[الأنبياء : 20] يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ
20 - (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) عنه فهو منهم كالنفس منا لا يشغلنا عنه شاغل
يقول تعالى ذكره : يسبح هؤلاء الذين عنده من ملائكة ربهم الليل و النهار لا يفترون من تسبيحهم إياه .
كما حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا حميد ، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث ، عن أبيه أن ابن عباس سأل كعبا عن قوله : " يسبحون الليل و النهار لا يفترون " و يسبحون الليل و النهار لا يسأمون فقال : هل يئودك طرفك، هل يئودك نفسك ؟ قال : لا ، قال : فإنهم ألهموا التسبيح كما ألهمتهم الطرف و النفس .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو معاوية ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن حسان بن مخارق ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : قلت : لكعب الأحبار " يسبحون الليل و النهار لا يفترون " أما يشغلهم رسالة أو عمل ؟ قال : يا ابن أخي إنهم جعل لهم التسبيح ، كما جعل كلم النفس ، ألست تأكل و تشرب و تقوم و تقعد ، و تجيء و تذهب ، و أنت تنفس ؟ قلت : بلى ، قال : فكذلك جعل لهم التسبيح .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن و أبو داود ، قالا : ثنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن عمرو البكالى ، عن عبد الله بن عمر ، قال : إن الله خلق عشرة أجزاء . فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل و النهار لا يفترون ، و جزءا لرسالته ، و جزء الخلق عشرة أجزاء ، فجعل تسعة أجزاء الجن ، و جزءا سائر بني آدم ، و جزا بني آدم عشرة أجزاء ، فجعل يأجوج و مأجوج تسعة أجزاء ، و جزءا سائر بني آدم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا " سعيد " ، عن قتادة ، قوله : " يسبحون الليل والنهار لا يفترون " يقول : الملائكة الذين هم عند الرحمن لا يستكبرون عن عبادته ، ولا يسأمون فيها .
وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه ، إذ قال ك (( تسمعون ما أسمع ؟ قالوا : ما نسمع من شيء يا نبي الله ، قال : إني لأسمع أطيط السماء ، وما تلام أن تئط وليس فيها موضع راحة إلا وفيه ملك ساجد أو قائم )) .
وقوله : " أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون " يقول تعالى ذكره : أتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض هم ينشرون : يعني بقوله هم : الآلهة ، يقول : هذه الآلهة التي اتخذوها تنشر الأموات ، يقول يحيون الأموات ، وينشرون الخلق ، فإن الله هو الذي يحيي ويميت .
كما حدثنا محمد بن عمرو ، قال ثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى (( ح )) ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا . عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قوله : " ينشرون " يقول : يحبون .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون " يقول : أفي آلهتهم أحد يحيي ذلك ينشرون ن وقرأ قول الله ( قل من يرزقكم من السماء والأرض ) يونس : 31 إلى قوله ( ما لكم كيف تحكمون ) يونس : 35 .
" يسبحون الليل والنهار " أي يصلون ويذكرون الله وينزهونه دائما. " لا يفترون " أي لا يضعفون ولا يسأمون، يلهمون التسبيح والتقديس كما يلهمون النفس. قال عبد الله بن الحارث سألت كعباً فقلت: أما لهم شغل عن التسبيح؟ أما يشغلهم عنه شيء؟ فقال: من هذا؟ فقلت: من بني عبد المطلب، فضمني إليه وقال: يا ابن أخي هل يشغلك شيء عن النفس؟! إن التسبيح لهم بمنزلة النفس. وقد استدل بهذه الآية من قال: إن الملائكة أفضل من بني آدم. وقد تقدم والحمد لله.
يخبر تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق, أي بالعدل والقسط, " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ", وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لعباً كما قال: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" وقوله تعالى: " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين " قال ابن أبي نجيح عن مجاهد " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا " يعني من عندنا, يقول: وما خلقنا جنة ولا ناراً ولا موتاً ولا بعثاً ولا حساباً. وقال الحسن وقتادة وغيرهما "لو أردنا أن نتخذ لهواً" اللهو المرأة بلسان أهل اليمن. وقال إبراهيم النخعي " لاتخذناه " من الحور العين. وقال عكرمة والسدي : والمراد باللهو ههنا الولد, وهذا والذي قبله متلازمان, وهو كقوله تعالى: " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقاً ولا سيما عما يقولون من الإفك والباطل من اتخاذ عيسى أو العزير أو الملائكة سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
وقوله: "إن كنا فاعلين" قال قتادة والسدي وإبراهيم النخعي ومغيرة بن مقسم : أي ما كنا فاعلين. وقال مجاهد كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار. وقوله: "بل نقذف بالحق على الباطل" أي نبين الحق فيدحض الباطل, ولهذا قال: "فيدمغه فإذا هو زاهق" أي ذاهب مضمحل "ولكم الويل" أي أيها القائلون لله ولد "مما تصفون" أي تقولون وتفترون. ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم في طاعته ليلاً ونهاراً, فقال: "وله من في السموات والأرض ومن عنده" يعني الملائكة "لا يستكبرون عن عبادته" أي لا يستنكفون عنها, كما قال: " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ".
وقوله: " ولا يستحسرون " أي لا يتعبون ولا يملون "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" فهم دائبون في العمل ليلاً ونهاراً, مطيعون قصداً وعملاً, قادرون عليه, كما قال تعالى: "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي , أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال: " بينا رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم هل تسمعون ما أسمع ؟ قالوا: ما نسمع من شيء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأسمع أطيط السماء, وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم" غريب, ولم يخرجوه, ثم رواه ـ أعني ابن أبي حاتم ـ من طريق يزيد بن أبي زريع عن سعيد عن قتادة مرسلاً. وقال أبو إسحاق عن حسان بن مخارق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام, فقلت له: أرأيت قول الله تعالى للملائكة: "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل. فقال: من هذا الغلام ؟ فقالوا من بني عبد المطلب, قال فقبل رأسي ثم قال: يا بني إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس ؟
20- "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" أي ينزهون الله سبحانه دائماً لا يضعفون عن ذلك ولا يسأمون، وقيل يصلون الليل والنهار. قال الزجاج: مجرى التسبيح منهم كمجرى النفس منا لا يشغلنا عن النفس شيء، فكذلك تسبيحهم دائم، وهذه الجملة إما مستأنفة جواب سؤال مقدر، أو في محل نصب على الحال.
20. " يسبحون الليل والنهار لا يفترون "، لا يضعفون ولا يسأمون، قال كعب الأحبار: التسبيح لهم كالنفس لبني آدم.
20ـ " يسبحون الليل والنهار " ينزهونه ويعظمونه دائماً . " لا يفترون " حال من الواو في " يسبحون " وهو استئناف أو حال من ضمير قبله .
20. They glorify (Him) night and day; they flag not.
20 - They celebrate his praises night and day, nor do they ever flag or intermit.