[الأنبياء : 87] وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
87 - واذكر (وذا النون) صاحب الحوت وهو يونس بن متى ويبدل منه (إذ ذهب مغاضبا) لقومه أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك (فظن أن لن نقدر عليه) أي نقضي عليه ما قضيناه من حبسه في بطن الحوت أو نضيق عيه بذلك (فنادى في الظلمات) ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت (أن) أي بأن (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) في ذهابي من بين قومي بلا إذن
يقول تعالى ذكره : واذكر يا محمد ذا النون ، يعني صاحب النون ، والنون : الحوت . وإنما بذي النون : يونس بن متى ، وقد ذكرنا قصته في سورة يونس بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع . وقوله " إذ ذهب مغاضبا " يقول : حين ذهب مغاضبا .
واختلف أهل التأويل في معنى ذهابه مغاضبا ، وعمن كان ذهابه ، وعلى من كان غضبه ، فقال بعضهم : كان ذهابه عن قومه وإياهم غاضب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وذا النون إذ ذهب مغاضبا " يقول : غضب على قومه .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " إذ ذهب مغاضبا " أما غضبه ، فكان على قومه .
وقال آخرون : ذهب عن قومه مغاضبا لربه ، إذ كشف عنهم العذاب بعد ما وعدهموه .
ذكر من قال ذلك ، وذكر سبب مغاضبة ربه في قولهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبدالله بن أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بعثه الله ، يعني يونس إلى أهل قربته ، فردوا عليه ما جاءهم به وامتنعوا منه ، فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليه : إني مرسل علهم العذاب في يوم كذا وكذا ، فاخرج من بين أظهرهم ، فأعلم قومه الذي وعده الله من عذابه إياهم ، فقالوا : ارمقوه ، فإن خرج من بين أظهركم فهو والله كائن ما وعدكم ، فلما كانت الليلة التي وعدوا بالعذاب في صبحها أدلج ورآه القوم ، فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم ، وفرقوا بين كل دابة وولدها ، ثم عجوا إلى الله ، فاستقالوه ، فأقالهم ، وتنظر يونس الخبر عن القرية وأهلها ، حتى مر به مار ، فقال : ما فعل أهل القرية ؟ فقال : فعلوا أن نبيهم خرج من بين أظهرهم ، عرفوا أنه صدقهم ما وعدهم من العذاب ، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض ، ثم فرقوا بين كل ذات ولد وولدها ، وعجوا إلى الله ، وتابوا إليه ، فقبل منهم ، وأخر عنهم العذاب ، قال : فقال يونس عند ذلك وغضب : والله لا أرجع إليهم كذابا أبدا ، وعدتهم العذاب في يوم ثم رد عنهم ، ومضى على وجهه مغاضبا .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا عوف ، عن سعيد بين أبي الحسن ، قال : بلغني أن يونس لما أصاب الذنب ، انطلق مغاضبا لربه ، واستزله الشيطان .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا يحيى بن زكريا بي أبي زائدة ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، في قوله " إذ ذهب مغاضبا " قال : مغاضبا لربه .
حدثنا الحارث ن قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، عن سعيد بن جبير ، فذكر نحو حديث ابن حميد ، عن سلمة ، وزاد فيه : قال : فخرج يونس ينظر العذاب ، فلم ير شيئا ، قال : جربوا على كذبا ، فذهب مغاضبا لربه حتى أتى البحر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن وهب بن منبه اليماني ، قال : سمعته يقول : إن يونس بن متى كان عبدا صالحا ، وكان في خلقه ضيق ، فلما حملت عليه أثقال النبوة ، ولها أثقال لا يحملها إلا القليل ، تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل ، فقذفها بين يديه ، وخرج هاربا منها ، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " (الأحقاف : 35) ، "فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت " (القلم : 48) : أي لا تلق أمري كما ألقاه . وهذا القول ، أعني قول من قال : ذهب عن قومه مغاضبا لربه ، أشبه بتأويل الآية ، وذلك لدلالة قوله " فظن أن لن نقدر عليه " على ذلك ، على أن الذين وجهوا تأويل ذلك إلى أنه ذهب مغاضبا لقومه ، إنما زعموا أنهم فعلوا ذلك استنكارا منهم أن يغاضب نبي من الأنبياء ربه ، واستعظاما له . وهم يقيلهم أنه ذهب مغاضبا لقومه قد دخلوا في أمر أعظم مما أنكروا ، وذلك أن الذين قالوا : ذهب مغاضبا لربه ، اختلفوا في سبب ذهابه كذلك . فقال بعضهم : إنما فعل ما فعل من ذلك كراهة أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما وعدهم ، واستحيا منهم ، ولم يعلم السبب الذي دفع به عنهم البلاء . وقال بعض من قال هذا القول : كان من أخلاق قومه الذين فارقهم قتل من جربوا عليه الكذب ، عسى أن يقتلوه من أجل أنه وعدهم العذاب ، فلم ينزل بهم ما وعدهم من ذلك . وقد ذكرنا الرواية بذلك في سورة يونس ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع .
وقال آخرون : بل إنما غاضب ربه من أجل أنه أمر بالمصير إلى قوم لينذرهم بأسه ، ويدعوهم إليه ، فسأل ربه أن ينظره ، ليتأهب للشخوص إليهم ، فقيل له : الأمر أسرع من ذلك ،ولم ينظر حتى شاء أن ينظر إلى أن يأخذ نعلا ليلبسها ، فقيل له نحو القول الأول ، وكان رجلا في خلقه ضيق ، قال : أعجلني ربي أن آخذ نعلا ، فذهب مغاضبا .
