[البقرة : 78] وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ
(ومنهم) أي اليهود (أميون) عوام (لا يعلمون الكتاب) التوراة (إلا) لكن (أمانيَّ) أكاذيبَ تَلَقَّوها من رؤسائهم فاعتمدوها (وإن) ما (هم) في جحد نبوة النبي وغيره مما يختلقونه (إلا يظنون) ظنا ولا علم لهم
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "ومنهم أميون "، ومن هؤلاء اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات، وأيأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم فقال لهم: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه، وهم إذا لقوكم قا لوا: آمنا ، كما:
حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "ومنهم أميون "، يعني: من اليهود.
وحدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "ومنهم أميون "، قال: أناس من يهود.
قال أبو جعفر: يعني بـ الأميين ، الذين لا يكتبون ولا يقرأون.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب و لا نحسب ".
يقال منه: رجل أمي بين الأمية، كما:حدثني المثنى قال، حدثني سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان ، عن منصور، عن إبراهيم: "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب "، قال: منهم من لا يحسن أن يكتب.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ومنهم أميون "، قال: أميون لا يقرأون الكتاب من اليهود.
وروي عن ابن عباس قول خلاف هذا القول، وهو ما:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق،عن الضحاك، عن ابن عباس: "ومنهم أميون "، قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، فكتبوا كتاباً بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند الله. وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين، لجحودهم كتب الله ورسله.
وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم. وذلك أن الأمي عند العرب: هو الذي لا يكتب.
قال أبو جعفر: وأرى أنه قيل للأمي أمي ؟ نسبة له بأنه لا يكتب إلى أمه ، لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتابة، دون أبيه، كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب "، وكما قال: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" ( الجمعة: 2). فإذا كان معنى الأمي في كلام العرب ما وصفنا، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي، من أن معنى قوله: "ومنهم أميون ": ومنهم من لا يحسن أن يكتب.
القول في تأويل قوله تعالى: "لا يعلمون الكتاب إلا أماني".
قال أبو جعفر: يعني بقوله: "لا يعلمون الكتاب "، لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله، ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه، كهيئة البهائم، كالذي: حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ": إنما هم أمثال البهائم، لا يعلمون شيئًا.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "لا يعلمون الكتاب "، يقول: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "لا يعلمون الكتاب "، لا يدرون ما فيه.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "لا يعلمون الكتاب "، قال: لا يدرون بما فيه. حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "لا يعلمون الكتاب "، لا يعلمون شيئًا، لا يقرأون التوراة. ليست تستظهر، انما تقرأ هكذا. فإذا لم يكتب أحدهم، لم يستطع أن يقرأ.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: "لا يعلمون الكتاب "، قال: لا يعرفون الكتاب الذي أنزله الله.
قال أبو جعفر: وإنما عنى بـ "الكتاب " التوراة، ولذلك أدخلت فيه الألف واللام، لأنه قصد به كتاب معروف بعينه.
ومعناه: ومنهم فريق لا يكتبون، ولا يدرون ما في الكتاب الذي عرفتموه الذي هو عندهم وهم ينتحلونه ويدعون الإقرار به من أحكام الله وفرائضه، وما فيه من حدوده التي بينها فيه. أواختلف أهل التأويل في تأويل قوله،: "إلا أماني" فقال بعضهم بما:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق،عن الضحاك، عن ابن عباس: " إلا أماني"، يقول: إلا قولاً يقولونه بأفواههم كذباً.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " لا يعلمون الكتاب إلا أماني ": إلا كذبًا.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بمثله.
وقال آخرون بما:حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "إلا أماني"، يقول: يتمنون على الله ما ليس لهم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "إلا أماني "، يقول: يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "لا يعلمون الكتاب إلا أماني "، يقول: إلا أحاديث .
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني "، قال: أناس من يهود، لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، يقولون: هو من الكتاب. أماني يتمنونها.
حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:"إلا أماني "، يتمنون على الله ما ليس لهم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "إلا أماني "، قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم.
قال أبو جعفر: وأولى ما روينا في تأويل قوله "إلا أماني "، بالحق، وأشبهه بالصواب، الذي قاله ابن عباس الذي رواه عنه الضحاك وقول مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية، أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله على موسى شيئًا، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتقولون الأباطيل كذبًا وزورًا.
