[البقرة : 48] وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
(واتقوا) خافوا (يوما لا تجزي) فيه (نفس عن نفس شيئاً) وهو يوم القيامة (ولا يقبل) بالتاء والياء (منها شفاعة) أي ليس لها شفاعة فتقبل {فما لنا من شافعين} (ولا يؤخذ منها عدلٌ) فداءٌ (ولا هم ينصرون) يمنعون من عذاب الله
قال أبو جعفر: وتأويل قوله: "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا": واتقوا يومًا لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئًا. وجائز أيضاً أن يكون تأويله: واتقوا يومًا لا تجزيه نفس عن نفس شيئاً، كما قال الراجز:
قد صبحت، صبحها السلام بكبد خالطها سنام
في ساعة يحبها الطعام
وهو يعني: يحب فيها الطعام. فحذفت الهاء الراجعة على اليوم، إذ فيه اجتزاء بما ظهر من قوله: "واتقوا يوما لا تجزي نفس "، الدال على المحذوف منه عما حذف. إذ كان معلوماً معناه.
وقد زعم قوم من أهل العربية أنه لا يجوز أن يكون المحذوف في هذا الموضع إلا الهاء.
وقال آخرون لا يجوز أن يكون المحذوف إلا فيه . وقد دللنا فيما مضى على جواز حذف كل ما دل الظاهر عليه.
وأما المعنى في قوله: "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا"، فإنه تحذير من الله تعالى ذكره عباده الذين خاطبهم بهذه الآية عقوبته أن تحل بهم يوم القيامة، وهو اليوم الذي لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئًا، ولا يجزي فيه والد عن ولده ولا مولود هوجاز عن والده شيئًا. وأما تأويل قوله: "لا تجزي نفس "، فإنه يعني: لا تغني كما:حدثني به موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: "واتقوا يوما لا تجزي نفس ": أما "تجزي "، فتغني.
وأصل الجزاء في كلام العرب: القضاء والتعويض. يقال: جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاءاً، بمعنى قضيته دينه. ومن ذلك قيل: جزى الله فلاناً عني خيرًا أو شرًا، بمعنى أثابه عني، وقضاه عني ما لزمني له بفعله الذي سلف منه إلي. وقد قال قوم من أهل العلم بلغة العرب: يقال جزيت عنه كذا إذا أعنته عليه، وجزيت عنك فلانا إذا كافأته.
وقال آخرون منهم: بل جزيت عنك ، قضيت عنك. وأجزيت ، كفيت.
وقال آخرون منهم: بل هما بمعنى واحد، يقال: جزت عنك شاة وأجزت، وجزى عنك درهم وأجزى، ولا تجزي عنك شاة ولا تجزي ، بمعنى واحد. إلا أنهم ذكروا أن جزت عنك، ولا تجزي عنك من لغة أهل الحجاز، وأن أجزأ وتجزىء من لغة غيرهم. وزعموا أن تميمًا خاصة من بين قبائل العرب تقول: أجزأت عنك شاة، وهي تجزىء عنك .
وزعم آخرون أن جزى بلا همز، قضى. وأجزأ بالهمز، كافأ.
فمعنى الكلام إذا: واتقوا يومًا لا تقضي نفس عن نفس شيئًا ولا تغني عنها غنى.
فإن قال لنا قائل: وما معنى: لا تقضي نفس عن نفس ولا تغني عنها غنى؟
قيل: هو أن أحدنا اليوم ربما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصداقة والقرابة دينه. وأما في الآخرة فإنه فيما أتتنا به الأخبار عنها يسر الرجل أن يبرد له على ولده أو والده حق. وذلك أن تضاء الحقوق في القيامة من الحسنات والسيآت، كما:حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي قالا، حدثنا المحاربي ، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله عبدًا كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض " قال أبو كريب في حديثه:" أو مال، أو جاه فاستحله قبل أن يؤخذ منه، وليس ثم دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيآتهم ".
