[البقرة : 69] قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها) شديد الصفرة ، (تسر الناظرين) إليها بحسنها أي تعجبهم
قال أبو جعفر: ومعنى ذلك: قال قوم موسى لموسى: ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها؟ أي لون البقرة التي أمرتنا بذبحها. وهذا أيضاً تعنت آخر منهم بعد الأول، وتكلف طلب ما قد كانوا كفوه في المرة الثانية والمسألة الآخرة. وذلك أنهم لم يكونوا حصروا في المرة الثانية إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة التي كانوا أمروا بذبحها، فأبوا إلا تكلف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها، فحصروا على نوع دون سائر الأنواع، عقوبة من الله لهم على مسألتهم التي سألوها نبيهم صلى الله عليه وسلم، تعنتاً منهم له. ثم لم يحصرهم على لون منها دون لون، فأبوا إلا تكلف ما كانوا عن تكلفه أغنياء، فقالوا تعنتاً منهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ابن عباس: "ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها"، فقيل لهم عقوبة لهم: "إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ". فحصروا على لون منها دون لون. ومعنى ذلك: أن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها.
قال أبو جعفر: ومعنى قوله: "يبين لنا ما لونها"، أي شيء لونها؟ فلذلك كان اللون مرفوعاً،لأنه مرافع ما. وإنما لم ينصب ما بقوله: "يبين لنا"، لأن أصل أي، و ما، جمع متفرق الاستفهام. يقول القائل: بين لنا أسوداء هذه البقرة أم صفراء؟ فلما لم يكن لقوله: "يبين لنا" أن يقع على الاستفهام متفرقاً، لم يكن له أن يقع على أي، لأنه جمع ذلك المتفرق. وكذلك كل ما كان من نظائره فالعمل فيه واحد، في ما وأي.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "صفراء". فقال بعضهم: معنى ذلك: سوداء شديدة السواد. ذكر من قال ذلك منهم:حدثني أبو مسعود إسمعيل بن مسعود الجحدري قال، حدثنا نوح بن قيس، عن محمد بن سيف، عن الحسن: "صفراء فاقع لونها"، قال: سوداء شديدة السواد.
حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، والمثنى بن إبراهيم، قالا، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا نوح بن قيس، عن محمد بن سيف أبي رجاء، عن الحسن مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: صفراء القرن والظلف، ذكر من قال ذلك:
حدثني هشام بن يونس النهشلي قال، حدثنا حفص بن غياث، عن أشعث، عن الحسن في قوله: "صفراء فاقع لونها"، قال: صفراء القرن والظلف.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثني هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن كثير بن زياد،عن الحسن في قوله: "صفراء فاقع لونها"، قال: كانت وحشية.
حدثني يعقوب قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن إبراهيم، عن أبي حفص، عن مغراء أو عن رجل عن سعيد بن جبير: "بقرة صفراء فاقع لونها"، قال: صفراء القرن والظلف. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: هي صفراء.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إنها بقرة صفراء فاقع لونها"، قال: لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم.
قال أبو جعفر: وأحسب أن الذي قال في قوله: "صفراء"، يعني به سوداء، ذهب إلى قولهم في نعت الإبل السود: هذه إبل صفر، وهذه ناقة صفراء، يعنى بها سوداء. وإنما قيل ذلك في الإبل، لأن سوادها يضرب إلى الصفرة، ومنه قول الشاعر:
تلك خيلي منه وتلك ركابي، هن صفر، أولادها كالزبيب
يعني بقوله:هن صفر، هن سود. وذلك إن وصفت الإبل به، فليس مما توصف به البقر.
مع أن العرب لا تصف السواد بالفقوع، وإنما تصف السواد إذا وصفته بالشدة بالحلوكة ونحوها، فتقول:هو أسود حالك وحانك وحلكوك، وأسود غربيب ودجوجي ولا تقول: هو أسود فاقع، وإنما تقول:هو أصفر فاقع . فوصفه إياه بـ الفقوع من الدليل البين على خلاف التأويل الذي تأول قوله: "إنها بقرة صفراء فاقع " المتأول، بأن معناه سوداء شديدة السواد.
