[طه : 58] فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى
58 - (فلنأتينك بسحر مثله) يعارضه (فاجعل بيننا وبينك موعدا) لذلك (لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا) منصوب بنزع الخافض في (سوى) بكسر أوله وضمه أي وسطا تستوي إليه مسافة الجائي من الطرفين
"فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا" لا نتعداه ، لنجيء بسحر مثل الذي جئت به ، فننظر أينا يغلب صاحبه ، لا نخلف ذلك الموعد "نحن ولا أنت مكانا سوى" يقول : بمكان عدل بيننا وبينك ونصف.
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين مكاناً سوى بكسر السين ، وقرأته عامة قراء الكوفة "مكانا سوى" بضمها.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما لغتان ، أعني الكسر والضم في السين من سوى مشهورتان في العرب . وقد قرأت بكل واحدة منهما علماء من القراء مع اتفاق معنييهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وللعرب في ذلك إذا كان بمعنى العدل والنصف لغة هي أشهر من الكسر والضم وهو الفتح ، كما قال جل ثناؤه "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" [آل عمران: 64] وإذا فتح السين منه مد ، وإذا كسرت أو ضمت قصر، كما قال الشاعر:
فإن أبانا كان حل ببلدة سوىً بين قيس قيس عيلان والفزر
ونظير ذلك من الأسماء طوى، وطوى، وثنى وثنى، وعدى، وعدى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قوله "مكانا سوى" قال : منصفا بينهم.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، بنحوه.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة "مكانا سوى" : أي عادلاً بيننا وبينك.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر، عن قتادة، قوله "مكانا سوى" قال : نصفاً بيننا وبينك.
حدثنا موسى، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله "فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى" قال : يقول : عدلاً.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ،قال : قال ابن زيد في قوله "مكانا سوى" قال : مكاناً مستوياً يتبين للناس ما فيه ، لا يكون صوب ولا شيء فيغيب بعض ذلك عن بعض مستوحين يرى.
" فلنأتينك بسحر مثله " أي لنعارضنك بمثل ما جئت به ليتبين للناس أن ما أتيت به ليس من عند الله. " فاجعل بيننا وبينك موعدا " هو مصدر، أي وعداً. وقيل الموعد اسم لمكان الوعد، كما قال تعالى: " وإن جهنم لموعدهم أجمعين " [الحجر: 43] فالموعد هاهنا مكان. وقيل: الموعد اسم لزمان الوعد، كقوله تعالى: " إن موعدهم الصبح " [هود: 81] فالمعنى: اجعل لنا يوماً معلوماً، أو مكاناً معروفاً. قال القشيري : والأظهر أنه مصدر ولهذا قال: " لا نخلفه " أي لا نخلف ذلك الوعد، والإخلاف أن يعد شيئاً ولا ينجزه. وقال الجوهري : والميعاد المواعدة والوقت والموضع وكذلك الموعد. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج " لا نخلفه " بالجزم جواباً لقوله " اجعل ". ومن رفع فهو نعت لـ" موعد " والتقدير. موعداً غير مخلف. " مكانا سوى " قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة سوي بضم السين. الباقون بكسرها، وهما لغتان مثل عداً وعداً وطوى وطوى. واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السين لأنها اللغة العالية الفصيحة. وقال النحاس : والكسر أعرف وأشهر. وكلهم نونوا الواو، وقد روي عن الحسن ، واختلف عنه ضم السين بغير تنوين. واختلف في معناه فقيل: سوى هذا المكان، قاله الكلبي . وقيل: ومكاناً مستوياً يتبين للناس ما بينا فيه، قاله ابن زيد. ابن عباس: نصفاً. مجاهد : منصفاً، وعنه أيضاً و قتادة عدلاً بيننا وبينك. قال النحاس : وأهل التفسير على أن معنى " سوى " نصف وعدل وهو قول حسن ، قال سيبويه يقال: سوى وسوى أي عدل، يعني مكاناً عدلاً بين المكانين فيه النصفة، وأصله من قولك: جلس في سواء الدار بالمد أي في وسطها، ووسط كل شيء أعدله، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " [البقرة: 143] أي عدلاً، وقال زهير:
أرونا خطةً لا ضيم فيها يسوي بيننا فيها السواء
وقال أبو عبيدة والقتبي: وسطا بين الفريقين، وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي:
وإن أبانا كان حل ببلدة سوىً بين قيس قيس عيلان والفزر
والفزر: سعد بن زيد مناة بن تميم. وقال الأخفش : " سوى " إذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات: إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعاً. وإن فتحت مددت، تقول: مكان سوىً وسوىً وسواء، أي عدل ووسط فيما بين الفريقين. قال موسى بن جابر:
وجدنا أبانا كان حل ببلدة
البيت. وقيل: " مكانا سوى " أي قصداً، وأنشد صاحب هذا القول:
لو تمنت حبيبتي ما عدتني أو تمنيت ما عدوت سواها
وتقول: مررت برجل سواك وسواك وسوائك أي غيرك. وهما في هذا الأمر سواء وإن شئت سواءان. وهم سواء للجمع وهم أسواء، وهم سواسية مثل ثمانية على غير قياس. وانتصب " مكانا " على المفعول الثاني لـ"جعل ". ولا يحسن انتصابه بالموعد على أنه مفعول أو ظرف له، لأن الموعد قد وصف، والأسماء التي تعمل عمل الأفعال إذا وصفت أو صغرت لم يسغ أن تعمل لخروجها عن شبه الفعل، ولم يحسن حمله على أنه ظرف وقع موقع المفعول الثاني، لأن الموعد إذا وقع بعده ظرف لم تجره العرب مجرى المصادر مع الظروف، لكنهم يتسعون فيه كقوله تعالى: " إن موعدهم الصبح " [هود: 81]
