[طه : 63] قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى
63 - (قالوا) لأنفسهم (إن هذان) لأبي عمرو ولغيره وهو موافق للغة من يأتي في المثنى بالألف في أحواله الثلاث (لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) مؤنث أمثل بمعنى أشرف أي باشرافكم بميلهم إليهما لغلبتهما
وقال آخرون في ذلك ، ما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال : حدثت عن وهب بن منبه، قال : أشار بعضهم إلى بعض بتناج "إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما".
حدثني موسى، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى" من دون موسى وهارون ، قالوا في نجواهم : "إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى" قالوا : إن هذان لساحران ، يعنون بقولهم : إن هذان موسى وهارون ، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما" موسى وهارون صلى الله عليهما.
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله "إن هذان لساحران" فقرأته عامة قراء الأمصار إن هذان بتشديد إن وبالألف في هذان ، وقالوا : قرأنا ذلك كذلك . وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول إن خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما. وقال بعض نحويي الكوفة : ذلك على الوجهين : أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم ، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف . وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغاً لناباه الشجاع لصمما
قال: وحكي عنه أيضاً: هذا خط يدا أخي أعرفه، قال : وذلك وإن كان قليلاً أقيس ، لأن العرب قالوا: مسلمون ، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب ، ثم قالوا : رأيت المسلمين ، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم ، قالوا: فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً، تركوا الألف تتبعه ، فقالوا : رجلان في كل حال . قال : وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين ، في الرفع والنصب والخفض ، وهما اثنان ، إلا بني كنانة، فإنهم يقولون: رأيت كلي الرجلين، ومررت بكلي الرجلين ، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس . قال والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة، وليست بلام فعلى، فلما بنيت زدت عليها نوناً، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكل حال ، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نوناً تدل على الجمع ، فقالوا : الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم ، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه . قال : وكان القياس أن يقولوا : الذون. وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس: إن هذين لساحران في اللفظ ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب ، واللفظ صواب . قال : وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم ، يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب . قال : وقال بشر بن هلال: إن بمعنى الابتداء والإيجاب . ألا ترى أنها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه ، كما نصبت الاسم ، فكان مجاز إن هذان لساحران، مجاز كلامين ، مخرجه : إنه : إي نعم ، ثم قلت : هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابئ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
وقوله:
إن السيوف غدوها ورواحها تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال : ويقول بعضهم : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إن. قال : وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . قال : وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها. قال : وبجوز ، لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل ، قال:
أم الحليس لعجوز شهربه
قال: وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نون إن فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذا إلا ساحران.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا إن بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القراء عليه ، وأنه كذلك هو في خط المصحف . ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقر في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك إن هذان زيدت على هذا نون وأقر في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة بلحرث بن كعب ، وخثعم ، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن.
وقوله "ويذهبا بطريقتكم المثلى" يقول: ويغلبا على ساداتكم وأشرافكم ، يقال : هو طريقة قومه ونظورة قومه ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والمنظور إليه ، يقال ذلك للواحد والجمع ، وربما جمعوا، فقالوا : هؤلاء طرائق قومهم ، ومنه قول الله تبارك وتعالى "كنا طرائق قددا" [الجن: 11] وهؤلاء نظائر قومهم. وأما قوله "المثلى" فإنها تأنيث الأمثل ، يقال للمؤنث : خذ المثلى منهما . وفي المذكر: خذ الأمثل منهما، ووحدت المثلى، وهي صفة ونعت للجماعة، كما قيل "له الأسماء الحسنى" [طه: 8- الحشر: 24]، وقد يحتمل أن يكون المثلى أنثت لتأنيث الطريقة.
وبنحو ما قلنا في معنى قوله "بطريقتكم المثلى" قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال : ثنا أبو صالح، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "ويذهبا بطريقتكم المثلى" يقول : أمثلكم وهم بنو إسرائيل.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء، جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: أولي العقل والشرف والأنساب.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال : أولي العقول والأشراف والأنساب.
حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ويذهبا بطريقتكم المثلى" وطريقتهم المثلى يومئذ كانت بنو إسرائيل ، وكانوا أكثر القوم عدداً وأموالاً وأولاداً. قال عدو الله: إنما يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهما.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله "بطريقتكم المثلى" قال : ببني إسرائيل.
