[طه : 6] لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
6 - (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما) من المخلوقات (وما تحت الثرى) هو التراب الندي والمراد الأرضون السبع لأنها تحته
يقول تعالى ذكره : لله ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما، وما تحت الثرى، ملكاً له ، وهو مدبر ذلك كله ، ومصرف جميعه. ويعني بالثرى: الندى، يقال للتراب الرطب المبتل : ثرى منقوص ، يقال منه : ثريت الأرض تثري ثرى منقوص ، والثرى : مصدر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "وما تحت الثرى" والثرى : كل شيء مبتل.
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "وما تحت الثرى" ما حفر من التراب مبتلاً، وإنما عنى بذلك: وما تحت الأرضين السبع.
كالذي حدثني محمد بن إبراهيم السليمي المعروف بابن صدران ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا محمد بن رفاعة، عن محمد بن كعب"وما تحت الثرى" قال : الثرى : سبع أرضين.
" له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى " يريد ما تحت الصخرة التي لا يعلم ما تحتها إلا الله تعالى. وقال محمد بن كعب: يعني الأرض السابعة. ابن عباس: الأرض على نون، والنون على البحر، وأن طرفي النون رأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها، وهي التي قال الله تعالى فيها: " فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض " [لقمان: 16]، والصخرة على قرن ثور، والثور على الثرى، وما يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى. وقال وهب بن منبه: على وجه الأرض سبعة أبحر، والأرضون سبع، بين كل أرضين بحر، فالبحر الأسفل مطبق على شفير جهنم، ولولا عظمه وكثرة مائه وبرده لأحرقت جهنم كل ما عليها. قال: وجهنم على متن الريح، ومتن الريح على حجاب من الظلمة لا يعلم عظمه إلا الله تعالى، وذلك الحجاب على الثرى، وإلى الثرى انتهى علم الخلائق.
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسين بن محمد بن شيبة الواسطي , حدثنا أبو أحمد ـ يعني الزبيري ـ أنبأنا إسرائيل عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: طه يا رجل, وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن كعب وأبي مالك وعطية العوفي والحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن أبزى أنهم قالوا: طه بمعنى يا رجل.. وفي رواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والثوري أنها كلمة بالنبطية معناها يا رجل. وقال أبو صالح : هي معربة.
وأسند القاضي عياض في كتابه الشفاء من طريق عبد بن حميد في تفسيره: حدثنا هاشم بن القاسم عن ابن جعفر عن الربيع بن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى " , فأنزل الله تعالى: "طه" يعني: طأ الأرض يا محمد "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" ثم قال: ولا يخفى بما في هذا الإكرام وحسن المعاملة وقوله: " ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " قال جويبر عن الضحاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو وأصحابه, فقال المشركون من قريش: ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى, فأنزل الله تعالى: " طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى " فليس الأمر كما زعمه المبطلون, بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيراً كثيراً, كما ثبت في الصحيحين عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك حيث قال: حدثنا أحمد بن زهير , حدثنا العلاء بن سالم , حدثنا إبراهيم الطالقاني , حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن سماك بن حرب , عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي" إسناده جيد, وثعلبة بن الحكم هذا هو الليثي , ذكره أبو عمر في استيعابه, وقال: نزل البصرة ثم تحول إلى الكوفة, وروى عنه سماك بن حرب .
وقال مجاهد في قوله: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" هي كقوله: " فاقرؤوا ما تيسر منه " وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة. وقال قتادة : " ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " لا والله ما جعله شقاء, ولكن جعله رحمة ونوراً ودليلاً إلى الجنة "إلا تذكرة لمن يخشى" إن الله أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر, وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه.
وقوله: "تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى" أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك, رب كل شيء ومليكه القادر على ما يشاء, الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها, وخلق السموات العلى في ارتفاعها ولطافتها, وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام, وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام, وقد أورد ابن أبي حاتم ههنا حديث الأوعال من رواية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه. وقوله: "الرحمن على العرش استوى" تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته أيضاً, وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل.
وقوله: "له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى" أي الجميع ملكه, وفي قبضته, وتحت تصرفه ومشيئته وإرادته وحكمه, وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه لا إله سواه ولا رب غيره. وقوله: "وما تحت الثرى" قال محمد بن كعب : أي ما تحت الأرض السابعة. وقال الأوزاعي : إن يحيى بن أبي كثير حدثه أن كعباً سئل فقيل له: ما تحت هذه الأرض ؟ فقال: الماء. قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض. قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض. قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء, قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض, قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء, قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض, قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الصخرة, قيل: وما تحت الصخرة ؟ قال: ملك, قيل: وما تحت الملك ؟ قال: حوت معلق طرفاه بالعرش, قيل: وما تحت الحوت ؟ قال: الهواء والظلمة وانقطع العلم.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب , حدثنا عمي , حدثنا عبد الله بن عياش , حدثنا عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام, والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء, والحوت على صخرة, والصخرة بيد الملك, والثانية سجن الريح, والثالثة فيها حجارة جهنم, والرابعة فيها كبريت جهنم, والخامسة فيها حيات جهنم, والسادسة فيها عقارب جهنم, والسابعة فيها سقر وفيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه ويد خلفه, فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه" وهذا حديث غريب جداً, ورفعه فيه نظر.
