[الأنبياء : 9] ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ
9 - (ثم صدقناهم الوعد) بإنجائهم (فأنجيناهم ومن نشاء) أي المصدقين لهم (وأهلكنا المسرفين) المكذبين لهم
يقول تعالى ذكره : ثم صدقنا رسلنا الذين كذبتهم أممهم ، وسألتهم الآيات ، فآتيناهم ما سألوه من ذلك ، ثم أقاموا على تكذيبهم إياها ، وأصروا على جحودهم نبوتها بعد الذي أتتهم به من آيات ربها ، وعدنا الذي وعدناهم من الهلاك على إقامتهم على الكفر بربهم بعد مجيء الآية التي سألوه ، وذلك كقوله جل ثناؤه ( فمن يكفر منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) المائدة : 115 وكقوله ( ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ) ونحو ذلك من المواعيد التي وعد الأمم مع مجيء الآيات . وقوله " فأنجيناهم " يقول تعالى ذكره : فأنجينا الرسل عند إصرار أممها على تكذيبها بعد الآيات " ومن نشاء " وهم أتباعها الذين صدقوها وآمنوا بها . وقوله " وأهلكنا المسرفين " يقول تعالى ذكره : وأهلكنا الذين أسرفوا على أنفسهم بكفرهم بربهم .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا سعيد ، عن قتادة " وأهلكنا المسرفين " والمسرفون : هم المشركون .
قوله تعالى: " ثم صدقناهم الوعد " يعني الأنبياء، أي بإنجائهم ونصرهم وإهلاك مكذبيهم. " ومن نشاء " أي الذين صدقوا الأنبياء. " وأهلكنا المسرفين " أي المشركين.
يقول تعالى راداً على من أنكر بعثة الرسل من البشر: "وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم" أي جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالاً من البشر لم يكن فيهم أحد من الملائكة, كما قال في الاية الأخرى " وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر " وقال تعالى: "قل ما كنت بدعاً من الرسل" وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم, لأنهم أنكروا ذلك فقالوا "أبشر يهدوننا" ولهذا قال تعالى: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " أي اسألواأهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف: هل كان الرسل الذين أتوهم بشراً أو ملائكة ؟ وإنما كانوا بشراً, وذلك من تمام نعمة الله على خلقه إذ بعث فيهم رسلاً منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم.
وقوله: "وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام" أي بل قد كانوا أجساداً يأكلون الطعام كما قال تعالى: "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" أي قد كانوا بشراً من البشر يأكلون ويشربون مثل الناس, ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة, وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئاً, كما توهمه المشركون في قولهم " مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها " الاية.
وقوله: "وما كانوا خالدين" أي في الدنيا, بل كانوا يعيشون ثم يموتون "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد" وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل, تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكمه في خلقه مما يأمر به وينهى عنه, وقوله: "ثم صدقناهم الوعد" أي الذي وعدهم ربهم ليهلكن الظالمين صدقهم الله وعده وفعل ذلك, ولهذا قال "فأنجيناهم ومن نشاء" أي أتباعهم من المؤمنين "وأهلكنا المسرفين" أي المكذبين بما جاءت به الرسل.
وجملة 9- "ثم صدقناهم الوعد" معطوفة على جملة يدل عليها السياق، والتقدير: أوحينا إليهم ما أوحينا، ثم صدقناهم الوعد: أي أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك من كذبهم، ولهذا قال سبحانه: "فأنجيناهم ومن نشاء" من عبادنا المؤمنين، والمراد إنجاؤهم من العذاب وإهلاك من كفر بالعذاب الدنيوي، والمراد بـ "المسرفين" المجاوزون للحد في الكفر والمعاصي، وهم المشركون.
وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وهم في غفلة معرضون" قال: في الدنيا. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال: من أمر الدنيا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "بل قالوا أضغاث أحلام" أي فعل الأحلام وإنما هي رؤيا رآها "بل افتراه بل هو شاعر" كل هذا قد كان منه "فليأتنا بآية كما أرسل الأولون" كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل "ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها" أي أن الرسل كانوا إذا جاءوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: قال أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان من ما تقوله حقاً ويسرك أن نؤمن فحول لنا الصفا ذهباً، فأتاه جبريل فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال: بل أستأني بقومي، فأنزل الله "ما آمنت قبلهم" الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام" يقول: لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
9. " ثم صدقناهم الوعد "، الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم، " فأنجيناهم ومن نشاء "، أي أنجينا المؤمنين الذين صدقوهم، " وأهلكنا المسرفين "، أي المشركين المكذبين، وكل مشرك مسرف على نفسه.
9ـ " ثم صدقناهم الوعد " أي في الوعد . " فأنجيناهم ومن نشاء " يعني المؤمنين بهم ومن في إبقائه حكمة كمن سيؤمن هو أو أحد من ذريته ، ولذلك حميت العرب من عذاب الاستئصال . " وأهلكنا المسرفين " في الكفر والمعاصي .
9. Then We fulfilled the promise unto them. So We delivered them and whom We would, and We destroyed the prodigals.
9 - In the end We fulfilled To them our promise, and we saved them and those whom we pleased, but we destroyed those who transgressed beyond bounds.