وممن ذكر هذا القول عنه : الحسن البصري .
حدثني بذلك الحارث ، قال : ثنا الحسين بن موسى ، عن أبي هلال ، عن شهر بن حوشب ، عنه .
قال أبو جعفر : وليس في واحد من هذين القولين من وصف نبي الله يونس صلوات الله عليه شيء إلا وهو دون ما صفه بما وصفه الذين قالوا : ذهب مغاضبا لقومه ، لأن ذهابه عن قومه مغاضبا لهم ، وقد أمره الله تعالى بالمقام بين أظهرهم ، ليبلغهم رسالته ، ويحذرهم بأسه وعقوبته ، على تركهم الإيمان به ، والعمل بطاعته لا شك أن فيه ما فيه ، ولولا أنه قد كان صلى الله عليه وسلم أتى ما قاله الذين وصفوه بإتيان الخطيئة ، لم يكن الله تعالى ذكره ليعاقبه العقوبة التي ذكرها في كتابه ، ويصفه بالصفة التي وصفه بها ، فيقول لنبيه صلى الله عليه وسلم " ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم " (القلم : 48) ويقول : "فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " (الصافات : 142-144) .
وقوله " فظن أن لن نقدر عليه " اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : فظن أن لن نعاقبه بالتضييق عليه ، من قولهم قدرت على فلان : إذا ضيقت عليه ، كما قال الله جل ثناؤه ( ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) الطلاق : 7 .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبدالله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله " فظن أن لن نقدر عليه " يقول : ظن أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " فظن أن لن نقدر عليه " يقول : ظن أن لن نقضي عليه عقوبة ، ولا بلاء فما صنع بقومه في عضبه إذ عضب عليهم وفراره ، وعقوبته أخذ النون إياه .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، أنه قال في هذه الآية " فظن أن لن نقدر عليه " قال : فظن أن لن نعاقبه بذنبه .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا زيد بن حباب ، قال : ثني شعبة ، عن مجاهد ، ولم يذكر فيه الحكم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ن قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فظن أن لن نقدر عليه " قال :يقول : ظن أن لن نعاقبه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة و الكلبي " فظن أن لن نقدر عليه " قالا : ظن أن لن نقضي عليه العقوبة .
حدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " فظن أن لن نقدر عليه " يقول : ظن أن الله لن يقضي عليه عقوبة ، ولا بلاء في غضبه الذي غضب على قومه ، و فراقه إياهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ،عن ابن عباس ، في قوله " فظن أن لن نقدر عليه " قال البلاء الذي أصابه .
و قال آخرون : بل معنى ذلك : فظن أنه يعجز ربه ن فلا يقدر عليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن ، قال : بلغني أن يونس لم أصاب الذنب ، انطلق مغضبا لربه ،و استزله الشيطان ، حتى ظن أن لن تقدر عليه ، قال : و كان له سلف و عبادة و تسبيح ، فأبى الله أن يدعه للشيطان ، فأخذه فقذفه في بطن الحوت ، فمكث في بطن الحوت أربعين ، من بين ليلة و يوم ، فأمسك الله نفسه ،فلم يقتله هناك ، فتاب إلى ربه في بطن الحوت ، و راجع نفسه ، قال : فقال " سبحانك إني كنت من الظالمين " قال: فاستخرجه الله من بطن الحوت برحمته ، بما كان سلف من العبادة و التسبيح ، فجعله من الصالحين . قال عوف : و بلغني أنه قال في دعائه : و بنيت لك مسجدا في مكان لم يبنه أحد قبلي .
حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا هوذة ، قال: ثنا عوف ، عن الحسن " فظن أن لن نقدر عليه " و كان له سلف من عبادة و تسبيح ، فتداركه الله بها فلم يدعه للشيطان .
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن إياس بن معاوية المدني ، أنه كان إذا ذكر عنده يونس، و قوله " فظن أن لن نقدر عليه " يقول إياس : فلم فر ؟
و قال آخرون : بل ذلك بمعنى الاستفهام ، و إنما تأويله : أفظن أن لن نقدر عليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، قفي قوله " فظن أن لن نقدر عليه " قال: هذا استفهام ، و في قوله (فما تغني النذر ) القمر : 5 قال : استفهام أيضا .
قال أبو جعفر : و أولى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : عنى به : فظن يونس أن لن نحبسه و نضيق عليه ، عقوبة له على مغاضبة ربه .
و إنما قلنا ذلك أولى بتأويل الكلمة ، لأنه لا يجوز أن ينسب إلى الكفر ، و قد اختاره لنبوته ، ووصفه بأن ظن أن ربه يعجز عما أراد به ، و لا يقدر عليه ، وصف له بأن جهل قدرة الله ، و ذلك وصف له بالكفر ،و غير جائز لأحد وصفه بذلك . و أما ما قاله ابن زيد ، فإنه قول لو كان في الكلام دليل على أنه استفهام حسن ، و لكنه لا دلالة فيه على أن ذلك كذلك ، و العرب لا تحذف من الكلام شيئا لهم إلية حاجة ، إلا و قد أبقت دليلا على أنه مراد في الكلام ، فإذا لم يكن في قوله " فظن أن لن نقدر عليه " دلالة على أن المراد به الاستفهام ، كما قال ابن زيد : كان معلوما أنه ليس به ، و إذ فسد هذان الوجهان ، صح الثالث و هو ما قلنا .
