[البقرة : 77] أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
قال تعالى: (أولا يعلمون) الاستفهام للتقرير والواو الداخل عليها للعطف ( أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم) ما يخفون وما يظهرون من ذلك وغيره فيرعَوُوا عن ذلك
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون "أولا يعلم هؤلاء اللائمون من اليهود إخوانهم من أهل ملتهم، على كونهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وعلى إخبارهم المؤمنين بما في كتبهم من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه، القائلون لهم: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم " أن الله عالم بما يسرون، فيخفونه عن المؤمنين في خلائهم من كفرهم، وتلاومهم بينهم على إظهارهم ما أظهروا لرسول الله وللمؤمنين به من الإقرار بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى قيلهم لهم: آمنا، ونهي بعضهم بعضاً أن يخبروا المؤمنين بما فتح الله للمؤمنين عليهم، وقضى لهم عليهم في كتبهم، من حقيقة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه وما يعلنون، فيظهرونه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المؤمنين به إذا لقوهم، من قيلهم لهم: آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، نفاقاً وخداعاً لله ولرسوله وللمؤمنين، كما:حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون "، من كفرهم وتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم إذا خلا بعضهم إلى بعض، "وما يعلنون " إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا. ليرضوهم بذلك.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:"أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون"، يعني: ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبًا عندهم، "وما يعلنون "، يعني: ما أعلنوا حين قالوا للمؤمنين: آمنا.
قوله تعالى "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" هذا في المنافقين . وأصل لقوا لقيوا وقد تقدم . "وإذا خلا بعضهم إلى بعض" الآية في اليهود ، وذلك أن اناساً منهم أسلموا ثم نافقوا ، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به آباؤهم ، فقالت لهم اليهود : :"أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" أي حكم الله عليكم من العذاب ، لقولوا نحن أكرم على الله منكم ، عن ابن عباس والسدي . وقيل :
"إن علياً لما نازل قريظة يوم خيبر سمع سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنصرف إليه وقال : يا رسول الله لا تبلغ إليهم ، وعرض له ، فقال : أظنك سمعت شتمي منهم لو رأوني لكفوا عن ذلك ، ونهض إليهم ، فلما رأوه أمسكوا ، فقال لهم : أنقضتم العهد يا إخوة القردة والخنازير أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته فقالوا : ما كنت حاهلاً يا محمد فلا تجهل علينا ، من حدثك بهذا ؟ ما خرج هذا الخبر إلا من عندنا !" روي عن المعنى عن مجاهد .
قوله تعالى : "وإذا خلا" الأصل في خلا خلو ، قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وتقدم معنى ( خلا ) في أول السورة . ومعنى ( فتح ) حكم . والفتح عند العرب : القضاء والحكم ، ومنه قوله تعالى : "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين" أي الحاكمين . والفتاح : القاضي بلغة اليمن ، يقال : بيني وبينك الفتاح ، قيل ذلك لأنه ينصر المظلوم على الظالم . والفتح : النصر ، ومنه قوله : "يستفتحون على الذين كفروا" ، وقوله : "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" ويكون بمعنى الفرق بين الشيئين .
قوله تعالى :"ليحاجوكم" نصب بلام كي ، وإن شئت بإضمار أن ، وعلامة النصب حذف النون . قال يونس : وناس من العرب يفتحون لام كي . قال الأخفش : لأن الفتح الأصل . قال خلف الأحمر هي لغة بني العنبر . ومعنى "ليحاجوكم" لعيروكم ، ويقولوا نحن أكرم على الله منكم . وقيل : المعنى ليحتجو عليكم بقولكم ، يقولون كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقه . وقيل إن الرجل من اليهود كان يلقى صديقه من المسلمين فيقول له : تمسك بدين محمد فإنه نبي حقاً . "عند ربكم" قيل في الآخرة ، ما قال : "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" . وقيل :عند ذكر ربكم . وقيل : ( عند ) بمعنى في أي ليحاجوكم به في ربكم ، فيكونوا أحق به منكم لظهور الحجة عليكم ، روي عن الحسن . والحجة :الكلام المستقيم على الإطلاق ، ومن ذلك محجة الطريق . وحاججت فلاناً فحججته ، أي غلبته بالحجة ، ومنه الحديث :
فحج آدم موسى . "أفلا تعقلون" قيل : هو من قول الإخبار للأتباع . وقيل : هو خطاب من الله تعالى للمؤمنين ، أي أفلا تعقلون أن بني إسرائيل لا يؤمنون وهم بهذه الأحوال ، ثم وبخهم توبيخاً يتلى فقال : "أو لا يعلمون" الآية . فهو استفهام معناه التوبيخ والتقريع . وقرأ الجمهور "يعلمون" بالياء ، وابن محيصن بالتاء ، خطاباً للمؤمنين . والذي أسروه كفرهم ، والذي أعلنوا الجحد به .
يقول تعالى: "أفتطمعون" أيها المؤمنون "أن يؤمنوا لكم" أي ينقاد لكم بالطاعة هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود الذين شاهد آباؤهم من الايات البينات ما شاهدوه، ثم قست قلوبهم من بعد ذلك: "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" أي يتأولونه على غير تأويله "من بعد ما عقلوه" أي فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة "وهم يعلمون" أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله، وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه" قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، أنه قال: ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله" وليس قوله: يسمعون التوراة كلهم قد سمعها، ولكن هم الذي سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها. وقال محمد بن إسحاق، فيما حدثني بعض أهل العلم: أنهم قالوا لموسى: يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية ربنا تعالى فأسمعنا كلامه حين يكلمك، فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى، فقال: نعم، مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا، ثم خرج بهم حتى أتوا الطور، فلما غشيهم الغمام، أمرهم موسى أن يسجدوا، فوقعوا سجوداً، وكلمه ربه، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا منه ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلما جاؤوهم، حرف فريق منهم ما أمرهم به، وقالوا: حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله: إنما قال كذا وكذا خلافاً لما قال الله عز وجل لهم فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقال السدي: "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" قال: هي التوراة حرفوها، وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق، وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق، فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" أي مبلغاً إليه، ولهذا قال قتادة في قوله: "ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون" قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه، وقال مجاهد: الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم، وقال أبو العالية: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه، وقال السدي "وهم يعلمون" أي أنهم أذنبوا، وقال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله: "يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" قال: التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها، يجعلون الحلال فيها حراماً والحرام فيها حلالاً، والحق فيها باطلاً والباطل فيها حقاً، إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق، وإذا جاءهم أحد يسألهم شيئاً ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال الله لهم: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون".
