[طه : 124] وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
124 - (ومن أعرض عن ذكري) أي القرآن فلم يؤمن به (فإن له معيشة ضنكا) بالتنوين مصدر بمعنى ضيقة وفسرت في حديث بعذاب الكافر في قبره (ونحشره) أي المعرض عن القرآن (يوم القيامة أعمى) أعمى البصر
يقول تعالى ذكره "ومن أعرض عن ذكري" الذي أذكره به فتولى عنه ولم يقبله ولم يستجب له ، ولم يتعظ به فينزجر عما هو عليه مقيم من خلافه أمر ربه "فإن له معيشة ضنكا" يقول : فإن له معيشة ضيقة. والضنك من المنازل والأماكن والمعايش : الشديد. يقال : هذا منزل ضنك : إذا كان ضيقاً، وعيش ضنك. الذكر والأنثى والواحد والاثنان والجمع بلفظ واحد ؟ ومنه قول عنترة:
وإن نزلوا بضنك أنزل
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "فإن له معيشة ضنكا"يقول : الشقاء.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "ضنكا" قال : ضيقة.
حدثنا الحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر، عن قتادة، في قوله "فإن له معيشة ضنكا" قال : الضنك : الضيق.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله "فإن له معيشة ضنكا" يقول : ضيقة.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
واختلف أهل التأويل في الموضع الذي جعل الله لهؤلاء المعرضين عن ذكره العيشة الضنك ، والحال التي جعلهم فيها، فقال بعضهم : جعل ذلك لهم في الآخرة في جهنم ، وذلك أنهم جعل طعامهم فيها الضريع والزقوم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمر وبن علي بن مقدم ، قال : ثنا يحيى بن سعيد، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله "فإن له معيشة ضنكا" قال : في جهنم.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" فقرأ حتى بلغ "ولم يؤمن بآيات ربه" قال : هؤلاء أهل الكفر، قال : ومعيشة ضنكا في النار شوك من نار وزقوم وغسلين ، والضريع : شوك من نار، وليس في القبر ولا في الدنيا معيشة، ما العيشة والحياة إلا في الآخرة، وقرأ قول الله عز وجل "يا ليتني قدمت لحياتي" [الفجر: 24]. قال : لمعيشتي ، قال : والغسلين والزقوم : شيء لا يعرفه أهل الدنيا.
حدثنا الحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر، عن قتادة "فإن له معيشة ضنكا" قال : في النار.
وقال آخرون : بل عنى بذلك : فإن له معيشة في الدنيا حراماً قال : ووصف الله جل وعز معيشتهم بالضنك ، لأن الحرام وإن اتسع فهو ضنك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة في قوله "معيشة ضنكا" قال : هي المعيشة التي أوسع الله عليه من الحرام.
حدثني داود بن سليمان بن يزيد المكتب من أهل البصرة، قال : ثنا عمرو بن جرير البجلي ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم في قول الله "معيشة ضنكا" قال : رزقاً في معصيته.
حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثنا يعلى بن عبيد، قال : ثنا أبو بسطام ، عن الضحاك "فإن له معيشة ضنكا" قال : الكسب الخبيث.
حدثني محمد بن إسماعيل الصراري ، قال : ثنا محمد بن سوار، قال : ثنا أبو اليقظان عمار بن محمد، عن هارون بن محمد التيمي ، عن الضحاك ، في قوله: "فإن له معيشة ضنكا" قال : العمل الخبيث ، والرزق السيء.
وقال آخرون ممن قال عنى أن لهؤلاء القوم المعيشة الضنك في الدنيا، إنما قيل لها ضنك وإن كانت واسعة، لأنهم ينفقون ما ينفقون من أموالهم على تكذيب منهم بالخلف من الله ، وإياس من فضل الله ، وسوء ظن منهم بربهم ، فتشتد لذلك عليهم معيشتهم وتضيق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" يقول : كل مال أعطيته عبداً من عبادي قل أو كثر، لا يتقيني فيه ، لا خير فيه ، وهو الضنك فى المعيشة. ويقال : إن قوماً ضلالاً أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين ، فكانت معيشتهم ضنكا، وذلك أنهم كانوا يرون أن الله عز وجل ليس بمخلف لهم معايشهم من سؤ ظنهم بالله ، والتكذيب به ، فإذا كان العبد يكذب بالله ، ويسيء الظن به ، اشتدت عليه معيشته ، فذلك الضنك.