و قوله " فنادى في الظلمات " اختلف أهل التأويل في المعني بهذه الظلمات ، فقال بعضهم : عني بها ظلمة الليل ، و ظلمة البحر ، و ظلمة بطن الحوت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون " فنادى في الظلمات " قال ظلمة بطن الحوت ، و ظلمة البحر ، و ظلمة الليل . و كذلك قال أيضا ابن جريج .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله به أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: نادى في الظلمات : ظلمة الليل ، و ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " .
حدثني محمد بن إبراهيم السلمي ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا محمد بن رفاعة ، قال : سمعت محمد بن كعب يقول في هذه الآية " فنادى في الظلمات " قال : ظلمة اللي ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت .
حدثنا بشر ن قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فنادى في الظلمات " قال : ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فنادى في الظلمات " قال : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل .
وقال آخرون : إنما عني بذلك أنه نادى في ظلمة جوف حوت في جوف حوت آخر في البحر ، قالوا : فذلك في الظلمات .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد : " فنادى في الظلمات " قال : أحوحى الله إلى الحوت أن لا تضر له لحما ولا عظما ، ثم ابتلع الحوت حوت آخر ، قال " فنادى في الظلمات " قال : ظلمة الحوت ثم حوت ، ثم ظلمة البحر .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن يونس أنه ناداه في الظلمات " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " ولا شك أنه قد عنى بإحدى الظلمات : بطن الحوت ، وبالأخرى : ظلمة البحر ، وفي الثالثة اختلاف ، وجائز أن تكون تلك الثالثة : ظلمة الليل ، وجائز أن تكون كون الحوت في جوف حوت آخر ، ولا دليل يدل على أي ذلك من أي ، فلا قول في ذلك أولى بالحق من التسليم لظاهر التنزيل .
وقوله : " لا إله إلا أنت سبحانك " يقول : نادى يونس بهذا القول معترفا بذنبه ، تائبا من خطيئته " إني كنت من الظالمين " في معصيتي إياك .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبدالله بين أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : " نادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " معترفا بذنبه ، تائبا من خطيئته .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال أبو معشر : قال محمد بن قيس : قوله : " لا إله إلا أنت سبحانك " ما صنعت من شيء فلم أعبد غيرك " إني كنت من الظالمين " حين عصيتك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا جعفر بين سليمان ، عن عوف الأعرابي ، قال : لما صار يونس في بطن الحوت ، ظن أنه قد مات ، ثم حرك رجله ، فلما تحركت سجد مكانه ، ثم نادى : يا رب اتخذت لك مسجدا في موضع ما اتخذه أحد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق عمن حدثه ، عن عبدالله بن رافع ، مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت ، أوحى الله إلى الحوت : أن خذه ، ولا تخدش له لحما : ولا تكسر عظما ، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر فلما انتهى به إلى أسفل البحر ، سمع يونس حسا ، فقال في نفسه : ما هذا ؟ قال : فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت : إن هذا تسبيح دواب البحر ، قال : فسبح وهو في بطن الحوت ، فسمعت الملائكة تسبيحه ، فقالوا : يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة ، قال : ذاك عبدي يونس ، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر ، قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال : نعم ، قال : فشفعوا له عند ذلك ، فأمر الحوت فقذفه في الساحل ، كما قال الله تبارك وتعالى: وهو سقيم " .

قوله تعالى: " وذا النون " أي واذكر ذا النون وهو لقب ليونس بن متى لابتلاع النون إياه. والنون الحوت. وفي حديث عثمان رضي الله عنه أنه رأى صبياً مليحاً فقال: دسموا نونته كي لا تصيبه العين. روى ثعلب عن ابن الأعرابي: النونة النقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومعنى دسموا سودوا. " إذ ذهب مغاضبا " قال الحسن و الشعبي وسعيد بن جبير: مغاضباً لربه عز وجل. واختاره الطبري و القتبي واستحسنه المهدوي ، وروي عن ابن مسعود. وقال النحاس وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة وهو قول صحيح. والمعنى: مغاضباً من أجل ربه، كما تقول: غضبت لك أي من أجلك. والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي. وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أن " قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: اشترطي لهم الولاء " من هذا. وبالغ القتبي في نصرة هذا القول. وفي الخبر في وصف