[الأنبياء : 44] بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ
44 - (بل متعنا هؤلاء وآباءهم) بما أنعمنا عليهم (حتى طال عليهم العمر) فاعتروا بذلك (أفلا يرون أنا نأتي الأرض) نقصد أرضهم (ننقصها من أطرافها) بالفتح على النبي (أفهم الغالبون) لا بل النبي وأصحابه
يقول تعالى ذكره : ما لهؤلاء المشركين من آلهة تمنعهم من دوننا ، ولا جار يجيرهم من عذابنا ، إذا نحن أردنا عذابهم ، فاتكلوا على ذلك ، وعصوا رسلنا اتكالا منهم على ذلك ن ولكنا متعناهم بهذه الحياة الدنيا وآباءهم من قبلهم حتى طال عليهم العمر ، وهم على كفرهم مقيمون ، لا تأتيهم منا واعظة من عذاب ، ولا زاجرة من عقاب على كفرهم وخلافهم أمرنا ، وعبادتهم الأوثان والأصنام ، فنسوا عهدنا وجهلوا موقع نعمتنا عليهم ، ولم يعرفوا موضع الشكر . وقوله : " أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها " يقول تعالى ذكره : أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله السائلو محمد صلى الله عليه وسلم الآيات المستعجلو بالعذاب ، أنا نأتي الأرض نخربها من نواحيها بقهرنا أهلها ، وغلبتناهم ، وإجلائهم عنها وقتلهم بالسيوف ، فيعتبروا بذلك ويتعظوا به ، ويحذروا منا أن ننزل من بأسنا بهم نحو الذي قد أنزلنا بمن فعلنا ذلك به من أهل الأطراف . وقد تقدم ذكر القائلين بقولنا هذا ومخالفيه ، بالروايات عنهم في سورة الرعد ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : " أفهم الغالبون " يقول تبارك وتعالى : أفهؤلاء المشركون المستعجلو محمد بالعذاب الغالبونا ، وقد رأوا قهرنا من أحللنا بساحته بأسنا في أطراف الأرضين ؟ ليس ذلك كذلك ، بل نحن الغالبون . وإنما هذا تقريع من الله تعالى لهؤلاء المشركين به بجهلهم يقول : أفيظنون أنهم يغلبون محمدا ويقهرونه ، وقد قهر من ناوأه من أهل أطراف الأرض غيرهم .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة ، قوله : " أفهم الغالبون " يقول ليسوا بغالبين ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الغالب .
قوله تعالى: " بل متعنا هؤلاء وآباءهم " قال ابن عباس: يريد أهل مكة. أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها و " طال عليهم العمر " في النعمة فظنوا أنها لا تزول عنهم، فاغتروا وأعرضوا عن تدبر حجج الله عز وجل. " أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها " أي بالظهور عليها لك يا محمد أرضاً بعد أرض، وفتحها بلداً بعد بلد مما حول مكة، قال معناه الحسن وغيره. وقيل: بالقتل والسبي، حكاه الكلبي . والمعنى واحد. وقد مضى في ((الرعد)) الكلام في هذا مستوفى. " أفهم الغالبون " يعني كفار مكة بعد أن نقصنا من أطرافهم، بل أنت تغلبهم وتظهر عليهم.
يقول تعالى مخبراً عن المشركين: إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال أنهم متعوا في الحياة الدنيا ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه, فاعتقدوا أنهم على شيء, ثم قال واعظاً لهم "أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" اختلف المفسرون في معناه, وقد أسلفنا في سورة الرعد وأحسن ما فسر بقوله تعالى: " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون " وقال الحسن البصري : يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر, والمعنى أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين, ولهذا قال: "أفهم الغالبون" يعني بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون والأرذلون.
وقوله: "قل إنما أنذركم بالوحي" أي إنما أنا مبلغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب والنكال, ليس ذلك إلا عما أوحاه الله إلي, ولكن لا يجدي هذا عمن أعمى الله بصيرته وختم على سمعه وقلبه, ولهذا قال: "ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون" وقوله: "ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين" أي ولئن مس هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله ليعترفن بذنوبهم وأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم في الدنيا. وقوله: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً" أي ونضع الموازين العدل ليوم القيامة, الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد, وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه.