حدثنا أبو عثمان المقدمي قال، حدثنا الفروي، قال حدثنا مالك، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
حدثنا خلاد بن أسلم قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، أخبرنا عبد الله بن سعيد، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
حدثني موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا نعيم بن حماد قال، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم وعليه دين، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يقتسمون هنالك الحسنات والسيآت " . وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يميناً وشمالاً.
وحدثني محمد بن إسحق قال، حدثنا سلم بن قادم، قال حدثنا أبو معاوية هاشم بن عيسى، قال أخبرني الحارث بن مسلم، عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحو حديث أبي هريرة.
قال أبو جعفر: فذلك معنى قوله جل ثناؤه: "لا تجزي نفس عن نفس شيئا". يعني: أنها لا تقضي عنها شيئاً لزمها لغيرها، لأن القضاء هنالك من الحسنات والسيآت على ما وصفنا. وكيف يقضي عن غيره ما لزمه، من كان يسره أن يثبت له على ولده أو والده حق، فيؤخذ منه ولا يتجافى له عنه؟.
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى قوله: "لا تجزي نفس عن نفس شيئا": لا تجزي منها أن تكون مكانها.
وهذا قول يشهد ظاهر القرآن على فساده. وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقول القائل: ما أغنيت عني شيئًا، بمعنى ما أغنيت مني أن تكون مكاني. بل إذا أرادوا الخبر عن شيء أنه لا يجزي من شيء قالوا: لا يجزي هذا من هذا، ولا يستجيزون أن يقولوا: لا يجزي هذا من هذا شيئًا . فلو كان تأويل قوله: "لا تجزي نفس عن نفس شيئا" ما قاله من حكينا قوله، لقال: واتقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس، كما يقال: لا تجزي نفس من نفس، ولم يقل: "لا تجزي نفس عن نفس شيئا"، وفي صحة التنزيل بقوله:" لا تجزي نفس عن نفس شيئا "، أوضح الدلالة على صحة ما قلنا، وفساد قول من ذكرنا قوله في ذلك.
القول في تأويل قوله عز وجل: " ولا يقبل منها شفاعة".
قال أبو جعفر: والشفاعة مصدر من قول الرجل: أشفع لي فلان إلى فلان شفاعة، وهو طلبه إليه في قضاء حاجته. وإنما قيل للشفيع، شفيع وشافع ، لأنه ثنى المستشفع به فصار به شفعاً، فكان ذو الحاجة قبل استشفاعه به في حاجته فردًا، فصار صاحبه له فيها شافعًا، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة. ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض شفيعًا، لمصير البائع به شفعًا. فتأويل الآية إذاً: واتقوا يومًا لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع، فيترك لها ما لزمها من حق.
وقيل: إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفسًا لا تجزي عن نفس شيئًا في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها، حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه. كما:
حدثني عباس بن أبي طالب قال، حدثنا حجاج بن نصير، عن شعبة، عن العوام بن مراجم رجل من قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان: أن" رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة،" كما قال الله عز وجل: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" ( الأنبياء: 47).
فآيسهم جل ثناؤه مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم، من النجاة من عذاب الله مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق، وخلافهم أمر الله في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم؟ وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم، والإنابة من ضلالهم. وجعل ما سن فيهم من ذلك إمامًا لكل من كان على مثل منهاجهم، لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمته.
وهذه الآية، وإن كان مخرجها عامًا في التلاوة، فإن المراد بها خاص في التأويل، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وأنه قال: "ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئًا". فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينهم وبينه، وأن قوله: "ولا يقبل منها شفاعة"، إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل. وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشفاعة والوعد والوعيد، فنستقصي الحجاج في ذلك. وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء الله.
القول في تأويل قوله تعالى: " ولا يؤخذ منها عدل ".
قال أبو جعفر: و العدل في كلام العرب؟ بفتح العين الفدية، كما:
حدثنا به المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "ولا يؤخذ منها عدل "، قال: يعني فداء.
حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي: "ولا يؤخذ منها عدل "، أما عدل: فيعدلها، من العدل. يقول لو جاءت بملء الأرض ذهبًا تفتدي به ما تقبل منها.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: "ولا يؤخذ منها عدل "، قال: لوجاءت بكل شيء لم يقبل منها.
حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا حسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: قال ابن عباس: "ولا يؤخذ منها عدل "، قال: بدل، والبدل: الفدية.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: "ولا يؤخذ منها عدل "، قال: لو أن لها ملء الأرض ذهبًا لم يقبل منها فداء. قال: ولو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.
حدثني نجيح بن إبراهيم قال: حدثنا علي بن حكيم قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمرو بن قيس الملائي، عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن عليه الثناء قيل" يا رسول الله: ما العدل؟ قال: العدل الفدية".
وإنما قيل للفدية من الشيء والبدل منه: عدل ، لمعادلته إياه وهو من غير جنسه، ومصيره له مثلاً، من وجه الجزاء، لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة، كما قال جل ثناؤه: "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها" (الأنعام: 75) بمعنى: وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها.
يقال منه: هذا عدله وعديله . وأما العدل بكسر العين فهو مثل الحمل المحمول على الظهر. يقال من ذلك: عندي غلام عدل غلامك، وشاة عدل شاتك بكسر العين إذا كان غلام يعدل غلامًا، وشاة تعدل شاة. وكذلك ذلك في كل مثل للشيء من جنسه. فإذا أريد أن عنده قيمته من غير جنسه، نصبت العين، فقيل: عندي عدل شاتك من الدراهم . وقد ذكر عن بعض العرب أنه يكسر العين من العدل الذي هو بمعنى الفدية، لمعادلة ما عادله من جهة الجزاء، وذلك لتقارب معنى العدل والعدل عندهم. فأما واحد الأعدال، فلم يسمع فيه إلا عدل بكسر العين.
القول في تأويل قوله تعالى: "ولا هم ينصرون ".
وتأويل قوله: "ولا هم ينصرون "، يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر، كما لا يشفع لهم شافع، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية. بطلت هنالك المحاباة، واضمحلت الرشى والشفاعات، وارتفع بين القوم التعاون والتناصر، وصار الحكم إلى العدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها، وذلك نظير قوله جل ثناؤه: "وقفوهم إنهم مسؤولون * ما لكم لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون" ( الصافات: 24 26).
وكان ابن عباس يقول في معنى "لا تناصرون"، ما:حدثت به عن المنجاب قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "ما لكم لا تناصرون"، ما لكم لا تمانعون منا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم وقد قال بعضهم في معنى قوله: "ولا هم ينصرون "، وليس لهم من الله يومئذ نصيرينتصر لهم من الله إذا عاقبهم. وقد قيل: "ولا هم ينصرون "، بالطلب فيهم والشفاعة والفدية.
قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بتأويل الآية، لما وصفنا من أن الله جل ثناؤه إنما أعلم المخاطبين بهذه الأية، أن يوم القيامة يوم لا فدية لمن استحق من خلقه عقوبته ولا شفاعة فيه، ولا ناصر له. وذلك أن ذلك قد كان لهم في الدنيا، فأخبر أن ذلك يوم القيامة معدوم لا سبيل لهم إليه.
قوله تعالى : "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون" .
قوله تعالى : "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا" امر معناه الوعيد ، وقد مضى الكلام في التقوى . "يوما" يريد عذابه وهوله ، وهو يوم القيامة . وانتصب على المفعول بـ "واتقوا" . ويجوز في غير القرآن يوم لا تجزى ، على الإضافة . وفي الكلام حذف ، بين النحوبيين فيه اختلاف . قال البصريون : التقدير يوماً ما لا يجزي فيه نفس عن نفس شيئاً ، ثم حذف فيه ، كما قال :
ويوما شهدناه سليما وعامرا
أي شهدنا فيه . وقال الكسائي : هذا خطأ لا يجوز حذف فيه ولكن التقدير : واتقوا يوماً لا تجزيه نفس ، ثم حذف الهاء . وإنما يجوز حذف الهاء لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها . قال : لا يجوز أن تقول : هذا رجلاً قصدت ، ولا رأيت رجلاً أرغب ، وأنت تريد قصدت اليه أرغب فيه . وقال : :ولو جاز ذلك جاز : الذي تكلمت زيد ، بمعنى تكلمت فيه زيد . وقال الفراء : يجوز أن تحذف الهاء وفيه . وحكى المهدوي أن الوجهين جائزان عند سيبويه و الأخفش و الزجاج .
