[الحج : 24] وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ
24 - (وهدوا) في الدنيا (إلى الطيب من القول) وهو لا إله إلا الله (وهدوا إلى صراط الحميد) أي طريق الله المحمودة ودينه
القول في تأويل قوله تعالى : " وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد " .
قوله تعالى: " وهدوا إلى الطيب من القول " أي أرشدوا إلى ذلك. قال ابن عباس: يريد لا إله إلا الله والحمد لله. وقيل: القرآن، ثم قيل: هذا في الدنيا، هدوا إلى الشهادة، وقراءة القرآن. " وهدوا إلى صراط الحميد " أي إلى صراط الله. وصراط الله: دينه وهو الإسلام. وقيل: هدوا في الآخرة إلى الطيب من القول، وهو الحمد لله، لأنهم يقولن غداً الحمد لله الذي هدانا لهدا، الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، فليس في الجنة لغو ولا كذب فما يقولونه فهو طيب القول. وقد هدوا في الجنة إلى صراط الله، إذ ليس في الجنة شيء من مخالفة أمر الله. وقيل: الطيب من القول ما يأتيهم من الله من البشارات الحسنة " وهدوا إلى صراط الحميد " أي إلى طريق الجنة.
لما أخبر تعالى عن حال أهل النار عياذاً بالله من حالهم وما هم فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال وما أعد لهم من الثياب من النار, ذكر حال أهل الجنة نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخله الجنة, فقال: "إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار" أي تتخرق في أكنافها وأرجائها وجوانبها وتحت أشجارها وقصورها, يصرفونها حيث شاؤوا وأين أرادوا "يحلون فيها" من الحلية "من أساور من ذهب ولؤلؤاً" أي في أيديهم, كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء". وقال كعب الأحبار : إن في الجنة ملكاً لو شئت أن أسميه لسميته يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة لو أبرز قلب منها ـ أي سوار منها ـ لرد شعاع الشمس كما ترد الشمس نور القمر.
وقوله: "ولباسهم فيها حرير" في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم, لباس هؤلاء من الحرير إستبرقه وسندسه, كما قال: "عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً * إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً" وفي الصحيح "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا, فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الاخرة" قال عبد الله بن الزبير : من لم يلبس الحرير في الاخرة لم يدخل الجنة, قال الله تعالى: "ولباسهم فيها حرير". وقوله: "وهدوا إلى الطيب من القول" كقوله تعالى: "وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام" وقوله: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " وقوله: " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما " فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب, وقوله: "ويلقون فيها تحية وسلاماً" لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يوبخون به ويقرعون به يقال لهم: "ذوقوا عذاب الحريق". وقوله: "وهدوا إلى صراط الحميد" أي إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم كما جاء في الحديث الصحيح "إنهم يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس" وقد قال بعض المفسرين في قوله: "وهدوا إلى الطيب من القول" أي القرآن وقيل: لا إله إلا الله وقيل: الأذكار المشروعة "وهدوا إلى صراط الحميد" أي الطريق المستقيم في الدنيا وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه والله أعلم.
24- "وهدوا إلى الطيب من القول" أي أرشدوا إليه، قيل هو لا إله إلا الله وقيل الحمد لله، وقيل القرآن، وقيل هو ما يأتيهم من الله سبحانه من البشارات. وقد ورد في القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا، وهو قوله سبحانه: "الحمد لله الذي صدقنا وعده" الحمد لله الذي هدانا لهذا "الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن" ومعنى "وهدوا إلى صراط الحميد" أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة، أو صراط الله الذي هو دينه القويم، وهو الإسلام.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "والصابئين" قال: هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرأون الزبور "والمجوس" عبدة الشمس والقمر والنيران، "والذين أشركوا" عبدة الأوثان "إن الله يفصل بينهم" قال: الأديان ستة، فخمسة للشيطان، ودين الله عز وجل. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: الذين هادوا: اليهود، والصابئون: ليس لهم كتاب، والمجوس: أصحاب الأصنام والمشركون: نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية "هذان خصمان" الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث، وعلي بن أبي طالب وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال علي: وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرج البخاري وغيره من حديث علي. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "قطعت لهم ثياب من نار" قال: من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمى أشد حراً منه، وفي قوله: "يصب من فوق رؤوسهم الحميم" قال: النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله: "يصهر به ما في بطونهم" قال: تسيل أمعاؤهم "والجلود" قال: تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وصححه وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن أبي هريرة أنه تلا هذه الآية "يصب من فوق رؤوسهم الحميم" فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "يصهر به ما في بطونهم" قال: يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله: "ولهم مقامع من حديد" قال: يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان". وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سلمان قال: النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها". وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ليس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة". وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وهدوا إلى الطيب من القول" قال: ألهموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال. هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا: الله مولانا ولا مولى لكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل ابن أبي خالد في الآية قال: القرآن "وهدوا إلى صراط الحميد" قال: الإسلام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال "إليه يصعد الكلم الطيب".
24. قوله عز وجل: " وهدوا إلى الطيب من القول "، قال ابن عباس: هو شهادة أن لا إله إلا الله. وقال ابن زيد : لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله [وسبحان الله]. وقال السدي : أي القرآن. وقيل: هو قول أهل الجنة: " الحمد لله الذي صدقنا وعده " (الزمر:74) " وهدوا إلى صراط الحميد "، إلى دين الله وهو الإسلام، ((والحميد)) هو الله المحمود في أفعاله.
24ـ " وهدوا إلى الطيب من القول " وهو قولهم " الحمد لله الذي صدقنا وعده " أو كلمة التوحيد . " وهدوا إلى صراط الحميد " المحمود نفسه أو عاقبته وهو الجنة ، أو الحق أو المستحق لذاته الحمد وهو الله سبحانه وتعالى وصراطه الإسلام .
24. They are guided unto gentle speech; they are guided unto the path of the Glorious One.
24 - For they have been guided (In this life) to the purest of speeches; they have been guided to the path of Him Who is worthy of (all) praise.