[طه : 111] وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا
111 - (وعنت الوجوه) خضعت (للحي القيوم) أي الله (وقد خاب) خسر (من حمل ظلما) أي شركا
يقول تعالى ذكره : استسرت وجوه الخلق ، واستسلمت للحي الذي لا يموت ، القيوم على خلقه بتدبيره إياهم ، وتصريفهم لما شاءوا. وأصل العنو الذل يقال منه : عنا وجهه لربه يعنو عنواً، يعني خضع له وذل ، وكذلك قيل للأسير: عان لذلة الأسر. فأما قولهم : أخذت الشيء عنوة، فإنه يكون وإن كان معناه يئول إلى هذا أن يكون أخذه غلبة، ويكون أخذه عن تسليم وطاعة ، كما قال الشاعر:
هل أنت مطيعي أيها القلب عنوة ولم تلح نفس لم تلم في اختيالها
وقال آخر:
فما أخذوها عنوة عن مودة ولكن بحد المشرفي استقالها
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" يقول : ذلت.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" يعني بعنت : استسلموا لي.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "وعنت الوجوه" قال : خشعت.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" أي ذلت الوجوه للحي القيوم.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" قال : ذلت الوجوه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قال طلق : إذا سجد الرجل فقد عنا وجهه ، أو قال : عنا.
حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد، قال ؟ ثنا عبثر، قال : ثنا حصين ، عن عمرو بن مرة، عن طلق بن حبيب ، في هذه الآية "وعنت الوجوه للحي القيوم" قال : هو وضع الرجل رأسه ويديه وأطراف قدميه.
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن عمرو بن مرة، عن طلق بن حبيب في قوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" قال : هو وضعك جبهتك وكفيك وركبتيك وأطراف قدميك في السجود.
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : ثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن عمرو بن مرة، عن طلق بن حبيب في قوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" قال : وضع الجبهة والأنف على الأرض.
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمرو بن مرة، عن طلق بن حبيب. في قوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" قال : هو السجود على الجبهة والراحة والركبتين والقدمين.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" قال : استأسرت الوجوه للحي القيوم. صاروا أسارى كلهم له. قال : والعاني : الأسير. وقد بينا معنى الحي القيوم فيما مضى، بما أغنى عن إعادته ها هنا.
وقوله "وقد خاب من حمل ظلما" يقول تعالى ذكره : ولم يظفر بحاجته وطلبته من حمل إلى موقف القيامة شركاً بالله ، وكفراً به ، وعملاً بمعصيته.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "وقد خاب من حمل ظلما" قال : من حمل شركاً.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "وقد خاب من حمل ظلما" قال : من حمل شركاً، الظلم هاهنا: الشرك.
قوله تعالى: " وعنت الوجوه " أي ذلت وخضعت، قاله ابن الأعرابي وغيره. ومنه قيل للأسير عان. قال أمية بن أبي الصلت:
مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وقال أيضاً:
وعنا له وجهي وخلقي كله في الساجدين لوجهه مشكورا
قال الجوهري : عنا يعنو خضع وذل وأعناه غيره، ومنه قوله تعالى: " وعنت الوجوه للحي القيوم ". ويقال أيضاً: عنا فيهم فلان أسيراً، أي أقام فيهم على إساره واحتبس. وعناه غيره تعنيةً حبسه. والعاني الأسير. وقوم عناة ونسوة عوان. وعنت به أمور نزلت. وقال ابن عباس: " عنت " ذلت. وقال مجاهد : خشعت. الماوردي : والفرق بين الذل والخشوع - وإن تقارب معناهما - أن الذل أن يكون ذليل النفس، والخشوع أن يتذلل لذي طاعة. وقال الكلبي : " عنت " أي علمت. عطية العوفي: استسلمت. وقال طلق بن حبيب: إنه وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود. النحاس : " وعنت الوجوه " في معناه قولان: أحدهما: أن هذا في الآخرة. وروى عكرمة عن ابن عباس " وعنت الوجوه للحي القيوم " قال: الركوع والسجود، ومعنى " عنت " في اللغة القهر والغلبة، ومنه فتحت البلاد عنوة أي غلبة، قال الشاعر:
فما أخذوها عنوةً عن مودة ولكن ضرب المشرفي استقالها
وقيل: هو من العناء بمعنى التعب، وكنى عن الناس بالوجوه، لأن آثار الذل إنما تتبين في الوجه. " للحي القيوم " وفي القيوم ثلاثة تأويلات، أحدها: أنه القائم بتدبير الخلق. الثاني: أنه القائم على كل نفس بما كسبت. الثالث: أنه الدائم الذي لا يزول ولا يبيد. وقد مضى في ((البقرة)) هذا. " وقد خاب من حمل ظلما " أي خسر من حمل شركاً.