والتمني في هذا الموضع، هو تخلق الكذب وتخرصه وافتعاله. يقال منه: تمنيت كذا، إذا افتعلته وتخرصته. ومنه الخبر الذي روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما تغنيت ولا تمنيت ، يعني بقوله: ما تمنيت ، ما تخرصت الباطل، ولا اختلقت الكذب والإفك.
والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك وأنه أولى بتأويل قوله: " إلا أماني " من غيره من الأقوال قول الله جل ثناؤه: "وإن هم إلا يظنون ". فأخبر عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب، ظناً منهم لا يقيناً. ولو كان معنى ذلك أنهم يتلونه ، لم يكونوا ظانين، وكذلك لو كان معناه يشتهونه . لأن الذي يتلو، إذا تدبره علمه. ولا يستحق الذي يتلو كتابًا قرأه، وإن لم يتدبره بتركه التدبر أن يقال: هو ظان لما يتلو، إلا أن يكون شاكاً في نفس ما يتلوه، لا يدري أحق هو أم باطل. ولم يكن القوم الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود فيما بلغنا شاكين في التوراة أنها من عند الله. وكذلك المتمني الذي هو في معنى المتشهي غير جائز أن يقال: هو ظان في تمنيه. لأن التمني من المتمني، إذا تمنى ما قد وجد عينه، فغير جائز أن يقال: هو شاك، فيما هو به عالم. لأن العلم والشك معنيان ينفي كل واحد منهما صاحبه، لا يجوز اجتماعهما في حيز واحد، والمتمني في حال تمنيه، موجود تمنيه، فغير جائز أن يقال: هو يظن تمنيه.
وإنما قيل: "لا يعلمون الكتاب إلا أماني "، و الأماني من غير نوع الكتاب ، كما قال ربنا جل ثناؤه: "ما لهم به من علم إلا اتباع الظن" (النساء: 157) و الظن من العلم بمعزل. وكما قال: "وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى" (الليل: 19- 20)، وكما قال الشاعر:
ليس بيني وبين قيس عتاب غير طعن الكلى وضرب الرقاب
وكما قال نابغة بني ذبيان:
حلفت يميناً غير ذي مثنوية، ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
في نظائر لما ذكرنا يطول بإحصائها الكتاب.
ويخرج ب إلا ما بعدها من معنى ما قبلها ومن صفته، وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه. ويسمي ذلك بعض أهل العربية استثناء منقطعاً، لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد إلا عن معنى ما قبلها. وإنما يكون ذلك كذلك، في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان إلا لكن ، فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول. ألا ترى أنك إذا قلت: "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني "، ثم أردت وضع لكن مكان إلا وحذف إلا، وجدت الكلام صحيحًا معناه، صحته وفيه إلا؟ وذلك إذا قلت: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن أماني. يعني: لكنهم يتمنون. وكذلك قوله: "ما لهم به من علم إلا اتباع الظن" ( النساء: 157)، لكن اتباع الظن، بمعنى: لكنهم يتبعون الظن. وكذلك جميع هذا النوع من الكلام على ما وصفنا.
وقد ذكر عن بعض القرأة أنه قرأ: "إلا أماني " مخففة، ومن خفف ذلك وجهه إلى نحو جمعهم المفتاح مفاتح والقرقور قراقر، وأن ياء الجمع لما حذفت خففت الياء الأصلية أعني من الأماني كما جمعوا الأثفية أثافي مخففة، كما قال زهير بن أبي سلمى:
أثافي سفعًا في معرس مرجل ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
وأما من ثقل "أماني " فشدد ياءها، فإنه وجه ذلك إلى نحو جمعهم المفتاح مفاتيح، والقرقور قراقير، والزنبور زنابير، فاجتمعت ياء فعاليل ولامها، وهما جميعًا يا آن، فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا ياء واحدة مشددة.
فأما القراءة التي لا يجوز غيرها عندي لقارىء في ذلك، فتشديد ياء الأماني ، لإجماع القرأة على أنها القراءة التي مضى على القراءة بها السلف مستفيض ذلك بينهم، غير مدفوعة صحته وشذوذ القارىء بتخفيفها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك. وكفى دليلاً على خطأ قارىء ذلك بتخفيفها، إجماعها على تخطئته.
