[الأنبياء : 112] قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
112 - (قال) وفي قراءة قال (رب احكم) بيني وبين مكذبي (بالحق) بالعذاب لهم أو النصر عليهم فعذبوا ببدر وأحد وحنين والأحزاب والخندق ونصر عليهم (وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون) من كذبكم على الله في قولكم اتخذ ولدا وعلي في قولكم ساحر وعلى القرآن في قولكم شعر
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد : يا رب افصل بيني وبين من كذبني من مشركي قومي وكفر بك ، وعبد غيرك ، بإحلال عذابك ونقمتك بهم ، وذلك هو الحق الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسأل ربه الحكم به ، وهو نظير قوله جل ثناؤه " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " الأعراف : 89 .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال ، ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس " قال رب احكم بالحق " قال : لا يحكم بالحق إلا الله ، ولكن إنما استعجل بذلك في الدنيا ، يسأل ربه على قومه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن قتادة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شهد قتالا قال : " رب احكم بالحق " .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار " قال رب احكم " بكسر الباء ، ووصل الألف ألف احكم ، على وجه الدعاء والمسألة ، سوى أبي جعفر ، فإنه ضم الباء من الرب ، على وجه نداء المفرد ، وغير الضحاك بن مزاحم ، فإنه روي عنه أنه كان يقرأ ذلك ربي أحكم على وجه الخبر بأن الله أحكم بالحق من كل حاكم ، فيثبت الياء في الرب ن ويهمز الألف من أحكم ، ويرفع أحكم ، على أنه خبر للرب تبارك وتعالى .
والصواب من القراءة عندنا في ذلك : وصل الباء من الرب وكسرها باحكم ، وترك قطع الألف من احكم ، على ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليه ، وشذوذ ما خالفه . وأما الضحاك فإن في القراءة التي ذكرت عنه زيادة حرف على خط المصاحف ، ولا ينبغي أن يزاد ذلك فيها ، مع صحة معنى القراءة بترك زيادته . وقد زعم بعضهم أن معنى قوله " رب احكم بالحق " قل : رب احكم بحكمك الحق ، ثم حذف الحكم الذي الحق نعت له ن وأقيم الحق مقامه ، ولذلك وجه ، غير أن أأانميباتسيمتالذي قلناه أوضح وأشبه بما قاله أهل التأويل ، فلذلك اخترناه .
وقوله " وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون " يقول جل ثناؤه : وقل يا محمد : وربنا الذي يرحم عباده ويعمهم بنعمته ، الذي أستعينه عليكم فيما تقولون وتصفون من قولكم لي ، فيما أتيتكم به من عن الله "هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " الأنبياء : 3 ، وقولكم " بل افتراه بل هو شاعر " الأنبياء : 5 ، وفي كذبكم على الله جل ثناؤه وقيلكم " اتخذ الرحمن ولدا " مريم : 88 - الأنبياء : 26 فإنه هين عليه تغيير ذلك ، وفصل ما بيني وبينكم ، بتعجيل العقوبة لكم ، على ما تصفون من ذلك .
قوله تعالى: قل رب احكم بالحق ختم السورة بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتفويض الأمر إليه وتوقع الفرج من عنده، أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين وانصرني عليهم. روى سعيد عن قتادة قال: كانت الأنبياء تقول: " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق " [الأعراف: 89] فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: " رب احكم بالحق " فكان إذا لقي العدو يقول وهو يعلم أنه على الحق وعدوه على الباطل " رب احكم بالحق " أي اقض به. وقال أبو عبيدة: الصفة هاهنا أقيمت مقام الموصوف والتقدير: رب احكم بحكمك الحق. و " رب " في موضع نصب، لأنه نداء مضاف. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع و ابن محيصن قل رب احكم بالحق بضم الباء. قال النحاس : وهذا لحن عند النحويين، لا يجوز عندهم رجل أقبل، حتى تقول يا رجل أقبل أو ما أشبهه. وقرأ الضحاك وطلحة ويعقوب قال ربي أحكم بالحق بقطع الألف مفتوحة الكاف والميم مضمومة. أي قال محمد ربي أحكم بالحق من كل حاكم. وقرأ الجحدري قل ربي أحكم على معنى أحكم الأمور بالحق. " وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون " أي تصفونه من الكفر والتكذيب. وقرأ المفضل والسلمي على ما يصفون بالياء على الخبر. الباقون بالتاء على الخطاب.