وقال آخرون : بل عنى بذلك : أن ذلك لهم في البرزخ ، وهو عذاب القبر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يزيد بن مخلد الواسطي ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي حازم عن النعمان بن أبي عياش ، عن أبي سعيد الخدري ، قال في قول الله "معيشة ضنكا" قال : عذاب القبر.
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي حازم ، عن النعمان بن أبي عياش ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : إن المعيشة الضنك ، التي قال الله : عذاب القبر.
حدثني حوثرة بن محمد المنقري ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي حازم ، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري "فإن له معيشة ضنكا" قال : يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث ، قال : ثنا خالد بن زيد، عن ابن أبي هلال ، عن أبي حازم ، عن أبي سعيد، أنه كان يقول : المعيشة الضنك : عذاب القبر، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنيناً تنهشه وتخدش لحمه حتى يبعث. وكان يقال : لو أن تنيناً منها نفخ الأرض لم تنبت زرعاً.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال : يطبق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، وهي المعيشة الضنك التي قال الله "معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى".
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح والسدي في قوله : "معيشة ضنكا" قال : عذاب القبر.
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : ثنا محمد بن عبيد، قال : ثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ، في قوله : "فإن له معيشة ضنكا" قال : عذاب القبر.
حدثني عبد الرحمن بن الأسود، قال : ثنا محمد بن ربيعة، قال : ثنا أبو عميس ، عن عبد الله بن مخارق عن أبيه ، عن عبد الله ، في قوله : "معيشة ضنكا" قال : عذاب القبر.
حدثني عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن جعفر وابن أبي حازم ، قالا : ثنا أبو حازم ، عن النعمان بن أبي عياش ، عن أبي سعيد الخدري "معيشة ضنكا" قال : عذاب القبر.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هو عذاب القبر الذي:
حدثنا به أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن ابن حجيرة عن أبي هريرة،" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : أتدرون فيم أنزلت هذه الآية "فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده ، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً أتدرون ما التنين ؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس ، ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة". وإن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك بقوله : "ولعذاب الآخرة أشد وأبقى" فكان معلوماً بذلك أن المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم قبل عذاب الآخرة، لأن ذلك لو كان في الآخرة لم يكن لقوله : "ولعذاب الآخرة أشد وأبقى" معنى مفهوم ، لأن ذلك إن لم يكن تقدمه عذاب لهم قبل الآخرة، حتى يكون الذي في الآخرة أشد منه ، بطل معنى قوله : "ولعذاب الآخرة أشد وأبقى"، فإذ كان ذلك كذلك ، فلا تخلو تلك المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم من أن تكون لهم في حياتهم الدنيا، أو في قبورهم قبل البعث ، إذ كان لا وجه لأن تكون في الآخرة لما قد بينا، فإن كانت لهم في حياتهم الدنيا، فقد يجب أن يكون كل من أعرض عن ذكر الله من الكفار، فإن معيشته فيها ضنك ، وفي وجودنا كثيراً منهم أوسع معيشة من كثير من المقبلين على ذكر الله تبارك وتعالى، القائلين له المؤمنين في ذلك ، ما يدل على أن ذلك ليس كذلك ، وإذ خلا القول في ذلك من هذين الوجهين صح الوجه الثالث ، وهو أن ذلك في البرزخ.
وقوله : "ونحشره يوم القيامة أعمى" اختلف أهل التأويل في صفة العمى الذي ذكر الله في هذه الآية، أنه يبعث هو علاء الكفار يوم القيامة به ، فقال بعضهم : ذلك عمى عن الحجة ، لا عمى عن البصر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : ثنا محمد بن عبيد، قال : ثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ، في قوله : "ونحشره يوم القيامة أعمى" قال : ليس له حجة.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قوله : "ونحشره يوم القيامة أعمى" قال : عن الحجة.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله ، وقيل : يحشر أعمى البصر.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قال الله تعالى ذكره ، وهو أنه يحشر أعمى عن الحجة ورؤية الشيء كما أخبر جل ثناؤه، فعم ولم يخصص.