يونس: إنه كان ضيق الصدر فلما حمل أعباء النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل، فمضى على وجهه مضي الآبق الناد. وهذه المغاضبة كانت صغيرة. ولم يغضب على الله ولكن غضب لله إذ رفع العذاب عنهم. وقال ابن مسعود: ابق من ربه أي من أمر ربه حتى أمره بالعود إليهم بعد رفع العذاب عنهم فإنه كان يتوعد قومه بنزول العذاب في وقت معلوم، وخرج من عندهم في ذلك الوقت، فأظلهم العذاب فتضرعوا فرفع عنهم ولم يعلم يونس بتوبتهم، فلذلك ذهب مغاضباً وكان من حقه ألا يذهب إلا بإذن محدد. وقال الحسن : أمره الله تعالى بالمسير إلى قومه فسأل أن ينظر ليتأهب، فأعجله الله حتى سأل أن يأخذ نعلاً ليلبسها فلم ينظر، وقيل له: الأمر أعجل من ذلك - وكان في خلقه ضيق - فخرج مغاضباً لربه، فهذا قول وقول النحاس أحسن ما قيل في تأويله. أي خرج مغاضباًمن أجل ربه، أي غضب على قومه من أجل كفرهم بربه. وقيل: إنه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنتهم فذهب فاراً بنفسه، ولم يصبر على أذاهم وقد كان الله أمره بملازمتهم والدعاء، فكان ذنبه خروجه من بينهم من غير إذن من الله. روي معناه عن ابن عباس و الضحاك ، وأن يونس كان شاباً ولم يحمل أثقال النبوة، ولهذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم " ولا تكن كصاحب الحوت " [القلم: 48]. وعن الضحاك أيضاً خرج مغاضباً لقومه، لأن قومه لما لم يقبلوا منه وهو رسول من الله عز وجل كفروا بهذا فوجب أن يغاضبهم، وعلى كل أحد أن يغاضب من عصى الله عز وجل. وقالت فرقة منهم الأخفش : إنما خرج مغاضباً للملك الذي كان على قومه. قال ابن عباس: أراد شعيا النبي والملك الذي كان في وقته اسمه حزقيا أن يبعثوا يونس إلى ملك نينوى، وكان غزا بني إسرائيل وسبى الكثير منهم ليكلمه حتى يرسل معه بني إسرائيل، وكان الأنبياء في ذلك الزمان يوحى إليهم، والأمر والسياسة إلى ملك قد اختاروه، فيعمل على وحي ذلك النبي، وكان أوحى الله لشعيا: أن قل لحزقيا الملك أن يختار نبياً قوياً أميناً من بني إسرائيل فيبعثه إلى أهل نينوى فيأمرهم بالتخلية عن بني إسرائيل فإني ملق في قلوب ملوكهم وجبابرتهم التخلية عنهم. فقال يونس لشعيا: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال: لا. قال: فهل سماني لك؟ قال: لا. قال: فهاهنا أنبياء أمناء أقوياء. فألحوا عليه فخرج مغاضباً للنبي والملك وقومه، فأتى بحر الروم وكان من قصته ما كان، فابتلي ببطن الحوت لتركه أمر شعيا، ولهذا قال الله تعالى: " فالتقمه الحوت وهو مليم " [الصافات: 142] والمليم من فعل ما يلام عليه. وكان ما فعله إما صغيرة أو ترك الأولى. وقيل: خرج ولم يكن نبياً في ذلك الوقت ولكن أمره ملك من ملوك بني إسرائيل أن يأتي نينوى، ليدعو أهلها بأمر شعيا فأنف أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله، فخرج مغاضباً للملك، فلما نجا من بطن الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم وآمنوا به. وقال القشيري : والأظهر أن هذه المغاضبة كانت بعد إرسال الله تعالى إياه، وبعد رفع العذاب عن القوم بعد ما أظلهم، فإنه كره رفع العذاب عنهم.
قلت: هذا أحسن ما قيل فيه على ما يأتي بيانه في ((والصافات)) إن شاء الله تعالى. وقيل: إنه كان من أخلاق قومه قتل من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتل فغضب، وخرج فاراً على وجهه حتى ركب في سفينة فسكنت ولم تجر. فقال أهلها: أفيكم آبق؟ فقال: أنا هو. وكان من قصته ما كان، وابتلي ببطن الحوت تمحيصاً من الصغيرة كما قال في أهل أحد: " حتى إذا فشلتم " [آل عمران: 152] إلى قوله: " وليمحص الله الذين آمنوا " [آل عمران: 141] فمعاصي الأنبياء مغفورة، ولكن قد يجري تمحيص ويتضمن ذلك زجراً عن المعاودة. وقول رابع: إنه لم يغاضب ربه، ولا قومه، ولا الملك، وأنه من قولهم غضب إذا أنف. وفاعل قد يكون من واحد، فالمعنى أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف عنهم العذاب، فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك فخرج آبقاً. وينشد هذا البيت:
وأغضب أن تهجى تميم بدارم
أي آنف. وهذا فيه نظر، فإنه يقال لصاحب هذا القول: إن تلك المغاضبة وإن كانت من الأنفة، فالأنفة لا بد أن يخالطها الغضب وذلك الغضب وإن دق على من كان؟! وأنت تقول لم يغضب على ربه ولا على قومه!.
قوله تعالى: " فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات " قيل: معناه استزله إبليس ووقع في ظنه إمكان إلا يقدر الله عليه بمعاقبته. وهذا قول مردود مرغوب عنه، لأنه كفر. روي عن سعيد بن جبير حكاه عنه المهدوي ، و الثعلبي عن الحسن . وذكر الثعلبي وقال عطاء وسعيد بن جبير وكثير من العلماء معناه: فظن أن لن نضيق عليه. قال الحسن : هو من قوله تعالى: " الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " [الرعد: 26] أي يضيق. وقوله: " ومن قدر عليه رزقه " [الطلاق: 7].
