[طه : 76] جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى
76 - (جنات عدن) أي إقامة بيان له (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) تطهر من الذنوب
يقول تعالى ذكره: "ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى". ثم بين تلك الدرجات العلى ما هي، فقال: هن "جنات عدن" يعني : جنات إقامة لا ظعن عنها ولا نفاد لها ولا فناء "تجري من تحتها الأنهار" يقول : تجري من تحت أشجارها الأنهار "خالدين فيها" يقول: ماكثين فيها إلى غير غاية محدودة، فالجنات من قوله : "جنات عدن" مرفوعة بالرد على الدرجات.
كما حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله : "ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى" قال : عدن.
وقوله "وذلك جزاء من تزكى" يقول : وهذه الدرجات العلى التي هي جنات عدن على ما وصف جل جلاله ثواب من تزكى، يعني : من تطهر من الذنوب ، فأطاع الله فيما أمره ، ولم يدنس نفسه بمعصيته فيما نهاه عنه.
قوله تعالى: " جنات عدن " بيان للدرجات وبدل منها، والعدن الإقامة، وقد تقدم بيانه. " تجري من تحتها " أي من تحت غرفها وسررها " الأنهار " من الخمر والعسل واللبن والماء وقد تقدم. " خالدين فيها " أي ماكثين دائمين. " وذلك جزاء من تزكى " أي من تطهر من الكفر والمعاصي. ومن قال هذا من قول السحرة قال: لعل السحرة سمعوه من موسى، أو من بني إسرائيل إذ كان فيهم بمصر أقوام، وكان فيهم أيضاً المؤمن من آل فرعون.
قلت: ويحتمل أن يكون ذلك إلهاماً من الله لهم أنطقهم بذلك لما آمنوا، والله أعلم.
الظاهر من السياق أن هذا من تمام ما وعظ به السحرة لفرعون, يحذرونه من نقمة الله وعذابه الدائم السرمدي, ويرغبونه في ثوابه الأبدي المخلد, فقالوا: "إنه من يأت ربه مجرماً" أي يلقى الله يوم القيامة وهو مجرم " فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا " كقوله: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور" وقال: " ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيا " وقال تعالى: "ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون" وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا إسماعيل , أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها, فإنهم لا يموتمون فيها ولا يحيون, ولكن أناس تصيبهم النار بذنوبهم فتميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر, فبثوا على أنهار الجنة, فيقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم, فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل" فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية, وهكذا أخرجه مسلم في كتابه الصحيح من رواية شعبة وبشر بن المفضل , كلاهما عن أبي سلمة سعيد بن يزيد به.
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي , حدثنا حيان , سمعت سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الاية " إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا " قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما أهلها الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون, وأما الذين ليسوا من أهلها فإن النار تمسهم ثم يقوم الشفعاء فيشفعون, فتجعل الضبائر, فيؤتى بهم نهراً يقال له الحياة أو الحيوان, فينبتون كما ينبت العشب في حميل السيل".
وقوله تعالى: "ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات" أي ومن لقي ربه يوم المعاد مؤمن القلب قد صدق ضميره بقوله وعمله "فأولئك لهم الدرجات العلى" أي الجنة ذات الدرجات العاليات, والغرف الامنات, والمساكن الطيبات. قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , أنبأنا همام , حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض, والفردوس أعلاها درجة, ومنها تخرج الأنهار الأربعة, والعرش فوقها, فإذا سألتهم الله فاسألوه الفردوس" ورواه الترمذي من حديث يزيد بن هارون عن همام به.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي , أخبرنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال: كان يقال: الجنة مائة درجة في كل درجة مائة درجة, بين كل درجتين كما بين السماء والأرض, فيهن الياقوت والحلي, في كل درجة أمير يرون له الفضل والسؤدد, وفي الصحيحين: "إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء لتفاضل ما بينهم ـ قالوا يا رسول الله: تلك منازل الأنبياء قال ـ بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" وفي السنن: وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما. وقوله: "جنات عدن" أي إقامة, وهي بدل من الدرجات العلى "تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" أي ماكثين أبداً "وذلك جزاء من تزكى" أي طهر نفسه من الدنس والخبث والشرك, وعبد الله وحده لا شريك له. واتبع المرسلين فيما جاؤوا به من خير وطلب.
76- "جنات عدن" بيان للدرجات أو بدل منها، والعدن الإقامة وقد تقدم بيانه، وجملة "تجري من تحتها الأنهار" حال من الجنات، لأنها مضافة إلى عدن، وعدن علم للإقامة كما سبق، وانتصاب "خالدين فيها" على الحال من ضمير الجماعة في لهم: أي ماكثين دائمين، "و" الإشارة "بذلك" إلى ما تقدم لهم من الأجر، وهو مبتدأ، و"جزاء من تزكى" خبره: أي جزاء من تطهر من الكفر والمعاصي الموجبة للنار.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وما أكرهتنا عليه من السحر" قال: أخذ فرعون أربعين غلاماً من بني إسرائيل، فأمر أن يعلموا السحر بالفرما، قال: علموهم تعليماً لا يغلبهم أحد في الأرض. قال ابن عباس: فهم من الذين آمنوا بموسى، وهم الذين قالوا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في قوله: "والله خير وأبقى" قال: خير منك إن أطيع وأبقى منك عذاباً إن عصي. وأخرج أحمد ومسلم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية " إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهلها الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، وأما الذين ليسوا بأهلها فإن النار تميتهم إماتة، ثم يقوم الشفعاء فيشفعون، فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان، فينبتون كما ينبت الغثاء في حميل السيل". وأخرج أبو داود وابن مردويه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما"، وفي الصحيحين بلفظ "إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء".
76. " جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك جزاء من تزكى "، أي: تطهر منم الذنوب. وقال الكلبي : أعطى زكاة نفسه وقال لا إله إلا الله.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد السمسار ، أخبرنا أبو أحمد حمزة بن محمد بن عباس الدهقان ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق من آفاق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ".
76ـ " جنات عدن " بدل من الدرجات . " تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " حال والعامل فيها معنى الإشارة أو الاستقرار . " وذلك جزاء من تزكى " تطهر من أدناس الكفر والمعاصي ، والآيات الثلاث يحتمل أن تكون من كلام السحرة وأن تكون ابتداء كلام من الله تعالى.
76. Gardens of Eden underneath which rivers flow, wherein they will abide for ever. That is the reward of him who groweth.
76 - Gardens of Eternity, beneath which flow rivers: they will dwell therein for aye: such is the reward of those who purify themselves (from evil).