وقوله: "فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" كما قال تعالى: "ولا يظلم ربك أحداً" وقال: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً" وقال لقمان "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير" وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلمتان خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم".
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني , حدثنا ابن المبارك عن ليث بن سعد عن عامر بن يحيى عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة, فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً, كل سجل مد البصر, ثم يقول: أتنكر من هذا شئياً ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال: لا يارب. قال: أفلك عذر أو حسنة ؟ قال: فيبهت الرجل فيقول: لا يا رب, فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم, فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فيقول أحضروه, فيقول يا رب في هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول: إنك لا تظلم, قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة, قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة, قال: ولا يثقل شيء مع بسم الله الرحمن الرحيم" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث الليث بن سعد , وقال الترمذي : حسن غريب.
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن يحيى عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توضع الموازين يوم القيامة, فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة, ويوضع ما أحصي عليه فيمايل به الميزان, قال: فيبعث به إلى النار, قال: فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن عز وجل يقول: لا تعجلوا, فإنه قد بقي له, فيؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان" وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو نوح مراراً, أنبأنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه, " فقال يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني, وأضربهم وأشتمهم, فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم, فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم, كان كفافاً لا لك ولا عليك, وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم, كان فضلاً لك, وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم, اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك, فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله لا يقرأ كتاب الله "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد شيئاً خير من فراق هؤلاء ـ يعني عبيده ـ إني أشهدك أنهم أحرار كلهم " .
لما أبطل كون الأصنام نافعة أضرب عن ذلك منتقلاً إلى بيان أن ما هم فيه من الخير والتمتع بالحياة العاجلة هو من عند الله، لا من مانع يمنعهم من الهلاك، ولا من ناصر ينصرهم على أسباب التمتع فقال: 44- "بل متعنا هؤلاء وآباءهم" يعني أهل مكة متعهم الله بما أنعم عليهم "حتى طال عليهم العمر" فاغتروا بذلك وظنوا أنهم لا يزالون كذلك، فرد سبحانه عليهم قائلاً "أفلا يرون" أي أفلا ينظرون فيرون "أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" فنفتحها بلداً بعد بلد وأرضاً بعد أرض، وقيل ننقصها بالقتل والسبي، وقد مضى في الرعد الكلام على هذا مستوفى، والاستفهام في قوله: "أفهم الغالبون" للإنكار، والفاء للعطف على مقدر كنظائره: أي كيف يكونون غالبين بعد نقصنا لأرضهم من أطرافنا؟ وفي هذا إشارة إلى أن الغالبين هم المسلمون.
44. " بل متعنا هؤلاء "، الكفار، " وآباءهم "، في الدنيا أي أمهلناهم. وقيل: أعطيناهم النعمة، " حتى طال عليهم العمر "، أي امتد بهم الزمان فاغتروا.
" أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها "، يعني ما ننقص من أطراف المشركين ونزيد في أطراف المؤمنين، يريد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وفتحه ديار الشرك أرضاً فأرضاً، " أفهم الغالبون "، أم نحن.
44ـ " بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر" إضراب عما توهموا ببيان ما هو الداعي إلى حفظهم وهو الاستدراج والتمتع بما قدر لهم من الأعمار ، أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك ، وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالون كذلك وأنه بسبب ما هم عليه ولذلك عقبه بما يدل على أنه أمل كاذب فقال : " أفلا يرون أنا نأتي الأرض " أرض الكفرة . " ننقصها من أطرافها " بتسليط المسلمين عليها ، وهو تصوير لما يجريه الله تعالى على أيدي المسلمين . " أفهم الغالبون " رسول الله والمؤمنين .
44. Nay, but We gave these and their fathers ease until life grew long for them. See they not how we visit the land, reducing it of its outlying parts? Can they then be the victors?
44 - Nay, we gave the good things of this life to these men and their fathers until The period grew long for them; See they not that we gradually reduce the land (in their control) from its outlying borders? Is it then they who will win?