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا أبو موسى الهروي عن العباس بن الفضل قال: قلت ابن الفضل الأنصاري ؟ قال: نعم, عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, فأقبلنا راجعين في حر شديد, فنحن متفرقون بين واحد واثنين منتشرين, قال وكنت في أول العسكر إذا عارضنا رجل فسلم, ثم قال: أيكم محمد ؟ ومضى أصحابي ووقفت معه, فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر مقنع بثوبه على رأسه من الشمس, فقلت: أيها السائل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاك, فقال: أيهم هو ؟ فقلت: صاحب البكر الأحمر, فدنا منه فأخذ بخطام راحلته, فكف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت محمد ؟ قال: نعم. قال: إني أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان ؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم سل عما شئت قال: يا محمد أينام النبي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنام عيناه ولا ينام قلبه قال: صدقت ثم قال: يا محمد من أين يشبه الولد أباه وأمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء الرجل أبيض غليظ, وماء المرأة أصفر رقيق, فأي الماءين غلب على الاخر نزع الولد فقال: صدقت, فقال: ما للرجل من الولد, وما للمرأة منه ؟ فقال للرجل العظام والعروق والعصب, وللمرأة اللحم والدم والشعر قال: صدقت, ثم قال: يا محمد ما تحت هذه ؟ ـ يعني الأرض ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق فقال: فما تحتهم ؟ قال أرض. قال: فما تحت الأرض ؟ قال: الماء. قال: فما تحت الماء ؟ قال: ظلمة. قال: فما تحت الظلمة ؟ قال: الهواء. قال: فما تحت الهواء ؟ قال: الثرى. قال: فما تحت الثرى ؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء, وقال: انقطع علم الخلق عند علم الخالق, أيها السائل ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فقال صدقت, أشهد أنك رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس هل تدرون من هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال هذا جبريل عليه السلام". هذا حديث غريب جداً, وسياق عجيب, تفرد به القاسم بن عبد الرحمن هذا, وقد قال فيه يحيى بن معين : ليس يساوي شيئاً, وضعفه أبو حاتم الرازي , وقال ابن عدي : لا يعرف. قلت: وقد خلط في هذا الحديث, ودخل عليه شيء في شيء وحديث في حديث, وقد يحتمل أنه تعمد ذلك أو أدخل عليه فيه, والله أعلم.
وقوله: " وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " أي أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسموات العلى الذي يعلم السر وأخفى, كما قال تعالى: "قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : "يعلم السر وأخفى" قال: السر ما أسره ابن آدم في نفسه "وأخفى" ما أخفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه, فالله يعلم ذلك كله, فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد, وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة, وهو قوله: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" وقال الضحاك "يعلم السر وأخفى" قال: السر ما تحدث به نفسك, وأخفى ما لم تحدث به نفسك بعد.
وقال سعيد بن جبير : أنت تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غداً, والله يعلم ما تسر اليوم وما تسر غداً, وقال مجاهد "وأخفى" يعني الوسوسة, وقال أيضاً هو و سعيد بن جبير "وأخفى" أي ما هو عالمه مما لم يحدث به نفسه. وقوله: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى" أي الذي أنزل عليك القرآن, هو الله الذي لا إله إلا هو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى, وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة الأعراف ولله الحمد والمنة.
6- "له ما في السموات وما في الأرض" أي أنه مالك كل شيء ومدبره "وما بينهما" من الموجودات "وما تحت الثرى" الثرى في اللغة التراب الندي: أي ما تحت التراب من شيء. قال الواحدي: والمفسرون يقولون إنه سبحانه أراد الثرى الذي تحت الصخرة التي عليها الثور الذي تحت الأرض ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله سبحانه.
6 - " له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما " ، يعني الهواء ، " وما تحت الثرى" ، والثرى هو : التراب الندي . قال الضحاك : يعني ما وراء الثرى من شيء .
وقال ابن عباس : إن الأرضين على ظهر النون ، والنون على بحر ، ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش ، والبحر على صخرة خضراء ، خضرة السماء منها ، وهي الصخرة التي ذكر الله في قصة لقمان " فتكن في صخرة " والصخرة على قرن ثور ، والثور على الثرى ، وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله عز وجل ، وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله عز وجل البحار بحراً واحداً سالت في جوف ذلك الثور ، فإذا وقعت في جوفه يبست .
6-" له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى " لما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليات الأمور وخفياتها على سواء فقال :
6. Unto Him belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth, and whatsoever is between them, and whatsoever is beneath the sod.
6 - To Him belongs what is In the heavens and on earth, and all between the soil.