[طه : 42] اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي
42 - (اذهب أنت وأخوك) إلى الناس (بآياتي) التسع (ولا تنيا) تفترا (في ذكري) بتسبيح وغيره
"اذهب أنت وأخوك" هارون "بآياتي" يقول : بأدلتي وحججي ، اذهبا إلى فرعون بها إنه تمرد في ضلاله وغيه ، فأبلغاه رسالاتي أولا تنيا في ذكري يقول : ولا تضعفا في أن تذكراني فيما أمرتكما ونهيتكما، فإن ذكركما إياي يقوي عزائمكما، ويثبت أقدامكما، لأنكما إذا ذكرتماني ، ذكرتما مني عليكما نعماً جمة، ومنناً لا تحصى كثرة. يقال منه : ونى فلان في هذا الأمر، وعن هذا الأمر: إذا ضعف ، وهويني ونياً، كما قال العجاج:
فما ونى مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "ولا تنيا" يقول : لا تبطئا.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "ولا تنيا في ذكري" يقول : ولا تضعفا في ذكري.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارت ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "ولا تنيا في ذكري" قال : لا تضعفا.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "تنيا" تضعفا.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ولا تنيا في ذكري" يقول : لا تضعفا في ذكري.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "ولا تنيا في ذكري" قال : لا تضعفا.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "ولا تنيا في ذكري" يقول : لا تضعفا.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ولا تنيا في ذكري" قال : الواني : هو الغافل المفرط ذلك الواني.
" اذهب أنت وأخوك بآياتي " قال ابن عباس: يريد التسع الآيات التي أنزلت عليه. " ولا تنيا في ذكري " قال ابن عباس: تضعفا أي في أمر الرسالة، وقاله قتادة . وقيل: تفترا. قال الشاعر:
فما ونى محمد مذ ان غفر له الإله ما مضى وما غبر
والونى الضعف والفتور، والكلال والإعياء. وقال امرؤ القيس:
مسح إذا ما السابحات على الونى أثرن غباراً بالكديد المركل
ويقال: ونيت في الأمر أني ونى وونياً أي ضعفت، فأنا وان وناقة وانية وأونيتها أنا أضعفتها وأتعبتها. وفلان لا يني كذا، أي لا يزال، وبه فسر أبان معنى الآية واستشهد بقول طرفة:
كأن القدور الراسيات أمامهم قباب بنوها لا تني أبداً تغلي
وعن ابن عباس أيضاً: لا تبطئا. وفي قراءة ابن مسعود ولا تهنا في ذكري وتحميدي وتمجيدي وتبليغ رسالتي.
يقول تعالى مخاطباً لموسى عليه السلام: إنه لبث مقيماً في أهل مدين فاراً من فرعون وملئه, يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الأجل, ثم جاء موافقاً لقدر الله وإرادته من غير ميعاد, والأمر كله لله تبارك وتعالى, وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء, ولهذا قال: "ثم جئت على قدر يا موسى" قال مجاهد : أي على موعد. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: "ثم جئت على قدر يا موسى" قال: على قدر الرسالة والنبوة. وقوله: "واصطنعتك لنفسي" أي اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي أي كما أريد وأشاء. وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصلت بن محمد , حدثنا مهدي بن ميمون , حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التقى آدم وموسى فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة, فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة ؟ قال: نعم, قال فوجدته مكتوباً علي قبل أن يخلقني, قال: نعم فحج آدم موسى" أخرجاه.
وقوله: "اذهب أنت وأخوك بآياتي" أي بحججي وبراهيني ومعجزاتي "ولا تنيا في ذكري" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لا تبطئا, وقال مجاهد عن ابن عباس : لا تضعفا, والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله, بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون, ليكون ذكر الله عوناً لهما عليه, وقوة لهما وسلطاناً كاسراً له, كما جاء في الحديث "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه". وقوله: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى" أي تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى" هذه الاية فيها عبرة عظيمة, وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك, ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين, كما قال يزيد الرقاشي عند قوله: "فقولا له قولاً ليناً",
يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه ؟
وقال وهب بن منبه : قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة. وعن عكرمة في قوله: "فقولا له قولاً ليناً" قال: لا إله إلا الله, وقال عمرو بن عبيد عن الحسن البصري "فقولا له قولاً ليناً" أعذرا إليه قولا له: إن لك رباً ولك معاداً, وإن بين يديك جنة وناراً, وقال بقية عن علي بن هارون عن رجل عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي في قوله "فقولا له قولاً لينا" قال: كنه, وكذا روي عن سفيان الثوري : كنه بأبي مرة, والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق, ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع, كما قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".
وقوله: "لعله يتذكر أو يخشى" أي لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة, أو يخشى أي يوجد طاعة من خشية ربه, كما قال تعالى: " لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " فالتذكر الرجوع عن المحذور, والخشية تحصيل الطاعة, وقال الحسن البصري : "لعله يتذكر أو يخشى" يقول: لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه, وههنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل , ويروى لأمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق .
وأنت الذي من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولاً مناديا
فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان باغيا
فقولا له: هل أنت سويت هذه بلا وتد حتى استقلت كما هيا
وقولا له: آأنت رفعت هذه بلا عمد أرفق إذن بك بانيا
وقولا له: آأنت سويت وسطها منيراً إذا ما جنه الليل هاديا
وقولا له: من يخرج الشمس بكرة فيصبح مامست من الأرض ضاحيا
وقولا له: من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منه حبة في رؤوسه ؟ ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
42- "اذهب أنت وأخوك" أي وليذهب أخوك، وهو كلام مستأنف مسوق لبيان ما هو المقصود من الاصطناع ومعنى "بآياتي" بمعجزاتي التي جعلتها لك آية، وهي التسع الآيات "ولا تنيا في ذكري" أي لا تضعفا ولا تفترا، يقال ونى يني ونياً: إذا ضعف. قال الشاعر:
فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غير
وقال امرؤ القيس:
يسيح إذا ما السابحات على الونى أثرن غباراً بالكديد الموكل
قال الفراء: في ذكري وعن ذكري سواء، والمعنى: لا تقصرا عن ذكري بالإحسان إليكما، والإنعام عليكما وذكر النعمة شكرها. وقيل معنى لا تنيا لا تبطئا في تبليغ الرسالة، وفي قراءة ابن مسعود لا تهنا في ذكري.
42. " اذهب أنت وأخوك بآياتي "، بدلائلي، وقال ابن عباس: يعني الآيات التسع التي بعث بها موسى " ولا تنيا " لا تضغطا، وقال السدي : لا تفترا. وقال محمد بن كعب : لا تقصرا، " في ذكري ".
42ـ " اذهب أنت وأخوك بآياتي " بمعجزاتي . " ولا تنيا " ولا تفترا ولا تقصرا ، وقرئ ((تنيا)) بكسر التاء . " في ذكري " لا تنسياني حيثما تقلبتما.
وقيل في تبليغ ذكري والدعاء إلي .
42. Go, thou and thy brother, with My tokens, and be not faint in remembrance of Me.
42 - Go, thou and thy brother, with my signs, and slacken not, either of you, in keeping me in remembrance.