[طه : 20] فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى
20 - (فألقاها فإذا هي حية) ثعبان عظيم (تسعى) تمشي على بطنها سريعا كسرعة الثعبان المسمى بالجان المعبر به فيها في آية أخرى
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، قال : ثنا حفص بن جميع ، قال : ثنا سماك بن حرب ، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال : لما قيل لموسى : ألقها يا موسى، ألقاها "فإذا هي حية تسعى" ولم تكن قبل ذلك حية، قال : فمرت بشجرة فأكلتها، ومرت بصخرة فابتلعتها، قال : فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها، قال : فولى مدبراً، فنودي أن يا موسى خذها، فلم يأخذها ، ثم نودي الثانية : أن "خذها ولا تخف"، فلم يأخذها، فقيل له في الثالثة : "إنك من الآمنين" [القصص :31] فأخذها.
حدثني موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : قال له ، يعني لموسى ربه "ألقها يا موسى" يعني "فألقاها فإذا هي حية تسعى" "فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب" [النمل : 110] فنودي "يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون" [النمل : 110 ].
" فألقاها " موسى فقلب الله أوصافها وأعراضها. وكانت عصا ذات شعبتين فصارت الشعبتان لها فماً، وصارت حية تسعى أي تنتقل، وتمشي وتلتقم الحجارة، فلما رآها موسى عليه السلام رأى عبرة فـ" ولى مدبرا ولم يعقب " [النمل: 10]
هذا برهان من الله تعالى لموسى عليه السلام, ومعجزة عظيمة, وخرق للعادة باهر دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل, وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل. وقوله: "وما تلك بيمينك يا موسى" قال بعض المفسرين: إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له, وقيل: وإنما قال له ذلك على وجه التقرير, أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها, فسترى ما نصنع بها الان "وما تلك بيمينك يا موسى" استفهام تقرير " قال هي عصاي أتوكأ عليها " أي أعتمد عليها في حال المشي "وأهش بها على غنمي" أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي. قال عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك : الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود, فهذا الهش ولا يخبط, وكذا قال ميمون بن مهران أيضاً.
وقوله: "ولي فيها مآرب أخرى" أي مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك, وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت, فقيل: كانت تضيء له بالليل وتحرس له الغنم إذا نام, ويغرسها فتصير شجرة تظله, وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة, والظاهر أنها لم تكن كذلك, ولو كانت كذلك لما استنكر موسى عليه الصلاة والسلام صيرورتها ثعباناً فما كان يفر منها هارباً, ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية, وكذا قول بعضهم: إنها كانت لادم عليه الصلاة والسلام, وقول الاخر: إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة, وروي عن ابن عباس أنه قال: كان اسمها ما شا, والله أعلم بالصواب.
وقوله تعالى: "قال ألقها يا موسى" أي هذه العصا التي في يدك يا موسى ألقها "فألقاها فإذا هي حية تسعى" أي صارت في الحال حية عظيمة ثعباناً طويلاً يتحرك حركة سريعة, فإذا هي تهتز كأنها جان, وهو أسرع الحيات حركة, ولكنه صغير, فهذه في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة, "تسعى" أي تمشي وتضطرب. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن عبدة , حدثنا حفص بن جميع , حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس "فألقاها فإذا هي حية تسعى" ولم تكن قبل ذلك حية, فمرت بشجرة فأكلتها, ومرت بصخرة فابتلعتها, فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبراً, ونودي: أن يا موسى خذها فلم يأخذها, ثم نودي الثانية: أن خذها ولا تخف, فقيل له في الثالثة: إنك من الامنين, فأخذها.
وقال وهب بن منبه في قوله: "فألقاها فإذا هي حية تسعى" قال فألقاها على وجه الأرض ثم حانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون فدب يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه, يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها, ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها, عيناه توقدان ناراً, وقد عاد المحجن منها عرفاً, قيل: شعره مثل النيازك, وعاد الشعبتان منها مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف, فلما عاين ذلك موسى ولى مدبراً ولم يعقب, فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية, ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى أن ارجع حيث كنت فرجع موسى وهو شديد الخوف فقال: "خذها" بيمينك "ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى" وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف فدخلها بخلال من عيدان, فلما أمره بأخذها, أدلى طرف المدرعة على يده, فقال له ملك: أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً ؟ قال: لا ولكني ضعيف, ومن ضعف خلقت, فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حس الأضراس والأنياب, ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها, وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين, ولهذا قال تعالى: "سنعيدها سيرتها الأولى" أي إلى حالها التي تعرف قبل ذلك.
20- "فألقاها" موسى على الأرض "فإذا هي حية تسعى" وذلك بقلب الله سبحانه لأوصافها وأعراضها حتى صارت حية تسعى: أي تمشي بسرعة وخفة، قيل كانت عصا ذات شعبتين فصار الشعبتان فما وباقيها جسم حية تنقل من مكان إلى مكان وتلتقم الحجارة مع عظم جرمها وفظاعة منظرها، فلما رآها كذلك خاف وفزع وولى مدبراً ولم يعقب.
20. " فألقاها "/ على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة، " فإذا هي حية "، صفراء من أعظم ما يكون من الحيات، " تسعى "، تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر: " كأنها جان " (النمل-10) وهي الحية الصغيرة الخفيفة الجسم، وقال في موضع: ((ثعبان))، وهو أكبر ما يكون من الحيات.
فأما الحية: فإنها تجمع الصغير والكبير والذكر والأنثى. وقيل: ((الجان)): عبارة عن ابتداء حالها، فإنها كانت حية على قدر العصا، ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعباناً، ((والثعبان)): عبارة عن انتهاء حالها.
وقيل: إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان.
قال محمد بن إسحاق : نظر موسى فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعبتاها شدقين لها، والمحجن عنقاً وعرفاً، تهتز كالنيازك، وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الخلفة من الإبل، وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها، ويسمع لأسنانها صريف عظيم. فلما عاين ذلك موسى ولى مدبراً وهرب، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه، ثم نودي: أن يا موسى أقبل وارجع حيث كنت، فرجع شديد الخوف.
20ـ " فألقاها فإذا هي حية تسعى " قيل لما ألقاها انقلبت حية صفراء بغلظ العصا ثم تورمت وعظمت فلذلك سماها جاناً تارة نظراً إلى المبدأ وثعباناً مرة باعتبار المنتهى ، وحية أخرى باعتبار الاسم الذي يعم الحالين . وقيل كانت في ضخامة الثعبان وجلادة الجان ولذلك قال " كأنها جان " .
20. So he cast it down, and Lo! it was a serpent, gliding.
20 - He threw it, and behold! It was a snake, active in motion.