القول في تأويل قوله تعالى: " فاقع لونها ".
قال أبو جعفر: يعني: خالص لونها. و الفقوع في الصفرة، نظير النصوع في البياض، وهو شدته وصفاؤه، كما: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، قال قال قتادة: "فاقع لونها"، هي الصافي لونها.
حدثني المثنى قال: حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " فاقع لونها"، أي صاف لونها.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بمثله.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فاقع "، قال: نقي لونها.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"فاقع لونها"، شديدة الصفرة، تكاد من صفرتها تبيض. وقال أبو جعفر: اراه أبيض!
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فاقع لونها"، قال: شديدة صفرتها.
يقال منه: فقع لونه يفقع ويفقع فقعاً وفقوعًا، فهو فاقع ، كما قال الشاعر:
حملت عليه الورد حتى تركته ذليلاً يسف الترب واللون فاقع
القول في تأويل قوله تعالى: " تسر الناظرين ".
قال أبو جعفر: يعني بقوله "تسر الناظرين "، تعجب هذه البقرة في حسن خلقها ومنظرها وهيئتها الناظر إليها، كما: حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "تسر الناظرين" ، أي تعجب الناظرين.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا إسمعيل بن عبد الكريم، قال، حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبا: " تسر الناظرين "، إذا نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "تسر الناظرين "، قال: تعجب الناظرين.
قوله تعالى : "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها" ما استفهام مبتدأه ، و لونها الخبر . ويجوز نصب ( لونها ) بـ ( يبين ) وتكون ما زائدة . واللون واحد الألوان ، وهو هيئة كالسواد والبياض والحمرة . واللون : النوع . وفلان متلون : إذا كان لا يثبت على خلق واحد وحال واحد ، قال :
كل يوم تتلون غير هذا بك أجمل
ولون البسر تلويناً : إذا بدا فيه أثر النضج . واللون : الدقل ، وهو ضرب من النخل . قال الأخفش : هو جماعة ، واحدها لينة .
قوله : "صفراء" جمهور المفسرين أنها صفراء اللون ، من الصفرة المعروفة . قال مكي عن بعضهم : حتى القرن والظلف . وقال الحسن وابن جبير : كانت صفراء القرن والظلف فقط . وعن الحسن أيضاً صفراء معناه سوداء ، قال الشاعر :
تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب
قلت : والأول اصح لأنه الظاهر ، وهذا شاذ لا يستعمل مجازاً إلا في الإبل ، قال الله تعالى : "كأنه جمالة صفر" وذلك أن السود من الإبل سوادها صفرة . ولو أراد السواد لما أكده بالفقرع ، وذلك نعت مختص بالصفرة ، وليس يوصف السواد بذلك ، تقول العرب : أسود حالك وحلكوك وحلكوك ، ودجوجي وغربيب ، وأحمر قانىء ، وأبيض ناصع ، ولهق ولهاق ويقق ، وأخضر ناضر ، وأصفر فاقع ، هكذا نص نقلة اللغة عن العرب . قال الكسائي : يقال فقع لونها يفقع فقوعاً إذا خلصت صفرته . والإفقاع : سوء الحال . وفواقع الدهر بوائقه . وفقع بأصابعه إذا صوت ، ومنه حديث ابن عباس : نهى عن التفقيع في الصلاة ، وهي الفرقعة ، وهي غمز الأصابع حتى تنقض . ولم ينصرف صفراء في معرفة ولا نكرة ، لأن فيها ألف التأنيث وهي ملازمه فخالفت الهاء ، لأن ما فيه الهاء ينصرف في النكرة ، كفاطمة وعائشة .