" ومن أعرض عن ذكري " أي ديني، وتلاوة كتابي، والعمل بما فيه. وقيل: عما أنزلت من الدلائل. ويحتمل أن يحمل الذكر على الرسول، لأنه كان منه الذكر. " فإن له معيشة ضنكا " أي عيشاً ضيقاً، يقال: منزل ضنك وعيش ضنك يستوي فيه الواحد والاثنان والمذكر والمؤنث والجمع، قال عنترة:
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل
وقال أيضاً:
إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
وقرىء ضنكى على وزن فعلى: ومعنى ذلك أن الله عز وجل جعل مع الدين التسليم والقناعة والتوكل عليه وعلى قسمته، فصاحبه ينفق مما رزقه الله - عز وجل - بسماح وسهولة ويعيش عيشاً رافغاً، كما قال الله تعالى: " فلنحيينه حياة طيبة " [النمل: 97]. والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا، مسلط عليه الشج، الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشه ضنك، وحاله مظلمة، كما قال بعضهم: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتشوش عليه رزقه، وكان في عيشة ضنك. وقال عكرمة: " ضنكا " كسباً حراماً. الحسن : طعام الضريع والزقوم. وقول رابع وهو الصحيح.
أنه عذاب القبر، قاله أبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود، ورواه أبو هريرة مرفوعاً:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة ، قاله أبو هريرة: يضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهو المعيشة الضنك. " ونحشره يوم القيامة أعمى " قيل: أعمى في حال وبصيراً في حال، وقد تقدم في آخر ((سبحان)). وقيل:أعمى عن الحجة، قاله مجاهد . وقيل: أعمى عن جهات الخير، لا يهتدي لشيء منها. وقيل: عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه، كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه.
يقول تعالى لادم وحواء وإبليس: اهبطوا منها جميعاً, أي من الجنة كلكم, وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة "بعضكم لبعض عدو" قال: آدم وذريته, وإبليس وذريته. وقوله: "فإما يأتينكم مني هدى" قال أبو العالية : الأنبياء والرسل والبيان " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " قال ابن عباس : لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الاخرة "ومن أعرض عن ذكري" أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه "فإن له معيشة ضنكاً" أي ضنكا في الدنيا, فلا طمأنينة له ولا انشرح لصدره, بل صدره ضيق حرج لضلاله, وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء, فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك, فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "فإن له معيشة ضنكا" قال: الشقاء. وقال العوفي عن ابن عباس : "فإن له معيشة ضنكاً" قال: كلما أعطيته عبداً من عبادي قل أو كثر, لا يتقيني فيه, فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة, وقال أيضاً: إن قوماً ضلالاً أعرضوا عن الحق وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين, فكانت معيشتهم ضنكاً, وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفاً لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله والتكذيب, فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به والثقة به, اشتدت عليه معيشته, فذلك الضنك. وقال الضحاك : هو العمل السيء والرزق الخبيث, وكذا قال عكرمة ومالك بن دينار .
وقال سفيان بن عيينة عن أبي حازم عن أبي سلمة عن أبي سعيد في قوله: "معيشة ضنكا" قال: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه, وقال أبو حاتم الرازي : النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان , أنبأنا الوليد , أنبأنا عبد الله بن لهيعة , عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل "فإن له معيشة ضنكا" قال: ضمة القبر له, والموقوف أصح. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا الربيع بن سليمان , حدثنا أسد بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج أبو السمح عن ابن حجيرة واسمه عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن في قبره في روضة خضراء, ويفسح له في قبره سبعون ذراعاً, وينور له قبره كالقمر ليلة البدر, أتدرون فيم أنزلت هذه الاية "فإن له معيشة ضنكا" أتدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره, والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً. أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية, لكل حية سبعة رؤوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون" رفعه منكر جداً.
وقال البزار : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي : حدثنا محمد بن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن ابن حجيرة , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: "فإن له معيشة ضنكا" قال "المعيشة الضنك الذي قال الله إنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة". وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة , حدثنا أبو الوليد , حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "فإن له معيشة ضنكا" قال: "عذاب القبر" إسناد جيد.