حدثني موسى، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط، عن السدي "ويذهبا بطريقتكم المثلى" يقول : يذهبا بأشراف قومكم.
وقال آخرون: معنى ذلك : ويغيرا سنتكم ودينكم الذي أنتم عليه ، من قولهم: فلان حسن الطريقة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله : "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال : يذهبا بالذي أنتم عليه ، يغير ما أنتم عليه. وقرأ: "ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد" [غافر: 26]. قال: هذا قوله : "ويذهبا بطريقتكم المثلى" وقال : يقول طريقتكم اليوم طريقة حسنة ، فإذا غيرت ذهبت هذه الطريقة.
وروي عن علي في معنى قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" ما:
حدثنا به القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثنا هشيم، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم، عن علي بن أبي طالب ، قال : يصرفان وجوه الناس إليهما.
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد في قوله : "ويذهبا بطريقتكم المثلى" وإن كان قولاً له وجه يحتمله الكلام ، فإن تأويل أهل التأويل خلافه، فلا أستجيز لذلك القول به.
قوله تعالى: " إن هذان لساحران " قرأ أبو عمرو إن هذين لساحران . ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين، ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري، فيما ذكر النحاس . وهذه القراءة موافقة للإعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الزهري و الخليل بن أحمد و المفضل و أبان و ابن محيصن و ابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه " إن هذان " بتخفيف " إن " " لساحران " و ابن كثير يشدد نون " هذان ". وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران. وقرأ المدنيون والكوفيون " إن هذان " بتشديد " إن " " لساحران " فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب. قال النحاس : فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ إن هذان إلا ساحران وقال الكسائي في قراءة عبد الله: إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء في حرف أبي إن ذان إلا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف.
قلت: وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الرد له، و النحاس في إعرابه ، و المهدوي في تفسيره ، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض. وقد خطأهم قوم حتى قال أبو عمرو: إني لأستحي من الله أن أقرأ " إن هذان ": وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى: " لكن الراسخون في العلم " [النساء: 162] ثم قال: " والمقيمين " [المائدة: 69] وفي ((المائدة)) " إن الذين آمنوا والذين هادوا " و " إن هذان لساحران " فقالت: يا ابن أختي! هذا خطأ من الكاتب. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم. وقال أبان بن عثمان: قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان، فقال: لحن وخطأ، فقال له قائل: ألا تغيروه؟ فقال: دعوه فإنه لا يحرم حلالاً ولا يحلل حراماً. القول الأول من الأقوال الستة أنها لغة بني الحارث بن كعب وزبيد وخثعم وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يقولون: جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، ومنه قوله تعالى: " ولا أدراكم به " [يونس: 16] على ما تقدم. وأنشد الفراء لرجل من بني أسد - قال: وما رأيت أفصح منه:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: كسرت يداه وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم:
تزود منا بين أذناه ضربةً دعته إلى هابي التراب عقم
وقال آخر:
طاروا علاهن فطر علاها
أي عليهن وعليها.
وقال آخر:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
أي إن أبا أبيها وغايتيها. قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيني، و أبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة، و الكسائي و الفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحارث بن كعب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة. المهدوي : وحكى غيره أنها لغة لخثعم. قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مد ولين وهو حرف الإعراب، قال أبو جعفر فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل ألا يتغير، فيكون " إن هذان " جاء على أصله ليعلم ذلك، وقد قال تعالى: " استحوذ عليهم الشيطان " [المجادلة: 19] ولم يقل استحاذ فجاء هذا ليدل على الأصل، وكذلك " إن هذان " ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذا كان الأئمة قد رووها. القول الثاني: أن يكون " إن " بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال: العرب تأتي بـ"أن " بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن " إن " تأتي بمعنى أجل، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد، وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان، قال النحاس : ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه. الزمخشري : وقد أعجب به أبو إسحاق. النحاس : وحدثنا علي بن سليمان، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري، ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني، قال: حدثني عمير بن المتوكل، قال: حدثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب، قال: حدثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي - وهو ابن الحسين - عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره:
" إن الحمد لله نحمده ونستعينه " ثم يقول: " أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص " قال أبو محمد الخفاف قال عمير: إعرابه عند أهل العربية والنحو " إن الحمد لله " بالنصب إلا أن العرب تجعل " إن " في معنى نعم، كأنه أراد صلى الله عليه وسلم نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح خطبها بنعم. وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا غدرت فقلت إن وربما نال العلا وشفى الغليل الغادر
وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصبا ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل: " إن هذان لساحران " بمعنى نعم ولا تنصب. قال النحاس : أنشدني داود بن الهيثم؟، قال أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء من جوى حبهن إن اللقاء
قال النحاس : وهذا قول حسن إلا أن فيه شيئاً لأنه إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا تكاد تقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم، كما قال:
خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الأخوالا
آخر:
أم الحليس لعجوز شهربه ترضى من الشاة بعظم الرقبه
أي لخالي ولأم الحليس، وقال الزجاج : والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ. المهدوي : وأنكره أبو علي وأبو الفتح بن جني. قال أبو الفتح: " هما " المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف، وإذا كان معروفاً فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام، ويقبح أن تحذف المؤكد وتترك المؤكد. القول الثالث قاله الفراء أيضاً: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت: " الذي " ثم زدت عليه نوناً فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك، ومررت بالذين عندك. القول الرابع قاله بعض الكوفيين، قال: الألف في " هذان " مشبهة بالألف في يفعلان، فلم تغير. القول الخامس: قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنه هذان لساحران، قال ابن الأنباري : فأضمرت الهاء التي هي منصوب " إن " و " هذان " خبر " إن " و " ساحران " يرفعها " هما " المضمر والتقدير إنه هذان لهما ساحران. والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم " إن " و " هذان " رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء. القول السادس: قال أبو جعفر النحاس وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي، فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال " هذا " في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد، أجريت التثنية مجرى الواحدة، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به، قال ابن كيسان: فقلت له: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
قوله تعالى: " يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى " هذا من قول فرعون للسحرة، أي غرضهما إفساد دينكم الذي أنتم عليه، كما قال فرعون: " إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد " [غافر: 26]. ويقال: فلان حسن الطريقة أي حسن المذهب. وقيل: طريقة القوم أفضل القول، وهذا الذي ينبغي أن يسلكوا طريقته ويقتدوا به، فالمعنى: ويذهبا بسادتكم ورؤسائكم، استمالة لهم. أو يذهبا ببني إسرائيل وهم الأماثل وإن كانوا خولاً لكم لما يرجعون إليه من الانتساب إلى الأنبياء. أو يذهبا بأهل طريقتكم فحذف المضاف. و " المثلى " تأنيث الأمثل، كما يقال الأفضل والفضلى. وأنث الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال. ويجوز أن يكون التأنيث على الجماعة. وقال الكسائي : " بطريقتكم " بسنتكم وسمتكم. و " المثلى " نعت كقولك امرأة كبرى. تقول العرب: فلان على الطريقة المثلى يعنون على الهدى المستقيم.
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه لما تواعد هو وموسى عليه السلام إلى وقت ومكان معلومين تولى, أي شرع في جمع السحرة من مدائن ممكلته, كل من ينسب إلى السحر في ذلك الزمان, وقد كان السحر فيهم كثيراً نافقاً جداً, كما قال تعالى: "وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم" ثم أتي. أي اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة, وجلس فرعون على سرير مملكته, واصطف له أكابر دولته, ووقفت الرعايا يمنة ويسرة, وأقبل موسى عليه الصلاة والسلام متوكئاً على عصاه ومعه أخوه هارون, ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفاً, وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم, ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم, يقولون " أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين " "قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً" أي لا تخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها وأنها مخلوقة, وليست مخلوقة, فتكونون قد كذبتم على الله "فيسحتكم بعذاب" أي يهلككم بعقوبة هلاكاً لا بقية له " وقد خاب من افترى * فتنازعوا أمرهم بينهم " قيل معناه أنهم تشاجروا فيما بينهم, فقائل يقول ليس هذا بكلام ساحر إنما هذا كلام نبي, وقائل يقول بل هو ساحر, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "وأسروا النجوى" أي تناجوا فيما بينهم " قالوا إن هذان لساحران " وهذه لغة لبعض العرب, جاءت هذه القراءة على إعرابها, ومنهم من قرأ " إن هذان لساحران " وهذ اللغة المشهورة, وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه. والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أن هذا الرجل وأخاه ـ يعنون موسى وهارون ـ ساحران عالمان, خبيران بصناعة السحر, يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس, وتتبعهما العامة, ويقاتلا فرعون وجنوده, فينصرا عليه, ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" أي ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر, فإنهم كانوا معظمين بسببها لهم أموال وأرزاق عليها, يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض, وتفردا بذلك وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم, وقد تقدم في حديث الفتون أن ابن عباس قال في قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا نعيم بن حماد , حدثنا هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق , سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: يصرفا وجوه الناس إليهما.