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه قال لموسى حين أراه الاية الكبرى, وهي إلقاء عصاه فصارت ثعباناً عظيماً, ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء, فقال: هذا سحر جئت به لتسحرنا وتستولي به على الناس فيتبعونك, وتكاثرنا بهم ولا يتم هذا معك, فإن عندنا سحراً مثل سحرك, فلا يغرنك ما أنت فيه, "فاجعل بيننا وبينك موعداً" أي يوماً نجتمع نحن وأنت فيه, فنعارض ما جئت به بما عندنا من السحر في مكان معين ووقت معين, فعند ذلك "قال" لهم موسى "موعدكم يوم الزينة" وهو يوم عيدهم ونيروزهم وتفرغهم من أعمالهم واجتماعهم جميعهم, ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء ومعجزات الأنبياء وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية, ولهذا قال: "وأن يحشر الناس" أي جميعهم "ضحى" أي ضحوة من النهار, ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح, وهكذا شأن الأنبياء كل أمرهم بين واضح ليس فيه خفاء ولا ترويج, ولهذا لم يقل ليلاً ولكن نهاراً ضحى, قال ابن عباس : وكان يوم الزينة يوم عاشوراء. وقال السدي وقتادة وابن زيد : كان يوم عيدهم. وقال سعيد بن جبير : كان يوم سوقهم, ولا منافاة. قلت: وفي مثله أهلك الله فرعون وجنوده, كما ثبت في الصحيح , وقال وهب بن منبه : قال فرعون: يا موسى اجعل بيننا وبينك أجلاً ننظر فيه. قال موسى لم أومر بهذا إنما أمرت بمناجزتك إن أنت لم تخرج دخلت إليك, فأوحى الله إلى موسى أن اجعل بينك وبينه أجلاً, وقل له أن يجعل هو, قال فرعون: اجعله إلى أربعين يوماً ففعل, وقال مجاهد وقتادة : مكاناً سوى منصفاً. وقال السدي : عدلاً. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : مكاناً سوى مستو بين الناس وما فيه لا يكون صوب ولا شيء يتغيب بعض ذلك عن بعض مستو حين يرى.
58- "فلنأتينك بسحر مثله" الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام هي الموطئة للقسم: أي والله لنعارضنك بمثل ما جئت به من السحر، حتى يتبين للناس أن الذي جئت به سحر يقدر على مثله الساحر "فاجعل بيننا وبينك موعداً" هو مصدر: أي وعداً، وقيل اسم مكان: أي اجعل لنا يوماً معلوماً، أو مكاناً معلوماً لا نخلفه. قال القشيري: والأظهر أنه مصدر، ولهذا قال: "لا نخلفه" أي لا نخلف ذلك الوعد، والإخلاف أن تعد شيئاً ولا تنجزه. قال الجوهري: الميعاد المواعدة والوقت الموضع، وكذلك الموعد. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج "لا نخلفه" بالجزم على أنه جواب لقوله اجعل. وقرأ الباقون بالرفع على أنه صفة لموعداً: أي لا نخلف ذلك الوعد "نحن ولا أنت" وفوض تعيين الموعد إلى موسى إظهاراً لكمال اقتداره على الإتيان بمثل ما أتى به موسى، وانتصاب "مكاناً سوى" بفعل مقدر يدل عليه المصدر، أو على أنه بدل من موعد. قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة "سوى" بضم السين، وقرأ الباقون بكسرها وهما لغتان. واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السير لأنها اللغة العالية الفصيحة، والمراد مكاناً مستوياً، وقيل مكاناً منصفاً عدلاً بيننا وبينك. قال سيبويه: يقال سوى وسوى: أي عدل، يعني عدلاً بين المكانين. قال زهير:
أرونا خطة لا ضيم فيها يسوى بيننا فيها السواء
قال أبو عبيدة والقتيبي: معناه مكاناً وسطاً بين الفريقين، وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي:
وإن أبانا كان حل ببلدة سوى بين قيس قيس غيلان والفزر
والفزر سعد بن زيد مناة.
58. " فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً "، أي: فاضرب بيننا أجلاً وميقاتاً، " لا نخلفه "، [قرأ أبو جعفر " لا نخلفه " بجزم، لا نجاوزه]، " نحن ولا أنت مكاناً سوىً "، قرأ ابن عامر وعاصم و حمزة و يعقوب : " سوىً " بضم السين، وقرأ الآخرون بكسرها، وهما لغتان مثل: عدى وعدى وطوىً وطوى.
قال مقاتل و قتادة : مكاناً عدلاً بيننا وبينك.
وعن ابن عباس: نصفاً، ومعناه: تستوي مسافة الفريقين إليه.
قال مجاهد : منصفاً. وقال الكلبي : يعني سوى هذا المكان.
58ـ " فلنأتينك بسحر مثله " مثل سحرك . " فاجعل بيننا وبينك موعدً " وعداً لقوله : " لا نخلفه نحن ولا أنت " فإن الإخلاف لا يلائم الزمان والمكان وانتصاب . " مكاناً سوى " بفعل دل عليه المصدر لا به لأنه موصوف ، أو بأنه بدل من " موعداً " على تقدير مكان مضاف إليه وعلى هذا يكون طباق الجواب في قوله :
58. But we surely can produce magic the like thereof; so appoint a tryst between us and you, which neither we nor thou shall fail to keep, at a place convenient (to us both).
58 - But we can surely produce magic to match thine! so make a tryst between us and thee, Which we shall not fail To keep neither we nor thou In a place where both shall have even chances.