ومعنى "لا تجزي نفس عن نفس شيئا" : أي لا تؤاخذ نفس بذنب أحرى ولا تدفع عنها شيئا ، تقول : جزى عني هذا الأمر يجزي ، كما تقول : قضى عني . واجتزأت بالشيء اجتزاء إذا اكتفيت به ، قال الشاعر :
فإن الغدر في الأقوام عار وأن الحر يجزأ بالكراع
أي يكتفي بها . وفي حديث عمر :
"إذا اجريت الماء على الماء جزى عنك " . يريد إذا صببت الماء على البول في الأرض فجرى عليه طهر المكان ، ولا حاجة بك إلى غسل ذلك الموضع وتنشيف الماء بخرقة أو غيرها كما يفعل كثير من الناس .
وفي صحيح الحديث عن ابي بردة بن نيار في الأضحية :
" لن تجزي عن أحد بعدك " أي لن تغني . فمعنى لا تجزي : لا تقضي ولا تغني ولا تكفي إن لم يكن عليها شيء ، فإن ان فإنها تجزي وتقضي وتغني ، بغير اختيارها من حسناته ما عليها من الحقوق ، كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" . خرجه البخاري . ومثله حديثه الآخر :
في المفلس ، وقد ذكرناه في التذكرة خرجه مسلم . وقرىء تجزىء بضم التاء والهمز . ويقال : جزى وأجزى بمعنى واحد . وقد فرق بينهما قوم فقالوا : جزى بمعنى وكافأ . وأجزى بمعنى أغنى وكفى . أجزأني الشيء يجزئني أي كفاني ، قال الشاعر :
واجزأت أمر العالمين ولم يكن ليجزىء إلا كامل وابن كامل
الثالثة : قوله تعالى : "ولا يقبل منها شفاعة" الشافعة : مأخوذة من الشفع وهما الإثنان ، تقول :كان وتراً فشفعته شفعاً والشفعة منه ، لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك . والشفيع : صحاب لشفعة وصاحب الشفاعة . وناقة شافع : إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها ، تقول منه :شفعت الناقة شفعاً . وناقة شفوع وهي التي تجمع بين محلبين في حلبة واحدة . واستشفعته إلى فلان . سألته أن يشفع لي إليه . وتشفعت إليه في فلان فشفعني فيه ، فالشفاعة إذاً ضم غيرك إلى حاهك ووسيلتك ، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع ، وإيصال منفعته للمشفوع .
الرابعة : مذهب أهل الحق أن الشفاعة حق ، وأنكرها المعتزلة وخلدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب . والأخبار متظاهرة بأن من كان من العصاة المذنبين الموحدين من أمم النبيين هم الذين تنالهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين . وقد تمسك القاضي عليهم في الرد بشيئين : أحدهما : الأخبار الكثيرة التي تواترت في المعنى . والثاني : الإجماع من السلف على تلقي هذه الإخبار بالقبول ، ولم يبد من أحد منهم في عصر من الأعصار نكير ، فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة اهل الحق وفساد دين المعتزلة .
فإن قالوا : قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب رد هذه الأخبار ،مثل قوله : "ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع" . قالوا : وأصحاب الكبائر ظالمون . وقال "من يعمل سوءا يجز به" ، "ولا يقبل منها شفاعة" . قلنا ليست هذه الآيات عامة في كل ظالم ، والعموم لا صيغة له ، فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سواء وكل نفس ، وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين بدليل الأخبار الواردة في ذلك . وايضاً فإن الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام ، فقال في صفة الكافرين : "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" وقال : "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" وقال : "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين . وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى : "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة" النفس الكافرة لا كل نفس . ونحن وإن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول : إنهم مخلدون فيها بدليل الأخبار التي رويناها ، وبدليل قوله :"ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وقوله : "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" .