وقوله: "ونحشره يوم القيامة أعمى" قال مجاهد وأبو صالح والسدي : لا حجة له, وقال عكرمة : عمي عليه كل شيء إلا جهنم, ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً, كما قال تعالى: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم" الاية, ولهذا يقول: "رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً" أي في الدنيا "قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك, تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها, كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" فإن الجزاء من جنس العمل. فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه, فليس داخلاً في هذاالوعيد الخاص, وإن كان متوعداً عليه من جهة أخرى فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك. قال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد , حدثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم", ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن عبادة بن الصامت , عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء.
124- "ومن أعرض عن ذكري" أي عن ديني، وتلاوة كتابي، والعمل بما فيه، ولم يتبع هداي "فإن له معيشة ضنكا" أي فإن له في هذه الدنيا معيشة ضنكاً: أي عيشاً ضيقاً. يقال: منزل ضنك وعيش ضنك، مصدر يستوي فيه الواحد وما فوقه والمذكر والمؤنث، قال عنترة:
إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
وقرئ ضنكي بضم الضاد على فعلى. ومعنى الآية: أن الله عز وجل جعل لمن اتبع هداه وتمسك بدينه أن يعيش في الدنيا عيشاً هنياً غير مهموم ولا مغموم ولا متعب نفسه كما قال سبحانه: "فلنحيينه حياة طيبة" وجعل لمن لم يتبع هداه وأعرض عن دينه أن يعيش عيشاً ضيقاً وفي تعب ونصب، ومع ما يصيبه في هذه الدنيا من المتاعب، فهو في الأخرى أشد تعباً وأعظم ضيقاً وأكثر نصباً. وذلك معنى "ونحشره يوم القيامة أعمى" أي مسلوب البصر. وقيل المراد بالعمى عن الحجة، وقيل أعمى عن جهات الخير لا يهتدي إلى شيء منها، وقد قيل إن المراد بالعيشة الضنكي عذاب القبر، وسيأتي ما يرجح هذه ويقويه.
124. " ومن أعرض عن ذكري "، يعني: القرآن، فلم يؤمن به ولم يتبعه، " فإن له معيشة ضنكاً "، ضيقاً، ورى عن ابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري أنهم قالوا: هو عذاب القبر. قال أبو سعيد: يضغط حتى تختلف أضلاعه.
وفي بعض المسانيد مرفوعاً. ((يلتئم عليه القبر حتى تختلف أضلاعه فلا يزال يعذب حتى يبعث )).
وقال الحسن : هو الزقوم والضريع والغسلين في النار.
وقال عكرمة : هو الحرام. وقال الضحاك : هو الكسب الخبيث.
وعن ابن عباس قال: الشقاء. وروى عنه أنه قال: كل مال أعطى العبد قل أم كثر فلم يتق فيه فلا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة، وإن أقواماً أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين، فكانت معيشتهم ضنكاً، وذلك أنهم يرون أن الله ليس بمخلف عليهم فاشتدت عليهم معايشهم من سوء ظنهم بالله.
قال سعيد بن جبير : يسلبه القناعة حتى لا يشبع.
" ونحشره يوم القيامة أعمى "، قال ابن عباس: أعمى البصر. وقال مجاهد أعمى عن الحجة.
124ـ " ومن أعرض عن ذكري " عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى عبادتي . " فإن له معيشة ضنكاً " ضيقاً مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وقرئ (( ضنكى )) كسكرى ، وذلك لأن مجامع همته ومطامح نظره تكون إلى أعراض الدنيا متهالكاً على ازديادها خائفاً على انتقاصها ، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال " وضربت عليهم الذلة والمسكنة " "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل " " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا " الآيات ، وقيل هو الضريع والزقوم في النار ، وقيل عذاب القبر " ونحشره " قرئ بسكون الهاء على لفظ الوقف وبالجزم عطفاً على محل " فإن له معيشة ضنكاً " لأنه جواب الشرط . " يوم القيامة أعمى " أعمى البصر أو القلب ويؤيد الأول .
124. But he who turneth away from remembrance of Me, his will be a narrow life, and I shall bring him blind to the assembly on the Day of Resurrection.
124 - But whosoever turns away from My message, verily for him is a life narrowed down, and we shall raise him up blind on the day Of Judgment.