القول في تأويل قوله تعالى: " وإن هم إلا يظنون ".
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "وإن هم إلا يظنون "، وما هم، كما قال جل ثناؤه: "قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم " (إبراهيم: 11)، يعني بذلك: ما نحن إلا بشر مثلكم.
ومعنى قوله: "إلا يظنون"، إلا يشكون، ولا يعلمون حقيقته وصحته.
والظن في هذا الموضع الشك.
فمعنى الآية: ومنهم من لا يكتب ولا يخط ولا يعلم كتاب الله ولا يدري ما فيه، إلا تخرصًا وتقولاً على الله الباطل، ظناً منه أنه محق في تخرصه وتقوله الباطل.
وإنما وصفهم الله تعالى ذكره بأنهم في تخرصهم على ظن أنهم محقون وهم مبطلون، لأنهم كانوا قد سمعوا من رؤسائهم وأحبارهم أمورًا حسبوها من كتاب الله، ولم تكن من كتاب الله، فوصفهم جل ثناؤه بأنهم يتركون التصديق بالذي يوقنون به أنه من عند الله مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ويتبعون ما هم فيه شاكون، وفي حقيقته مرتابون، مما أخبرهم به كبراؤهم ورؤساؤفم وأحبارهم، عنادًا منهم لله ولرسوله، ومخالفة منهم لأمر الله، واغترارًا منهم بإمهال الله إياهم. وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: "وإن هم إلا يظنون "، قال فيه المتأولون من السلف:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وإن هم إلا يظنون "، إلا يكذبون.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال، حدثني محمدبن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون "، أي لا يعلمون ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوتك بالظن.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وإن هم إلا يظنون "، قال: يظنون الظنون بغير الحق.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: يظنون الظنون بغير الحق.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
قوله تعالى : "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون" .
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "ومنهم أميون" أي من اليهود . وقيل : من اليهود والمنافقين أميون ، أي من لا يكتب ولايقرأ ، واحدهم أمي ، منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادة أمهاتهم لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها ، ومنه قوله عليه السلام :
"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" الحديث . وقد قيل لهم إنهم أميون لأنهم لم يصدقوا بأم الكتاب ، عن ابن عباس . وقال أبو عبيدة : إنما قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم ، كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب ، فكأنه قال : ومنهم أهل الكتاب لا يعلمون الكتاب . عكرمة و الضحاك : هم نصارى العرب . وقيل : هم قوم من أهل الكتاب ،رفع كتابهم لذنوب ارتكبوها فصاروا أميين . علي رضي الله عنه : هم المجوس .
قلت :والقول الأول أظهر ، والله أعلم .
الثانية : قوله تعالى : "لا يعلمون الكتاب إلا أماني" إلا ها هنا بمعنى لكن ، فهو استثناء منقطع ، كقوله تعالى : "ما لهم به من علم إلا اتباع الظن" وقال النابغة :
حلفت يمينا غير ذي مثنوية ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج إلا أماني خفيفة الياء ، حذفوا إحدى الياءين استخفافاً . قال أبو حاتم : كل ما جاء من هذا النحو واحده مشدد ، فلك فيه التشديد والتخفيف ، مثل أثافي وأغاني وأماني ، ونحوه . وقال الأخفش : هذا كما يقال في جمع مفتاح : مفاتيح ومفاتح ، وهي ياء الجمع . قال النحاس : الحذف في المعتل أكثر ، كما قال الشاعر :
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع
والأماني جمع أمنية وهي التلاوة ، وأصلها أمنوية على وزن أفعولة ، فأدغمت الواو في الياء فانكسرت النون من أجل الياء فصارت أمنية ، ومنه قوله تعالى : "إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته . وقال كعب بن مالك :
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر :
تمنى كتاب الله آخر ليلة تمني داود الزبور على رسل
والأماني أيضاً الأكاذيب ، ومنه قول عثمان رضي الله عنه : ما تمنيت منذ أسلمت ، أي ما كذبت . وقول بعض العرب لابن دأب وهو يحدث : أهذا شيء رويته أم شيء تمنيته ؟ أي أفتعلته . وبهذا المعنى فسر ابن عباس و مجاهد ( أماني ) في الآية . والأماني أيضاً ما يتمناه الإنسان ويشتهيه . قال قتادة : إلا أماني يعني أنهم يتمنون على الله ما ليس لهم . وقيل : الأماني التقدير ، يقال : منى له أي قدر ، قاله الجوهري ، وحكاه ابن بحر ، وأنشد قول الشاعر :
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم حتى تلاقي ما يمني لك الماني
أي يقدر لك المقدر .