تم الجزء الحادي عشر من تفسير القرطبي
يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني عشر وأوله: ((سورة الحج))
يقول تعالى آمراً رسوله صلواته وسلامه عليه أن يقول للمشركين " إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون "أي متبعون على ذلك مستسلمون منقادون له "فإن تولوا" أي تركوا ما دعوتهم إليه "فقل آذنتكم على سواء" أي أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي بريء منكم كما أنتم برآء مني, كقوله: " وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون " وقال: "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء" أي ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء, وهكذا ههنا "فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء" أي أعلمتكم ببراءتي منكم وبراءتكم مني لعلمي بذلك.
وقوله: "وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون" أي هو واقع لا محالة, ولكن لا علم لي بقربه ولا ببعده "إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون" اي إن الله يعلم الغيب جميعه ويعلم ما يظهره العباد وما يسرون, يعلم الظواهر والضمائر, ويعلم السر وأخفى, ويعلم ما العباد عاملون في أجهارهم وأسرارهم, وسيجزيهم على ذلك القليل والجليل. وقوله: "وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين" أي وما أدري لعل هذا فتنة لكم ومتاع إلى حين. قال ابن جرير : لعل تأخير ذلك عنكم فتنة لكم ومتاع إلى أجل مسمى, وحكاه عون عن ابن عباس فالله أعلم "قال رب احكم بالحق" أي افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالحق. قال قتادة : كانت الأنبياء عليهم السلام يقولون: "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين" وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك, وعن مالك عن زيد بن أسلم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شهد قتالاً قال: "رب احكم بالحق". وقوله: "وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون" أي على ما يقولون ويفترون من الكذب ويتنوعون في مقامات التكذيب والإفك, والله المستعان عليكم في ذلك.
آخر تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام ولله الحمد والمنة.
ثم حكى سبحانه وتعالى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: 112- "قال رب احكم بالحق" أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين بما هو الحق عندك ففوض الأمر إليه سبحانه. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وابن محيصن "رب" بضم الباء. وقال النحاس: وهذا لحن عند النحويين لا يجوز عندهم رجل أقبل حتى يقول يا رجل. وقرأ الضحاك وطلحة ويعقوب "أحكم" بقطع الهمزة وفتح الكاف وضم الميم: أي قال محمد ربي أحكم بالحق. وقرئ قل بصيغة الأمر: أي قل يا محمد. ورب في موضع نصب، لأنه منادى مضاف إلى الضمير، وقد استجاب سبحانه دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم فعذبهم ببدر، ثم جعل العاقبة والغلبة والنصر لعباده المؤمنين والحمد صلى الله عليه وسلم رب العالمين. ثم قال سبحانه متمماً لتلك الحكاية "وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون" من الكفر والتكذيب، فربنا مبتدأ وخبره الرحمن: أي هو كثير الرحمة لعباده، والمستعان خبر آخر: أي المستعان به في الأمور التي من جملتها ما تصفونه من أن الشوكة تكون لكم، ومن قولكم: "هل هذا إلا بشر مثلكم" وقولكم "اتخذ الرحمن ولداً" وكثيراً ما يستعمل الوصف في كتاب الله بمعنى الكذب كقوله: "ولكم الويل مما تصفون"، وقوله: " سيجزيهم وصفهم " وقرأ المفضل والسلمي على ما يصفون بالياء التحتية. وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال: لما نزلت: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" قال المشركون: فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عنه قال: جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" قال ابن الزبعري: قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون "، ثم نزلت "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون". وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" قال: عيسى وعزير والملائكة وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله: "حصب جهنم" قال: شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن "حصب جهنم" وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً. قال: هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا يسمعون حسيسها" قال: حيات على الصراط تقول حس حس. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله: "لا يسمعون حسيسها" قال: حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال: سئل علي عن هذه الآية "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" قال: هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لا يسمعون حسيسها" يقول: لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا نزلوا منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لا يحزنهم الفزع الأكبر" قال: النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة: رجل أم قوماً وهم لها راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة، وعبد أدى حق الله وحق مواليه". وأخرج عبد بن حميد عن علي في قوله: "كطي السجل" قال: ملك. السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال: السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده في المعرفة وابن مردويه والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال: السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى السجل، وهو قوله: " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ". قال: كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له السجل، فأنزل الله " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب " قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث: وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر لا يصح أصلاً. قال: وكذلك ما تقدم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزني، وقد أفردت بهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال: وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث ورده أتم رد، وقال: ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجل، وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث، وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال: والصحيح عن ابن عباس أن السجل هو الصحيفة، قاله علي بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونص على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب: أي على الكتاب، يعني المكتوب كقوله: "فلما أسلما وتله للجبين" أي على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت: أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن علي بن أبي طلحة والعوفي ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال. "السجل" هو الرجل، زاد ابن مردويه بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال: كطي الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "كما بدأنا أول خلق نعيده" يقول: نهلك كل شيء كما كان أول مرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر" قال: القرآن "أن الأرض" قال: أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً "ولقد كتبنا في الزبور" قال: الكتب "من بعد الذكر" قال: التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال: الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر: الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض: أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" قال: أرض الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق عمله قبل أن تكون السموات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله: "لبلاغاً لقوم عابدين" قال: عالمين، وفي إسناده علي بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة "إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين" قال: الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "في قول الله "إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين" قال: في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباسي "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية "لبلاغاً لقوم عابدين" قال: هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" قال: من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال "قيل يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال، إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة". وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين". وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة". وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا رحمة مهداة"، وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خثيمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله "وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين" يقول: هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "وإن أدري لعله فتنة لكم" يقول: ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعل تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله: " قال رب احكم بالحق " قال: لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.
112. " قال رب احكم بالحق "، قرأ حفص عن عاصم: " قال رب احكم "، والآخرون: " قال رب احكم " افصل بيني وبين من كذبني بالحق، فإن قيل كيف قال احم بالحق والله لا يحكم إلا بالحق؟ قيل: الحق هاهنا بمعنى العذاب كأنه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر، نظيره قوله تعالى: " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق " (الأعراف:89)، وقال أهل المعاني: معناه رب احكم بحكمك الحق فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه، والله تعالى يحكم بالحق طلب أو لم يطلب، ومعنى الطلب ظهور الرغبة من الطالب في حكمه الحق، "و ربنا الرحمن المستعان على ما تصفون "، من الكذب والباطل.
112ـ " قال رب احكم بالحق " اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضى لاستعجال العذاب والتشديد عليهم ، وقرأ حفص " قال " على حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقرئ (( رب )) بالضم و (( ربي )) احكم على بناء التفضيل و " احكم " من الأحكام . " وربنا الرحمن " كثير الرحمة على خلقه . " المستعان " المطلوب منه المعونة . " على ما تصفون " من الحال بأن الشوكة تكون لهم وأن راية الإسلام تخفق أياماً ثم تسكن ، وأن الموعد به لو كان حقاً لنزل بهم فأجاب الله تعالى دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم فخيب أمانيهم ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم ، وقرئ بالياء . " وعن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ اقترب حاسبه الله حساباً يسيراً وصافحه وسلم عليه كل نبي ذكر اسمه في القرآن " والله تعالى أعلم .
112. He saith: My Lord! Judge Thou with truth. Our Lord is the Beneficent, whose help is to be implored against that which ye ascribe (unto Him).
112 - Say: O my Lord! Judge thou in truth! our Lord Most Gracious is the one whose assistance should be sought against the blasphemies ye utter!