قلت: وهذا الأشبه بقول سعيد و الحسن . وقدر وقدر وقتر وقتر بمعنى، أي ضيق وهو قول ابن عباس فيما ذكره الماوردي و المهدوي . وقيل: هو من القدر الذي هو القضاء والحكم، أي فظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة، قاله قتادة و مجاهد و الفراء . مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة. وروى عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، أنه قال في قول الله عز وجل: " فظن أن لن نقدر عليه " هو من التقدير ليس من القدرة، يقال منه: قدر الله لك الخير يقدره قدراً، بمعنى قدر الله لك الخير. وأنشد ثعلب:
فليست عشيات اللوى برواجع لنا أبداً ما أورق السلم النضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر
يعني ما تقدره وتقضي به يقع. وعلى هذين التأويلين العلماء. وقرأ عمر بن عبد العزيز و الزهري : " فظن أن لن نقدر عليه " بضم النون وتشديد الدال من التقدير. وحكى هذه القراءة الماوردي عن ابن عباس. وقرأ عبيد بن عمير و قتادة والأعرج: " أن لن يقدر عليه " بضم الياء مشدداً على الفعل المجهول. وقرأ يعقوب وعبد الله بن أبي إسحاق و الحسن وابن عباس أيضاً " يقدر عليه " بياء مضمومة وفتح الدال مخففاً على الفعل المجهول. وعن الحسن أيضاً فظن أن لن يقدر عليه . الباقون " نقدر " بفتح النون وكسر الدال وكله بمعنى التقدير.
قلت: وهذان التأويلان تأولهما العلماء في قول الرجل الذي لم يعمل خيراً قط لأهله إذا مات فحرقوه:
"فوالله لئن قدر الله علي " الحديث فعلى التأويل الأول يكون تقديره: والله لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك، ثم أمر أن يحرق بإفراط خوفه. وعلى التأويل الثاني: أي لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين غيري. وحديثه خرجه الأئمة في الموطأ وغيره. والرجل كان مؤمنا موحداً. وقد جاء في بعض طرقه ((لم يعمل خيراً إلا التوحيد)) وقد قال حين قال الله تعالى: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب. والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، قال الله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " [فاطر: 28]. وقد قيل: إن معنى " فظن أن لن نقدر عليه " الاستفهام وتقديره: أفظن، فحذف ألف الاستفهام إيجازاً، وهو قول سليمان [أبو] المعتمر. وحكى القاضي منذر بن سعيد: أن بعضهم قرأ أفظن بالألف.
قوله تعالى: " فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: " فنادى في الظلمات " اختلف العلماء في جمع الظلمات ما المراد به، فقالت فرقة منهم ابن عباس و قتادة : ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت. وذكر ابن أبي الدنيا حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: حدثنا عبد الله بن مسعود في بيت المال قال: لما ابتلع الحوت يونس عليه السلام أهوى به إلى قرار الأرض، فسمع يونس تسبيح الحصى فنادى في الظلمات ظلمات ثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " " فنبذناه بالعراء وهو سقيم " كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش. وقالت فرقة منهم سالم بن أبي الجعد: ظلمة البحر، وظلمة حوت التقم الحوت الأول. ويصح أن يعبر بالظلمات عن جوف الحوت الأول فقط، كما قال: في غيابات الجب وفي كل جهاته ظلمة فجمعها سائغ. وذكر الماوردي : أنه يحتمل أن يعبر بالظلمات عن ظلمة الخطيئة، وظلمة الشدة، وظلمة الوحدة. وروي: أن الله تعالى أوحى إلى الحوت: ((لا تؤذ منه شعرة فإني جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعامك)) وروي: أن يونس عليه السلام سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر. وذكر ابن أبي الدنيا حدثنا العباس بن يزيد العبدي حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا جعفر بن سليمان عن عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال: لما التقم الحوت يونس عليه السلام ظن أنه قد مات فطول رجليه فإذا هو لم يمت فقام إلى عادته يصلي فقال في دعائه: ((واتخذت لك مسجداً حيث لم يتخذه أحد)). وقال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا تفضلوني على يونس بن متى " المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه، وهو في قعر البحر في بطن الحوت. وهذا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى ليس في جهة. وقد تقدم هذا المعنى في ((البقرة)) و ((الأعراف)).
" أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " يريد فيما خالف فيه من ترك مداومة قومه والصبر عليهم. وقيل: في الخروج من غير أن يؤذن له. ولم يكن ذلك من الله عقوبة، لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان ذلك تمحيصاً. وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان، ذكره الماوردي . وقيل: من الظالمين في دعائي على قومي بالعذاب. وقد دعا نوح على قومه فلم يؤاخذ. وقال الواسطي في معناه: نزه ربه عن الظلم وأضاف الظلم إلى نفسه اعترافاً واستحقاقاً. ومثل هذا قول آدم وحواء: " ربنا ظلمنا أنفسنا " [الأعراف: 23] إذ كانا السبب في وضعهما أنفسهما في غير الموضع الذي أنزلا فيه.
الثانية: روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" دعاء ذي النون في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له " وقد قيل:
إنه اسم الله الأعظم. ورواه سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الخبر: في هذه الآية شرط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه وينجيه كما أنجاه، وهو قوله: " وكذلك ننجي المؤمنين " وليس هاهنا صريح دعاء وإنما هو مضمون قوله: " إني كنت من الظالمين " فاعترف بالظلم فكان تلويحاً.