وقال مجاهد "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: أولو الشرف والعقل والأسنان. وقال أبو صالح : بطريقتكم المثلى أشرافكم وسرواتكم. وقال عكرمة : بخيركم. وقال قتادة : وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل, وكانوا أكثر القوم عدداً وأمولاً, فقال عدو الله يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما. وقال عبد الرحمن بن زيد : بطريقتكم المثلى بالذي أنتم عليه. "فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً" أي اجتمعوا كلكم صفاً واحداً, وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار, وتغلبوا هذا وأخاه "وقد أفلح اليوم من استعلى" أي منا ومنه, أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل, وأما هو فينال الرياسة العظيمة.
63- "إن هذان لساحران" وقيل إنهم تناجوا فيما بينهم فقالوا: إن كان ما جاء به موسى سحراً فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر، وقيل الذي أسروه أنه إذا غلبهم اتبعوه قاله الفراء والزجاج، وقيل الذي أسروه أنهم لما سمعوا قول موسى ويلكم لا تفتروا على الله، قالوا: ما هذا بقول ساحر. والنجوى المناجاة يكون اسماً ومصدراً.
قرأ أبو عمرو " إن هذان لساحران " بتشديد الحرف الداخل على الجملة وبالياء في اسم الإشارة على إعمال إن عملها المعروف، وهو نصب الاسم ورفع الخبر، ورويت هذه القراءة عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة، وبها قرأ الحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم من التابعين، وبها قرأ عاصم الجحدري وعيسى بن عمر كما حكاه النحاس، وهذه القراءة موافقة للإعراب الظاهر مخالفة لرسم المصحف فإنه مكتوب بالألف. وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه إن هذان بتخفيف إن على أنها نافية، وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف وللإعراب، وقرأ ابن كثير مثل قراءتهم إلا أنه يشدد النون من هذان. وقرأ المدنيون والكوفيون وابن عامر "إن هذان" بتشديد إن وبالألف، فوافقوا الرسم وخالفوا الإعراب الظاهر. وقد تكلم جماعة من أهل العلم في توجيه قراءة المدنيين والكوفيين وابن عامر، وقد استوفى ذكر ذلك ابن الأنباري والنحاس، فقيل إنها لغة بني الحارث بن كعب، وخثعم وكنانة يجعلون رفع المثنى ونصبه وجره بالألف ومنه قول الشاعر:
فأطرق إطراق الشجاع ولويرى مساغاً لنا باه الشجاع لصمما
وقول الآخر:
تزود منا بين أذناه ضربة
وقول الآخر:
إن آباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
ومما يؤيد هذا تصريح سيبويه والأخفش وأبي زيد والكسائي والفراء إن هذه القراءة على لغة بني الحارث بن كعب، وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنها لغة بني كنانة، وحكى غيره أنها لغة خثعم، وقيل إن أن بمعنى نعم ها هنا كما حكاه الكسائي عن عاصم، وكذا حكاه سيبويه. قال النحاس: رأيت الزجاج والأخفش يذهبان إليه، فيكون التقدير: نعم هذان لساحران، ومنه قول الشاعر:
ليت شعري هل للمحب شفاء من جوى حبهن إن اللقاء
أي نعم اللقاء. قال الزجاج: والمعنى في الآية: أن هذا لهما ساحران، ثم حذف المبتدأ وهو هما. وأنكره أبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جني، وقيل إن الألف في هذا مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير، وقيل إن الهاء مقدرة: أي إنه هذان لساحران حكاه الزجاج عن قدماء النحويين، وكذا حكاه ابن الأنباري. وقال ابن كيسان: إنه لما كان يقال هذا بالألف في الرفع والنصب والجر على حال واحدة، وكانت التثنية لا تغير الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فثبت الألف في الرفع والنصب والجر، فهذه أقوال تتضمن توجيه هذه القراءة توجه تصح به، وتخرج به عن الخطأ، وبذلك يندفع ما روي عن عثمان وعائشة أنه غلط من الكاتب للمصحف "يريدان أن يخرجاكم من أرضكم" وهي أرض مصر "بسحرهما" الذي أظهراه "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال الكسائي: بطريقتكم بسنتكم، والمثلى نعت كقولك: امرأة كبرى، تقول العرب فلان على الطريقة المثلى يعنون على الهدى المستقيم. قال الفراء: العرب تقول هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم لأشرافهم، والمثلى تأنيث الأمثل، وهو الأفضل، يقال فلان أمثل قومه: أي أفضلهم، وهم الأماثل. والمعنى: أنهما إن يغلبا بسحرهما مال إليهما السادة والأشراف منكم، أو يذهبا بمذهبكم الذي هو أمثل المذاهب.
