[طه : 107] لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا
107 - (لا ترى فيها عوجا) انخفاضا (ولا أمتا) أرتفاعا
وقوله "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا" يقول : لا ترى في الأرض عوجاً ولا أمتاً.
واختلف أهل التأويل في معنى العوج والأمت ، فقال بعضهم : عني بالعوج في هذا الموضع : الأودية ، وبالأمت : ا لروابي والنشوز.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا" يقول : وادياً ، ولا أمتاً : يقول : رابية.
حدثني محمد بن عبد الله المخرمي ، قال : ثنا أبو عامر العقدي ، عن عبد الواحد بن صفوان مولى عثمان ، قال : سمعت عكرمة، قال : سئل ابن عباس ، عن قوله "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا" قال : هي الأرض البيضاء، أو قال : الملساء التي ليس فيها لبنة مرتفعة.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا" قال : ارتفاعاً ، ولا انخفاضاً.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا" قال : لا تعادى ، الأمت : ا لتعادي.
وقال آخرون : بل عنى بالعوج في هذا الموضع : الصدوع ، والأمت : الارتفاع من الآكام وأشباهها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله : "لا ترى فيها عوجا" قال : صدعاً "ولا أمتا" يقول : ولا أكمة.
وقال آخرون : عنى بالعوج : الميل ، وبالأمت : الأثر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا" يقول : لا ترى فيها ميلاً، والأمت : الأثر مثل الشراك.
وقال آخرون : الأمت : المحاني والأحداب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة قال : الأمت : الحدب.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عني بالعوج : الميل ، وذلك أن ذلك هو المعروف في كلام العرب.
فإن قال قائل : وهل في الأرض من عوج ، فيقال : لا ترى فيها يومئذ عوجا؟ قيل : إن معنى ذلك : ليس فيها أودية وموانع تمنع الناظر أو السائر فيها عن الأخذ على الاستقامة، كما يحتاج اليوم من أخذ في بعض سبلها إلى الأخذ أحياناً يميناً، وأحياناً شمالاً، لما فيها من الجبال والأودية والبحار. وأما الأمت فإنه عند العرب : الانثناء والضعف . مسموع منهم : مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا: أي انثناء، وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا؟ ومنه قول الراجز:
ما في انجذاب سيره من أمت
يعني : من وهن وضعف ، فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال في تأويله ولا ارتفاع ولا انخفاض ، لأن الانخفاض لم يكن إلا عن ارتفاع . فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : لا ترى فيها ميلا عن الاستواء، ولا ارتفاعا، ولا انخفاضا، ولكنها مستوية ملساء، كما قال جل ثناؤه "قاعا صفصفا".
و " لا ترى " في موضع الصفة. " فيها عوجا " قال ابن الأعرابي: العوج التعوج في الفجاج. والأمت النبك. وقال أبو عمرو: الأمت النباك وهي التلال الصغار واحدها نبك، أي هي أرض مستوية لا انخفاض فيها ولا ارتفاع. تقول، امتلأ فما به أمت، وملأت القربة ملأً لا أمت فيه، أي لا استرخاء فيه. والأمت في اللغة المكان المرتفع. وقال ابن عباس: " عوجا " ميلاً. قال: والأمت الأثر مثل الشراك. وعنه أيضاً " عوجا "، وادياً " ولا أمتا " رابية. وعنه أيضاً: العوج الانخفاض والأمت الارتفاع. وقال قتادة : " عوجا " صدعاً " ولا أمتا " أي أكمة. وقال يمان: الأمت الشقوق في الأرض. وقيل: الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل ويدق في مكان، حكاه الصولي.
قلت: وهذه الآية تدخل في باب الرقي، ترقى بها الثآليل وهي التي تسمى عندنا (بالبراريق) واحدها (بروقة)، تطلع في الجسد وخاصة في اليد: تأخذ ثلاثة أعواد من تبن الشعير، يكون في طرف كل عود عقدة، تمر كل عقدة على الثآليل وتقرأ الآية مرة، ثم تدفن الأعواد في مكان ندي، تعفن وتعفن الثآليل، فلا يبقى لها أثر، جربت ذلك في نفسي وفي غيري فوجدته نافعاً إن شاء الله تعالى.