الثالثة : قوله تعالى : "وإن هم إلا يظنون" إن بمعنى ما النافية ، كما قال تعالى : "إن الكافرون إلا في غرور" . ( ويظنون ) يكذبون ويحدثون ، لأنهم لا علم لهم بصحة ما يتلون ، وإنما هم مقلدون لأحبارهم فيما يقرأون به .
قال أبو بكر الأنباري : وقد حدثنا أحمد بن يحيى النحوي أن العرب تجعل الظن علماً وشكاً وكذباً ، وقال : إذا قامت براهين العلم فكانت أكثر من براهين الشك فالظن يقين ، وإذا اعتدلت براهين اليقين وبراهين الشك فالظن شك ، وإذا زادت براهين الشك على براهين اليقين فالظن كذب ، قال الله عز وجل : "وإن هم إلا يظنون" أراد إلا يكذبون .
الرابعة : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : نعت الله تعالى أحبارهم بأنهم يبدلون ويحرفون فقال وقوله الحق : "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" الآية . وذلك أنه لما درس الأمر فيهم ، وساءت رعية علمائهم ، وأقبلوا على الدنيا حرصاً وطمعاً ، طلبوا أشياء تصرف وجوه الناس إليهم ، فأحدثوا في شريعتهم وبدلوهم ، وألحقوا ذلك بالتوارة ، وقالوا لسفهائهم : هذا من عند الله ، ليقبلوها عنهم فتتأكد رياستهم وينالوا به حطام الدنيا وأوساخها . وكان مما أحدثوا فيه أن قالوا : ليس علينا في الأميين سبيل ، وهم العرب ، أي ما أخذنا من أموالهم فهو حل لنا . وكان مما أحدثوا فيه أن قالوا : لا يضرنا ذنب ، فنحن أحباؤه وأبناؤه ، تعالى الله عن ذلك ! وإنما كان في التوارة يا أحباري ويا أبناء رسلي فغيروه وكتبوا يا أحبائي ويا أبنائي فأنزل الله تكذيبهم : "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم" . فقالت لن يعذبنا الله ، وإن عذبنا فأربعين يوماً مقدار أيام العجل ، فأنزل الله تعالى : "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا" . قال ابن مقسم : يعني توحيداً ، بدليل قوله تعالى : "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" يعني لا إله إلا الله "فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون" . ثم أكذبهم فقال : "بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" . فبين تعالى أن الخلود في النار والجنة إنما هو بحسب الكفر والإيمان ، لا بما قالوه .
يقول تعالى: " ومنهم أميون " أي ومن أهل الكتاب، قاله مجاهد، والأميون جمع أمي، وهو الرجل الذي لا يحسن الكتابة، قال أبو العالية والربيع وقتادة وإبراهيم النخعي وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى "لا يعلمون الكتاب" أي لا يدرون ما فيه. ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم: أنه الأمي لأنه لم يكن يحسن الكتابة، كما قال تعالى "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون" وقال عليه الصلاة السلام "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا" الحديث، أي لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب، وقال تبارك وتعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم" وقال ابن جرير: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه من جهله بالكتاب دون أبيه. قال: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: قول خلاف هذا، وهو ما حدثنا به أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله تعالى: "ومنهم أميون" قال الأميون: قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، فكتبوا كتاباً بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله، وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله، ثم قال ابن جرير : وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أن الأمي عند العرب الذي لا يكتب. قلت: ثم في صحة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد نظر ، والله أعلم. وقوله تعالى: "إلا أماني" قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا أماني الأحاديث، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى "إلا أماني" يقول إلا قولاً يقولون بأفواههم كذباً. وقال مجاهد إلا كذباً: وقال سنيد عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني" قال أناس من اليهود، لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئاً، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب، أماني يتمنونها، وعن الحسن البصري نحوه، وقال أبو العالية والربيع وقتادة: إلا أماني يتمنون على الله ما ليس لهم، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إلا أماني، قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم، قال ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس، وقال مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئاً ولكنهم يتخرصون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذباً وزوراً، والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه، ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما تغنيت ولا تمنيت، يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب، وقيل المراد بقوله إلا أماني بالتشديد والتخفيف أيضاً: أي إلا تلاوة، فعلى هذا يكون استثناء منقطعاً، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: " إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " الاية، وقال كعب بن مالك الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر:
تمنى كتاب الله آخر ليلة تمنى داود الكتاب على رسل
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس "لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون" أي ولا يدرون ما فيه، وهم يجدون نبوتك بالظن، وقال مجاهد: "وإن هم إلا يظنون" يكذبون وقال قتادة وأبو العالية والربيع: يظنون بالله الظنون بغير الحق. قوله تعالى: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً" الاية، هؤلاء صنف آخر من اليهود . وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله وأكل أموال الناس بالباطل، والويل: الهلاك والدمار ، وهي كلمة مشهورة في اللغة، وقال سفيان الثوري عن زياد بن فياض: سمعت أبا عياض يقول: ويل صديد في أصل جهنم وقال عطاء بن يسار : الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره" ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن حميد، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن دارج به، وقال هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة (قلت) لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى، ولكن الافة ممن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوع منكر ، والله أعلم. وقال ابن جرير حدثنا المثنى، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام، حدثنا صالح القشيري، حدثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" قال "الويل جبل في النار" وهو الذي أنزل في اليهود، لأنهم حرفوا التوراة، زادوا فيها ما أحبوا، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة ولذلك غضب الله عليهم، فرفع بعض التوراة فقال تعالى: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" وهذا غريب أيضاً جداً، وعن ابن عباس: الويل المشقة من العذاب، وقال الخليل بن أحمد: الويل شدة الشر ، وقال سيبويه: ويل لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها، وقال الأصمعي: الويل تفجع، والويح ترحم، وقال غيره: الويل: الحزن، وقال الخليل: وفي معنى ويل: ويح وويش وويه وويك وويب، ومنهم من فرق بينها، وقال بعض النحاة: إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة لأن فيها معنى الدعاء ، ومنهم من جوز نصبها بمعنى: ألزمهم ويلاً (قلت) لكن لم يقرأ بذلك أحد ، وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" قال: هم أحبار اليهود ، وكذا قال سعيد عن قتادة: هم اليهود ، وقال سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن علقمة: سألت ابن عباس رضي الله عنه، عن قوله تعالى: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" قال: نزلت في المشركين وأهل الكتاب، وقال السدي: كان ناس من اليهود كتبوا كتاباً من عندهم يبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله فيأخذوا به ثمناً قليلاً، وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتاب الله الذي أنزله على نبيه أحدث أخبار الله تقرؤونه غضاً لم يشب وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا منهم أحداً قط سألكم عن الذي أنزل عليكم، رواه البخاري من طرق عن الزهري، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها. وقوله تعالى: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" أي فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان والافتراء، وويل لهم مما أكلوا به من السحت، كما قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما "فويل لهم" يقول: فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب، وويل لهم مما يكسبون يقول مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم.
