الخليقة وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم, ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم والاخرين لميقات يوم معلوم, فلا يترك منهم صغيراً ولا كبيراً, ولا ذكراً ولا أنثى, ولا جليلاً ولا حقيراً, إلا أعاده كما بدأه, ولهذا قال: "وهو الذي يحيي ويميت" أي يحيي الرمم ويميت الأمم, "وله اختلاف الليل والنهار" أي وعن أمره تسخير الليل والنهار, كل منهما يطلب الاخر طلباً حثيثاً, يتعاقبان لا يفتران ولا يفترقان بزمان غيرهما, كقوله: " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " الاية.
وقوله: "أفلا تعقلون" أي أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذي قد قهر كل شيء, وعز كل شيء وخضع له كل شيء, ثم قال مخبراً عن منكري البعث الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين " بل قالوا مثل ما قال الأولون * قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون " يعني يستبعدون وقوع ذلك بعد صيرورتهم إلى البلى " لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين " يعنون الإعادة محال, إنما يخبر بها من تلقاها عن كتب الأولين واختلافهم وهذا الإنكار والتكذيب منهم كقوله إخباراً عنهم " أإذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة * فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة " وقال تعالى: " أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " الايات.
78- "وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار" امتن عليهم ببعض النعم التي أعطاهم، وهي نعمة السمع والبصر "والأفئدة" فصارت هذه الأمور معهم ليسمعوا المواعظ وينظروا العبر ويتفكروا بالأفئدة فلم ينتفعوا بشيء من ذلك لإصرارهم على الكفر وبعدهم عن الحق، ولم يشكروه على ذلك ولهذا قال: "قليلاً ما تشكرون" أي شكراً قليلاً حقيراً غير معتد به باعتبار تلك النعم الجليلة. وقيل المعنى: إنهم لا يشكرونه ألبتة، لا أن لهم شكراً قليلاً. كما يقال لجاحد النعمة: ما أقل شكره: أي لا يشكر، ومثل هذه الآية قوله: "فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم".
78. " وهو الذي أنشأ لكم السمع "، أي: أنشأ لكم الأسماع " والأبصار والأفئدة "، لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا، " قليلاً ما تشكرون "، أي: لم تشكروا هذه النعم.
78ـ " وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار " لتحسوا بها ما نصب من الآيات . " والأفئدة " لتتفكروا فيها وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع الدينية والدنيوية . " قليلاً ما تشكرون " تشكرونها شكراً قليلاً لأن العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لأجله ، والإذعان لمانحها من غير إشراك و " ما " صلة للتأكيد .
78. He it is Who hath created for you ears and eyes and hearts. Small thanks give ye!
78 - It is He Who has created for you (the faculties of) hearing, sight, feeling and understanding: little thanks it is ye give!