[الحج : 35] الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
35 - (الذين إذا ذكر الله وجلت) خافت (قلوبهم والصابرين على ما أصابهم) من البلايا (والمقيمي الصلاة) في أوقاتها (ومما رزقناهم ينفقون) يتصدقون
فهذا من نعت المخبتين ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : و بشر يا محمد المخبتين الذين تخشع قلوبهم لذكر الله ، و تخضع من خشيته ورجلا من عقابه ، و خوفا من سخطه .
كما حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " قال: لا تقسو قلوبهم " والصابرين على ما أصابهم " من شدة في أمر الله ، و نالهم من مكروه في جنبه " والمقيمي الصلاة " المفروضة " ومما رزقناهم " من الأموال " ينفقون " في الواجب عليهم إنفاقها فيه في زكاة ، و نفقة عيال ، و من وجبت عليه نفقته ، وفي سبيل الله .
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: " وجلت قلوبهم " أي خافت وحذرت مخالفته. فوصفهم بالخوف والوجل عند ذكره، وذلك لقوة يقينهم ومراعاتهم لربهم، وكأنهم بين يديه، ووصفهم بالصبر وإقامة الصلاة وإدامتها. وروي أن هذه الآية قوله: " وبشر المخبتين " نزلت في أبي بكر وعمر وعلي رضوان الله عليهم. وقرأ الجمهور " الصلاة " بالخفض على الإضافة، وقرأ أبو عمرو " الصلاة " بالنصب على توهم النون، وأن حذفها للتخفيف لطول الاسم. وأنشد سيبويه:
الحافظو عورة العشيرة .....
الثانية: هذه الآية ونظير قوله تعالى: " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " [الأنفال: 2]، وقوله تعالى: " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " [الزمر: 23]. هذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما يفعله جهال العوام والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير، ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير، فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وجد وخشوع: إنك لم تبلغ أن تساوي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى والخوف منه والتعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفاً من الله. وكذلك وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم، قال الله تعالى: " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " [المائدة: 83]. فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم، فمن كان مستناً فليستن، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسهم حالاً، والجنون فنون. روى الصحيح عن أنس بن مالك " أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه في المسألة، فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال:
سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم ما دمت في مقامي هذا، فلما سمع ذلك القوم أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر ". قال أنس: فجعلت ألتفت يميناً وشمالاً فإذا كل إنسان لاف رأسه في ثوبه يبكي. وذكر الحديث. وقد مضى القول في هذه المسألة بأشبع من هذا في سورة ((الأنفال)) والحمد لله.
يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل. وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس "ولكل أمة جعلنا منسكاً" قال: عيداً. وقال عكرمة : ذبحاً. وقال زيد بن أسلم في قوله: "ولكل أمة جعلنا منسكاً" إنها مكة, لم يجعل الله لأمة قط منسكاً غيرها. وقوله: "ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام" كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين, فسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما. وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا يزيد بن هارون , أنبأنا سلام بن مسكين عن عائذ الله المجاشعي عن أبي داود ـ وهو نفيع بن الحارث ـ عن زيد بن أرقم قال: قلت أو قالوا: يا رسول الله ما هذه الأضاحي ؟ قال: "سنة أبيكم إبراهيم قالوا: ما لنا منها ؟ قال: بكل شعرة حسنة قال فالصوف ؟ قال بكل شعرة من الصوف حسنة" وأخرجه الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه من حديث سلام بن مسكين به.
وقوله: "فإلهكم إله واحد فله أسلموا" أي معبودكم واحد وإن تنوعت شرائع الأنبياء ونسخ بعضها بعضاً, فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" ولهذا قال: "فله أسلموا" أي أخلصوا واستسلموا لحكمه وطاعته "وبشر المخبتين" قال مجاهد : المطمئنين. وقال الضحاك وقتادة : المتواضعين. وقال السدي : الوجلين. وقال عمرو بن أوس : المخبتين الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقال الثوري "وبشر المخبتين" قال: المطمئنين الراضين بقضاء الله المستسلمين له, وأحسن بما يفسر بما بعده وهو قوله: "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" أي خافت منه قلوبهم "والصابرين على ما أصابهم" أي من المصائب. قال الحسن البصري : والله لنصبرن أو لنهلكن "والمقيمي الصلاة" قرأ الجمهور بالإضافة السبعة وبقية العشرة أيضاً وقرأ ابن السميقع " والمقيمين الصلاة " بالنصب وعن الحسن البصري "والمقيمي الصلاة" وإنما حذفت النون ههنا تخفيفاً, ولو حذفت للإضافة لوجب خفض الصلاة ولكن على سبيل التخفيف, فنصبت, أي المؤدين حق الله فيما أوجب عليهم من أداء فرائضه "ومما رزقناهم ينفقون" أي وينفقون ما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأرقائهم وفقرائهم ومحاويجهم, ويحسنون إلى الخلق مع محافظتهم على حدود الله, وهذه بخلاف صفات المنافقين, فإنهم بالعكس من هذا كله كما تقدم تفسيره في سورة براءة.