يقول تعالى: "يومئذ" أي يوم القيامة "لا تنفع الشفاعة" أي عنده "إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا" كقوله: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه", وقوله: "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى", وقال: "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون". وقال: "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له", وقال: "يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً". وفي الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم, وأكرم الخلائق على الله عز وجل أنه قال "آتي تحت العرش, وأخر لله ساجداً, ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الان, فيدعني ما شاء أن يدعني, ثم يقول: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع, واشفع تشفع ـ فيحد لي حداً, فأدخلهم الجنة ثم أعود" فذكر أربع مرات, صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء. وفي الحديث أيضاً "يقول تعالى أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان, فيخرجون خلقاً كثيراً, ثم يقول أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان, أخرجوا من النار من كان في قلبه ما يزن ذرة, من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان" الحديث.
وقوله: "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم" أي يحيط علماً بالخلائق كلهم "ولا يحيطون به علماً" كقوله: "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء". وقوله: "وعنت الوجوه للحي القيوم" قال ابن عباس وغير واحد: خضعت وذلت واستسلمت الخلائق لجبارها الحي الذي لا يموت, القيوم الذي لا ينام, وهوقيم على كل شيء يدبره ويحفظه, فهو الكامل في نفسه, الذي كل شيء فقير إليه لا قوام له إلا به. وقوله: "وقد خاب من حمل ظلماً" أي يوم القيامة, فإن الله سيؤدي كل حق إلى صاحبه حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء, وفي الحديث "يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم" وفي الصحيح "إياكم والظلم, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك, فإن الله تعالى يقول: إن الشرك لظلم عظيم". وقوله: "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً" لما ذكر الظالمين ووعيدهم, ثنى بالمتقين وحكمهم, وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون, أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم, قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة وغير واحد, فالظلم الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره, والهضم النقص.
111- "وعنت الوجوه للحي القيوم" أي ذلت وخضعت، قاله ابن الأعرابي. قال الزجاج: معنى عنت في اللغة خضعت، يقال عنى يعنو عنواً إذا خضع ومنه قيل للأسير: عان، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وقيل هو من العناء، بمعنى التعب "وقد خاب من حمل ظلماً" أي خسر من حمل شيئاً من الظلم، وقيل هو الشرك.
111. " وعنت الوجوه للحي القيوم "، ذلت وخضعت، ومنه قيل للأسير: عان. وقال طلق بن حبيب: هو السجود على الجبهة للحي القيوم، " وقد خاب من حمل ظلماً "، قال ابن عباس: خسر من أشرك بالله، والظلم هو الشرك.
111ـ " وعنت الوجوه للحي القيوم " ذلت وخضعت له خضوع العناة وهم الأسارى في يد الملك القهار ، وظاهرها يقتضي العموم ويجوز أن يراد بها وجوه المجرمين فتكون اللام بدل الإضافة ويؤيده . " وقد خاب من حمل ظلماً " وهو يحتمل الحال والاستئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم .
111. And faces humble themselves before the Living, the Eternal. And he who beareth (a burden of) wrongdoing is indeed a failure (on that Day).
111 - (All) faces shall be humbled before (Him) the living, the Self Subsisting, Eternal: Hopeless indeed will be the man that carries iniquity (on his back).