[طه : 89] أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
89 - (أفلا يرون ألا) ن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي أنه لا (يرجع) العجل (إليهم قولا) أي لا يرد لهم جوابا (ولا يملك لهم ضرا) أي دفعه (ولا نفعا) أي جلبه أي فكيف يتخذ إلها
يقول تعالى ذكره موبخاً عبدة العجل ، والقائلين له "هذا إلهكم وإله موسى فنسي" ، وعابهم بذلك ، وسفه أحلامهم بما فعلوا ونالوا منه : أفلا يرون أن العجل الذي زعموا أنه إلههم وإله موسى لا يكلمهم ، وإن كلموه لم يرد عليهم جواباً، ولا يقدر على ضر ولا نفع ، فكيف يكون ما كانت هذه صفته إلها؟
كما حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ح، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "ألا يرجع إليهم قولا" العجل.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا" قال : العجل.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله "أفلا يرون ألا يرجع إليهم" ذلك العجل الذي اتخذوه "قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا".
فقال الله تعالى محتجاً عليهم: " أفلا يرون " أي يعتبرون ويتفكرون في " أن"ـه " لا يرجع إليهم قولا " أي لا يكلمهم. وقيل: لا يعود إلى الخوار والصوت. " ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " فكيف يكون إلهاً؟! والذي يعبده موسى صلى الله عليه وسلم يضر وينفع ويثيب ويعطي ويمنع. أن لا يرجع تقديره أنه لا يرجع فلذلك ارتفع الفعل فخففت " أن " وحذف الضمير. وهو الاختيار في الرؤية والعلم والظن. قال:
في فتية من سيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقد يحذف مع التشديد، قال:
فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ولكن زنجي عظيم المشافر
أي ولكنك.
لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون " فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " وواعده ربه ثلاثين ليلة, ثم أتبعها عشراً, فتمت أربعين ليلة, أي يصومها ليلاً ونهاراً, وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك, فسارع موسى عليه السلام مبادراً إلى الطور, واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون, ولهذا قال تعالى: " وما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري " أي قادمون ينزلون قريباً من الطور "وعجلت إليك رب لترضى" أي لتزداد عنى رضا "قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري" أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري.
وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه هارون أيضاً, وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالى: "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين" أي عاقبة الخارجين عن طاعتي المخالفين لأمري.
وقوله: "فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً" أي بعدما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم, هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم, وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم, وفيها شرف لهم, وهم قوم قد عبدوا غير الله, ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه وسخافة عقولهم وأذهانهم, ولهذا قال: رجع إليهم غضبان أسفاً, والأسف شدة الغضب. وقال مجاهد : غضبان أسفاً أي جزعاً, وقال قتادة والسدي : أسفاً حزيناً على ما صنع قومه من بعده "قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً" أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والاخرة وحسن العاقبة, كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله "أفطال عليكم العهد" أي في انتظار ما وعدكم الله ونسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم, "أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم" أم ههنا بمعنى بل, وهي للإضراب عن الكلام الأول وعدول إلى الثاني, كأنه يقول: بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي, قالوا أي بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم موسى وقرعهم "ما أخلفنا موعدك بملكنا" أي عن قدرتنا واختيارنا, ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد, يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر, فقذفناها أي ألقيناها عنا.
وقد تقدم في حديث الفتون أن هارون عليه السلام هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفرة فيها نار, وهي في رواية السدي عن أبي مالك عن ابن عباس , إنما أراد هارون أن يجتمع الحلي كله في تلك الحفيرة, ويجعل حجراً واحداً, حتى إذا رجع موسى عليه السلام, رأى فيه ما يشاء ثم جاء ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول, وسأل من هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته, فدعا له هارون وهو لا يعلم ما يريد فأجيب له, فقال السامري عند ذلك: أسأل الله أن يكون عجلاً, فكان عجلاً له خوار أي صوت استدراجاً, وإمهالاً ومحنة واختباراً, ولهذا قال: " فكذلك ألقى السامري * فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار ".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبادة بن النجتري , حدثنا يزيد بن هارون , أخبرنا حماد عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هارون مر بالسامري وهو ينحت العجل, فقال له: ما تصنع ؟ فقال: أصنع ما يضر ولا ينفع, فقال هارون: اللهم أعطه ما سأل على ما في نفسه, ومضى هارون. وقال السامري: اللهم إني أسألك ان يخور فخار, فكان إذا خار سجدوا له, وإذا خار رفعوا رؤوسهم. ثم رواه من وجه آخر عن حماد وقال: أعمل ما ينفع ولا يضر. وقال السدي كان يخور ويمشي فقالوا: أي الضلال منهم الذين افتتنوا بالعجل وعبدوه: "هذا إلهكم وإله موسى فنسي" أي نسيه ههنا وذهب يتطلبه, كذا تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس , وبه قال مجاهد , وقال سماك عن عكرمة عن ابن عباس : "فنسي", أي نسي أن يذكركم أن هذا إلهكم, وقال محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فقال: "هذا إلهكم وإله موسى" قال: فعكفوا عليه وأحبوه حباً لم يحبوا شيئاً قط يعني مثله, يقول الله: "فنسي" أي ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري. قال الله تعالى رداً عليهم وتقريعاً لهم وبياناً لفضيحتهم وسخافة عقولهم فيما ذهبوا إليه: " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " أي العجل, أفلا يرون أنه لا يجيبهم إذا سألوه ولا إذا خاطبوه, "ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً", أي في دنياهم ولا في أخراهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريح في دبره. فيخرج من فمه فيسمع له صوت, وقد تقدم في حديث الفتون عن الحسن البصري أن هذا العجل اسمه بهموت, وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل, فتورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير, كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب, يعني هل يصلي فيه أم لا ؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: انظروا إلى أهل العراق, قتلوا ابن بنت رسول الله يعني الحسين, وهم يسألون عن دم البعوضة.
89- " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا " أي أفلا يعتبرون ويتفكرون في أن هذا العجل لا يرجع إليهم قولاً: أي لا يرد عليهم جواباً، ولا يكلمهم إذا كلموه، فكيف يتوهمون أنه إلاه عاجز عن المكالمة، فإن في " ألا يرجع " هي المخففة من الثقيلة، وفيها ضمير مقدر يرجع إلى العجل، ولهذا ارتفع الفعل بعدها، ومنه قول الشاعر:
في فتية من سيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
أي أن هالك. وقرئ بنصب الفعل على أنها الناصبة، وجملة "ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً" معطوفة على جملة لا يرجع: أي أفلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضراً ولا يجلب إليهم نفعاً.
89. قال الله تعالى: " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا "، أي: لا يرون أن العجل لا يكلمهم ولا يجيبهم إذا دعوه، " ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً "، وقيل: إن هارون مر على السامري وهو يصوغ العجل فقال له: ما هذا؟ قال: أصنع ما ينفع ولا يضر فادع لي، فقال هارون: اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه، فألقى التراب في فم العجل وقال كن عجلاً يخور كذلك بدعوة هارون.
والحقيقة أن ذلك كان فتنة ابتلى الله بها بني إسرائيل.
89ـ " أفلا يرون " أفلا يعلمون . " ألا يرجع إليهم قولاً " أنه لا يرجع إليهم كلاماً ولا يرد عليهم جواباً . وقرئ " يرجع " بالنصب وفيه ضعف لأن أن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين . " ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " ولا يقدر على إنفاعهم وإضرارهم .
89. See they not, then, that it returneth no saying unto them and possesseth for them neither hurt nor use?
89 - Could they not see that It could not return them a word (for answer), and that It had no power either to harm them or to do them good?