ثم وصف سبحانه هؤلاء المخبتين بقوله: 35- "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" أي خافت وحذرت مخالفته، وحصول الوجل منهم عند الذكر له سبحانه دليل على كمال يقينهم وقوة إيمانهم، ووصفهم بالصبر "على ما أصابهم" من البلايا والمحن في طاعة الله ثم وصفهم بإقامة "الصلاة" أي الإتيان بها في أوقاتها على وجه الكمال. قرأ الجمهور: "والمقيمي الصلاة" بالجر على ما هو الظاهر، وقرأ أبو عمرو بالنصب على توهم بقاء النون، وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر:
الحافظ عورة العشيرة
البيت بنصب عورة. وقيل لم يقرأ بهذه القراءة أبو عمرو، وقرأ ابن محيصن والمقيمين بإثبات النون على الأصل، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود، ثم وصفهم سبحانه بقوله: "ومما رزقناهم ينفقون" أي يتصدقون به وينفقونه في وجوه البر، ويضعونه في مواضع الخير ومثل هذه الآية قوله سبحانه: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون".
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "حرمات الله" قال: الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان" يقول: اجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان "واجتنبوا قول الزور" يعني الافتراء على الله والتكذيب به. وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أيمن بن حريم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال:"يا أيها الناس عدلت شهادة الزور شركاً بالله ثلاثاً، ثم قرأ " فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور "". قال أحمد غريب إنما نعرفه من حديث سفيان بن زيد. وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث، ولا نعرف لأيمن بن حريم سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبوداود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب من حديث حريم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً، فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: " حنفاء لله غير مشركين به " قال: حجاجاً لله غير مشركين به، وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين، فلما أظهر الله الإسلام، قال الله للمسلمين: حجوا الآن غير مشركين بالله. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ومن يعظم شعائر الله" قال: البدن. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "ومن يعظم شعائر الله" قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام، وفي قوله: "لكم فيها منافع إلى أجل مسمى" قال: إلى أن تسمى بدناً. واخرج هؤلاء عن مجاهد نحوه، وفيه قال: ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى، في ظهورها وألبانها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هدياً، فإذا سميت هدياً ذهبت المنافع "ثم محلها" يقول: حين تسمى "إلى البيت العتيق"، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال: إذا دخلت الحرم فقد بلغت محلها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولكل أمة جعلنا منسكاً" قال: عيداً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: إهراق الدماء. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: ذبحاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال: مكة لم يجعل الله لأمة منسكاً غيرها. وقد وردت أحاديث في الأضحية ليس هذا موضع ذكرها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "وبشر المخبتين" قال: المطمئنين. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن أوس قال: المخبتون في الآية الذين لا يظلمون الناس، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
35. " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم "، من البلاء والمصائب، " والمقيمي الصلاة "، أي: المقيمين للصلاة في أوقاتها، " ومما رزقناهم ينفقون "، يتصدقون.
35ـ " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " هيبة منه لإشراق أشعة جلاله عليها ." والصابرين على ما أصابهم " من الكلف والمصائب . " والمقيمي الصلاة " في أوقاتها ، وقرئ (( والمقيمي الصلاة )) على الأصل . " ومما رزقناهم ينفقون " في وجوه الخير .
35. Whose hearts fear when Allah is mentioned, and the patient of whatever may befall them, and those who establish worship and who spend of that We have bestowed on them.
35 - To those whose hearts, When God is mentioned, Are filled with fear, Who show patient perseverance Over their afflictions, keep up Regular prayer, and spend (In charity) out of what We have bestowed upon them.