قوله: 78- "ومنهم" أي من اليهود. والأمي منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة ولا تحسن القراءة للمكتوب، ومنه حديث "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" وقال أبو عبيدة: إنما قيل لهم: أميون لنزول الكتاب عليهم كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب، فكأنه قال: ومنهم أهل الكتاب، وقيل هم المجوس، وقيل: غير ذلك والراجح الول. ومعنى: "لا يعلمون الكتاب إلا أماني" أنه لا علم لم به إلا ما هم عليه من الأماني التي يتمنونها ويعللون بها أنفسهم. والأماني جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه، فهؤلاء لا علم لهم بالكتاب الذي هو التوراة لما هم عليه من كونهم مغفوراً لهم بما يدعونه لأنفسهم من الأعمال الصالحة، أو بما لهم من السلف الصالح في اعتقادهم، وقيل: الأماني الأكاذيب كما سيأتي عن ابن عباس. ومنه قول عثمان بن عفان: ما تمنيت منذ أسلمت: أي ما كذبت، حكاه عنه القرطبي في تفسيره، وقيل الأماني: التلاوة، ومنه قوله تعالى: "إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" أي إذا تلا أقى الشيطان في تلاوته، أي لا علم لهم إلا مجرد التلاوة من دون تفهم وتدبر، ومنه قول كعب بن مالك:
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر:
تمنى كتاب الله آخر ليلة تمنى داود الزبور على رسل
وقيل الأماني: التقدير. قال الجوهري: يقال مني له: أي قدر، ومنه قول الشاعر:
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم حتى تلاقي ما يمني لك الماني
أي يقدر لك المقدر. قال في الكشاف: والاشتقاق من منى إذا قدر، لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه وكذلك المختلق والقارىء يقدر أن كلمة كذا بعد كذا انتهى. وإن في قوله: "وإن هم إلا يظنون" نافية: أي ما هم والظن هو التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم كذا في القاموس، أي ما هم إلا يترددون بغير جزم ولا يقين، وقيل: الظن هنا بمعنى الكذب، وقيل: هو مجرد الحدس. لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلمون على الأماني ويعتمدون على الظن الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره ولا يظفرون بسواه.
78. وقوله تعالى: " ومنهم أميون " أي من اليهود أميون لا يحسنون القراءة والكتابة، جمع أمي منسوب إلى الأم كأنه باق على ما انفصل من الأم لم يتعلم كتابة ولا قراءة.
[ وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ] وقيل: هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة " لا يعلمون الكتاب إلا أماني " قرأ أبو جعفر: أماني بتخفيف الياء كل القرآن حذف إحدى الياءين (تخفيفاً)، وقراءة العامة بالتشديد، وهي جمع الأمنية وهي التلاوة، قال الله تعالى: " إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " (52-الحج) أي في قراءته، قال أبو عبيدة: [ إلا تلاوته وقراءته ] عن ظهر القلب لا يقرؤونه من كتاب، وقيل: يعلمونه حفظاً وقراءة لا يعرفون معناه. وقال ابن عباس: يعني غير عارفين بمعاني الكتاب، وقال مجاهد و قتادة : إلا كذباً وباطلاً، قال الفراء : الأماني: الأحاديث المفتعلة، قال عثمان رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت (أي ما كذبت)، وأراد بها الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم ثم / أضافوها إلى الله عز وجل من تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وقال الحسن و أبو العالية : هي من التمني، وهي أمانيهم الباطلة التي تمنوها على الله عز وجل مثل قولهم: " لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى " (111-البقرة) وقولهم: " لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة " (80-البقرة) وقولهم " نحن أبناء الله وأحباؤه " (18- المائدة) فعلى هذا تكون (إلا) بمعنى (لكن) أي لا يعلمون الكتاب لكن يتمنون أشياء تحصل لهم " وإن هم " وما هم " إلا يظنون " وما هم إلا يظنون ظناً وتوهماً لا يقيناً، قاله قتادة و الربيع ، قال مجاهد : يكذبون.

78-" ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب " جهلة لا يعرفون الكتابة فيطالعوا التوراة ، ويتحققوا ما فيها . أو التوراة " إلا أماني " استثناء منقطع . والأماني : جمع أمنية وهي في الأصل ما يقدره الإنسان في نفسه من منى إذا قدر ، ولذلك تطلق ، على الكذب وعلى ما يتمنى وما يقرأ والمعنى لكن يعتقدون أكاذيب أخذوها تقليداً من المحرفين أو مواعيد فارغة . سمعوها منهم من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هوداً ، وأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة . وقيل إلا ما يقرأون قراءة عارية عن معرفة المعنى وتدبره من قوله :
تمنى كتاب الله أول ليله تمني داود الزبور على رسل
وهو لا يناسب وصفهم بأنهم أميون . " وإن هم إلا يظنون " ما هم إلا قوم يظنون لا علم لهم ، وقد يطلق الظن بإزاء العلم على كل رأي واعتقاد من غير قاطع ، وإن جزم به صاحبه : كاعتقاد المقلد والزائغ عن الحق لشبهة .
78. Among them are unlettered folk who know the scripture not except from hearsay. They but guess.
78 - And there are among them illiterates, who know not the book, but (see therein their own) desires, and they do nothing but conjecture.