يقول تعالى: "ويسألونك عن الجبال" أي هل تبقى يوم القيامة أو تزول ؟ "فقل ينسفها ربي نسفاً" أي يذهبها عن أماكنها ويمحقها ويسيرها تسييراً "فيذرها" أي الأرض "قاعاً صفصفاً" أي بساطاً واحداً, والقاع هو المستوي من الأرض, والصفصف تأكيد لمعنى ذلك, وقيل الذي لا نبات فيه, والأول أولى وإن كان الاخر مراداً أيضاً باللازم, ولهذا قال: "لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً" أي لا ترى في الأرض يومئذ وادياً ولا رابية ولا مكاناً منخفضاً ولا مرتفعاً, كذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن البصري والضحاك وقتادة وغير واحد من السلف "يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له" أي يوم يرون هذه الأحوال والأهوال يستجيبون مسارعين إلى الداعي حيثما أمروا بادروا إليه, ولو كان هذا في الدنيا لكان أنفع لهم ولكن حيث لا ينفعهم, كما قال تعالى: "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا" وقال: "مهطعين إلى الداع" وقال محمد بن كعب القرظي : يحشر الله الناس يوم القيامة في ظلمة, ويطوي السماء, وتتناثر النجوم, وتذهب الشمس والقمر, وينادي مناد, فيتبع الناس الصوت يؤمونه, فذلك قوله: "يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له" وقال قتادة : لا عوج له, لا يميلون عنه. وقال أبو صالح : لا عوج له أي لا عوج عنه.
وقوله: "وخشعت الأصوات للرحمن" قال ابن عباس : سكنت, وكذا قال السدي "فلا تسمع إلا همساً" قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : يعني وطء الأقدام, وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وقتادة وابن زيد وغيرهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "فلا تسمع إلا همساً" الصوت الخفي, وهو رواية عن عكرمة والضحاك . وقال سعيد بن جبير "فلا تسمع إلا همساً" الحديث وسره ووطء الأقدام, فقد جمع سعيد كلا القولين, وهو محتمل, أما وطء الأقدام فالمراد سعي الناس إلى المحشر, وهو مشيهم في سكون وخضوع, وأما الكلام الخفي فقد يكون في حال دون حال, فقد قال تعالى: "يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد".
ومحل 107- "لا ترى فيها عوجاً" النصب على أنه صفة ثانية لقاعاً، والضمير راجع إلى الجبال بذلك الاعتبار، والعوج بكسر العين التعوج، قاله ابن الأعرابي. والأمت التلال الصغار، والأمت في اللغة المكان المرتفع، وقيل العوج الميل والأمت الأثر مثل الشراك، وقل العوج الوادي، والأمت الرابية، وقيل هما الارتفاع، وقيل العوج للصدوع، والأمت الأكمة، وقل الأمت الشقوق في الأرض، وقل الأمت أن يغلظ في مكان ويدق في مكان، ووصف مواضع الجبال بالعوج بكسر العين ها هنا يدفع ما يقال: إن العوج بكسر العين في المعاني وبفتحها في الأعيان، وقد تكلف لذلك صاحب الكشاف في هذا الموضع بما عنه غنى، وفي غيره سعة.
107." لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً "، قال مجاهد : انخفاضاً وارتفاعاً.
وقال الحسن : ((العوج)): ما انخفض من الأرض ، و(( الأمت)): ما نشز من الروابي، أي: لا ترى وادياً ولا رابية.
قال قتادة: لا ترى فيها صدعاً ولا أكمة.
107ـ " لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً " اعوجاجاً ولا نتواً إن تأملت فيها بالقياس الهندسي ، وثلاثتها أحوال مترتبة فالأولان باعتبار الإحساس والثالث باعتبار المقياس ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخص بالمعاني ، والأمت وهو النتوء اليسير وقيل لا ترى استئناف مبين للحالين .
107. Wherein thou seest neither curve nor ruggedness.
107 - Nothing crooked or curved wilt thou see in their place.