وقوله تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض" الاية، قال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، وعن ابن عباس "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" أي أن صاحبكم محمد رسول الله، ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم، فأنزل الله "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" أي تقرون بأنه نبي. وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه. وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا، اجحدوه ولا تقروا به. يقول الله تعالى " أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " وقال الضحاك عن ابن عباس: يعني المنافقين من اليهود، كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا، وقال السدي: هؤلاء ناس من اليهود، آمنوا ثم نافقوا. وكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وغير واحد من السلف والخلف حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما رواه ابن وهب عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال "لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن" فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا: آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر . وقرأ قول الله تعالى "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر ، فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم، فلم يكونوا يدخلون، وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا، فيقولون: بلى، فإذا رجعوا إلى قومهم، يعني الرؤساء ، فقالوا: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" الاية، وقال أبو العالية "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" يعني بما أنزل عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" قال كانوا يقولون: سيكون نبي فخلا بعضهم ببعض، فقالوا "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" قول آخر في المراد بالفتح، قال ابن جريج: حدثني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله تعالى: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم، فقال: يا إخوان القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت، فقالوا: من أخبر بهذا الأمر محمداً ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم، قال ابن جريج عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم علياً فآذوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال السدي "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" من العذاب "ليحاجوكم به عند ربكم" هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" من العذاب ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم، وأكرم على الله منكم. وقال عطاء الخراساني "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" يعني بما قضى لكم وعليكم. وقال الحسن البصري: هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم. وقوله تعالى: " أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " قال أبو العالية: يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم، وكذا قال قتادة، وقال الحسن " أن الله يعلم ما يسرون " قال: كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض، تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم خشية أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند ربهم "وما يعلنون" يعني حين قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: وآمنا. كذا قال أبو العالية والربيع وقتادة.
ثم وبخهم الله سبحانه 77- " أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " من جميع أنواع الإسرار وأنواع الإعلان، ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ثم قال الله لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم: "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله" وليس قوله يسمعون التوراة كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم" الآية: قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما سمعوه ووعوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم" الآية، قال:الذين يحرفونه والذين يكتبونه هم العلماء منهم، والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: "يسمعون كلام الله" قال: هي التورات حرفوها. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله:" وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا" أي بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه إليكم خاصة "وإذا خلا بعضهم إلى بعض" قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فقد كنتم تستفتحون به عليهم، وكان منهم "ليحاجوكم به عند ربكم" أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ علكم الميثاق باتباعه وهو يخبرهم أنه النبي الذي كان ينتظر ونجد في كتابنا اجحدوه ولا تقروا به. وأخرج ابن جرير عنه أن هذه الآية في المنافقين من اليهود وقوله: "بما فتح الله عليكم" يعني بما أكرمكم به. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: نزلت هذه الآية في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب لتقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم. وقد أخرج ابن جرير عن ابن زيد أن سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن، فكان اليهود يظهرون الإيمان فيدخلون ويرجعون إلى قومهم بالأخبار، وكان المؤمنون يقولون لهم: أليس قد قال الله في التورات كذا وكذا؟ فيقولون: نعم، فإذا رجعوا إلى قومهم "قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" الآية" وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أن سبب نزول الآية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قام لقوم قريظة تحت حصونهم فقال: يا إخوان القردة والخنازير ويا عبدة الطاغوت، فقالوا: من أخبر هذا الأمر محمداً؟ ما خرج هذا الأمر إلا منكم "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم"" أي بما حكم الله ليكون لهم حجة عليكم. وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة أن السبب في نزول الآية:" أن امرأة من اليهود أصابت فاحشة، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عالمهم وهو ابن صوريا فقال له: احكم، قال: فجبوه، والتجبية: يحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ابحكم الله حكمت؟ قال: لا، ولكن نساءنا كن حساناً فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم، وفيه نزل"وإذا خلا بعضهم إلى بعض"الآية". وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا" قال: هم اليهود وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم "وإذا خلا بعضهم إلى بعض" نهى بعضهم بعضاً أن يحدثوا بما فتح الله عليهم وبين لهم في كتابه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ونبوته وقالوا: إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا بذلك عليكم عند ربكم " أفلا تعقلون * أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " قال: ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين آمنوا، وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوباً عندهم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: " أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " يعني من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولكذبهم، وما يعلنون حين قالوا للمؤمنين آمنا، وقد قال بمثل هذا جماعة من السلف.
77. قال الله تعالى: " أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون " يخفون " وما يعلنون " يبدون يعني اليهود.
77-" أو لا يعلمون " يعني هؤلاء المنافقين ، أو اللائمين ، أو كليهما ، أو إياهم والمحرفين . " أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " ومن جملتهما إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان ،وإخفاء ما فتح الله عليهم ، وإظهار غيره ، وتحريف الكلم عن مواضعه ومعانيه .
77. Are they then unaware that Allah knoweth that which they keep hidden and that which they proclaim?
77 - Know they not that God knoweth what they conceal and what they reveal?.