[الأنبياء : 52] إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ
52 - (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل) الأصنام (التي أنتم لها عاكفون) أي على عبادتها مقيمون
القول في تأويل قوله تعالى : " إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " .
قوله تعالى: " إذ قال لأبيه " قيل: المعنى أي اذكر حين قال لأبيه، فيكون الكلام قد تم عند قوله: " وكنا به عالمين ". وقيل: المعنى، " وكنا به عالمين * إذ قال " فيكون الكلام متصلاً ولا يوقف على قوله: " عالمين ". " لأبيه " وهو آزر " وقومه " نمرود ومن اتبعه " ما هذه التماثيل " أي الأصنام. والتمثال اسم موضوع للشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله تعالى. يقال: مثلت الشيء بالشيء أي شبهته به. واسم ذلك الممثل تمثال. " التي أنتم لها عاكفون " أي مقيمون على عبادتها.
يخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل, أي من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه, كما قال تعالى: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب وهو رضيع, وأنه خرج بعد أيام فنظر إلى الكوكب والمخلوقات فتبصر فيها, وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم فعامتها أحاديث بني إسرائيل, فما وافق منها الحق, مما بأيدينا عن المعصوم, قبلناه لموافقته الصحيح, وما خالف شيئاً من ذلك رددناه, وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه بل نجعله وقفاً, وما كان من هذا الضرب منها فقد رخص كثير من السلف في روايته, وكثير من ذلك مما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما لا ينتفع به في الدين, ولو كانت فائدته تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة, والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية لما فيها من تضييع الزمان, ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم, فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها, كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة. والمقصود ههنا أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل, أي من قبل ذلك.
وقوله: "وكنا به عالمين" أي وكان أهلا لذلك, ثم قال: "إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله عز وجل, فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" أي معتكفون على عبادتها. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد الصباح , حدثنا أبو معاوية الضرير , حدثنا سعيد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: مر علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج, فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون, لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفأ خير له من أن يمسها "قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين" لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال, ولهذا قال: "لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين" أي الكلام مع آبائكم الذي احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم, فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم, فلما سفه أحلامهم وضلل آباءهم واحتقر آلهتهم "قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين" يقولون: هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعباً أم محقاً فيه, فإنا لم نسمع به قبلك "قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن" أي ربكم الذي لا إله غيره, وهو الذي خلق السموات والأرض وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن, وهو الخالق لجميع الأشياء "وأنا على ذلكم من الشاهدين" أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره ولا رب سواه.
والظرف في قوله: 52- "إذ قال لأبيه" متعلق بآتينا أو بمحذوف: أي اذكر حين قال: وأبوه هو آزر "وقومه" نمروذ ومن اتبعه، والتماثيل الأصنام، وأصل التمثال الشيء المصنوع مشابهاً لشيء من مخلوقات الله سبحانه، يقال مثلث الشيء بالشيء: إذا جعلته مشابهاً له، واسم ذلك الممثل تمثال، أنكر عليهم عبادتها بقوله: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" والعكوف عبارة عن اللزوم والاستمرار على الشيء، واللام في لها للاختصاص، ولو كانت للتعدية لجيء بكلمة على: أي ما هذه الأصنام التي أنتم مقيمون على عبادتها؟ وقيل إن العكوف مضمن معنى العبادة.
52. " إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل "، أي الصور، يعني الأصنام " التي أنتم لها عاكفون "، أي على عبادتها مقيمون.
52ـ " إذ قال لأبيه وقومه " متعلق بـ " آتينا " أو بـ " رشده " أو بمحذوف : أي اذكر من أوقات رشده وقت قوله : " ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " تحقير لشأنها وتوبيخ على إجلالها ، فإن التمثال صورة لا روح فيها لا يضر ولا ينفع ، واللام للاختصاص لا للتعدية فإن تعدية العكوف بعلى . والمعنى أنتم فاعلون العكوف لها ويحوز أن يؤول بعلى أو يضمن العكوف معنى العبادة .
52. When he said unto his father and his folk: What are these images unto which ye pay devotion?
52 - Behold! he said to his father and his people, what are these images, to which ye are (so assiduously) devoted?