هذه القصة مذكورة هنا وفي سورة الصافات وفي سورة "ن",و ذلك أن يونس بن متى عليه السلام, بعثه الله إلى أهل قرية نينوى, وهي قرية من أرض الموصل, فدعاهم إلى الله تعالى, فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم, فخرج من بين أظهرهم مغاضباً لهم, ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث, فلما تحققوا منه ذلك وعلموا أن النبي لا يكذب, خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم, وفرقوا بين الأمهات وأولادها, ثم تضرعوا إلى الله عز وجل وجأروا إليه, ورغت الإبل وفصلانها, وخارت البقر وأولادها, وثغت الغنم وسخالها, فرفع الله عنهم العذاب, قال الله تعالى: " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ".
وأما يونس عليه السلام فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فلججت بهم, وخافوا أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه, فوقعت القرعة على يونس فأبوا أن يلقوه, ثم أعادوها فوقعت عليه أيضاً فأبوا, ثم أعادوها فوقعت عليه أيضاً, قال الله تعالى: "فساهم فكان من المدحضين" أي وقعت عليه القرعة فقام يونس عليه السلام وتجرد من ثيابه, ثم ألقى نفسه في البحر, وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر ـ فيما قاله ابن مسعود ـ حوتاً يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة, فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحماً ولا تهشم له عظماً, فإن يونس ليس لك رزقاً وإنما بطنك تكون له سجناً.
وقوله: "وذا النون" يعني الحوت صحت الإضافة إليه بهذه النسبة. وقوله: "إذ ذهب مغاضباً" قال الضحاك لقومه: "فظن أن لن نقدر عليه" أي نضيق عليه في بطن الحوت, يروى نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم, واختاره ابن جرير واستشهد عليه بقوله تعالى: " ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا " وقال عطية العوفي : "فظن أن لن نقدر عليه", أي نقضي عليه, كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير, فإن العرب تقول: قدر وقدر بمعنى واحد, وقال الشاعر:
فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يكن فلك الأمر
ومنه قوله تعالى: "فالتقى الماء على أمر قد قدر" أي قدر. "فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" قال ابن مسعود : ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل, وكذا روي عن ابن عباس وعمرو بن ميمون وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وقتادة . وقال سالم بن أبي الجعد : ظلمة حوت في بطن حوت آخر في ظلمة البحر, قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر, فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره, فعند ذلك وهنالك قال: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وقال عوف الأعرابي : لما صار يونس في بطن الحوت ظن أنه قد مات, ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه, ثم نادى يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يبلغه أحد من الناس. وقال سعيد بن أبي الحسن البصري : مكث في بطن الحوت أربعين يوماً. رواهما ابن جرير .
وقال محمد بن إسحاق بن يسار عمن حدثه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة : سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت, أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً, فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه: ما هذا ؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر, قال: وسبح وهو في بطن الحوت, فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة, قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر, قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح ؟ قال: نعم, قال: فشفعوا له عند ذلك, فأمر الحوت فقذفه في الساحل, كما قال الله تعالى: "وهو سقيم" " رواه ابن جرير , ورواه البزار في مسنده من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة فذكره بنحوه, ثم قال: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب , حدثنا عمي , حدثني أبو صخر أن يزيد الرقاشي قال: سمعت أنس بن مالك , ولا أعلم إلا أن أنساً يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت قال: اللهم لا إله إلا أنت, سبحانك إني كنت من الظالمين, فأقبلت هذه الدعوة تحت العرش, فقالت الملائكة: يا رب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة, فقال: أما تعرفون ذاك ؟ قالوا: لا يا رب ومن هو ؟ قال: عبدي يونس, قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة, قالوا: يا رب أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ قال: بلى, فأمر الحوت فطرحه في العراء " .
وقوله: "فاستجبنا له ونجيناه من الغم" أي أخرجناه من بطن الحوت وتلك الظلمات "وكذلك ننجي المؤمنين" أي إذا كانوا في الشدائد ودعونا منيبين إلينا ولا سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء, فقد جاء الترغيب في الدعاء به عن سيد الأنبياء. قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن عمر , حدثنا يونس بن أبي إسحاق الهمداني , حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد , حدثني والدي محمد عن أبيه سعد هو ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "مررت بعثمان بن عفان رضي الله عنه في المسجد, فسلمت عليه, فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام, فأتيت عمر بن الخطاب فقلت: يا أمير المؤمنين هل حدث في الإسلام شيء, مرتين قال: لا وما ذاك ؟ قلت لا, إلا أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام, قال: فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه, فقال: ما منعك أن لا تكون رددت على أخيك السلام ؟ قال: ما فعلت, قال سعد : قلت بلى حتى حلف وحلفت, قال: ثم إن عثمان ذكر فقال بلى وأستغفر الله وأتوب إليه, إنك مررت بي آنفاً وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا والله ما ذكرتها قط إلا تغشى بصري وقلبي غشاوة, قال سعد : فأنا أنبئك بها, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أول دعوة, ثم جاء أعرابي فشغله حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته, فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض, فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا, أبو إسحاق ؟ قال: قلت نعم يا رسول الله, قال: فمه قلت: لا والله إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة, ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك, قال: نعم دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له" ورواه الترمذي والنسائي في اليوم والليلة من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد عن أبيه سعد به.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سيعد الأشج , حدثنا أبو خالد الأحمر عن كثير بن زيد عن المطلب بن حنطب , قال أبو خالد : أحسبه عن مصعب يعني ابن سعد عن سعد , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا بدعاء يونس استجيب له" قال أبو سعيد : يريد به "وكذلك ننجي المؤمنين". وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي , حدثنا يحيى بن صالح , حدثنا أبو يحيى بن عبد الرحمن , حدثني بشر بن منصور عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اسم الله الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى" قال قلت يا رسول الله. هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال: "هي ليونس بن متى خاصة, ولجماعة المؤمنين عامة, إذا دعوا بها, ألم تسمع قول الله عز وجل " فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " فهو شرط من الله لمن دعاه به".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن أبي سريج , حدثنا داود بن المحبر بن قحذم المقدسي عن كثير بن معبد قال: سألت الحسن فقلت: يا أبا سعيد اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ؟ قال: ابن أخي أما تقرأ القرآن قول الله تعالى: " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " ابن أخي, هذا اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى.
