[طه : 104] نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا
104 - (نحن أعلم بما يقولون) في ذلك أي ليس كما قالوا (إذ يقول أمثلهم) أعدلهم (طريقة) فيه إن (إن لبثتم إلا يوما) يستقلون لبثهم في الدنيا جدا لما يعاينونه في الآخرة من أهوالها
يقول تعالى ذكره : نحن أعلم منهم عند إسرارهم وتخافتهم بينهم بقيلهم "إن لبثتم إلا عشرا" بما يقولون لا يخفى علينا مما يتساررونه بينهم شيء "إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما" يقول تعالى ذكره حين يقول أوفاهم عقلاً، وأعلمهم فيهم : إن لبثتم في الدنيا إلا يوماً.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر، عن شعبة، في قوله "إذ يقول أمثلهم طريقة" أوفاهم عقلاً.وإنما عنى جل ثناؤه بالخبر عن قيلهم هذا القول يومئذ، إعلام عباده أن أهل الكفر به ينسون من عظيم ما يعاينون من هول يوم القيامة، وشدة جزعهم من عظيم ما يردون عليه ما كانوا فيه في الدنيا من النعيم واللذات ، ومبلغ ما عاشوا فيها من الأزمان ، حتى يخيل إلى أعقلهم فيهم ، وأذكرهم وأفهمهم أنهم لم يعيشوا فيها إلا يوماً.
ويخيل إلى أمثلهم أي أعدلهم قولاً وأعقلهم وأعلمهم عند نفسه أنهم ما لبثوا إلا يوماً واحداً يعني لبثهم في الدنيا، عن قتادة ، فالتقدير: إلا مثل يوم. وقيل: إنهم من شدة هول المطلع نسوا ما كانوا فيه من نعيم الدنيا حتى رأوه كيوم. وقيل: أراد بيوم لبثهم ما بين النفختين، أو لبثهم في القبور على ما تقدم. " وعشرا " و " يوما " منصوبان بـ"لبثتم ".
ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصور, فقال: "قرن ينفخ فيه". وقد جاء في حديث الصور من رواية أبي هريرة أنه قرن عظيم, الدائرة منه بقدر السموات والأرض, ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام وجاء في الحديث "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته, وانتظر أن يؤذن له فقالوا: يا رسول الله كيف نقول ؟ قال قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". وقوله: "ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً" قيل: معناه زرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال "يتخافتون بينهم" قال ابن عباس : يتسارون بينهم, أي يقول بعضهم لبعض: إن لبثتم إلا عشراً أي في الدار الدنيا, لقد كان لبثكم فيها قليلاً عشرة أيام أو نحوها, قال الله تعالى: "نحن أعلم بما يقولون" أي في حال تناجيهم بينهم "إذ يقول أمثلهم طريقة" أي العاقل الكامل فيهم "إن لبثتم إلا يوماً" أي لقصر مدة الدنيا في أنفسهم يوم المعاد, لأن الدنيا كلها وإن تكررت أوقاتها وتعاقبت لياليها وأيامها وساعاتها, كأنها يوم واحد, ولهذا يستقصر الكافرون مدة الحياة الدنيا يوم القيامة, وكان غرضهم في ذلك درء قيام الحجة عليهم لقصر المدة, ولهذا قال تعالى: " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون " وقال تعالى: " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير " الاية, وقال تعالى: "كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون" أي إنما كان لبثكم فيها قليلاً, لو كنتم تعلمون لاثرتم الباقي على الفاني, ولكن تصرفتم فاسأتم التصرف, قدمتم الحاضر الفاني على الدائم الباقي.
ثم لما قالوا هذا القول قال الله سبحانه 104- "نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة" أي أعدلهم قولاً وأكلمهم رأياً وأعلمهم عند نفسه "إن لبثتم إلا يوماً" أي ما لبثتم إلا يوماً واحداً، ونسبة هذا القول إلى أمثلهم، لكونه أدل على شدة الهول، لا لكونه أقرب إلى الصدق.
104. قال الله تعالى: " نحن أعلم بما يقولون"، أي يتساورون بينهم، " إذ يقول أمثلهم طريقة"، أوفاهم عقلاً وأعدلهم قولاً، " إن لبثتم إلا يوماً "، قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من أهوال يوم القيامة. وقيل: نسوا مقدار لبثهم لشدة ما دهمهم.
104ـ " نحن أعلم بما يقولون " وهو مدة لبثهم . " إذ يقول أمثلهم طريقةً " أعدلهم رأياً أو عملاً . " إن لبثتم إلا يوماً " استرجاح لقول من يكون أشد تقالاً منهم .
104. We are best aware of what they utter when their best in conduct say: Ye have tarried but a day.
104 - We know best what they will say, when their leader most eminent in conduct will say: Ye tarried not longer than a day!