قوله تعالى : "فاقع لونها" يريد خالصاً لونها لا لون فيها سوى لون جلدها . "تسر الناظرين" قال وهب : كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، ولهذا قال ابن عباس : الصفرة تسر النفس . وخص على لباس النعال الصفر ، حكاه عنه النقاش . وقال على بن ابي طالب رضي الله عنه : من لبس نعلي أصفر قل همه ، لأن الله تعالى يقول : "صفراء فاقع لونها تسر الناظرين" ، حكاه عنه الثعلبي . ونهى ابن الزبير ومحمد بن ابي كثير عن لباس النعال السود ، لأنها تهم . ومعنى تسر تعجب . وقال أبو العالية معناه في سمتها ومنظرها فهي ذات وصفين ، والله أعلم .
أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم، لهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم، كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد، ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا: "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي" أي ما هذه البقرة وأي شيء صفتها، قال ابن جرير، حدثنا أبو كريب، حدثنا ثمام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها، ولكنهم شددوا فشدد عليهم ـ اسناد صحيح ـ وقد رواه غير واحد عن ابن عباس، وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد ، وقال ابن جريج : قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم، قال ابن جريج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد" قال: "إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر" أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقها الفحل، كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة، وقاله ابن عباس أيضاً، وقال الضحاك عن ابن عباس: عوان بين ذلك، يقول نصف بين الكبير والصغيرة، وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر ، وأحسن ما تكون، وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك، وقال السدي: العوان: النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها، وقال هشيم، عن جويبر ، عن كثير بن زياد، عن الحسن في البقرة: كانت بقرة وحشية، وقال ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لا بسها، وذلك قوله تعالى: "تسر الناظرين" وكذا قال مجاهد ووهب ابن منبه: كانت صفراء، وعن ابن عمر: كانت صفراء الظلف، وعن سعيد بن جبير : كانت صفراء القرن والظلف، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نصر بن علي، حدثنا نوح بن قيس، أنبأنا أبو رجاء عن الحسن في قوله تعالى: "بقرة صفراء فاقع لونها" قال سوداء شديدة السواد، وهذا غريب، والصحيح الأول ولهذا أكد صفرتها بأنه "فاقع لونها" وقال عطية العوفي "فاقع لونها" تكاد تسود من صفرتها، وقال سعيد بن جبير "فاقع لونها" قال: صافية اللون. وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه، وقال شريك عن معمر عن ابن عمر "فاقع لونها" قال: صاف، وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس "فاقع لونها" تكاد تسود من صفرتها، وقال سعيد بن جبير "فاقع لونها" صافية اللون، وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه، وقال شريك عن معمر عن ابن عمر "فاقع لونها" شديدة الصفرة، تكاد من صفرتها تبيض، وقال السدي "تسر الناظرين" أي تعجب الناظرين، وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس. وقال وهب بن منبه: إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها. وفي التوارة: أنها كانت حمراء ، فلعل هذا خطأ في التعريب، أو كما قال الأول: إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد، والله أعلم. وقوله تعالى: "إن البقر تشابه علينا" أي لكثرتها، فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا "وإنا إن شاء الله" إذا بينتها لنا "لمهتدون" إليها، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي، حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد، حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي بن أخي منصور بن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا أن بني إسرائيل قالوا "وإنا إن شاء الله لمهتدون" ما أعطوا أبداً، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا، فشدد الله عليهم" وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله على السدي، والله أعلم، "قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث" أي إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في الساقية، بل هي مكرمة، حسنة، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مسلمة يقول لا عيب فيها، وكذا قال أبو العالية والربيع، وقال مجاهد: مسلمة من الشية، وقال عطاء الخراساني مسلمة القوائم والخلق لا شية فيها، قال مجاهد: لا بياض ولا سواد ، وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة ليس فيها بياض، وقال عطاء الخراساني: لا شية فيها، قال لونها واحد بهيم، وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك، وقال السدي: لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى: "إنها بقرة لا ذلول" ليست بمذللة بالعمل، ثم استأنف فقال: "تثير الأرض" أي يعمل عليها بالحراثة، لكنها لا تسقي الحرث، وهذا ضعيف لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث، كذا قرره القرطبي وغيره: " قالوا الآن جئت بالحق " قال قتادة: الان بينت لنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقبل ذلك والله قد جاءهم الحق "فذبحوها وما كادوا يفعلون" قال الضحاك، عن ابن عباس: كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الذي أرادوا، لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت، فلهذا ما كادوا يذبحونها. وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس: فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها، وفي هذا نظر ، لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي، ورواه العوفي عن ابن عباس، وقال عبيدة ومجاهد وهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنهم اشتروها بمال كثير ، وفيه اختلاف، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك، وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، أخبرني محمد بن سوقة عن عكرمة، قال: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير ، وهذا إسناد جيد عن عكرمة والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضاً، وقال ابن جرير ، وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه ولم يسنده عن أحد ، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها وللفضيحة، وفي هذا نظر بل الصواب، والله أعلم، ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه، وبالله التوفيق.
