[الحج : 4] كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ
4 - (كتب عليه) قضي على الشيطان (أنه من تولاه) أي اتبعه (فأنه يضله ويهديه) يدعوه (إلى عذاب السعير) أي النار
يقول تعالى ذكره : قضي على الشيطان ، فمعنى " كتب " ههنا قضي ، والهاء التي في قوله عليه من ذكر الشيطان .
كما حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن قتادة : " كتب عليه أنه من تولاه " قال : كتب على الشيطان ، أنه من اتبع الشيطان من خلق الله .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثي الحارث ، قال : ثنا الحسن ن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " كتب عليه أنه من تولاه " قال : الشيطان اتبعه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أنه من تولاه ، قال : اتبعه . وقوله : " فأنه يضله " يقول : فإن الشيطان يضله ، يعني : يضل من تولاه . والهاء التي في يضله عائدة على من التي في قوله : " من تولاه " وتأويل الكلام قضي على الشيطان أنه يضل أتباعه ولا يهديهم إلى الحق . وقوله : " ويهديه إلى عذاب السعير " يقول : ويسوق من اتبعه إلى عذاب جهنم الموقدة ، وسياقه إياه إليه بدعائه إياه إلى طاعته ومعصية الرحمن ، فذلك هدايته من تبعه إلى عذاب جهنم .
القول في تأويل قوله تعالى :" يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم " .
وهذا احتجاج من الله على الذي أخبر عنه من الناس أنه يجادل في الله بغير علم ، اتباعا منه للشيطان المريد ، وتنبيه له على موضع خطأ قيله ، وإنكاره ما أنكر من قدرة ربه . قال : يا أيها الناس إن كنتم في شك من قدرتنا على بعثكم كم قبوركم بعد مماتكم وبلاكم استعظاما منكم لذلك ، فإن في ابتدائنا خلق أبيكم آدم من تراب ، ثم إنشائناكم من نطفة آدم ثم تصريفناكم أحوالا حالا بعد حال ، من نطفة إلى علقة ، ثم من علقة إلى مضغة ، لكم معتبرا ومتعظا تعتبرون به ، فتعلمون أن من قدر على ذلك فعير متعذر عليه إعادتكم بعد فنائكم ، كما كنتمأحياء قبل الفناء .
واختلف أهل التأويل قوله مخلقة وغير مخلقة ، فقال بعضهم : هي من صفة النطفة ، قال : ومعنى ذلك : فإنا خلقناكم من تراب ، ثم من نطفة مخلقة وغير مخلقة ، قالوا : فأما المخلقة : فما كان خلقا سويا . وأما غير مخلقة ، فما دفعته الأرحام من النطف ، وألقته قبل أن يكون خلقا .
ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو معاوية عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : إذا وقعت النطفة في الرحم ، بعث الله ملكا فقال : يا رب مخلقة ، أو غير مخلقة ؟ فإن قال: غير مخلقة ، مجتها الأرحام دما ، و إن قال: مخلقة ، قال: يا رب فما صفة هذه النطفة ، أذكر أم أنثى ما رزقها ما أجلها ، أشقي أو سعيد ؟ قال: فيقال له : انطلق إلى أم الكتاب ، فاستنسخ منه صفة هذه النطفة .
قال: فينطلق الملك فينسخها فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها .
و قال آخرون : معنى ذلك : تامة و عير تامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة في قول الله : " مخلقة و غير مخلقة " قال : تامة و غير تامة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا محمد بن ثور ، عن قتادة : " مخلقة و غير مخلقة " فذكر مثله .
و قال آخرون : معنى ذلك المضغة مصورة إنسانا و غير مصورة ، فإذا صورت فهي مخلقة و إذا لم تصور فهي غير مخلقة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا حكام ، عن عنبسة ،عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله : " مخلقة " قال: السقط مخلقة " و غير مخلقة " .
حدثني محمد بن عمرو ، قال:ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " مخلقة و غير مخلقة "
قال: السقط مخلوق و غير مخلوق .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال :ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، أنه قال في النطفة و المضغة إذا نكست في الخلق الرابع ، كانت نسمة مخلقة ، و إذا قذفها قبل ذلك فهي غير مخلقة .
قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن أبي سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي العالية " مخلقة و غير مخلقة " قال: السقط .
و أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: المخلقة : المصورة خلقا تاما ، و غير مخلقة : السقط قبل تمام خلقه ، لأن المخلقة و غير المخلقة من نعت المضغة و النطفة بعد مصيرها مضغة ، لم يبق لها حتى تصير خلقا سويا إلا التصوير ،و ذلك هو المراد بقوله : " مخلقة و غير مخلقة " خلقا سويا ، و غير مخلقة بأن تلقيه الأم مضغة و لا تصور ، و لا ينفخ فيها الروح .
