[طه : 11] فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى
11 - (فلما أتاها) وهي شجرة عوسج (نودي يا موسى)
يقول تعالى ذكره : فلما أتى النار موسى،
قوله تعالى: " فلما أتاها " يعني النار " نودي " أي من الشجرة. كما في سورة ((القصص)) أي من جهتها وناحيتها على ما يأتي " يا موسى * إني أنا ربك ".
يقول تعالى: "فلما أتاها" أي النار, واقترب منها "نودي يا موسى" وفي الاية الأخرى " نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله " وقال ههنا "إني أنا ربك" أي الذي يكلمك ويخاطبك "فاخلع نعليك" قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف: كانتا من جلد حمار غير ذكي, وقيل: إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبقعة. وقال سعيد بن جبير : كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة, وقيل: ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "طوى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو اسم للوادي, وكذا قال غير واحد, فعلى هذا يكون عطف بيان, وقيل عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه, وقيل: لأنه قدس مرتين, وطوى له البركة وكررت, والأول أصح كقوله: "إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى". وقوله: "وأنا اخترتك" كقوله: "إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه, وقد قيل: إن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتلكيم من بين الناس ؟ قال: لا, قال: لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك. وقوله: "فاستمع لما يوحى" أي استمع الان ما أقول لك وأوحيه إليك "إنني أنا الله لا إله إلا أنا" هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وقوله: "فاعبدني" أي وحدني, وقم بعبادتي من غير شريك "وأقم الصلاة لذكري" قيل: معناه صل لتذكرني, وقيل: معناه وأقم الصلاة عند ذكرك لي, ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة , عن أنس , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها, فليصلها إذا ذكرها, فإن الله تعالى قال: وأقم الصلاة لذكري", وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك". وقوله: "إن الساعة آتية" أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها.
وقوله: "أكاد أخفيها" قال الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: أكاد أخفيها من نفسي, يقول: لأنها لا تخفى من نفس الله أبداً. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : من نفسه: وكذا قال مجاهد وأبو صالح ويحيى بن رافع . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "أكاد أخفيها" يقول: لا أطلع عليها أحداً غيري. وقال السدي : ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة وهي في قراءة ابن مسعود إني أكاد أخفيها من نفسي, يقول: كتمتها عن الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت. وقال قتادة : أكاد أخفيها, وهي في بعض القراءات: أخفيها من نفسي, ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين. قلت وهذا كقوله تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" وقال: "ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة" أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا منجاب , حدثنا أبو نميلة , حدثني محمد بن سهل الأسدي عن وقاء قال: أقرأنيها سعيد بن جبير : أكاد أخفيها, يعني بنصب الألف وخفض الفاء, يقول أظهرها, ثم قال أما سمعت قول الشاعر:
دأب شهرين ثم شهراً دميكاً بأريكين يخفيان غميراً
قال السدي : الغمير نبت رطب ينبت في خلال يبس, والأريكين موضع, والدميك الشهر التام, وهذا الشعر لكعب بن زهير . وقوله سبحانه وتعالى: "لتجزى كل نفس بما تسعى" أي أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " " إنما تجزون ما كنتم تعملون " وقوله: "فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها" الاية, المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين. أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة, وأقبل على ملاذه في دنياه, وعصى مولاه واتبع هواه, فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر "فتردى" أي تهلك وتعطب, قال الله تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى".
11- "فلما أتاها نودي" أي فلما أتى النار التي آنسها "نودي" من الشجرة، كما هو مصرح بذلك في سورة القصص: أي من جهتها.
11 - " فلما أتاها" ،رأى شجرة خضراء من أسفلها [ إلى أعلاها ، أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضوأ ما يكون ، فلا ضوء النار يغير ] خضرة الشجرة ، ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار .
وقال ابن مسعود : كانت شجرة سمرة خضراء .
وقال قتادة ، و مقاتل ، و الكلبي : كانت من العوسج .
وقال وهب : كانت من العليق .
وقيل : كانت شجرة العناب ، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما .
قال أهل التفسير : لم يكن الذي رآه موسى ناراً بل كان نوراً ، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً .
وقال أكثر المفسرين : إنه نور الرب عز وجل ، وهو قول ابن عباس ، و عكرمة ، وغيرهما .
وقال سعيد بن جبير : هي النار بعينها ، وهي إحدى حجب الله تعالى ، يدل عليه : ما روينا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حجابة النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " .
وفي القصة أن موسى أخذ شيئاً من الحشيش اليابس وقصد الشجرة وكان كلما دنا نأت منه النار ، وإذا نأى دنت ، فوقف متحيراً ، وسمع تسبيح الملائكة ، وألقيت عليه السكينة .
" نودي يا موسى" ، قال وهب نودي من الشجرة ، فقيل : يا موسى ، فأجاب سريعاً ما يدري من دعاه ، فقال : إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت ؟ قال : أنا فوقك ومعك ، وأمامك وخلفك ، وأقرب إليك من نفسك ، فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله ، فأيقن به .
11ـ " فلما أتاها " أي النار وجد ناراً بيضاء تتقد في شجرة خضراء . " نودي يا موسى " .
11. And when he reached it, he was called by name: O Moses!
11 - But when he came to the fire, a voice was heard: O Moses!