87- "وذا النون" أي واذكر ذا النون، وهو يونس بن متى، ولقب ذا النون لابتلاع الحوت له، فإن النون من أسماء الحوت، وقيل سمي ذا النون لأنه رأى صبياً مليحاً فقال دسموا نونته، لئلا تصيبه العين. وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي أن نونة الصبي هي الثقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومعنى دسموا سودوا "إذ ذهب مغاضباً" أي اذكر ذا النون وقت ذهابه مغاضباً: أي مراغماً. قال الحسن والشعبي وسعد بن جبير: ذهب مغاضباً لربه، واختاره ابن جرير والقتيبي والمهدوي. وحكى عن ابن مسعود: قال النحاس: وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة، وهو قول صحيح. والمعنى: مغاضباً من أجل ربه، كما تقول غضبت لك: أي من أجلك. وقال الضحاك: ذهب مغاضباً لقومه. وحكى عن ابن عباس: وقالت فرقة منهم الأخفش: إنما خرج مغاضباً للملك الذي كان في وقته واسمه حزقيا، وقيل لم يغاضب ربه ولا قومه ولا الملك، ولكنه مأخوذ من غضب إذا أنف، وذلك أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف الله عنهم العذاب فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك فخرج عنهم، ومن استعمال الغضب في هذا المعنى قول الشاعر:
وأغضب أن تهجى تميم بعامر
أي آنف "فظن أن لن نقدر عليه" قرأ الجمهور "نقدر" بفتح النون وكسر الدال.
واختلف في معنى الآية على هذه القراءة، فقيل معناها: أنه وقع في ظنه أن الله تعالى لا يقدر على معاقبته. وقد حكي هذا القول عن الحسن وسعيد بن جبير، وهو قول مردود، فإن هذا الظن بالله كفر، ومثل ذلك لا يقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وذهب جمهور العلماء أن معناها: فظن أن لن نضيق عليه، كقوله: "يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" أي يضيق، ومنه قوله: "ومن قدر عليه رزقه" يقال قدر وقدر وقتر وقتر: أي ضيق، وقيل: هو من القدر الذي هو القضاء والحكم: أي فظن أن لن نقضي عليه العقوبة: قاله قتادة ومجاهد، واختاره الفراء والزجاج، مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة. قال أحمد بن يحيى ثعلب: هو من التقدير ليس من القدرة، يقال منه: قدر الله لك الخير يقدره قدراً، وأنشد ثعلب:
فليســت عشيات اللوى برواجع لنـا أبـداً ما أبرم الســلم النضــر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر مع ذلك الشكر
أي ما تقدره وتقضي به، ومما يؤيد ما قاله هؤلاء قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري فظن أن نقدر بضم النون وتشديد الدال من التقدير. وحكى هذه القراءة الماوردي عن ابن عباس، ويؤيد ذلك أيضاً قراءة عبيد بن عمير وقتادة والأعرج أن لن يقدر بضم الياء والتشديد مبنياً للمفعول، وقرأ يعقوب وعبد الله بن أبي إسحاق والحسن يقدر بضم الياء وفتح الدال مخففاً مبنياً للمفعول.
وقد اختلف العلماء في تأويل الحديث الصحيح في قول الرجل الذي لم يعمل خيراً قط لأهله أن يحرقوه إذا مات، ثم قال: فوالله لئن قدر الله علي، الحديث كما اختلفوا في تأويل هذه الآية، والكلام في هذا يطول وقد ذكرنا ها هنا ما لا يحتاج معه الناظر إلى غيره، والفاء في قوله: "فنادى في الظلمات" فصيحة: أي كان ما كان من التقام الحوت له، فنادى في الظلمات، والمراد بالظلمات: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وكان نداؤه: هو قوله: " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " أي بأن لا إله إلخ، ومعنى سبحانك: تنزيهاً لك من أن يعجزك شيء، إني كنت من الظالمين الذي يظلمون أنفسهم، قال الحسن وقتادة هذا القول من يونس اعتراف بذنبه وتوبة من خطيئته، قال ذلك وهو في بطن الحوت.