و قوله : " لنبين لكم " يقول تعالى ذكره : جعلنا المضغة منها المخلقة التامة ، و منها السقط غير التام لنبين لكم قدرتنا على ما نشاء ،و نعرفكم ابتداءنا خلقكم .
و قوله : " و نقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى " يقول تعالى ذكره : من كنا كتبنا له بقاء وحياة إلى أمد و غاية ، فإنا نقره في رحم أمه إلى وقته الذي جعلنا له أن يمكث في رحمها فلا تسقطه ، و لا يخرج منها حتى يبلغ أجله ،فإذ ابلغ وقت خروجه من رحمها أذنا له بالخروج منها فيخرج .
و بنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى " قال: التمام .
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله " ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى " قال: الأجل المسمى : إقامته في الرحم حتى يخرج .
و قوله : " ثم نخرجكم طفلا " يقول تعالى ذكره : ثم نخرجكم من أرحام أمهاتكم إذا بلغتم الأجل الذي قدرته لخروجكم منها طفلا صغارا ،ووحد الطفل ، و هو صفة للجميع ، لأنه مصدر مثل عدل وزور .
و قوله : " ثم لتبلغوا أشدكم " يقول : ثم لتبلغوا كمال عقولكم و نهاية قواكم بعمركم .
و قد ذكرت اختلاف المختلفين في الأشد، والصواب من القول فيه عندنا بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته ف هذا الموضع .
" كتب عليه أنه من تولاه " قال قتادة و مجاهد : أي من تولى الشيطان. " فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ".
يقول تعالى ذاماً لمن كذب بالبعث وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى, معرضاً عما أنزل الله على أنبيائه متبعاً في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد من الإنس والجن, وهذا حال أهل البدع والضلال المعرضين عن الحق المتبعين للباطل يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين, ويتبعون أقوال رؤوس الضلالة الدعاة إلى البدع بالأهواء والاراء, ولهذا قال في شأنهم وأشباههم "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم" أي علم صحيح " ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه " قال مجاهد : يعني الشيطان, يعني كتب عليه كتابة قدرية "أنه من تولاه" أي اتبعه وقلده "فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير" أي يضله في الدنيا, ويقوده في الاخرة إلى عذاب السعير, وهو الحار المؤلم المقلق المزعج, وقد قال السدي عن أبي مالك : نزلت هذه الاية في النضر بن الحارث, وكذلك قال ابن جريج .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن مسلم البصري , حدثنا عمرو بن المحرم أبو قتادة , حدثنا العمر , حدثنا أبو كعب المكي قال: قال خبيث من خبثاء قريش أخبرنا عن ربكم من ذهب هو, أو من فضة هو, أو من نحاس هو ؟ فقعقعت السماء قعقعة ـ والقعقعة في كلام العرب الرعد ـ فإذا قحف رأسه ساقط بين يديه. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : جاء يهودي فقال: يا محمد أخبرني عن ربك من أي شيء هو من در أم من يا قوت ؟ قال: فجاءت صاعقة فأخذته.
4- " كتب عليه أنه من تولاه " أي كتب على الشيطان، وفاعل كتب أنه من تولاه، والضمير للشأن: أي من اتخذ ولياً " فأنه يضله " أي فشأن الشيطان أن يضله عن طريق الحق، فقوله أنه يضله جواب الشرط إن جعلت من شرطية أو خبر الموصول إن جعلت موصولة، فقد وصف الشيطان بوصفين: الأول أنه مريد، والثاني ما أفاده جملة كتب عليه إلخ. وجملة "ويهديه إلى عذاب السعير" معطوفة على جملة يضله: أي يحمله على مباشرة ما يصير به في عذاب السعير.
4. " كتب عليه "، قضي على الشيطان، " أنه من تولاه "، اتبعه " فأنه "، يعني الشيطان، " يضله "، أي: يضل من تولاه، " ويهديه إلى عذاب السعير "، ثم ألزم الحجة على منكري البعث فقال:
4ـ " كتب عليه " على الشيطان . " أنه من تولاه " تبعه والضمير للشأن . " فأنه يضله " خبر لمن أو جواب له ، والمعنى كتب عليه إضلال من يتولاه لأنه جبل عليه ، وقرئ بالفتح على تقدير فشأنه أنه يضله لا على العطف فإنه يكون بعد تمام الكلام . وقرئ بالكسر بالموضعين على حكاية المكتوب أو إضمار القول أو تضمين الكتب معناه . " ويهديه إلى عذاب السعير " بالحمل على ما يؤدي إليه .
4. For him it is decreed that whoso taketh him for friend, be verily will mislead him and will guide him to the punishment of the Flame.
4 - About the (Evil one) It is decreed that whoever turns to him for friendship, Him will he lead astray, And he will guide him To the penalty of the fire.