[الحج : 57] وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
57 - (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين) شديد بسبب كفرهم
القول في تأويل قوله تعالى : " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين "
" والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ".
قلت: وقد يحتمل أن تكون الإشارة بـ"يومئذ " ليوم بدر، وقد حكم فيه بإهلاك الكافر وسعادة المؤمن، وقد " قال عليه السلام لعمر:
وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
يقول تعالى مخبراً عن الكفار أنهم لا يزالون في مرية, أي في شك من هذا القرآن, قال ابن جريج واختاره ابن جرير . وقال سعيد بن جبير وابن زيد منه, أي مما ألقى الشيطان "حتى تأتيهم الساعة بغتة" قال مجاهد : فجأة, وقال قتادة "بغتة" بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوماً قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم, فلا تغتروا بالله إنه لايغتر بالله إلا القوم الفاسقون. وقوله: "أو يأتيهم عذاب يوم عقيم" قال مجاهد : قال أبي بن كعب : هو يوم بدر, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد, واختاره ابن جرير . قال عكرمة ومجاهد في رواية عنهما: هو يوم القيامة, لا ليل له, وكذا قال الضحاك والحسن البصري , وهذا القول هو الصحيح, وإن كان يوم بدر من جملة ما أوعدوا به لكن هذا هو المراد, ولهذا قال: "الملك يومئذ لله يحكم بينهم" كقوله: "مالك يوم الدين".
وقوله: "الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيرا" " فالذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي آمنت قلوبهم وصدقوا بالله ورسوله وعملوا بمقتضى ما علموا, وتوافق قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم "في جنات النعيم" أي لهم النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ولا يبيد "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا" أي كفرت قلوبهم بالحق وجحدوا به, وكذبوا به وخالفوا الرسل واستكبروا عن اتباعهم "فأولئك لهم عذاب مهين" أي مقابلة استكبارهم وإعراضهم عن الحق, كقوله تعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" أي صاغرين.
57- "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا" أي جمعوا بين الكفر بالله والتكذيب بآياته "فأولئك لهم عذاب مهين" أي عذاب متصف بأنه مهين للمعذبين بالغ منهم المبلغ العظيم.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرأ " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مثله، وزاد فنسخت محدث، قال: والمحدثون: صاحب يس، ولقمان، ومؤمن آل فرعون، وصاحب موسى. وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة. قال السيوطي بسند رجاله ثقات سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن لترتجى. ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا، فجاءه جبريل فقال: اقرأ علي ما جئت به، فقرأ: أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فقال: ما أتيتك بهذا، هذا من الشيطان، فأنزل الله "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى" الآية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، قال السيوطي بسند صحيح عن سعيد بن جبير، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة النجم، فذكر نحوه، ولم يذكر ابن عباس. وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية والسدي عن سعيد مرسلاً. ورواه عبد بن حميد عن السدي عن أبي صالح مرسلاً. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن شهاب مرسلاً. وأخرج ابن جرير عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نحوه مرسلاً أيضاً. والحاصل أن جميع الروايات في هذا الباب إما مرسلة أو منقطعة لا تقوم الحجة بشيء منها. وقد أسلفنا عن الحفاظ في أول هذا البحث ما فيه كفاية، وفي الباب روايات من أحب الوقوف على جميعها فلينظرها في الدر المنثور للسيوطي، ولا يأتي التطويل بذكرها هنا بفائدة، فقد عرفناك أنها جميعها لا تقوم بها الحجة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس " إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " يقول إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، قال: يعني بالتمني التلاوة والقراءة، ألقى الشيطان في أمنيته: في تلاوته "فينسخ الله" ينسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان على لسان النبي. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد "إذا تمنى" قال: تكلم "في أمنيته" قال: كلامه. وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: "عذاب يوم عقيم" قال يوم بدر. وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير: عذاب يوم عقيم، قال يوم بدر. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وعكرمة مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: يوم القيامة لا ليلة له. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك مثله.

57. " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ".
57ـ " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين " وإدخال الفاء في خبر الثاني دون الأول تنبيه على أن إثابة المؤمنين بالجنات تفضل من الله تعالى ، وأن عقاب الكافرين مسبب عن أعمالهم فلذلك قال " لهم عذاب " ولم يقل : هم في عذاب .
57. While those who disbelieved and denied Our revelations, for them will be a shameful doom.
57 - And for those who reject Faith And deny Our Signs, There will be a humiliating Punishment.