فإن قالوا : فقد قاله تعالى : "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" والفاسق غير مرتضى قلنا : لم يقل لمن لا يرضى ،وإنما قال : "لمن ارتضى" ومن ارتضاء الله للشفاعة هم الموحدون ، بدليل قوله : "لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" . و" قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : ما عهد الله مع خلقه ؟ قال : أن يؤمنوا ولا يشركوا به شيئا" . وقال المفسرون : إلا من قال لا إله إلا الله .
فإن قالوا : المرتضى هو التائب الذي اتخذ عند الله عهداً بالإنابة إليه ، بدليل أن الملائكة استغفروا لهم ، وقال : "فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك" . وكذلك شفاعة الأنبياء عليهم السلام وإنما هي لأهل التوبة دون أهل الكبائر . قلنا : عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة ، فإذا قبل الله توبة المذنب فلا يحتاج إلى الشفاعة ولا إلى الاستغفار . وأجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله : "فاغفر للذين تابوا" أي من الشرك "واتبعوا سبيلك" أي سبيل المؤمنين . سألوا الله تعالى أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم ، كما قال تعالى : "يغفر ما دون ذلك لمن يشاء" .
فإن قالوا : جميع الأمة يرغبون في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو كانت لأهل الكبائر خاصة بطل سؤالهم .
قلنا : إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول ويرغب إلى الله في أن تناله ، لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب ولا قائم لله سبحانه بكل ما افترض عليه ، بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة ، وقال صلى الله عليه وسلم :
"لا ينجو أحد إلا برحمة الله تعالى ـ فقيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ ـ فقال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته" .
الخامسة : قوله تعالى : "ولا يقبل" قرأ ابن كثير وابو عمرو تقبل بالتاء ، لأن الشفاعة مؤنثة . وقرأ الباقون بالياء على التذكير ، لأنها بمعنى الشفاعة . وقال الأخفش : حسن التذكير ، لأنك قد فرقت ، كما تقدم في قوله : "فتلقى آدم من ربه كلمات" .
السادسة : قوله تعالى : "ولا يؤخذ منها عدل" أي فداء . والعدل ( بفتح العين ) : الفداء ، و ( بكسرها ) : المثل ، يقال : عدل وعديل للذي يماثلك في الوزن والقدر . ويقال عدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدراً وإن لم يكن من جنسه . والعدل ( بالكسر ) هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه . وحكى الطبري : أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية . فأما واحد الأعدال فبالكسر لا غير .
قوله تعالى : "ولا هم ينصرون" أي يعانون . والنصر : العون . والأنصار : الأعوان ، ومنه قوله : "من أنصاري إلى الله" أي من يضم نصرته إلى نصرتي . وانتصر الرجل : انتقم . والنصر : الإتيان ، يقال : نصرت أرض بني فلان : أتيتها ، قال الشاعر :
‌‌‌إذا دخل الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري أرض عامر‌‌‌‌
والنصر : المطر ، يقال : نصرت الأرض : مطرت . والنصر العطاء ، قال :‌‌‌
‌‌إني وأسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصرا نصرا‌‌
وكان سبب هذه الآية فيما ذكروا أن بني إسرائيل قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه وابناء انبيائه وسيشفع لنا آباؤنا ، فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل فيه الشفاعات ولا يؤخذ فيه فدية . وإنما خص الشفاعة والفدية والنصر بالذكر ، لأنها هي المعاني التي آعتادها بنو آدم ، فإن الواقع في الشدة لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدى .
