[المؤمنون : 29] وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ
29 - (وقل) عند نزولك من الفلك (رب أنزلني منزلا) بضم المبم وفتح الزاي مصدر واسم مكان وبفتح الميم وكسر الزاي مكان النزول (مباركا) ذلك الإنزال أو المكان (وأنت خير المنزلين) ما ذكر
يقول تعالى ذكره لنبيه نوح عليه السلام : وقد إذا سلمك الله وأخرجك من الفلك ، فنزلت عنها " رب أنزلني منزلا " من الأرض " مباركا وأنت خير " من أنزل عباده المنازل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " منزلا مباركا " قال : لنوح حين نزل من السفينة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار " رب أنزلني منزلا مباركا " بضم الميم وفتح الزاي ، بمعنى : أنزلني إنزالا مباركا . وقرأه عاصم منزلا بفتح الميم ، وكسر الزاي ، بمعنى : أنزلني مكانا مباركا وموضعا .
قوله تعالى: " وقل رب أنزلني منزلا مباركا " قراءة العامة " منزلا " بضم الميم وفتح الزاي، على المصدر الذي هو الإنزال، أي أنزلني إنزالاً مباركاً. وقرأ زر بن حبيش وأبو بكر عن عاصم والمفضل " منزلا " بفتح الميم وكسر الزاي على الموضع، أي أنزلني موضعاً مباركاً. الجوهري : المنزل (بفتح الميم والزاي) النزول وهو الحلول، تقول: نزلت نزولاً ومنزلاً وقال:
أأن ذكرتك الدار منزلها جمل بكيت فدمع العين منحدر سجل
نصب " المنزل " لأنه مصدر. وأنزله غيره واستنزله بمعنى. ونزله تنزيلاً، والتنزيل أيضاً الترتيب. قال ابن عباس و مجاهد : هذا حين خرج من السفينة، مثل قوله تعالى: " اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " [هود: 48]. وقيل: حين دخلها، فعلى هذا يكون قوله " مباركا " يعني بالسلامة والنجاة.
قلت: وبالجملة فالآية تعليم من الله عز وجل لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا أن يقولوا هذا، بل وإذا دخلوا بيوتهم وسلموا قالوا. وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان إذا دخل المسجد قال: اللهم أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين.
يخبر تعالى عن نوح عليه السلام أنه دعا ربه ليستنصره على قومه, كما قال تعالى مخبراً عنه في الاية الأخرى: "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" وقال ههنا: "رب انصرني بما كذبون" فعند ذلك أمره الله تعالى بصنعة السفينة وإحكامها وإتقانها, وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين, أي ذكراً وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار وغير ذلك, وأن يحمل فيهاأهله "إلا من سبق عليه القول منهم" أي من سبق عليه القول من الله بالهلاك, وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله كابنه وزوجته, والله أعلم.
وقوله: "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" أي عند معاينة إنزال المطر العظيم لا تأخذنك رأفة بقومك وشفقة عليهم, وطمع في تأخيرهم لعلهم يؤمنون, فإني قد قضيت أنهم مغرقون على ما هم عليه من الكفر والطغيان, وقد تقدمت القصة مبسوطة في سورة هود بما يغني عن إعادة ذلك ههنا. وقوله: "فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين" كما قال: " وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون " وقد امتثل نوح عليه السلام هذا, كما قال تعالى: " وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها " فذكر الله تعالى عند ابتداء سيره وعند انتهائه, وقال تعالى: "وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين". وقوله: " إن في ذلك لآيات " أي إن في هذا الصنيع وهو إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين لايات أي لحججاً ودلالات واضحات على صدق الأنبياء فيما جاؤوا به عن الله تعالى, وأنه تعالى فاعل لما يشاء قادر على كل شيء عليم بكل شيء. وقوله: "وإن كنا لمبتلين" أي لمختبرين للعباد بإرسال المرسلين.
ثم أمره أن يسأل ربه ما هو أنفع له وأتم فائدة فقال: 29- "وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً" أي أنزلني في السفينة. قرأ الجمهور "منزلاً" بضم الميم وفتح الزاي على أنه مصدر. وقرأ زر بن حبيش وأبو بكر عن عاصم والمفضل بفتح الميم وكسر الزاي على أنه اسم مكان. فعلى القراءة الأولى: أنزلني إنزالاً مباركاً، وعلى القراءة الثانية: أنزلني مكاناً مباركاً. قال الجوهري: والمنزل بفتح الميم والزاي النزول، وهو الحلول، تقول نزلت نزولاً ومنزلاً. قال الشاعر:
‌‍‌أإن ذكرتك الدار منزلها جمل بكيت فدمع العين منحدر سجل
بنصب منزلها، لأنه مصدر، قيل أمره الله سبحانه بأن يقول هذا القول عند دخوله السفينة، وقيل عند خروجه منها، والآية تعليم من الله لعباده إذا ركبوا ثم نزلوا أن يقولوا هذا القول "وأنت خير المنزلين" هذا ثناء منه على الله عز وجل إثر دعائه له. قال الواحدي: قال المفسرون: إنه أمر أن يقول عند استوائه على الفلك: الحمد لله، وعند نزوله منها: رب أنزلني منزلاً مباركاً.
29. " وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً "، قرأ أبو بكر عن عاصم ((منزلاً)) بفتح الميم وكسر الزاي، أي يريد موضع النزول، قيل: هو السفينة بعد الركوب، وقيل: هو الأرض بعد النزول، ويحتمل أنه أراد في السفينة، ويحتمل بعد الخروج، وقرأ الباقون ((منزلاً)) بضم الميم وفتح الزاي، أي إنزالاً، فالبركة في السفينة النجاة، وفي النزول بعد الخروج كثرة النسل من أولاده الثلاثة، " وأنت خير المنزلين ".
29ـ " وقل رب أنزلني " في السفينة أو في الأرض . " منزلاً مباركاً " يتسبب لمزيد الخير في الدارين على قراءة أبي بكر ، وقرئ (( منزلا )) بمعنى إنزالاً أو موضع إنزال . " وأنت خير المنزلين " ثناء مطابق لدعائه أمره بأن يشفعه به مبالغة فيه وتوسلاً به إلى الإجابة ، وإنما أفرده بالأمر والمعلق به أن يستوي هو ومن معه إظهاراً لفضله وإشعاراً بأن في دعائه مندوحة عن دعائهم فإنه يحيط بهم .
29. And say: My Lord! Cause me to land at a blessed landing place, for Thou art best of all who bring to land.
29 - And say: O my Lord! Enable me to disembark with thy blessing: for thou art the Best to enable (us) to disembark.