[الأنبياء : 53] قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ
53 - (قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين) فاقتدينا بهم
يقول تعالى ذكره : قال أبو إبراهيم وقومه لإبراهيم : وجدنا آباءنا لهذه الأوثان عابدين ، فنحن على ملة آبائنا نعبدها كما كانوا يعبدون , " قال " إبراهيم : " لقد كنتم " أيها القوم " أنتم وآباؤكم " بعبادتكم إياها " في ضلال مبين " يقول : في ذهاب عن سبيل الحق ، وجور عن قصد السبيل مبين : يقول : بين لمن تأمله بعقل ، إنكم كذلك في جور عن الحق " قالوا أجئتنا بالحق ؟" يقول : قال أبوه وقومه له : أجئتنا بالحق فيما تقول " أم أنت " هازل لاعب " من اللاعبين " .
" قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين " أي نعبدها تقليداً لأسلافنا.
يخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل, أي من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه, كما قال تعالى: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب وهو رضيع, وأنه خرج بعد أيام فنظر إلى الكوكب والمخلوقات فتبصر فيها, وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم فعامتها أحاديث بني إسرائيل, فما وافق منها الحق, مما بأيدينا عن المعصوم, قبلناه لموافقته الصحيح, وما خالف شيئاً من ذلك رددناه, وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه بل نجعله وقفاً, وما كان من هذا الضرب منها فقد رخص كثير من السلف في روايته, وكثير من ذلك مما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما لا ينتفع به في الدين, ولو كانت فائدته تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة, والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية لما فيها من تضييع الزمان, ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم, فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها, كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة. والمقصود ههنا أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل, أي من قبل ذلك.
وقوله: "وكنا به عالمين" أي وكان أهلا لذلك, ثم قال: "إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله عز وجل, فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" أي معتكفون على عبادتها. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد الصباح , حدثنا أبو معاوية الضرير , حدثنا سعيد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: مر علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج, فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون, لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفأ خير له من أن يمسها "قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين" لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال, ولهذا قال: "لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين" أي الكلام مع آبائكم الذي احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم, فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم, فلما سفه أحلامهم وضلل آباءهم واحتقر آلهتهم "قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين" يقولون: هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعباً أم محقاً فيه, فإنا لم نسمع به قبلك "قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن" أي ربكم الذي لا إله غيره, وهو الذي خلق السموات والأرض وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن, وهو الخالق لجميع الأشياء "وأنا على ذلكم من الشاهدين" أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره ولا رب سواه.
53- "قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين" أجابوه بهذا الجواب الذي هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز، والحبل الذي يتشبث به كل غريق، وهو التمسك بمجرد تقليد الآباء: أي وجدنا آباءنا يعبدونها فعبدناها اقتداءً بهم ومشياً على طريقتهم، وهكذا يجيب هؤلاء المقلدة من أهل هذه الملة الإسلامية، وإن العالم بالكتاب والسنة إذا أنكر عليهم العمل بمحض الرأي المدفوع بالدليل قالوا هذا قد قال به إمامنا الذي وجدنا آباءنا له مقلدين وبرأيه آخذين، وجوابهم هو ما أجاب به الخليل ها هنا.
53. " قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين "، فاقتدينا بهم.
53ـ " قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين " فقلدناهم وهو جواب عما لزم الاستفهام من السؤال عما اقتضى عبادتها وحملهم عليها .
53. They said: We found our fathers worshippers of them.
53 - They said, we found Our fathers worshipping them.