63. ثم " قالوا "، وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون: " إن هذان لساحران "، يعني موسى وهارون.
قرأ ابن كثير وحفص: " إن " بتخفيف النون، " هذان " أي ما هذان إلا ساحران، كقوله: " إن نظنك لمن الكاذبين " (الشعراء-186)، أي ما نظنك إلا من الكاذبين، ويشدد ابن كثير النون من " هذان ".
وقرأ أبو عمرو " إن " بتشديد النون هذين بالياء على الأصل.
وقرأ الآخرون: " إن " بتشديد النون، " هذان " بالألف، واختلفوا فيه: فروى هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة: أنه خطأ من الكاتب.
وقال قوم: هذه لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وكنانة، فإنهم يجعلون الاثنين في الرفع والنصب والخفض بالألف، يقولون: أتاني الزيدان [ورأيت الزيدان] ومررت بالزيدان، [فلا يتركون] ألف التثنية في شيء منها، وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفاً، كما في التثنية، يقولون: كسرت يداه وركبت علاه، يعني يديه وعليه. وقال شاعرهم:
تزود مني بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقيم
يريد بين أذنيه.
وقال آخر:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
وقيل: تقدير الآية: إنه هذان، فحذف الهاء.
وذهب جماعة إلى أن حرف ((أن)) هاهنا، بمعنى نعم، أي نعم هذان. روى أن أعرابياً سأل ابن الزبير شيئاً فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، أي نعم.
وقال الشاعر:
بكرت علي عواذلي يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
أي: نعم..
" يريدان أن يخرجاكم من أرضكم "، مصر، " بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى "، قال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم، يقال: هؤلاء طريقة قومهم أي أشرافهم، و " المثلى " تأنيث ((الأمثل))، وهو الأفضل، حدث الشعبي عن علي، قال: يصرفان وجوه الناس إليها.
قال قتادة : طريقتهم المثلى طريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عدداً وأموالاً، فقال عدو الله: يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم.
وقيل: " بطريقتكم المثلى ": أي بسنتكم ودينكم الذي أنتم عليه، و " المثلى ": نعت الطريقة، تقول العرب: فلان على الطريقة المثلى، يعني: على الهدى المستقيم.
63ـ " قالوا إن هذان لساحران " تفسيره لـ " أسروا النجوى " كأنهم تشاوروا في تلفيقه حذراً أن يغلبا فيتبعهما الناس ، و " هذان " اسم إن على لغة ب لحرث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديراً . وقيل اسمها ضمير الشأن المحذوف و " هذان لساحران " خبرها . وقيل " إن " بمعنى نعم وما بعدها مبتدأ وخبر وفيهما إن اللام لا تدخل خبر المبتدأ . وقيل أصله إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير وفيه أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف ، وقرأ أبو عمرو ((أن هذين )) وهو ظاهر ، و ابن كثير و حفص " إن هذان " على أنها هي المخففة واللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا . " يريدان أن يخرجاكم من أرضكم " بالاستيلاء عليها . " بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى " بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما لقوله " إني أخاف أن يبدل دينكم " وقيل أرادوا أهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل فإنهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى " أرسل معنا بني إسرائيل " . وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم من حيث إنهم قدوة لغيرهم .
63. They said: Lo! these are two wizards who would drive you out from your country by their magic, and destroy your best traditions;
63 - They said: these two are certainly (expert) magicians: their object is to drive you Out from your land with their magic, and to do away with your most cherished institutions.