87. قوله عز وجل: " وذا النون "، أي: اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى، " إذ ذهب مغاضباً "، اختلفوا في معناه:
فقال الضحاك : مغاضباً لقومه، وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس، قال: كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطاً ونصف، فأوحى الله إلى شعياء النبي أن سر إلى حزقيا الملك، وقل له حتى يوجه نبياً قوياً فإني ألقي [الرعب] في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل، فقال له الملك فمن ترى، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال يونس: إنه قوي أمين فدعا الملك يونس فأمره أن يخرج، فقال له يونس: هل أمرك الله بإخراجي. قال: لا، قال: فهل سماني لك؟ قال: لا، قال: فهاهنا غيري أنبياء أقوياء، فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضباً للنبي وللملك، ولقومه فأتى بحر الروم فركبه.
وقال عروة بن الزبير و سعيد بن جبير وجماعة: ذهب عن قومه مغاضباً لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم، وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم، واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي رفع العذاب، وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده، وأنه يسمى كذاباً لا كراهية لحكم الله تعالى.
وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد، فغضب، والمغاضبة ها هنا كالمفاعلة التي تكون من واحد، كالمسافرة والمعاقبة، فمعنى قوله مغاضباً أي غضبان.
وقال الحسن : إنما غاضب ربه عز وجل من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه، فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم، فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلى أن يأخذ نعلاً يلبسها فلم ينظر، وكان في خلقه ضيق [فذهب مغاضباً].
وعن ابن عباس، فأتى جبريل يونس فقال: انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم، قال: ألتمس دابة قال: الأمر أعجل من ذلك، فغضب فانطلق إلى السفينة.
وقال وهب بن منبه : إن يونس بن متى كان عبداً صالحاً وكان في خلقه ضيق، فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها من يده، وخرج هارباً منها، فلذلك أخرجه الله من أوزلي العزم من الرسل مقال لنبيه [محمد صلى الله عليه وسلم]: " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " (الأحقاف:35)، وقال: " ولا تكن كصاحب الحوت " (القلم:48).
قوله عز وجل: " فظن أن لن نقدر عليه "، أي لن نقضي بالعقوبة، قاله مجاهد و قتادة و الضحاك و الكلبي ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس يقال: قدر الله الشيء تقديراً وقدر يقدر قدراً بمعنى واحد، ومنه قوله: " نحن قدرنا بينكم الموت " (الواقعة:60) في قراءة من قرأها بالتخفيف، دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز و الزهري : " فظن أن لن نقدر عليه "، بالتشديد، وقال عطاء وكثير من العلماء: معناه فظن أن لن نضيق عليه الحبس، من قوله تعالى: " الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " (الرعد:26)، أي يضيق. وقال ابن زيد : هو استفهام معناه: أفظن أنه يعجز ربه، فلا يقدر عليه. وقرأ يعقوب يقدر [بضم الياء] على المجهول خفيف.
وعن الحسن قال: بلغني أن يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضباً لربه واستزله الشيطان حتى ظن أن لن نقدر عليه، وكان له سلف وعبادة فأبي الله أن يدعه للشيطان، فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة. وقال عطاء : سبعة أيام [وقيل: ثلاثة أيام]. وقيل: إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة. وقيل: بلغ به تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه تعالى في بطن الحوت، وراجع نفسه فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، حين عصيتك وما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته، والتأويلات المتقدمة أولى بحال الأنبياء أنه ذهب مغاضباً لقومه أو للملك، " فنادى في الظلمات "، أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطت الحوت، " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
وروي عن أبي هريرة مرفوعاً: أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر، فلما انتهى به إلى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه ما هذا؟ فأوحى الله إليه: أن هذا تسبيح دواب البحر، قال: فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: ياربنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة، وفي رواية صوتاً معروفاً من مكان مجهول، فقال: ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت، فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم فشفعوا له، عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل، كما قال الله تعالى: " فنبذناه بالعراء وهو سقيم " (الصافات:145).
87ـ " وذا النون " وصاحب الحوت يونس بن متى " إذ ذهب مغاضباً " لقومه لما برم بطول دعوتهم وشدة شكيمتهم وتمادي إصرارهم مهاجراً عنهم قبل أن يؤمر وقبل وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم بتوبتهم ولم يعرف الحال فظن أنه كذبهم وغضب من ذلك ، وهو من بناء المغالبة للمغالبة أو لأنه أغضبهم بالمهاجرة لخوفهم لحوق العذاب عندها وقرئ (( مغضباً )) . " فظن أن لن نقدر عليه " لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة من القدر ، ويعضده أنه قرىء مثقلاً أو لن نعمل فيه قدرتنا ، وقيل هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لأمرنا ، أو خطرة شيطانية سبقت إلى وهمه فسميت ظناً للمبالغة . وقرئ بالياء وقرأ يعقوب على البناء للمفعول وقرئ به مثقلاً . " فنادى في الظلمات " في الظلمة الشديدة المتكاثفة أو ظلمات بطن الحوت والبحر والليل . " أن لا إله إلا أنت " بأنه لا إله إلا أنت . " سبحانك " من أن يعجزك شيء . " إني كنت من الظالمين " لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة . وعن النبي عليه الصلاة والسلام "ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له " .
87. And (mention) Dhun Nun, when he went off in anger and deemed that We had no power over him, but he cried out in the darkness, saying: There is no God save Thee. Be Thou glorified! I have been a wrong doer.
87 - And remember Zun nun, When he departed in wrath: he imagined that we had no power over him! But he cried through the depths Of darkness, there is no god but Thou: glory to thee: I was indeed wrong!