(مسألة) استدل بهذه الاية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان، كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور من العلماء سلفاً وخلفاً بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها" وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم، إبل الدية في قتل الخطأ، وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث، وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون: لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله، وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم.
69- فـ " قالوا ادع لنا ربك ". واللون: واحد الألوان، وجمهور المفسرين على أنها كانت جميعها صفراء. قال بعضهم: حتى قرنها وظلفها. وقال الحسن وسعيد بن جبير: إنها كانت صفراء القرن والظلف فقط، وهو خلاف الظاهر. والمراد بالصفرة هنا الصفرة المعروفة. وروي عن الحسن أن صفراء معناه سوداء، وهذا من بدع التفاسير ومنكراتها، وليت شعري كيف يصدق على اللون الأسود الذي هو أقبح الألوان أنه يسر الناظرين، وكيف يصح وصفه بالفقوع الذي يعلم كل من يعرف لغة العرب أنه لا يجري على الأسود بوجه من الوجوه، فإنهم يقولون في وصف الأسود: حالك وحلكوك ودجوجي وغريب. قال الكسائي: يقال: فقع لونها يفقع فقوعاً: إذا خلصت صفرته. وقال في الكشاف: الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه. ومعنى "تسر الناظرين" تدخل عليهم السرور إذا نظروا إليها إعجاباً بها واستحساناً للونها. قال وهب: كانت كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها.
69. " قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال: إنه يقول: إنها بقرة صفراء فاقع لونها " قال ابن عباس: شديد الصفرة، وقال قتادة : صاف، وقال الحسن : الصفراء الوداء، والأول أصح لأنه لا يقال أسود فاقعإنما يقال: أصفر فاقع، وأسود (حالك) وأحمر قانئ وأخضر ناضر، وأبيض بقق للمبالغة، " تسر الناظرين ": إليها يعجبهم حسنها وصفاء لونها.
69-" قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها " الفقوع نصوع الصفرة ولذلك تؤكد به ، فيقال : أصفر كما يقال أسود حالك ، وفي إسناده إلى اللون وهو صفة صفراء لملابسته بها فضل تأكيد كأنه قيل ، صفراء شديدة الصفرة صفرتها وعن الحسن سوداء شديدة السواد ، وبه فسر قوله تعالى : " جمالة صفر " . قال الأعشى :
تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب
ولعله عبر بالصفرة عن السواد لأنها من مقدماته ،أو لأن سواد الإبل تعلوه صفرة وفيه نظرة ، لأن الصفرة بهذا المعنى لا تؤكد بالفقوع " تسر الناظرين " أي تعجبهم ، والسرور أصله لذة في القلب عند حصول نفع ، أو توقعه من السر .
69. They said: Pray for us unto thy Lord that He make clear to us of what color she is. (Moses) answered: Lo! He saith: Verily she is a yellow cow. Bright is her color, gladdening beholders.
69 - They said: beseech on our behalf thy Lord to make plain to us her colour. He said: He says: a fawn coloured heifer, pure and rich in tone, the admiration of beholders!