[طه : 93] أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي
93 - (ألا تتبعن) لا زائدة (أفعصيت أمري) بإقامتك بين من يعبد غير الله تعالى
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله " ما منعك إذ رأيتهم ضلوا * أن لا تتبعن " قال : أمر موسى هارون أن يصلح ، ولا يتبع سبيل المفسدين ، فذلك قوله " أن لا تتبعن أفعصيت أمري " بذلك،
" أفعصيت أمري " يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي، قاله ابن عباس. وقيل: معناه هلا فارقتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعاً لهم وزجراً. ومعنى " أفعصيت أمري " قيل: إن أمره ما حكاه الله تعالى عنه " وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " [الأعراف: 142] فلما أقام معهم، ولم يبالغ في منعهم، والإنكار عليهم، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره.
مسألة: وهذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتغييره ومفارقة أهله، وأن المقيم بينهم لا سيما إذا كان راضياً حكمه كحكمهم. وقد مضى هذا المعنى في آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال. وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله: ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ وأعلم - حرس الله مدته - أنه اجتمع جماعة من رجال، فيكثرون من ذكر الله تعالى، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشياً عليه، ويحضرون شيئاً يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين، وهذا القول الذي يذكرونه:
يا شيخ كف عن الذنوب قبل التفرق والزلل
واعمل لنفسك صالحاً ما دام ينفعك العمل
أما الشباب فقد مضى ومشيب رأسك قد نزل
وفي مثل هذا ونحوه. الجواب: - يرحمك الله - مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأول من أحثه أصحاب السامري، لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى، وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك و أبي حنيفة و الشافعي و أحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق.
يخبر تعالى عن موسى عليه السلام حين رجع إلى قومه, فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم, فامتلأ عند ذلك غضباً وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية, وأخذ برأس أخيه يجره إليه, وقد قدمنا في سورة الأعراف بسط ذلك, وذكرنا هناك حديث "ليس الخبر كالمعاينة" وشرع يلوم أخاه هارون, فقال: " ما منعك إذ رأيتهم ضلوا * أن لا تتبعن " أي فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع "أفعصيت أمري" أي فيما كنت قدمت إليك, وهو قوله: "اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" "قال يا ابن أم" ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه, لأن ذكر الأم ههنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف, ولهذا قال: "يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي" الاية, هذا اعتذار من هارون عند موسى في سبب تأخره عنه حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب الجسيم, قال: "إني خشيت" أن أتبعك فأخبرك بهذا, فتقول لي لم تركتهم وحدهم وفرقت بينهم "ولم ترقب قولي" أي وما راعيت ما أمرتك به حيث استخلفتك فيهم, قال ابن عباس : وكان هارون هائباً مطيعاً له.
وقيل معنى 93-" ما منعك إذ رأيتهم ضلوا * أن لا تتبعن " ما منعك من اتباعي في الإنكار عليهم، وقيل معناه: هلا قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم، وقيل معناه: هلا فارقتهم، ولا في " أن لا تتبعن " زائدة، وهو في محل نصب على أنه مفعول ثان لمنع: أي أي شيء منعك حين رؤيتك لضلالهم من اتباعي، والاستفهام في "أفعصيت أمري" للإنكار والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدر كنظائره، والمعنى: كيف خالفت أمري لك بالقيام لله ومنابذة من خالف دينه وأقمت بين هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلهاً، وقيل المراد بقوله أمري هو قوله الذي حكى الله عنه "قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" فلما أقام معهم ولم يبالغ في الإنكار إليهم نسبه إلى عصيانه.
93. " أن لا تتبعن "، أي: أن تتبعني و " لا " صلة أي تتبع أمري ووصيتي، يعني: هلا قاتلتهم وقد علمت أني لو كنت فيهم لقاتلتهم على كفرهم.
وقيل: ((أن لا تتبعني)) أي: ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم، فتكون مفارقتك إياهم زجراً لهم عما أتوه، " أفعصيت أمري "، أي خالفت أمري.
93ـ " أن لا تتبعن " أن تتبعني في الغضب في الله والمقاتلة مع من كفر به ، أو أن تأتي عقبي وتلحقني و (( لا )) مزيدة كما في قوله " ما منعك أن لا تسجد ". " أفعصيت أمري " بالصلابة في الدين والمحاماة عليه .
93. That thou followedst me not? Hast thou then disobeyed my order?
93 - From following me? Didst thou then disobey my order?