لما ذكرهم تعالى بنعمه أولاً، عطف على ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة، فقال: "واتقوا يوماً" يعني يوم القيامة "لا تجزي نفس عن نفس شيئاً" أي لا يغني أحد عن أحد، كما قال "ولا تزر وازرة وزر أخرى": وقال " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " وقال: "يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً" فهذا أبلغ المقامات أن كلاً من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الاخر شيئاً، وقوله تعالى: "ولا يقبل منها شفاعة" يعني من الكافرين كما قال: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" وكما قال عن أهل النار " فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم " وقوله تعالى: "ولا يؤخذ منها عدل" أي لا يقبل منها فداء ، كما قال تعالى: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به" وقال: "إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم" وقال تعالى: "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها" وقال: "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم" الاية. فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه، ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً، كما قال تعالى: "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة" وقال: "لا بيع فيه ولا خلال" قال سنيد: حدثني حجاج حدثني ابن جريج قال: قال مجاهد: قال ابن عباس: "ولا يؤخذ منها عدل" قال: بدل، والبدل: الفدية، وقال السدي أما عدل فيعدلها من العدل يقول: لو جاءت بملء الأرض ذهباً تفتدى به ما تقبل منها، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله: "ولا يقبل منها عدل" يعني فداء، قال ابن أبي حاتم، وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك، وقال عبد الرزاق: أنبأنا الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه في حديث طويل، قال: والصرف والعدل التطوع والفريضة، وكذا قال الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة عن عمير بن هانئ وهذا القول غريب ههنا، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الاية، وقد ورد حديث يقويه وهو ما قال ابن جرير: حدثني نجيح بن إبراهيم حدثنا علي بن حكيم حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن عليه الثناء ، قال: قيل يارسول الله، ما العدل ؟ قال "العدل الفدية" وقوله تعالى: "ولا هم ينصرون" أي ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه، ولا يقبل منهم فداء، هذا كله من جانب التلطف، ولا لهم ناصر من أنفسهم ولا من غيرهم، كما قال: "فما له من قوة ولا ناصر" أي أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذ، ولا يخلص منه أحد، ولا يجير منه أحد، كما قال تعالى: "وهو يجير ولا يجار عليه" وقال: " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد " وقال: " ما لكم لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون " وقال: "فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة بل ضلوا عنهم" الاية، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: " ما لكم لا تناصرون " مالكم اليوم لا تمانعون منا، هيهات ليس ذلك لكم اليوم، قال ابن جرير: وتأويل قوله: "ولا هم ينصرون" يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر كما لا يشفع لهم شافع، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية، بطلت هنالك المحاباة، واضمحلت الرشى والشفاعات، وارتفع من القوم التناصر والتعاون، وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيئة مثلها، وبالحسنة أضعافها، وذلك نظير قوله تعالى: " وقفوهم إنهم مسؤولون * ما لكم لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون "
وقوله: 48- "واتقوا يوماً" أمر معناه الوعيد، وقد تقدم معنى التقوى. والمراد باليوم يوم القيامة: أي عذابه. وقوله: "لا تجزي نفس عن نفس شيئاً" في محل نصب صفة ليوم، والعائد محذوف. قال البصريون في هذا وأمثاله تقديره فيه. وقال الكسائي هذا خطأ، بل التقدير لا تجزيه. لأن حذف الظرف لا يجوز، ويجوز حذف الضمير وحده. وقد روي عن سيبويه والأخفش والزجاج جواز الأمرين. ومعنى: لا تجزي لا تكفي وتقضي، يقال: جزا عني هذا الأمر يجزي: أي قضى، واجتزأت بالشيء أجتزي: أي اكتفيت، ومنه قول الشاعر:
فإن الغدر في الأقوام عار وإن الحر يجزى بالكراع
والمراد أن هذا اليوم لا تقضي نفس عن نفس شيئاً ولا تكفي عنها، ومعنى التنكير التحقير: أي شيئاً يسيراً حقيراً، وهو منصوب على المفعولية أو على أنه صفة مصدر محذوف: أي جزاء حقيراً والشفاعة مأخوذة من الشفع وهو الاثنان، تقول استشفعته: أي سألته أن يشفع لي: أي يضم جاهله إلى جاهك عند المشفوع إليه ليصل النفع إلى المشفوع له، وسميت الشفعة لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك. وقد قرأ ابن كثير وأبو عمر وتقبل بالمثناة الفوقية لأن الشفاعة مؤنثة، وقرأ الباقون بالياء التحتية لأنها بمعنى الشفيع. قال الأخفش: الأحسن التذكير. وضمير منها يرجع إلى النفس المذكورة ثانياً: أي إن جاءت بشفاعة شفيع، ويجوز أن يرجع إلى النفس المذكورة أولاً: أي إذا شفعت لم يقبل منها. والعدل بفتح العين: الفداء وبكسرها: المثل. يقال: عدل أي إذا شفعت لم يقبل منها. والعدل بفتح العين: الفداء وبكسرها: المثل. يقال: عدل وعديل للذي ماثل في الوزن والقدر. وحكى ابن جرير أن في العرب من يكسر العين في معنى الفدية. والنصر: العون، والأنصار: الأعوان، وانتصر الرجل: انتقم، والضمير أي هم يرجع إلى النفوس المداول عليها بالنكرة في سياق النفي، والنفس تذكر وتؤنث.
48. " واتقوا يوماً " واخشوا عقاب يوم " لا تجزي نفس " لا تقضي نفس " عن نفس شيئاً " أي حقاً لزمها وقيل: لا تغني، وقيل: لا تكفي شيئاً من الشدائد " ولا يقبل منها شفاعة " قرأ ابن كثير و يعقوب بالتاء لتأنيث الشفاعة، وقرأ الباقون بالياء لأن الشفع والشفاعة بمعنى واحد كالوعظ والموعظة، فالتذكير على المعنى، والتأنيث على اللفظ، كقوله تعالى: " قد جاءتكم موعظة من ربكم " (57-يونس) وقال في موضع آخر " فمن جاءه موعظة من ربه " (275-البقرة) أي لا تقبل منها شفاعة إذا كانت كافرة " ولا يؤخذ منها عدل " أي فداء وسمي به لأنه مثل المفدي. والعدل: المثل " ولا هم ينصرون " يمنعون من عذاب الله.
48-" واتقوا يوماً " أي ما فيه من الحساب والعذاب .
" لا تجزي نفس عن نفس شيئا " لا تقضي عنها شيئاً من الحقوق ، أو شيئاً من الجزاء فيكون نصبه على المصدر ، وقرئ لا " تجزي " من أجزأ عنه إذا أغنى وعلى هذا تعين أن يكون مصدراً ، وإيراده منكراً مع تنكير النفسين للتعميم و الإقناط الكلي والجملة صفة ليوماً ، والعائد فيها محذوف تقديره لا تجزي فيه ، ومن لم يجوز حذف العائد المجرور قال اتسع : فيه فحذف عنه الجار وأجري مجرى المفعول به ثم حذف كما حذف من قوله : أم مال أصابوا .
" ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل " أي من النفس العاصية ، أو من الأولى ، وكأنه أريد بالآية نفي أن يدفع العذاب أحد عن أحد من كل وجه محتمل ، فإنه إما أن يكون قهراً أو غيره ، والأول النصرة ، والثاني إما أن يكون مجاناً أو غيره . والأول أن يشفع له والثاني إما بأداء ما كان عليه وهو أن يجزي عنه ، أو بغيره وهو أن يعطى عنه عدلاً . والشفاعة من الشفع كأن المشفوع له كان فرداً فجعله الشفيع شفعاً بضم نفسه إليه ، العدل الفدية . وقيل : البدل وأصله التسوية سمي به الفدية لأنها سميت بالمفدى ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو ولا تقبل بالتاء .
" ولا هم ينصرون " يمنعون من عذاب الله ، والضمير لما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفس من النفوس الكثيرة ، وتذكيره بمعنى العباد . أو الأناسي والنصر أخص من المعونة لاختصاصه بدفع الضر . وقد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر ، وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة ، ويؤيد أن الخطاب معهم ، والآية نزلت رداً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم .
48. And guard yourselves against a day when no soul will in aught avail another, nor will intercession be accepted from it, nor will compensation be received from it, nor will they he helped.
48 - Then guard yourselves against a day when one soul shall not avail another nor shall intercession be accepted for her, nor shall compensation be taken from her, nor shall anyone be helped (from outside).